3 سيناريوهات جديدة للحماية الاجتماعية
3 سيناريوهات جديدة للحماية الاجتماعية
قد وضعت جائحة كورونا أشكال الحماية الاجتماعية التقليدية محل اختبار. واليوم تقف السياسات الاجتماعية عالماً أمام مفترق طرق، بعد أن فشلت برامج المساعدات التقليدية في حماية الفئات الأكثر هشاشة والأكثر فقرًا من المخاطر الاقتصادية. الأمر الذى دفع كبرى المؤسسات الاقتصادية والتنموية فى العالم إلى الحديث عن “الدخل الأساسي الشامل” الذى يستهدف توفير دخل ثابت لجميع المواطنين بلا استثناء؛ لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وذلك بهدف تقليل معدل اللامساواة بين الناس، مع إعطاء أولوية فى الحماية للفئات الأكثر تعرضًا للمخاطر، مثل العمالة غير الرسمية وكبار السن والمتعطلين عن العمل.
الدخل الأساسي الشامل
ونظام الدخل الأساسي الشامل “UBI” هو عبارة عن مبلغ ثابت تقدمه الدولة لجميع مواطنيها، دون استثناء، وبصرف النظر عن الدخل أو المركز الوظيفي. ووفق هذا السياق فثمة مقترحات عدة للتطبيق.. فحين يرى البعض قيام الدولة بصرف هذه المبالغ بشكل أسبوعي أو شهري. فإن هناك من يرى منح المواطن المبلغ كاملاً بمجرد أن يبلغ ِسنُهُ الـ 18 عام. ويختلف المبلغ من بلد لآخر إلا أن الثابت أن المبلغ يكون بقدر متوسط الاحتياجات الأساسية للفرد في بلد معين.
ويسمى هذا النظام بعدة أسماء منها الدخل الأساسي غير المشروط، ودخل المواطن ونظام التأمين الأساسي. وبرغم أن هذا النظام قد يبدو اشتراكياً نوعاً ما، إلا أنه من الغريب أن يكون أكثر داعميه من الطبقة الرأسمالية! وحين يرى البعض ضرورة تطبيق النظام لإعادة توزيع الثروة، وإعادة التوازن المفقود، وأنه يُعد أرضية جيدة لتحقيق الأمن الإقتصادي، الذي يمنح الناس فرصة لمواصلة التعليم والتدريب والتخطيط للمستقبل. فإن هناك من يرى أن دفع المال للناس دون عمل يدفعهم إلى عدم العمل!
الحد من الفقر
أما فيما يتعلق بالوضع المصرى فقد قام صندوق النقد الدولي بعمل حسبة لتطبيق الدخل الأساسي الشامل في مصر طرح فيها ثلاثة سيناريوهات للحد من الفقر.. كان الدخل الأساسي الثابت أو الشامل هو بيت القصيد فيها. وبالرغم من أن المبلغ المالى المقرر للدخل الأساسي المقترح أو المحسوب فى السيناريوهات الثلاثة ضعيف. وأن تكلفة منحه للمواطنين ليست كبيرة؛ إلا أنه يساهم بقوة فى خفض معدلات الفقر بشكل ملحوظ، علماً بأن تطبيق “الدخل الأساسي الشامل” ليس بديلا لبرامج الحماية الاجتماعية الأخرى بل ربما مكملاً لها.
ففى السيناريو الأول تقوم الدولة بمنح المواطنين جميعاً مبلغاً مالياً مقطوعاً قدره 725 جنيه سنوياً.. ولا تتجاوز تكلفة هذا السيناريو 3.5% من اجمالي الناتج المحلي. ورغم ضآلة المبلغ إلا أنه يساهم فى خفض نسبة الفقر بمعدل 4.1%، كما أنه يساهم فى الحد من اللامساواة بنسبة 6 نقاط على معدل جيني.
أما السيناريو الثاني فيقوم على توجيه نفس المبلغ إلى فئات الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الـ 17 سنة.. وعادة ما يساهم هذا الخيار فى خفض نسبة الفقر بمعدل 5.6%، ولا تتجاوز تكلفته 1.3 % من اجمالى الناتج المحلي.
وفى السيناريو الثالث يصرف الدعم أو الدخل الأساسي للأطفال وكبار السن الذين هم فوق الـ 65 سنة. وتبلغ تكلفة هذا السيناريو 1.5% من الناتج المحلى. ويساهم هذا الخيار فى خفض معدل الفقر بنسبة 6.1%. ويمكن تطبيق “الدخل الأساسي الشامل” بالتدريج ما بين الفئات السكانية المختلفة، وكذلك بين المناطق الجغرافية المتباينة.
برامج الحماية الاجتماعية
ولعل هذه السيناريوهات جميعاً تدفعنا إلى التفكير خارج الصندوق وإعادة النظر فى البرامج التقليدية للحماية الاجتماعية التي تعتمد على الدعم النقدي المشروط أو غير المشروط.. والتأكيد على أن هذه البرامج لا تحد من الفقر، بل يقتصر دورها على الحفاظ على بقاء الفقراء على قيد الحياة.. وأن الاستمرار في تقديم الدعم النقدي لفترة تتجاوز الثلاث سنوات هو مؤشر سلبى، يؤكد على قصور برامج الحماية الاجتماعية في تخليص الفقراء من الفقر.. وأن المواجهة الحقيقية للفقر تكمن في تكريس ثقافة العمل والإنتاج وتوفير كافة السبل التي تدفع إليه.. من خلال استبدال برامج الدعم النقدي ببرامج لتوفير وسائل وأدوات الإنتاج للفقراء. ولعل هذا الاتجاه أصبح المسار الذى تنتهجه بقوة الحكومة المصرية منذ بداية تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى .
[email protected]