المرصدتقاريررئيسيعاجل

لماذا ينتحرون ؟

منظمة الصحة العالمية؛ يموت شخص كل 40 ثانية منتحرًا

كتب : محمد رزق 

قضية جديدة هزت مشاعر الجماهير في مصر، بعد أن تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق لحظة انتحار فتاة في مول سيتي ستارز. الفيديو الذي انتشر بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي أثار صدمة عنيفة لدى الرأي العام؛ حيث أظهر اللحظات الأخيرة للفتاة التي كانت تتجول في مول سيتي ستارز، ثم قررت أن تلقي بنفسها من الطابق السادس بالمول؛ لتلفظ أنفاسها الأخيرة عقب وصولها إلى المستشفى. 

قالت صديقة الفتاة -عند استجواب أجهزة الأمن لها- إنها كانت بصحبة الفتاة المنتحرة داخل أحد الكافيهات بمول سيتي ستارز حتى الساعة الخامسة مساء الأربعاء، وانصرفت وتركتها بمفردها، وأضافت في تصريحات صحفية لها أنها أخبرتها برغبتها في الانتحار؛ لكنها لم تأخذ كلامها على محمل الجد.

الفتاة كانت تعاني من الاكتئاب:

كشفت المعلومات الأولية أن الفتاة تبلغ من العمر 23 عامًا، وأنها طالبة بالفرقة الرابعة بكلية طب الاسنان وتقيم في التجمع الأول. الفتاة كانت تعاني من اكتئاب شديد أدى إلى سوء حالتها النفسية؛ وذلك بسبب شعورها بالاضطهاد جراء سوء معاملة أسرتها لها؛ بسبب خلافات بينهما. والد الفتاة جراح شهير بمدينة نصر، عمره 60 عامًا؛ وقد اصطحب الأب الابنة في هذا اليوم إلى مول سيتي ستارز محاولاً إخراجها من حالة الاكتئاب التي تعاني منها، وتركها برفقة صديقتها وذهب إلى عيادته القريبة من المكان. وقد ناقشت أجهزة الأمن والد الفتاة المنتحرة الذي أرجع إقدام ابنته على الانتحار إلى قيامه بالتضييق عليها من الخروج من المسكن عن الحد الطبيعي.

لماذا ينتحر شخص كل 40 ثانية حول العالم؟

حادثة فتاة المول لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة؛ فحالات اليأس والاكتئاب، والضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية؛ أسباب شائعة لإقدام مئات الآلاف من الضحايا -عبر العالم- على الانتحار. ووفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية؛ يموت شخص كل 40 ثانية منتحرًا، ومقابل كل شخص منتحر؛ يوجد أكثر من 20 شخصًا حاولوا الانتحار، وتقول المنظمة في أحدث تقرير لها إن 703000 آلاف شخص يضعون نهاية لحياتهم في كل عام؛ لكن الأرقام الحقيقية لحالات الانتحار بالطبع هي أكبر من ذلك بكثير. وتخلف كل حالة انتحار مأساة تؤثر على الأسر والمجتمعات والبلدان بأكملها، وتترتب عنها آثار طويلة الأمد على ذوي الشخص المنتحر. ويحدث الانتحار في أي مرحلة من مراحل العمر، وقد صنف الانتحار في عام 2019 كرابع أهم سبب للوفاة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عامًا على الصعيد العالمي.

ولا يحدث الانتحار في البلدان مرتفعة الدخل فحسب؛ بل هو ظاهرة تحدث في جميع أقاليم العالم. والواقع أن أكثر من 79% من حالات الانتحار العالمية في عام 2019 حدثت في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

لكن ماهو الانتحار وما هي أساليبه؟

التعريف الذي تعتمده المنظمة للانتحار هو “القتل العمد للنفس”، ويتكون السلوك الانتحاري من عدة خطوات؛ تشمل التفكير في الانتحار، ثم التخطيط له، ثم التنفيذ الذي قد يؤدي إلى الوفاة أو لا يؤدي، ووفق الإحصائيات التي تم تحديثها مؤخرًا؛ فإن هناك 20 شخصًا حاولوا الانتحار مقابل كل شخص تمكَّن من الانتحار بالفعل.

ووفق تقرير لمنظمة الصحة العالمية فإن 20% من حالات الانتحار العالمية تكون بالتسمم جراء تناول المبيدات؛ حيث تقع تلك الحالات في المناطق الزراعية الريفية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ومن أساليب الانتحار الأخرى الشائعة قتل النفس شنقًا، أو بإطلاق أعيرة نارية.

ومن ثم فإن من المهم معرفة أكثر طرق الانتحار شيوعًا؛ من أجل وضع استراتيجيات لتنفيذ طرق أثبتت فعاليتها في الوقاية من الانتحار؛ مثل تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار.

من هم المعرضون للانتحار؟

على الرغم من ثبوت الصلة بين الانتحار وبين الاضطرابات النفسية (خاصة الاكتئاب والاضطرابات الناجمة عن تعاطي الكحول) في البلدان المرتفعة الدخل؛ فإن كثيرًا من حالات الانتحار تحدث باندفاع في لحظات الأزمة؛ عندما تنهار قدرة المرء على التعامل مع ضغوط الحياة؛ مثل المشاكل المالية، أو الانفصال أو الطلاق أو الآلام والأمراض المزمنة.

إضافة إلى ذلك؛ فإن ثمة صلة قوية بين النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو فقد الأحبة والشعور بالعزلة وبين السلوك الانتحاري. وترتفع معدلات الانتحار كذلك بين الفئات الضعيفة التي تعاني من التمييز؛ مثل اللاجئين والمهاجرين، والشعوب الأصلية، والمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي، ومغايري الهوية الجنسانية، وحاملي صفات الجنسين، والسجناء.

معدلات الانتحار فى مصر ؟

يقول تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في سبتمبر عام 2018 إن مصرهي الأولى عربيًّا في عدد حالات الانتحار، متقدمة بذلك على الدول التي تشهد نزاعات مسلحة وحروبًا أهلية.

وقد ذكرت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات (هي منظمة مصرية غير حكومية) في تقرير لها صدر العام الماضي إن هناك “تزايدًا في عدد حالات الانتحار”؛ إذ تم تسجيل أكثر من 150 حالة انتحار منذ مطلع عام ٢٠١٩، معظمهم من الشباب في الفئة العمرية ما بين 25 و30 عامًا.

وأشارت إحصائيات أصدرتها منظمة الصحة العالمية عام 2016 إلى أن معدلات الانتحار سجلت 3799 منتحرًا في مصر في ذلك العام.

ووفقًا للمسح القومي للصحة النفسية الذي أجرته وزارة الصحة المصرية عام 2018؛ فإن سبعة في المائة من المصريين البالغ تعدادهم نحو مائة مليون نسمة؛ يعانون أمراضًا نفسية أغلبها يظهر في شكل اضطرابات مزاجية؛ لاسيما اضطراب الاكتئاب الجسيم، يليه الإدمان، ثم القلق والتوتر، ثم الفصام ، كما أن نسبة 24.7 في المائة من المصريين لديهم مشاكل وأعراض نفسية متعددة.

آليات مواجهة حالات الانتحار:

في القانون المصري لا تعد محاولة الانتحار جريمة؛ إنما يجرم قتل الغير فقط. أما من يساعد المنتحر على الانتحار؛ فيخضع للمساءلة باعتباره فاعلاً أصليًّا في جريمة قتل. ودشنت منظمات حكومية وأهلية في مصر حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لمناهضة الانتحار.

وقد لوحظ خلال الأعوام الماضية -خاصة في عام 2019- ارتفاع حالات الانتحار من قبل الشباب على قضبان مترو الأنفاق؛ الأمر الذي دفع الهيئة المسئولة عن إدارة وتشغيل المترو إلى مناشدة المواطنين عدم الإقدام على هذا الأمر .

من ناحيتها أطلقت الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان التابعة لوزارة الصحة المصرية مبادرة بعنوان “حياتك تستاهل تتعاش” فى أبريل من عام 2019؛  للتوعية في محطات مترو الأنفاق، ومواجهة الأفكار الانتحارية التي يمكن أن تكون لدى البعض.

توصيات 

لاشك أن الجميع مدان ومسئول عن ظاهرة الانتحار، بدءًا من الشخص المنتحر، والأسرة، والحكومة، وعلماء الدين، والدراما، والإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، والأصدقاء؛ فلكل دوره في حماية مَن يفكر في الانتحار، بل وأحيانا يكون هؤلاء هم السبب في تفكيره في الانتحار؛ لذلك لابد من مراعاة التالي:

  • تأكيد دور الأسرة؛ فهي خط الدفاع الأول للحماية من الانتحار؛ عبر احتواء الأبناء ودعمهم، لاسيما في أوقات الأزمات، وإشباعهم نفسيًّا وعاطفيًّا.
  • يأتي دور المدرسة مكملاً لدور الأسرة؛ عبر تعزيز ممارسة الأنشطة والهوايات، ثم يأتي دور علماء الدين في التوعية بأهمية الحفاظ على النفس وعدم اليأس.
  • الحكومة مسئولة مسئولية مباشرة عن معاناة الشباب في الحصول على فرص عمل وتوفير حياة كريمة، فضلاً عن تحقيق العدالة.


  • تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار؛ مثل مبيدات الآفات، والأسلحة النارية، وبعض الأدوية).
  • التواصل مع وسائل الإعلام لعرض مواد إعلامية مسئولة للتوعية بشأن الانتحار وقتل النفس. 
  • تعزيز مهارات الحياة الاجتماعية والعاطفية لدى المراهقين.
  • التعرف مبكرًا على الأفراد الذين يظهرون سلوكيات انتحارية، وتقييم حالتهم وإدارتها ومتابعتها.
  • وضع استراتيجية وطنية  شاملة متعددة القطاعات للوقاية من الانتحار.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى