تقاريرتقدير موقفرئيسيعاجل

المشردون فى أمريكا.. الوجه الآخر لأكبر اقتصاد فى العالم

تقارير رسمية :حوالي 580 ألف شخص في الولايات المتحدة يعانون من التشرد

 

كتبت: هدى عبد الغفار 

لأمريكا وجهان..وجه تصدره للعالم كحامي حمى حقوق الإنسان والمدافع الأول عن الكرامة الإنسانية والمنادي  بمساعدة المشردين بالعالم، في حين أن لها وجه آخر يعكس عالما مختلفا تماما عما تزعمه..فأغنى دولة فى العالم تضم أعلى نسبة مشردين من النساء والأطفال، تسلب حقوق الإنسان وحريته، ولا توفر مأوى للمشردين الذين أصبحوا يعيشون على هامش المجتمع وينتشرون فى كل مكان، يُصارعون الحياة أملا فى إيجاد مأوى في بلد يبدو البقاء فيه للأغنى فقط.

إن التشرد ظاهرة تنتشر فى كل دول العالم وتسعى الحكومات للسيطرة عليها، إلا أنها فى أمريكا خرجت عن نطاق السيطرة، وبلغت أعداد المشردين أرقاما قياسية، وأصبحت خيام المشردين منتشرة فى الشوارع والأنفاق والحدائق العامة، بل إن معظمهم  يتخذ من عربات القطار وصناديق القمامة مأوى لهم. وحيال ذلك، عجزت سلطات المدن عن القضاء على هذه الظاهرة، ولا يجد المتشردون يد العون إلا من خلال مساعدات محدودة وخجولة من جمعيات خيرية ودينية مستقلة.

تقرير تقييم المشردين السنوي (AHAR)

تزعم وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأمريكية ( HUD ) فى تقرير تقييم المشردين السنوي(AHAR) لعام 2020،  أن حوالي 580 ألف شخص في الولايات المتحدة يعانون من التشرد،  61٪ منهم يقيمون في ملاجئ، بينما 39٪ بلا مأوى حيث يقيمون في أماكن غير محمية مثل الشوارع، والمباني المهجورة ، أو في أماكن أخرى لا تصلح لسكن الإنسان. 

وبحسب تقرير”HUD ” ، فإنه للسنة الرابعة على التوالى تشهد معدلات التشرد زيادة، حيث بلغت نسبة الزيادة 2% بين عامي 2019 و 2020 ، وبلغت نسبة زيادة المتشردين ممن لا مأوى لهم 7%، ويعاني ما يقرب من 6 من كل 10 أشخاص من  عدم وجود مأوى وذلك فى المناطق الحضرية، كما أنه ولأول مرة منذ البدء فى التقييم من قبل الوزارة الفيدرالية يتم رصد زيادة كبيرة فى عدد العائلات التى لديها أطفال فى الشوارع والميادين بلغت 13%.

كما رصد تقرير 2020 زيادة فى نسبة عدد المشردين من قدامى المحاربين بين عامي 2019 و 2020 ،وصلت 6%، فضلا عن زيادة فى عدد المشردين من فئة الشباب وصلت لنحو 34 ألف شخص تحت سن 25 يعانون من التشرد،90٪ تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا، 75% ذكور مقابل 25% إناث.

وكشف التقرير عن زيادة هائلة فى أعداد المشردين من الأمريكيين من أصل إفريقي حيث وصلت نسبتهم لـ 39 % من إجمالي أعداد المشردين، و 53 % من أفراد الأسر التي لديها أطفال، علما بأنهم يمثلون 12% من إجمالي سكان الولايات المتحدة. وفي المقابل ، وان نحو 48 % من حجم المشرديين وفقا لتقرير HUD هم من الأمريكيين البيض، علما بأن السكان البيض  يمثلون 74 % من اجمالي السكان في أمريكا  كما أن نسبة المشردين من أصل لاتيني وصلت حوالي 23% من السكان المشردين، فى حين أنهم يمثلون 16 % فقط من السكان بشكل عام.

وهكذا يتضح من التقرير الرسمي بما لا يدعو مجالا للشك، ارتفاع معدلات التشرد بين فئات المجتمع الأمريكي المختلفة، خاصة الأقلية العرقية فهي المهددة الأكثر بالتشرد فى أمريكا، والمعرضة للمعاملة القاسية واللاإنسانية.  

تناقض كبير بين تعداد المشردين الفعلي والإحصاءات الرسمية

ويتبين لنا، وفق تقاريرلبعض الصحف الأمريكية والمؤسسات الحقوقية، أن أعداد المشردين الفعلية حاليا فى الولايات المتحدة الأمريكية تتجاوز الملايين، مما يعكس التناقض الكبير بين تعداد المشردين الفعلي وإحصاءات الوزارة الفدرالية، حيث أصبح جليا أن ظاهرة التشرد تزداد سنويا فى معظم مدن الولايات المتحدة الأمريكية بنسب وصلت لـ40% عام 2017 وعام 2019، مما يجعل أمريكا تضم أعلى نسب مشردين فى العالم. 

أفاد تقرير نشر على موقع صحيفةLos Angeles Times  عام 2019 ، أن قرابة 8 ملايين أمريكي فقدوا منازلهم خلال الركود الاقتصادي وفي أعقابه، كما نُشر تقرير فى 2020 عن تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الأمريكي، وفقد ملايين الأمريكيين لوظائفهم، والذى يؤكد أن المشردين في الولايات المتحدة قد يزيد عددهم بنسبة 45 % خلال عام.

وبحسب تقرير المركز الوطني لتعليم المشردين، فإن نسبة الطلاب الذين يعيشون بلا مأوى شهدت زيادة بلغت 140 % ، حيث إن أكثر من مليون ونصف طالب في المدارس العامة في الولايات المتحدة قالوا إنهم مشردون وبلا مأوى.

كما أصدرت هيئة خدمات المشردين في لوس أنجلوس نتائج إحصاء المشردين في لوس أنجلوس الكبرى لعام 2019، والذي أظهر أن 58936 شخصا في مقاطعة لوس أنجلوس يعانون التشرد، بارتفاع بلغ 12%مقارنة مع العام 2018. ومن جانبها ذكرت شبكة CNN “ ” أن ارتفاع نسبة التشرد في مقاطعات مجاورة كان بذات القدر. 

اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء

وأكد التقرير الذى أصدرته الصين عن وضع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة خلال عام 2020 ، اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث يعيش الفقراء أوضاعا بائسة زاد وباء كورونا من حدتها، ويواجه خطر الجوع واحد من كل ستة أمريكيين وطفل من كل أربعة أطفال أمريكيين، مما فاقم من مستويات التشرد فى كافة أنحاء الولايات الأمريكية. 

الأسباب وراء تفاقم أزمة المشردين

ووفق دراسات أجرتها العديد من المنظمات الأمريكية، ومنها  منظمة التحالف من أجل المتشردين، فإن هناك العديد من الأسباب التى أدت إلى ارتفاع أعداد المتشردين  فى شوارع أمريكا وهي:

  • الطرد من المنازل لعدم القدرة على دفع الإيجار جراء ارتفاع الأسعار وتدني الأجور(يجب على الأفراد العمل نحو 127 ساعة أسبوعيا، للحصول على الحد الأدنى من الأجور الذى يسمح لهم باستئجار منزل صغير، ويحتاج المستأجرون في لوس أنجلوس إلى حد أدنى أعلى بمقدار 2.8 مرة من الأجور لتحمل متوسط ​​الإيجار الشهري البالغ 2182 دولارًا).
  • عدم وجود مشاريع إسكان حضري كافية لتوفير سكن آمن ومضمون وبأسعار معقولة للمحرومين مالياً.
  • ارتفاع معدلات البطالة إلى 14.7 في المئة، مع فقدان 20.5 مليون وظيفة جراء تفشي فيروس كورونا.
  • تعرض الآلاف من المحاربين القدامى الذين خدموا في الجيش الأمريكي وشاركوا فى حرب العراق وأفغانستان لانهيارات عصبية، وعدم توفير سكن آمن ومناسب لهم. 
  • رفض العديد من الملاجىء قبول المتشردين بسبب قواعد التباعد الاجتماعي فى ظل جائحة كورونا.
  • أسباب عائلية وتعنيف أُسري، وآخر دراسة أجراها مركز التقدم الأمريكي عام أظهرت أن عددًا كبيرًا من الشباب المشردين (بين 20-40٪) هم من المثليين والمتحولين جنسيًا.
  • الافتقار لشبكات الأمان الاجتماعي، وصعوبة الحصول على إعانات.
  • حذف برامج المعاشات التقاعدية ومستحقات العاطلين عن العمل
  • المعاناة من ضغوط نفسية متزايدة، مع عدم توافر خدمات التأمين على الصحة النفسية لأعداد كبيرة من الأشخاص. 
  • ما يقرب من نصف الأطفال بالتبني في الولايات المتحدة يصبحون بلا مأوى عندما يتم إطلاق سراحهم من الحضانة في سن 18

وتتفاوت معدلات التشرد من ولاية إلى أخرى، وذلك وفقا لحجم السكان العام للولايات ، وتكلفة المعيشة ، والقوانين والسياسات التي تضعها السلطات، وتضم كاليفورنيا ونيويورك وفلوريدا وواشنطن أعلى أعداد للمتشردين فى جميع أنحاء أمريكا. 

معاناة المشردين تتفاقم ومؤسسات حقوقية تندد

ومن جانبها، سلطت العديد من الصحف الأمريكية الضوء على الأوضاع المتردية التى يعيش فيها المتشردون فى أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية والتى تعد أسوأ من تلك الموجودة فى دول العالم الثالث،حيث العيش في العراء فى مخيمات مؤقتة أو على حصر كرتونية على جوانب الطرق، والمعاناة من ظروف الطقس المختلفة، وعدم جود مياه جارية، ومراحيض، وصناديق قمامة، والتعرض للاغتصاب واعتداءات المجرمين وسط انتشار المخدرات، والأمراض المعدية مثل السل والإيدز والالتهاب الكبدي وغيرها.

ليس هذا فحسب، بل تمادت السلطات الأمريكية فى ممارسة مزيد من الانتهاكات بحق المتشردين، حيث استهدفتهم بالسجن، والقتل والصعق بالكهرباء بدلا من التخفيف من حجم معاناتهم، فضلا عن اعتماد الكثير من الولايات الأمريكية العديد من القوانين التى تجرم بشكل مباشر وغير مباشر الأشخاص المشردين والأشخاص الذين يحاولون إطعام المشردين في الهواء الطلق، فالسجن ودفع غرامات مالية كبيرة يكون فى انتظار من يقوم بتوزيع الطعام على المشردين في الحدائق العامة لأن ذلك يُعتبر “جريمة”، مثلما حدث فى ولاية فلوريدا الأمريكية مؤخراً ، وفقا لما نقلته تقارير صحفية.

كما أقرت مدينة لاس فيجاس بولاية نيفادا، قانونا مثيرا للجدل يمنع النوم على الطرق العامة مع غرامة مقدارها 1000 دولار وعقوبة بالسجن تصل إلى 6 أشهر، على أن يسري هذا المنع على الطرق العامة فى وسط لاس فيجاس وحتى الأحياء السكنية، مما أثار موجة عارمة من الاحتجاجات تحت شعار “نريد مساكنا لا أغلالا” “الفقر ليس جريمة”.

وبحسب تقرير صدر عام 2018 عن فيليب ألستون ، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، فإنه تم تجريم المتشردين فعليًا في العديد من المدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة ، وأشار إلى أن “العقاب والسجن الفقراء هم الرد الأمريكي المميز على الفقر في القرن الحادي والعشرين”.

وسلط موقع BBC عام 2019 الضوء على سعي مسئوليين حكوميين في ويست بالم بيتش في ولاية فلوريدا على طرد المشردين من الواجهة البحرية للمدينة من خلال عزف متواصل للموسيقى خلال الليل، الأمر الذى أثار غضب المؤسسات الحقوقية بأمريكا، وعقبت عليه ماريا فوسكارينيس، المديرة التنفيذية للمركز الوطني القانوني للتشرد والفقر، قائلة: “طردهم من خلال الموسيقى الصاخبة أمر غير إنساني ويبعث حقا على الصدمة”.

وعلى صعيد تفاقم ظاهرة التشرد فى أمريكا، ذكر تقرير نشر على موقعSputnik   أن الملايين من الأمريكيين العاطلين عن العمل يواجهون خطر الطرد من منازلهم، بعدما تراكمت عليهم آلاف الدولارات من الإيجارات مستحقة السداد، في ظل التداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا. 

ونقلت  Washington Post ، عن مؤسسية “موديز آنالتيكس” للأبحاث والتحليل، أن “ما يقرب من 12 مليون مستأجر سوف يقعون في عجز يتجاوز الستة آلاف دولار تستحق السداد، فضلا عن تقدير كبير الاقتصاديين في “موديز”، مارك زاندي، بأن المستأجرين في جميع أنحاء البلاد قد يدينون بما مجموعه 70 مليار دولار من الإيجار المتأخر بحلول عام 2021.

ووفق الإعلام الأميركي، فإن مكتب الإحصاء الأميركي وفي دراسة له، وجد أن ما يقرب من 5.8 مليون أميركي يتوقعون بقوة التعرض للطرد من منازلهم في الأشهر المقبلة بسبب عدم قدرتهم على سداد الإيجار المتأخر

ومن جهته، يقدر بنك جولدمان ساكس “Goldman Sachs” أن ما بين 2.5 مليون و3.5 مليون أسرة متخلفة بشكل كبير عن الإيجارات، بسبب 12 مليار دولار إلى 17 مليار دولار لأصحاب العقارات، الأمر الذى يُنبىء بتنامى أعداد المشردين فى أمريكا الأشهر المقبلة.

إن واقع ظاهرة التشرد في الولايات المتحدة أكثر خطورة مما تظهره الدراسات والأبحاث والتقارير، فآخر استطلاع للرأى أجرته الصحيفة الأمريكية Los Angeles Times يظهر أن نحو 74% من الأمريكيين يرون أن قضية المشردين خطيرة للغاية، ولهذا فالأحرى على الإدارة الأمريكية أن تهتم بملف المشردين لديها وتسعى لتحسين ظروف معيشتهم وتوفر السكن بأسعار مناسبة وتقدم إعانات اجتماعية، وتوفر الرعاية الصحية والنفسية والاقتصادية، بدلا من اهتمامها بمشردي العالم، وجعلهم ذريعة للتدخل فى الشئون الداخلية للدول.

وأخيرا، نأمل فى أن يُبدى الجانب الأمريكي اهتماما بمعاناة شعبه، ويوقف انتهاكات حقوق الإنسان لديه، ويتخلى عن سياسة المعايير المزدوجة.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى