غير مصنف

اللاجئون..الواقع والتحديات

مصر نموذج رائد فى استضافة ودمج اللاجئين على أراضيها

كتبت: إيمان كمال

إلى أن تنتهي الحياة على سطح الأرض، ستظل قضية الإنسان وكرامته هى القضية الأسمى والأكثر أهمية، وهى الاختبار الحقيقى لكل المواثيق والمعاهدات التى تُبرمها دول العالم بدعوى الحفاظ على الإنسان وحقوقه، ولكن فى الحقيقة دموع أصغر طفل من اللاجئين الذين فروا قسرا من أوطانهم قادرة على هزيمة كل هذه المواثيق والمعاهدات التى أثبتت – فى كثير من الأحيان – عدم فاعليتها وتطبيقها بشكل واقعى خاصة فيما يتعلق بقضية استقبال اللاجئين واستيعابهم والتعامل معهم.

لطالما زعم المجتمع الأوروبى والأمريكى أنه الأكثر إنسانية وحقوقية وأن كياناته هى القادرة على وضع المواثيق الخاصة بحقوق الإنسان وحمايتها، ولكن حقيقة الأمر أوضحت أن العقد الماضى كشف كذب وزيف هذه الإدعاءات والمزاعم عندما هاجر الملايين من سوريا والعراق وأفغانستان وغيرها من الدول التى يعانى مواطنوها من الاضطهاد أو عدم الاستقرار خاصة الأمنى فى ظل حروب أهلية متنامية، إلى دول أوروبا بهدف الحصول على الأمان وأملا فى حياة أفضل، إلا أن تلك الدول تعاملت مع هؤلاء اللاجئين بمنتهى العنف والقسوة، وقد شاهدنا بأنفسنا تلك الصحفية  – على حدود المجر – وهى تقوم بضرب وطرد اللاجئين، وشاهدنا الشرطة فى بعض الدول تستقبل هؤلاء الفارين قسرا بالهروات والقنابل المسيلة للدموع، وحتى حينما تم استقبال هؤلاء المهاجرين فى بعض المجتمعات الأوروبية تم التعامل معهم بمنتهى العنف والعنصرية، وبشكل يفتقد للآدمية.

لم تعد مشكلة اللاجئين مجرد ظاهرة مؤقتة، بل أضحت أزمة ومشكلة مزمنة يعانى منها الملايين من البشر الذين فقدوا المأوى، ونزحوا من أوطانهم ليعانون من التشرد والشتات. وانطلاقا من أهمية هذه المشكلة المتنامية، يسلط هذا التقرير المعلوماتي الضوء على ما هو المقصود باللاجىء، وطالب اللجوء والفرق بينه وبين المهاجر، وماهي أسباب اللجوء وحقوق اللاجئين، وكيف بدأت أزمة اللاجئين فى الظهور، ومعاناة المسلمين من اللاجئين وطالبي اللجوء. كما يبرز التقرير  سياسات التعامل الدولي مع أزمة اللاجئين عامة، وسياسة مصر تجاه اللاجئين خاصة.

من هو اللاجىء؟

هناك الكثير من التعريفات الدولية والإقليمية لمفهوم اللجوء الى وطن جديد أو اللجوء بشكل عام ، ولكن إتفاقية الأمم المتحدة التى تم إبرامها عام 1951 بعد عدة إضافات لبنودها تتفق مع الظروف السياسية التى كانت تمر بها دول القارة الإفريقية آنذاك عرفت اللاجىء على أنه ” أى شخص بسبب عدوان أو اضطهاد أو احتلال خارجى أو سيطرة أجنبية أو أحداث تخل بشدة بالنظام العالمى إما فى جزء أو كل من الدولة التى ينتمى اليها بأصله أو جنسيته أجبر على ترك مكان إقامته المعتادة للبحث عن مكان آخر خارج دولة أصله أو جنسيته”.

الفرق بين طالب اللجوء والمهاجر

قد يخلط البعض بين مفهوم اللاجىء وطالب اللجوء، والمهاجر،غير أن منظمة العفو الدولية عرفت طالب اللجوء على أنه: “الشخص الذي غادر بلده سعياً وراء الحصول على الحماية من الاضطهاد والانتهاكات الخطيرة لحقوقه الإنسانية في بلد آخر، ولكن لم يتم بعد الاعتراف به كلاجئ رسمياً، وينتظر البت بشأن طلبه للجوء. وطلب اللجوء حق إنساني. وهذا يعني أنه ينبغي السماح لكل شخص بدخول بلد آخر لالتماس اللجوء”.

وكثيراً ما يُستخدم تعبيرا “مهاجر” و”لاجئ” ليعني كل منهما الآخر، ولكن من المهم التمييز بينهما نظراً للفارق القانوني لوضع كل منهما، فالمهاجرون يُقصد بهم الأشخاص المقيمون خارج بلدانهم الأصلية، من غير طالبي اللجوء أو اللاجئين.فبعض المهاجرين يغادرون بلدانهم سعياً وراء العمل أو الدراسة، أو للالتحاق بعائلاتهم، على سبيل المثال.

أسباب اللجوء فى القانون الدولي

أوضح القانون الدولي أن حالات اللجوء عادة ما تعود للأسباب التالية :

  • هروب الأشخاص وبحثهم عن ملجأ بسبب الحروب الأهلية.
  • الخرق السافر لحقوق الإنسان.
  • الاحتلال أو العدوان الخارجى.
  • الخوف من الاضطهاد بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو الرأي.
  • الفقر والمجاعات والأمراض.
  • – الكوارث الطبيعية.
  • فقدان الجنسية

كيف بدأت أزمة اللاجئين فى الظهور؟

بدأت مشكلة اللاجئين فى الظهور على الساحة الدولية منذ بدايات القرن العشرين، وأصبح يُنظر لها على أنها ظاهرة کونية ضحاياها بالملايين، إلى أن أصبحت هذه المشكلة تشكل تحديا حقيقيا أمام الدول والحكومات خاصة فى أوروبا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية وفى بعض الدول الإفريقية أيضا، بسبب کثرة الحروب والصراعات الأهلية، ورغم أن إفريقيا شهدت القدر الأکبر من تدفقات اللاجئين فى القرن الحادي والعشرين، إلا أن التوجهات الحديثة لمصادر الهجرة القسرية أخذت تنمو وتتکاثر في مناطق ودول لم تشهد هجرة قسرية من قبل مثلما حدث في العراق ومن بعدها سوريا واليمن، وأخذت ظاهرة اللجوء حيزًا واسعًا في الکثير من الاجتماعات والنقاشات الإقليمية والدولية في الآونة الأخيرة؛ حيث أصبحت تشكل عبئًا کبيرًا على المجتمع الدولي، نظرا لتزايد حجمها وتفاقمها وانتشارها في الکثير من الدول، وما تخلفه من آثار سلبية، خاصةً على البلدان المستضيفة من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية والديموغرافية.

وبحسب آخر تقرير أصدرته المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة  فى نهاية عام 2020 تجاوز عدد اللاجئين حول العالم الـ 80 مليون شخص نصفهم من الأطفال، وخلال العام الحالى تجاوز العدد 83,4 مليون شخاص ،  يأتى 67 % منهم من خمس دول فقط هى سوريا وأفغانستان وجنوب السودان وميانمار والصومال ، كما تُظهر الإحصاءات أن أكثر من 84% من هؤلاء اللاجئين يعيشون فى دولا نامية تحتاج إلى الكثير من الدعم والمساندة .

كما تجدر الإشارة الى أنه من الأمور التى تدعو إلى القلق هو النسبة الكبيرة من اللاجئين الأطفال الذين فروا بمفردهم دون ذويهم هربا من الصراع والعنف والتمييز أو الاضطهاد والذين قُدر عددهم فى عام 2018 ما يتجاوز الـ 138,600 طفل ، وهو ما يعرضهم لخطر الاتجار بهم أو استغلالهم أو الإساءة إليهم ، كذلك شكلت النساء نصف عدد اللاجئين ولكن تباينت نسبتهم من دولة لأخرى.

حـقـوق الــلاجــئـيـن

مع التنامي السريع لأعداد اللاجئين، وتفاقم هذه قضية عالميا وتبعاتها على الدول المضيفة،استدعى الأمر تحركا فاعلا من هيئة الأمم المتحدة بوضع ميثاق يضمن حقوقا ودعما حقيقيا للاجئين فى الدول التى فروا إليها، وأسفرت هذه الجهود عن إتفاقية حقوق اللاجئين التى أُبرمت عام 1951 ، وبروتكولها 1967 والذى وقعت عليه 139 دولة .

وتُعد اتفاقية 1951 أول اتفاقية دولية حقيقية تتناول النواحى الجوهرية من حياة اللاجئ، وقد أبرزت مجموعة من حقوق الإنسان الأساسية التى يجب أن تكون على الأقل معادلة للحريات التي يتمتع بها الرعايا الأجانب فى بلد ما، وفى العديد من الحالات، الممنوحة لمواطني تلك الدولة. كما أزال بروتوكول 1967 الحدود الجغرافية والزمنية الواردة فى الاتفاقية الأصلية التى كان لا يسمح بموجبها إلا للأشخاص الذين أصبحوا لاجئين نتيجة لأحداث وقعت فى أوروبا قبل 1 يناير 1951، بطلب الحصول على صفة اللاجئ.

لقد كفلت اتفاقية 1951 الخاصة باللاجئين وبروتكولها الصادر فى 1967ومعاهدات حقوق الإنسان العديد من الحقوق فى مقدمتها :

1- مبدأ عدم الرد : بحسب تعريف المفوضية السامية لشئون اللاجئين فإن هذا المبدأ يعنى “حق مهم بالنسبة للاجئين وطالبي اللجوء وغيرهم ممن يخشون على حياتهم أو حرياتهم. لهؤلاء الأشخاص الحق في عدم إبعادهم بأي شكل من الأشكال من قبل البلد المضيف إلى بلدهم الأصلي، أو إلى أي بلد آخر يمكنهم أن يتعرضوا فيه للخطر أو للأذى” .. وهو حق يجب أن تلتزم به وتحميه كافة الدول المضيفة ،وعلى الرغم من ذلك وجدنا دولة المجر على سبيل المثال تقوم بإغلاق حدودها مع صربيا وذلك بهدف عدم استقبال أى من اللاجئين خاصة القادمين من سوريا التى تعانى ويلات الحرب منذ أكثر من 10 سنوات.

2- حماية اللاجئين : توفير وتسهيل كافة السبل لهم من أجل الحصول على حياة كريمة لاسيما وأنهم مروا بالعديد من الظروف السيئة التى أثرت عليهم سلبا بشكل مباشر وغير مباشر.

3- حقوق الإنسان : لابد أن يحصل اللاجئين على كافة حقوق الإنسان والمنصوص عليها فى القوانين الدولية والعرفية وضمان أن يحصلوا على حياة إنسانية دون أى تمييز أو عنصرية تُمارس ضدهم.

4- حق اللاجئين فى السفر : لقد ضمنت اتفاقية 1951 للاجئين الحق فى حصولهم على ” جواز سفر الاتفاقية ” من الدول المضيفة والذى يعد أكثر أمنا فى التعامل من جوازات سفرهم الأصلية ..ولكن العديد من الدول مع الأسف لا تقوم بإصدار هذا النوع من الوثائق رغم مشاركتها فى اتفاقية اللاجئين وتصدر لهم جوازات سفر للأجانب أو وثيقة هوية خاصة بالسفر.

وقد أثبت الواقع والتغيرات التى طرأت على الظروف الإجتماعية والاقتصادية فى كل دول العالم فى العقود الأخيرة مرونة هذه الاتفاقية ، إذ أنها تمنح المفوضية صفة رقابية على حكومات الدول التى يهرب إليها هؤلاء اللاجئون لتشرف على حصولهم على الحماية والحقوق الإنسانية اللازمة التى أقرتها هيئة الأمم المتحدة.

هل هناك أشخاص لا تشملهم بالحماية اتفاقية اللاجئين ؟

أوضحت اتفاقية 1951 أن هناك بعض الأشخاص لا تشملهم بالحماية هذه الاتفاقية وهم الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد السلام ، أو جريمة حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو  جرائم جسيمة غير سياسية خارج بلد اللجوء.

اللاجئون والتغيرات المناخية

يُعتبر تغير المناخ القضية الحاسمة في عصرنا هذا، لاسيما مع اتساع نطاق تبعاتها عالميا، من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، وارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، إلى نزوج الملايين من الأفراد إلى دول مجاورة، الأمر الذى بموجبه قد تجد مفوضية اللاجئين نفسها مضطرة في المستقبل إلى إضافة سبب آخر للجوء، وهو التغير المناخي، من ثم يظهر مصطلح “لاجئو المناخ”.

لقد أدت التغيرات المناخية الحادة التى تتعرض لها دول العالم الآن إلى فرار الأشخاص قسرا مثلما حدث حينما تعرضت الصومال لنوبة جفاف حادة أدت مع تعرض الصوماليين للصراعات من قبل الجماعات الشبابية المتشددة المسلحة إلى فرارهم إلى أثيوبيا. ، ولكن فى واقع الأمر أغلب عمليات اللجوء جراء التغير المناخى تحدث داخل حدود الدولة الواحدة من منطقة لأخرى، ولم يصل الأمر إلى درجة الانتقال من دولة إلى أخرى، ولهذا لا تخضع الأشخاص لقانون اللاجئين 1951، ولا تعترف المفوضية السامية لشئون اللاجئين بما يسمى ب ” لاجىء المناخ ” وتراه مصطلحا غير صحيح، وقالت في توضيح على موقعها الإلكتروني إنه من الأدق الإشارة لهم بأنهم “أشخاص نازحون في سياق الكوارث وتغير المناخ”.

ومع تزايد عمليات النزوح قسرا جراء التغيرات المناخية الحادة تبحث دول الأمم المتحدة عن إطار قانونى وتشريعى يحمى حقوق هؤلاء اللاجئين على غرار اتفاقية 1951 . 

انتهاكات بحق اللاجئين المسلمين

فى ظل تنامى الإتجاهات المعادية للإسلام والمسلمين فى دول أوروبا، والأمريكتين،  نجد  بعض هذه الدول قد اشترطت استقبال اللاجئين فقط من غير المسلمين ورفض كافة طلبات اللجوء المقدمة من المسلمين. إن المشكلات التى يعانى منها اللاجئون وضعت القيم الإنسانية خاصة الأوروبية والأمريكية على المحك وجعلتها تواجه تقييما حقيقيا ، وللأسف الشديد فإن هذه القيم أثبتت أنها مجرد كلمات وشعارات غير قابلة للتطبيق فى كثير من الأحيان.

ونذكر على سبيل المثال لا الحصر أنه فى أحد المناطق البريطانية قامت إحدى المؤسسات المسئولة عن تسكين اللاجئين بطلاء أبواب منازلهم باللون الأحمر الأمر الذى جعلهم يعانون من الإعتداءات العنصرية خاصة المسلمين. كما قامت تايلاند فى عام 2014 بترحيل نحو 100 من الإيجور المسلمين إلى الصين، بعد رفض طلب لجئوهم، مما يعد انتهاكا للقانون الدولي وحقوق الإنسان.

وكانت أوروبا لعقود طويلة حلم المهاجرين من العرب، وملجأ للاجئين الذين فروا قسرا من أوطانهم تحت ضغط الاضطهاد أو العنف أو التمييز أو الصراعات المسلحة، ولكن تشهد الدول الأوروبية حاليا تصاعدا فى سيطرة قوى اليمن المتطرف التى ترفض وجود هؤلاء اللاجئين على أراضيها، وترى ضرورة التخلص منهم وطردهم.

وقد واجه الكثير من اللاجئين العديد من الاعتداءات والانتهاكات من قبل أنصار هذه الأحزاب اليمينية الذين يعتقدون أن سكان قارة اوروبا أصحاب البشرة البيضاء هم الأشخاص الأكثر ذكاء وتميزا ولا يجب أن يتواجد هؤلاء اللاجئين على أراضى أواطنهم لأنهم يهددون قوميتهم ويمثلون العنف والإرهاب.

وخير دليل على ذلك ما قامت به السلطات الدنماركية مؤخرا، حيث رفضت تجديد إقامات قرابة 380 لاجئاً سورياً على أراضيها، بين عامي 2020 و2021، ووضعت 39 منهم في وضع الترحيل إلى سوريا، بدعوى انتهاء العمليات العسكرية في أجزاء من سوريا، خاصة دمشق وريفها، وذلك حسب تقرير صادر من منظمة العفو الدولية، والذى أكد أن عمليات الترحيل تلك تعرض اللاجئين السوريين للخطر، معتبرةً أنها انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي.

ومع الأسف الشديد فان هذه الاتجاهات المتطرفة تلقى قبولا ونموا متصاعدا داخل المجتمعات الأوروبية خاصة أنها تلقى دعما كبيرا داخل برلمانات هذه الدول التى تمثل الأحزاب اليمينية المتطرفة جزءا كبيرا من هذه الكيانات ، وقد ساعد فى تنامى قوة هذا الاتجاه الإدارة الأمريكية السابقة والتى كان يتزعمها الرئيس السابق دونالد ترامب والذى كانت له مواقف متشددة تجاه استقبال اللاجئين والمهاجرين ، حيث كان يعتقد ويؤكد أن هؤلاء يمثلون خطرا داهما على المجتمع الأمريكى ، بل أنه قد حذر دول القارة الأوروبية من استقبال اللاجئين خاصة القادمين من دول الشرق الأوسط والمسلمين بشكل خاص، وذلك لأنه يعتقد أنهم السبب فى انتشار العنف والإرهاب فى أوروبا بشكل عام وفى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، متناسيا أن المجتمعات الأوروبية والأمريكية هى مجتعات تتسم بالعنف فى الأساس ولعل السينما الأمريكية ومجمل الأفلام التى قدمتها هوليوود خير شاهد على هذه السلوكيات القاسية والعنيفة.

لقد بالغت إدارة ترامب السابقة فى انتهاج القسوة والعنف ضد اللاجئين حتى أنها قامت بوضع سياسات تقوم بفصل الأطفال عن أسرهم واحتجاز هؤلاء الأطفال وهذه الأسر لحين البت فى طلبات اللجوء. كما استغلت الحكومة الأمريكية أزمة كوفيد-19 لإيقاف كافة إجراءات التعامل مع طالبي اللجوء على الحدود الأمريكية المكسيكية، ومنعت من عبروا الحدود إلى داخل الولايات المتحدة بصورة غير مشروعة من الوصول إلى إجراءات اللجوء.

سياسات الدولة المصرية تجاه اللاجئين

على النقيض تماما لما سبق، تأتي سياسات الدولة المصرية فى التعامل مع ملف اللاجئين – بما لا يدعو مجالا للشك – لتؤكد أن مصر نموذج رائد فى استضافة ودمج اللاجئين على أراضيها، وتقديم كافة الخدمات والامتيازات الصحية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية لآلاف اللاجئين وطالبي اللجوء على قدم المساواة مع المصريين، فضلا عن ضمان حرية حركتهم وعدم عزلهم في مخيمات أو معسكرات إيواء كما هو الحال فى غالبية دول العالم، ذلك على الرغم من أن مصر تُعد من أقل الدول المتلقية لمستويات التمويل الخاص بتغطية احتياجات اللاجئين.

ومن واقع أعداد اللاجئين الفعلية فى مصر، فهي تتخطى حاجز الـ 5 مليون لاجىء، بينهم ما يتعدى نصف المليون سوري، وهؤلاء اللاجئون يتم استيعابهم ومعاملتهم مثل المصريين تماما، فمصر هى الدولة الوحيدة التى لا يوجد بها أى مخيمات لايواء اللاجئين أو يتم فصلهم فى أماكل منعزلة عن المصريين، ولهذا فهي تُعد نموذجا إنسانيا فريدا فى التعامل مع اللاجئين. وتأتى أعداد اللاجئين السوريين المقيمين على الأراضى المصرية فى مقدمة إجمالى عدد اللاجئين بنسبة تتخطى ال 51% يليهم السودانيين ثم الأريتريين والفلسطينيين والفارين من أثيوبيا واليمن.

جهود الدولة فى دعم اللاجئين

ويرصد هذا التقرير جهود الدولة لدعم اللاجئين، ودمجهم فى المجتمع المصري وأبرزها مايلي:

  • الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الاختياري لعام 1967.
  • الانضمام إلى اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969 بشأن اللاجئين.
  • لعبت مصر دورا فاعلا في التوصل لإعلان نيويورك عام 2016 والذي أكد أهمية دعم الآليات الدولية القائمة لتعزيز حماية حقوق اللاجئين.
  • الانضمام إلى الميثاق العالمي بشأن اللاجئين “Global Compact on Refugees” الذي اعتمدته الأمم المتحدة في ديسمبر 2018.
  • منع رحلات الهجرة غير الشرعية التى كانت تعبر البحر المتوسط وصولا إلى دول أوروبا.
  • وضعت إطارا تشريعيا يُجرم تهريب اللاجئين.
  • يعيش معظم اللاجئون في المناطق الحضرية بالقاهرة الكبرى والإسكندرية.
  • أتاحت مصر للأطفال اللاجئين من الدول العربية والبالغ عددهم ما يتجاوز 65 ألف طالب حق الالتحاق بالمدارس الحكومية على قدم المساواة مع الطلاب المصريين.
  • إدراج اللاجئين على اختلاف جنسياتهم فى الاستفادة بمبادرة ” 100 مليون صحة” ، ومبادرة الكشف و”علاج فيروس سى” وكذلك حملات مكافحة شلل الأطفال وأمراض التقزم لطلاب المدارس.
  • شمولهم داخل منظومة التأمين الصحي الشامل.
  • توفير كل اللقاحات الخاصة بفيروس كورونا ومنحها لهم بالمجان.
  • منحت الحكومة لهم الحق فى إنشاء المشروعات الاقتصادية الخاصة بهم على الأراضى المصرية وأن يحصلوا على فرص العمل المناسبة لهم، حيث تُقدر مساهمة المستثمرين السوريين فى الاقتصاد المصرى منذ مارس 2011 الى الآن يما يعادل 800 مليون دولار.
  • أعطتهم الحق فى تملك المنازل التى يسكنون بها.

 

مصر..النموذج الأكثر انسانية فى استضافة ودمج اللاجئين

وعلى الرغم من الاستيعاب الإنسانى للاجئين فى مصر، إلا أنها لا تحصل سوى على 4% من إجمالى الدعم المقرر لها من المفوضية السامية لشئون اللاجئين والتابعة للأمم المتحدة، ومن ثم تحتاج الحكومة المصرية للدعم المادى الكافى لاستيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين، وتوفير حياة كريمة لهم على أراضيها.

حقا، يستحق النموذج المصرى فى التعامل مع اللاجئين التأمل والاحترام، فعلى الرغم من ضعف الإمدادات التى تحصل عليها مصر من مفوضية شئون اللاجئين إلا أنها تعد الدولة الوحيدة فى العالم التى لم تساوم بوجودهم على أرضها ولا تتكسب من ورائهم مثل دولا أخرى، فالسياسة المصرية ترفض ابتزاز دول العالم بدعوى دعم المهاجرين ومنعهم من الانتقال لدول أوروبا كما تفعل بعض الدول، بل احترمت كافة حقوقهم وقدمت لهم كل الخدمات والامتيازات التى يحصل عليها المصريون أنفسهم..ولذلك فالنموذج المصرى يعد نموذجا ناجحا وملهما خاصة إذا ما توافرت له الإمكانيات اللازمة لمساندته ودعم نجاحه.

المنظمات الدولية وواقع أوضاع اللاجئين فى مصر

تزعم مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين أن مصر تستضيف نحو 259,292 شخص بحلول 31 ديسمبر عام 2020، غير أن واقع الأمر يتنافي مع هذه الأرقام، ولهذا يناشد المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية المفوضية بمراجعة وتحديث الأرقام للتتناسب مع أعدادهم على أرض الواقع، والتى تجاوزت نحو 5 ملايين لاجئي وطالب لجوء.

كما يُعرب المنتدى عن رفضه للتقارير التى وردت من المفوضية السامية لشئون اللاجئين حول أوضاع اللاجئين وأنهم لا يحصلون على حقوقهم الصحية والتعليمية ويعيشون ظروفا “بائسة”، والتى جاءت على لسان فيليبو جراندي، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، عام 2019،  الأمر الذى يتنافى تماما مع الواقع،  ويخالف رؤية وتصريحات ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين لدى مصر وجامعة الدول العربية، كريم أتاسى، حيث قال: ” نضع مصر مثالا يحتذى به فى المنطقة من خلال كرم حكومتها وشعبها تجاه اللاجئين حيث تحتضن تنوعهم وتظهر التضامن معهم”.

ويؤكد المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية ضرورة أن تقوم المنظمات الدولية، وخاصة المفوضية السامية لشئون اللاجئين بتحرى الدقة عند إعداد تقارير بشأن أعداد اللاجئين فى العالم، مستنكرا تلك التقارير الصادرة عن المفوضية والتى تُظهر أن تركيا هى الدولة المضيفة الأولى فى العالم للاجئين بواقع 3,7 مليون لاجىء، ومطالبا المفوضية بتحديث ومراجعة تقاريرها وبياناتها المتعلقة بأعداد اللاجئين الفعلية فى مصر.

اللاجئون..بين الرفض التركي والترحيب المصري

وفقا للعديد من التقارير والدراسات التى أجريت بشأن أوضاع اللاجئين فى تركيا، فإن أحوال اللاجئين يُمكن وصفها بالاستغلال والعنف والاضطهاد، حيث يعانى غالبيتهم من كافة أشكال العنصرية والتمييز، وبالإضافة الى الأوضاع الإنسانية المتدهورة التى يعانى منها اللاجئون داخل مخيمات الإيواء فإن جزء كبير من المجتمع التركى يرفض وجودهم داخل الأراضى التركية خاصة  اللاجئين الأفغان، فبعد سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم فى أفغانستان فر الآلاف من الأفغان من دولتهم قاصدين الأراضى التركية وهناك وجدوا الجيش التركى منتشرا على الحدود ويمنع دخولهم كما يتم إقامة جدار حدودى بين الدولتين تم الانتهاء من بناء 180  كيلومترا منه بالفعل.

لقد أصبح العنف والكراهية هما السمة السائدة داخل المجتمع التركى تجاه اللاجئين ، فنجد أن أصحاب العقارات يرفضون تأجير الوحدات السكنية للاجئين والأجانب بشكل عام ، بل إن الأمر وصل إلى حد أن هدد أهالى أحد المدن التركية بأنقرة ” بإبادة اللاجئين ” ، كما يعانى اللاجئون السوريون أيضا من التعدى والاعتداءات المستمرة خاصة على منازلهم وسياراتهم .

وعلى الرغم من الواقع المرير لأحوال اللاجئين على الأراضى التركية إلا أن الرئيس رجب طيب أردوغان استخدم هذا الملف لابتزاز دول الاتحاد الأوروبى وهددهم بطرد هؤلاء اللاجئين إلى الدول الأوروبية إذا لم تنضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبى  وإلغاء تأشيرة دخول الأتراك إلى منطقة “الشنجن”، ومقابل ذلك حصل على 6 مليارات دولار كدعم للاجئين فى بلاده من هذه الدول فى الوقت الذى لا تحصل فيه مصر سوى على 4% من حجم المساعدات المقدمة من المفوضية السامية لحقوق اللاجئين.

وتشير كافة التقارير والإحصائيات إلى رغبة 90% من اللاجئين المقيمين على الأراضى التركية فى عبور الحدود الى أوروبا هربا من العنصرية والاعتداءات التى يتعرضون لها فى تركيا..فى الوقت الذى نجح فيه اللاجئون خاصة السوريين فى إقامة مشروعات كبرى على أرض مصر وسط شعب احتضنهم وساندهم ومازال رغم ضعف الإمكانيات.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مؤسسة ” ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان ” ذكرت فى تقريرها الصادر مؤخرا “أن مصر من أكثر دول الشرق الأوسط وأفريقيا استقبالًا للاجئين، ورغم ذلك لم تستغل ملف اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو كأوراق ضاغطة في سياستها الخارجية ، بل إن مصر قامت بالعديد من التعديلات التشريعية فى القوانين الخاصة باللاجئين لمنحهم المزيد من المزايا والتسهيلات والخدمات ، وجعل القوانين الخاصة بهم أكثر مرونة فى تعاملاتهم الحياتية”.

التوصـيـات

1- إعادة الدمج : فى ظل التغيرات السياسية المتسارعة فى دول العالم واستمرار الصراعات لسنوات طويلة بل وعقود كاملة أصبح خيار دمج اللاجئين داخل مجتمعات الدول المضيفة خيارا له وجاهته، خاصة أن هؤلاء اللاجئين كانوا فى بعض الدول أحد الداعمين لاقتصاديات هذه الدول كما كانت لهم اسهاماتهم الفعالة والفريدة فى المجالات الإنسانية والفنية.

2- خلق رأى عام عالمى مساند لقضايا اللاجئين : وهذا الأمر يعتمد على دور الإعلام كلاعب رئيسى ، فربما لا يعرف الكثير من الناس  الحقائق الكاملة حول قضايا اللاجئين والصعوبات التى يواجهونها ، ولذلك يرى البعض أنهم يحصلون على أماكنهم ووظائفهم بينما أصحاب الدولة أنفسهم لا يحصلون على نفس الفرص ، والحقيقة انه يمكن تعديل تعديل هذه الأفكار والاتجاهات والنظر الى اللاجئين على أنهم يمكن أن يسهموا فى دفع ومساندة اقتصاديات الدول التى فروا اليها .

3- توفير كافة الامتيازات والتسهيلات للاجئين  – خاصة القانونية – فى البلاد المضيفة ومنحهم جوازات سفر ووثائق قانونية تمكنهم من الشعور بالأمن والإستقرار فى الدول المضيفة..

4 – إلزام كل دول العالم بتقديم الدعم المادى – خاصة – للدول التى تستضيف اللاجئين على أراضيها وذلك لمساعدة هذه الدول على تقديم الخدمات اللازمة لهم خاصة أن أغلب الدول المضيفة تعد دولا نامية يعانى اقتصادها خاصة فى ظل تداعيات فيروس كورونا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى