أوراق بحثيةدراسات حقوقيةدرايةرئيسيغير مصنف

دراسة تحليلية:العنصرية تجتاح أوروبا والتمييز ضد المسلمين والأفارقة فى تصاعد

الملخص التنفيذي:

فى ظل اجتياح العنصرية للقارة الأوروبية وتصاعد خطاب التحريض على كراهية الأجانب بشكل عام والأقليات بشكل خاص، ووسط تشجيع من بعض الحكومات على التمييز والعنف ضد اللاجئين والمهاجرين من العرب والمسلمين والمنحدرين من أصول إفريقية، ينطوى الأمر على خطر كبير يهدد أمن المجتمعات بشكل عام و الأشخاص بشكل خاص، نظرا لما يرتبط بهذه النزعة الهدامة من خلق أجواء يسودها الحقد والكراهية والخوف، وتمس كرامة الإنسان وتهدم مبدأ المساواة بين جميع البشر ، ومن ثم تدفع الشعوب إلى دوامة العنف والنزاعات التى لا تُحمد عقباها.

ومع تنامي الحركات اليمينية المتشددة، تحولت العنصرية إلى شكل علني وأخذت طابع هيكلي ومؤسسي في العديد من المجالات مثل سوق العمل والتعليم والرعاية الصحية والإسكان، فضلا عن استخدام خطاب مكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي لتبرير استخدام العنف واتخاذ الإجراءات والتدابير ضد العرب والأفارقة والتى تفتقر إلى معايير حقوق الإنسان بالمخالفة للقوانين الدولية. وأشار تقرير للشبكة الأوروبية ضد العنصرية أن 10 إلى 15% من سكان الاتحاد الأوروبى يعتنقون أيديولوجيات عنصرية.

إن التأثير المتزايد للسياسات القومية المتطرفة وكراهية العرب والمسلمين أصبح منتشر ا إلى حد كبير في جميع أنحاء أوروبا، بل تتزايد وتيرته بمعدل يُنذر بالخطر حيث يتعرض العرب والمسلمون في أغلب الدول الأوروبية للكثير من أشكال التعصب والتمييز العنصري، بسب دينهم وأحيانا بسبب مظهرهم الخارجي خاصا في مجال التعليم أو العمل أو السكن، حيث يكشف واقع المسلمين في أوروبا أنهم يعانون من التفرقة العنصرية عند محاولات العثور على سكن بسبب أسمائهم، أو بسبب مظهرهم الخارجي عند سعيهم للحصول على عمل، وأن مع تعرض النساء المحجبات لاعتداءات ومضايقات لفظية وجسدية. وكشف استطلاع للرأى العام أجرته، قبل عامين، وكالة الاتحاد الأوروبى للحقوق الأساسية، أن 92% من المسلمين فى أوروبا يعانون صوراً عدة من التمييز العنصري، وأن 53% واجهوا التفرقة العنصرية عند محاولات العثور على سكن بسبب أسمائهم، وأن 39% عانوا التمييز بسبب مظهرهم الخارجي عند سعيهم للحصول على عمل.

كما أن المنحدرين من أصل إفريقي يعانون من التمييز العنصري الممنهج في كافة المجالات، ومنها المجال الصحي حيث إن معدل وفيات النساء السود أثناء الولادة أعلى بخمس مرات من النساء البيض، وأن أكثر من 60% من السود فى المملكة المتحدة لا ينالون الرعاية الصحية الجيدة من قبل خدمة الصحة الوطنية، مقارنة بالأشخاص البيض. ووصل الأمر إلى أن الأحزاب اليمينية المتطرفة فى أوروبا تُحمل المسلمين وأصحاب البشرة السمراء من الأفارقة مسئولية كافة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تمر بها القارة العجوز.

وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتكشف عن الوجه القبيح للغرب وزيف الشعارات والقيم التى لطالما ينادون بها، حيث ظهرت العنصرية الفجة أثناء التغطية الإعلامية للحرب من قبل العديد من المراسلين والمحللين السياسيين فى قنوات فرنسية وأمريكية وصحف بريطانية، وذلك فى التعامل مع اللاجئين وإجراء مقارنات بينهم بحسب جنسياتهم وخلفياتهم العرقية والثقافية والقومية وتفضيل الأوكرانيين لأنهم “أوروبيون ومتحضرون وبيض”.

كما وصلت العنصرية لمستويات غير مسبوقة في مجال الرياضة في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، حيث تزايدت حالات التعصب والكراهية ضد اللاعبين بسبب لونهم وجنسهم ودينهم، ليتعرض عدد كبير من الرياضيين لهتافات وشتائم وتحيات نازية، ووصل الأمر لتوقيع عريضة لعدم توظيف بعض اللاعبين أو حتى الحرمان من فرص اللعب أو الانضمام إلى فرق كرة القدم على أساس اللون أو الجنسية أو الدين.

وفى هذا الإطار يُصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” دراسة تحليلية ترصد التأثير المتزايد للسياسات القومية المتطرفة وكراهية الأجانب، وحالات التعصب والكراهية المتزايدة في أوروبا ضد العرب والمسلمين وأصحاب البشرة السمراء المنحدرين من أصل إفريقي، وكذلك أشكال التمييز العنصرى ضد بعض اللاجئين خلال الحرب الروسية الأوكرانية، وتبعات تصاعد خطاب اليمين المتطرف في أوروبا، إلى جانب العنصرية في مجال الرياضة التى تفشت بشكل كبير مؤخرا، وتُقدم الدراسة أيضا عددا من التوصيات للحد من مخاطر تنامى الكراهية والتمييز العنصر ي في القارة الأوروبية، ومنها:
 تبني سياسة للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله، وضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني، في المساواة أمام القانون.
 تجريم أي نشر للأفكار القائمة على التمييز أو التفوق أو الكراهية العنصري، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها.
 إعلان عدم شرعية المنظمات التي تقوم بالترويج للتمييز العنصري والتحريض عليه، وحظر هذه المنظمات والنشاطات واعتبار الاشتراك في أيها جريمة يُعاقب عليها القانون.
 عدم السماح للمؤسسات العامة، القومية أو المحلية، بالترويج للتمييز العنصري أو التحريض عليه، أو تأييد أي تمييز عنصري يصدر عن أي شخص أو أية منظمة.
 يتعين على الدول وضع برامج للتوعية والتثقيف فى مجالي التسامح والتنوع ومناهضة العنف والكراهية.
 استحداث مؤسسات وإجراءات للمتابعة وإعداد التقارير وتوثيق المعلومات المتعلقة بحالات العنف والتمييز وانتهاكات حقوق الأفراد والجماعات، ومعالجتها وتعميمها على الهيئات المسئولة عن رسم السياسات وعلى عامة الناس بُغية التصدى للمشكلات الراهنة وتفادى تكرار الحوادث مستقبلا.

المقـــدمـــــة:

تشهد أوروبا والغرب حاليا تنامي كبير فى الحركات العنصرية والمعادية للأجانب فى ظل استغلال الأحزب السياسية المتطرفة للتميز العنصري والاستقطاب العرقي والثقافي وترجمته إلى برامج سياسية، كوسيلة لتحقيق أهدافها والترويج لها فى الحملات الدعائية التى تقوم بها، فعلى الرغم من محاولات سن الاتحاد الأوروبي تشريعات لمكافحة التمييز والجرائم العنصرية من خلال توجيه المساواة العرقية والتصدي لكافة أشكال العنصرية والتعصب وكراهية الأجانب على مستوى دول القارة، إلا أن مشاعر المعاداة والتمييز فى ازدياد مضطرد.

وهنا يبدو أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذى يُعد حجر الأساس لنظام حقوق الإنسان الدولي، مجدر حبر على ورق حين يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين والأفارقة، حيث إن ما نشهده حاليا ينافي ما نص عليه الإعلان من أن “البشر يولدون جميعا أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المقررة فيه، دون أي تمييز لا سيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي، وأن جميع البشر متساوون أمام القانون ولهم حق متساو في حمايته لهم من أي تمييز ومن أي تحريض على التمييز”.

وتجدر الإشارة إلى أن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة الصادر عام 1960 نص على ” ضرورة وضع حد لكافة أشكال التمييز العنصرى بشكل سريع وبدون قيد أو شرط”. كما يشدد إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الصادر في 1963 على ضرورة القضاء السريع على التمييز العنصري في جميع أنحاء العالم، بكافة أشكاله ومظاهره، وضرورة تأمين فهم كرامة الشخص الإنساني واحترامها،وأن أي مذهب للتفوق القائم على التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الاثني يُشكل عقبة تعترض العلاقات السلمية بين الأمم وواقعا من شأنه تعكير السلم والأمن بين الشعوب والإخلال بالوئام بين أشخاص يعيشون جنبا إلى جنب حتى في داخل الدولة الواحدة وإيمانا منها بأن وجود حواجز عنصرية أمر مناف للمثل العليا لأي مجتمع إنساني.

أولا: مفهوم التمييز العنصري

تُعرف الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري- “التمييز العنصري” على أنه تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.

وتُلزم الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري جميع الدول بأن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون أي تأخير، سياسة للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله وتعزيز التفاهم بين جميع الأجناس، من خلال عدم القيام بأي عمل أو ممارسة من أعمال أو ممارسات التمييز العنصري ضد الأشخاص أو جماعات الأشخاص أو المؤسسات، أو تشجيع أو حماية أو تأييد أي تمييز عنصري يصدر عن أي شخص أو أية منظمة وضمان تصرف جميع السلطات العامة والمؤسسات العامة، بإتخاذ تدابير فعالة لإعادة النظر في السياسات الحكومية القومية والمحلية، ولتعديل أو إلغاء أو إبطال أية قوانين أو أنظمة تكون مؤدية إلي إقامة التمييز العنصري أو إلى استمرار التمييز العنصري بجميع الوسائل المناسبة، بما في ذلك التشريعات التي تحظر أي تمييز عنصري يصدر عن أي أشخاص أو أية جماعة أو منظمة.

ثانيا: الأشكال الرئيسية للتمييز
التمييز العنصري والعرقي:
يحرم الناس من حقوقهم الإنسانية الكاملة بسبب اللون أو العنصر أو العرق أو الأصل الوطني أو الاجتماعي (بما فيه الطبقة الاجتماعية) وتؤدى إلى تأجيج ارتكاب الفظائع على نطاق واسع، مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

التمييز ضد الأشخاص من غير المواطنين ” كراهية الأجانب”:
كثيراً ما يقوم التمييز ضد الأشخاص من غير المواطنين على العنصرية أو أفكار التفوُّق، وغالباً ما يؤججها السياسيون الذين يبحثون عن كبش فداء للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. وينظر العديد من الأشخاص في البلدان التي تستقبل اللاجئين وطالبي اللجوء إلى هذا الوضع على أنه أزمة، حيث دأبَ الزعماء والسياسيون على استغلال تلك المخاوف بالتعهد بوضع سياسات مسيئة وغير قانونية، وتوعَّدوا أحياناً بتنفيذها.

التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي:
على الرغم من الارتفاع الهائل الذي وصلت إليه أنشطة النساء، فإن الواقع يُظهر أن العديد من الحكومات حول العالم لا تزال تدعم السياسات والقوانين والعادات التي تُخضع النساء وتقمعهن في العديد من البلدان، واستمرار قوانين وسياسات وعادات ومعتقدات تحرم النساء والفتيات من حقوقهن..

تتعهد الدول الأطراف فى الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، وبضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني، في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية:

(أ) الحق في معاملة على قدم المساواة أمام المحاكم وجميع الهيئات الأخرى التى تتولى إقامة العدل.
(ب) الحق في الأمن على شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنف أو أذى بدني، يصدر سواء عن موظفين رسميين أو عن أية جماعة أو مؤسسة.
(ج) الحقوق السياسية، ولا سيما حق الاشتراك في الانتخابات -اقتراعا وترشيحا، والإسهام في الحكم وفي إدارة الشئون العامة على جميع المستويات، وتولي الوظائف العامة على قدم المساواة،
(د) الحقوق المدنية الأخرى، ولا سيما: الحق في حرية الحركة والإقامة داخل حدود الدولة، الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، الحق في الجنسية، حق التزوج واختيار الزوج،حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين، حق الإرث، الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين،الحق في حرية الرأي والتعبير الحق في حرية الاجتماع السلمي وتكوين الجمعيات السلمية أو الانتماء إليها.
(هـ) الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا سيما الحقوق التالية: الحق في العمل، وفي حرية اختيار نوع العمل، وفي شروط عمل عادلة مرضية، وفي الحماية من البطالة، وفي تقاضي أجر متساو عن العمل المتساوي، وفي نيل مكافأة عادلة مرضية، حق تكوين النقابات والانتماء إليها، الحق في السكن، حق التمتع بخدمات الصحة العامة والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي والخدمات الاجتماعية، الحق في التعليم والتدريب، حق الإسهام علي قدم المساواة في النشاطات الثقافية، والحق في دخول أي مكان أو مرفق مخصص لانتفاع سواد الجمهور، مثل وسائل النقل والفنادق والمطاعم والمقاهي والمسارح والحدائق العامة.

ثالثا: أوروبا تحت نيران التمييز العنصري

يُجمع المعنيين بحقوق الإنسان على أن التأثير المتزايد للسياسات القومية المتطرفة وكراهية الأجانب والكراهية المعادية للعرب والمسلمين والأفارقة أصبح منتشرا إلى حد كبير في جميع أنحاء أوروبا، فضلاً عن بيئة عدائية متزايدة للمنظمات غير الحكومية التي تعمل مع تلك الفئات ، وطبقا لتصريحات للأمينة العامة لمجلس أوروبا ” تواجه أوروبا واقعاً مروعاً، فجرائم الكراهية المعادية للمسلمين وغيرها من جرائم الكراهية العنصرية تتزايد بمعدل ينذر بالخطر، وغالبا ما تعجّل مثل هذه الأعمال الشنيعة بكلمات سامة ونظريات مؤامرة منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت”.

وعلى الرغم أن معظم الدول الأوروبية لا تجمع بيانات حول التمييز العنصري، إلا أن بعض التقارير تقدم لمحة عن حجم التمييز العنصري في الدول الأوروبية حيث قام فريق من الباحثين بتتبع ظاهرة التمييز العنصري، والذى يعمل لصالح الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية، وهي مركز أنشأه الاتحاد الأوروبي للتعامل مع حالات التعصب والدفاع عن الحقوق العالمية، وقام الفريق بجمع عدد كبير من الأشخاص في 28 دولة بهدف إجراء استطلاع للرأى مع نحو 150 ألف شخص عاشوا في الاتحاد الأوروبي لمدة عام واحد على الأقل، والذى أظهر أن 24٪ ممن شاركوا في الاستطلاع شعروا بالتمييز بسبب خلفياتهم العرقية أو الدينية أو لكونهم من خلفيات مهاجرة وذلك في الأشهر الـ 12 السابقة للمسح. يشير ذلك إلى أن ملايين الأشخاص، مثل اللاجئ السوري أيهم، كانوا يعانون من التمييز في الحياة اليومية: عدم المساواة في المعاملة ليس لأي سبب آخر سوى ذلك المتعلق بالخلفيات التي ينحدرون منها أو بالمعتقد.

ويشير تقرير الفريق البحثي إلى أن الوضع يزداسوءًا بالنسبة للعديد من المجتمعات وإن القوانين والسياسات الرامية لمعالجة المشكلة لا تُوفر الحماية الكافية للأشخاص الذين يهدفون إلى خدمته، وهو ما يُعد دليل إدانة لفشل المعركة ضد التمييز والكراهية.

رابعا: التمييز والعنصرية ضد المسلمين

يتعرض المسلمون في أغلب الدول الأوروبية للكثير من أشكال التعصب والتمييز العنصري ، بسب دينهم وحيانا بسب مظهرهم الخارجي خاصا في مجال التعليم أو العمل أو السكن ، حيث كشف استطلاع للرأي العام (على عينة شملت 10 آلاف و527 مسلماً في 15 دولة أوروبية تشمل النمسا وبلجيكا وألمانيا والدنمارك وفرنسا وهولندا والسويد (أجرته وكالة الاتحاد الأوروبي للتسوق الأساسية، أن 92% من المسلمين في أوروبا يعانون صوراً عدة من التمييز العنصري، وأن 53% من المسلمين في أوروبا واجهوا التفرقة العنصرية عند محاولات العثور على سكن بسبب أسمائهم، وأن 39% عانوا التمييز بسبب مظهرهم الخارجي عند سعيهم للحصول على عمل.

كما أشارت النتائج إلى أن النساء المسلمات يشكلن أغلب تلك النسب وأن 94% من النساء المحجبات المشاركات في الاستطلاع تعرضن لاعتداءات ومضايقات لفظية وجسدية وأن 22% منهن تعرضن لصور من الأعمال العدائية الهجومية، فضلا عن ارتفاع معدلات حوادث (الدهس) بدافع كراهية المسلمين والتي أصبحت ظاهرة عامة وتجاوزت أن تكون حوادث فردية لأن العنصرية باتت علانية أكثر من السابق.

وفي بريطانيا ارتفعت جرائم الكراهية ضد المسلمين بنسبة 40%، وفي فرنسا قرر العديد من رؤساء البلديات منع إقامة صلوات المسلمين في الشوارع وتحريم ارتداء النقاب، رغم أنه في فرنسا يعيش أكبر عدد من المسلمين في أوروبا، حيث تتجاوز أعداد المسلمين في فرنسا خمسة ملايين مسلم مع استمرار الجدل حول مدى أحقيتهم في بناء مساجد جديدة. وبحسب استطلاع أجراه معهد إيفوب-فيدوسيال الفرنسي، فإن 42% من المسلمين الذين يعيشون في فرنسا يؤكدون أنهم تعرضوا على الأقل لشكل واحد من التمييز المرتبط بديانتهم، وذلك لمرة واحدة على الأقل خلال حياتهم، ويقول 13% من المستطلعين إن تعرضهم للتمييز تم خصوصا أثناء عملية مراقبة أمنية،و 17% أثناء البحث عن عمل، و14% أثناء البحث عن سكن.

وكشف الاستطلاع أيضا عن أن حالات التمييز تمس أكثر الأشخاص في العمر بين ثلاثين وأربعين سنة والنساء (46% مقابل 38% بين الرجال) خصوصا إذا كن يرتدين حجابا، وتعرض 60% من النساء المحجبات لتمييز مرة واحدة على الأقل في حياتهن مقابل 44% بحق مسلمات غير محجبات.

خامسا: التمييز ضد أصحاب البشرة السمراء

كشف تقرير صدر عام 2017 فى فنلندا عن التمييز الذى يتعرض له المنحدرون من أصل إفريقى وتعرضهم للتمييز المنتظم والمنهجي. كما سلط تقرير برلمانى حديث فى المملكة المتحدة البريطانية الضوء على أن معدل وفيات النساء السود أثناء الولادة أعلى بخمس مرات من النساء البيض، وأن أكثر من 60% من السود فى المملكة المتحدة لا ينالون الرعاية الصحية الجيدة من قبل خدمة الصحة الوطنية، مقارنة بالأشخاص البيض. كما أظهر أحدث استطلاع أجرته وكالة الحقوق الأساسية فى الاتحاد الأوروبى حول هذا الموضوع أن 18% من المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 24 عامًا لا يعملون بأجر ولا يحصلون على التعليم أو التدريب. ويظهر أن واحدًا من كل خمسة مشاركين من أصل أفريقى يشعر بالتمييز العنصرى ضدهم فى الحصول على مسكن. وفى استطلاع نشرته اللجنة الأيرلندية لحقوق الإنسان والمساواة عام 2018، وجد أن السود محرومون من الوصول إلى الوظائف العليا، على الرغم من مؤهلاتهم الجيدة.

سادسا: الحرب الروسية الأوكرانية وعنصرية أوروبا البغيضة

جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتكشف عن الوجه القبيح للغرب وزيف الشعارات والقيم التى لطالما ينادون بها، حيث ظهرت العنصرية الفجة أثناء التغطية الإعلامية للحرب من قبل العديد من المراسلين والمحللين السياسيين فى قنوات فرنسية وأمريكية وصحف بريطانية، وذلك فى التعامل مع اللاجئين وإجراء مقارنات بينهم بحسب جنسياتهم وخلفياتهم العرقية والثقافية والقومية وتفضيل الأوكرانيين لأنهم أوروبيون ومتحضرون وبيض.

ومن أكثر المقاطع “العنصرية” التي نشرها الإعلام الغربي، لمذيعين وسياسيين أثناء تغطيتهم للأحداث الاوكرانية – الروسية، مقطع فيديو لمراسل شبكة CBS الأميركية ، خلال تغطيته المباشرة للعملية العسكرية الروسية، وتصريحه بأن ” الهجوم على أوكرانيا لا يمكن مقارنته بالحرب في العراق وأفغانستان لأن الأولى أكثر تحضراً”، مضيفا أن أوكرانيا “ليست مكاناً، مع كل الاحترام الواجب، مثل العراق أو أفغانستان، الذي شهد صراعاً مستعراً لعقود”، متابعا: “أوكرانيا متحضرة نسبياً، وأوروبية نسبياً، ولابد لي من اختيار هذه الكلمات بعناية أيضاً. هي مدينة، لا تتوقع فيها حدوث ذلك أو تأمل ألا يحدث ذلك”.
ومقطع فيديو لمراسلة “أن. بي. سي” الأميركية، التي علقت على أوضاع اللاجئين الأوكرانيين قائلة: “بصراحة تامة، هؤلاء ليسوا لاجئين من سورية، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا المجاورة. هؤلاء مسيحيون. إنهم بيض. إنهم مشابهون جداً للأشخاص الذين يعيشون في بولندا”.

كما تم تداول مقطع فيديو لمراسل إحدى القنوات البريطانية قال فيه إنّ الأوكرانيين “أناس أوروبيون، بعيون زرقاء وشعر أشقر. فيما تداول نشطاء تعلّيقا للصحافي الفرنسي فيليب كوربيه على قناة “بي أف أم تي في” الفرنسية بالقول ” لا نتحدث هنا عن سوريين هاربين من قصف النظام السوري المدعوم من فلاديمير بوتين… بل عن أوروبيين، يهربون بسياراتهم التي تشبه سياراتنا ..ويحاولون النجاة بحياتهم”.

لم تقف العنصرية في الأزمة الأوكرانية عند تصريحات الإعلام الغربي فقط، بل تعدت ذلك إلى التعامل مع حشود من الأفارقة حاولوا الفرار من أوكرانيا إلى بولندا، وتم منعهم من قبل عناصر قوات الامن الأوكرانية، التي منحت الأولوية بالفرار للأوكرانيين فقط. ونشر نشطاء مقاطع فيديو لأفارقه عالقين في أوكرانيا قرب منطقة حدودية بظروف إنسانية صعبة، يوجهون نداء استغاثة لمساعدتهم على العبور إلى بولندا، مؤكدين أن الأفارقة لم يمنحوا حق العبور عكس غيرهم من رعايا الاتحاد الأوروبي.

سابعا: تصاعد خطاب اليمين المتطرف في أوروبا

اتسعت خلال السنوات الأخيرة حركات اليمين المتطرف فى العديد من الدول الأوروبية، حيث أظهرت انتخابات البرلمان الأوروبي قبل عامين صعودا كبيرا للأحزاب اليمينية المتطرفة، ويعد حصول تلك الأحزاب في أوروبا على 105 مقاعد في الانتخابات الأخيرة مؤشرا خطيرا على صعود اليمين، خاصة فى خمس دول أوروبية تتمثل في إيطاليا وألمانيا والسويد و فرنسا و المجر.

ومع تنامي الحركات اليمينية المتشددة، تحولت العنصرية إلى شكل علني وأخذت طابع هيكلي ومؤسسي في العديد من المجالات مثل سوق العمل والتعليم والرعاية الصحية والإسكان، فضلا عن استخدام خطاب مكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي لتبرير استخدام العنف واتخاذ الإجراءات والتدابير ضد العرب والأفارقة والتى تفتقر إلى معايير حقوق الإنسان بالمخالفة للقوانين الدولية. وأشار تقرير للشبكة الأوروبية ضد العنصرية أن 10 إلى 15% من سكان الاتحاد الأوروبى يعتنقون أيديولوجيات عنصرية.

ومن جانبه، نشرمجلس أوروبا المعني بحقوق الإنسان، تقريرا على موقعه الرسمي في 27 فبراير 2020، يُورد فيه التأثير المتزايد للسياسات القومية المتطرفة وكراهية الأجانب في جميع أنحاء أوروبا، وخطاب الكراهية الذي يحدد النغمة في وسائل التواصل الاجتماعي، ومعاداة السامية المتفشية والكراهية المعادية للمسلمين، فضلاً عن البيئة العدائية متزايدة للمنظمات غير الحكومية التي تعمل مع الفئات الضعيفة.

يتضمن التقرير تصريحا للأمينة العامة لمجلس أوروبا مارييا بيتشينوفيتش بوريتش، حيث قالت : ” أوروبا تواجه واقعاً مروعاً: فجرائم الكراهية المعادية للسامية والمسلمين وغيرها من جرائم الكراهية العنصرية تتزايد بمعدل ينذر بالخطر، وأحدث مثال على ذلك إطلاق النار المتطرف في هاناو، ألمانيا، الذي قُتل فيه 9 أشخاص وجُرح عدة أشخاص. وغالبا ما تعجّل مثل هذه الأعمال الشنيعة بكلمات سامة ونظريات مؤامرة منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت”.

كما أورد تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية التابع للاتحاد الأوروبي فى 2020 ، أن السياسيين اليمينيين المتطرفين في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا طالبوا حكوماتهم بفرض ضوابط صارمة على الحدود. وانتقدت مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا “تقديس فكرة انعدام حدود في الاتحاد الأوروبي”، معتبرة أن “الحدود تحمي السكان، مهما كان الوضع”. وألقت أليس فيدل، التى كانت زعيمة حزب البديل اليميني لألمانيا، باللائمة في انتشار الفيروس على ما أسمته “عقيدة الحدود المفتوحة”.

وفي إيطاليا، طالب السياسي المحسوب على اليمين المتطرف سالفيني رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إلى الاستقالة، معتبرا أن قرار الأخير إنقاذ المهاجرين في البحر ساهم في انتشار الأمراض في الداخل. وقد أشارت الحكومة اليونانية بدورها إلى خطر الإصابة بفيروس كورونا كسبب لتضييق الخناق على طالبي اللجوء .

ووفقا لتقرير صادر عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات عام 2020 ، فإن الأحداث المتتالية في أوروبا تكشف عن أن اليمين المتطرف يكثف أكثر فأكثر استغلاله لكل قضية اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو سياسية محاولا التصعيد في كل مرة، ما يدل على أن “نية” اليمين المتطرف في أوروبا هو مضاعفة ضرباته و التكتل المستمر في كل مرة. لذلك فإن اليمين المتطرف سيستمر في انتهاج نفس الأساليب الداعية للكراهية و العنف، و سيستمر بانتهاكه للحقوق الفردية وكسر القواعد القانونية و السياسية الديمقراطية من خلال استغلال مسألة حرية التعبير والحق في ممارسة النشاط السياسي.

ووفقا للتقرير، من المحتمل كذلك أن يضاعف اليمين المتطرف من ضربته مستقبلا، مستغلا بذلك تراجع بعض الاقتصاديات الأوروبية بسبب الإنهاك المالي الناتج عن مواجهة فيروس كورونا، و سيقوم التيار اليميني المتطرف بعمل حملات دعائية لتوجيه الرأي العام، و القيام بهجمات عدائية ضد المجتمعات المحلية.

ثامنا: التمييز العنصرى يغزو الرياضة

وصلت العنصرية لمستويات غير مسبوقة في مجال الرياضة في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، حيث تزايدت حالات التعصب والكراهية ضد اللاعبين بسبب لونهم وجنسهم ودينهم، ليتعرض عدد كبير من الرياضيين لهتافات وشتائم وتحيات نازية، ووصل الأمر لتوقيع عريضة لعدم توظيف بعض اللاعبين أو حتى الحرمان من فرص اللعب أو الانضمام إلى فرق كرة القدم على أساس اللون أو الجنسية أو الدين.

هذه الأعمال المؤسفة من التعصب والتحيز دفعت الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لتشديد عقوباته ضد السلوك العنصري أو التمييزي من حظر جزئي على الجماهير التي تمارس انتهاكات عنصرية وتتم مضاعفة العقوبة، لتصل إلى خصم النقاط أو الاستبعاد من المسابقات حال تكرار السلوك التمييزي وسمح (فيفا) للحكام إذا لزم الأمر بإنهاء المباريات، واعتبار الفريق الذي مارست جماهيره تلك الانتهاكات خاسرا.

التــوصيـــــــــــــات
تُقدم هذه الدراسة التحليلة عددا من التوصيات للحد من مخاطر تنامى الكراهية والتمييز العنصر ي في القارة الأوروبية، ومنها:

 تبني سياسة للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله، مع ضمان تصرف جميع السلطات العامة على المستوى القومية والمحلية، بتعديل أو إلغاء أية قوانين أو أنظمة تكون مؤدية إلى إقامة التمييز العنصري.
 تجريم أي نشر للأفكار القائمة على التمييز أو التفوق أو الكراهية العنصرية، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها.
 إعلان عدم شرعية المنظمات التي تقوم بالترويج للتمييز العنصري والتحريض عليه، وحظر هذه المنظمات والنشاطات واعتبار الاشتراك في أيها جريمة يعاقب عليها القانون.
 عدم السماح للسلطات العامة أو المؤسسات العامة، القومية أو المحلية، بالترويج للتمييز العنصري أو التحريض علي،. أو تأييد أي تمييز عنصري يصدر عن أي شخص أو أية منظمة.
 اتخاذ التدابير الخاصة والملموسة اللازمة، على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لتأمين الحماية الكافية للأفراد المنتمين إليها، للحصول على حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
 يتعين على الدول وضع برامج للتوعية والتثقيف فى مجالي التسامح والتنوع ومناهضة العنف والكراهية.
 استحداث مؤسسات وإجراءات للمتابعة وإعداد التقارير وتوثيق المعلومات المتعلقة بحالات العنف والتمييز وانتهاكات حقوق الأفراد والجماعات، ومعالجتها وتعميمها على الهيئات المسئولة عن رسم السياسات وعلى عامة الناس بغية التصدى للمشكلات الراهنة وتفادى تكرار الحوادث مستقبلا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى