أوراق بحثيةدراسات اقتصاديةرئيسيعاجلغير مصنف

على وقع الحرب..أزمة سلاسل الإمداد العالمية تتفاقم وتُؤثر على الاقتصاد المصري

المـلخـص التنـفيـذي:

تُعد الحرب الروسية الأوكرانية الأقسى على الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، وطالت تداعياتها معظم اقتصادات العالم وذلك نظرا لثقل اقتصادات الدول المتصارعة، التي تستحوذ على حصة كبيرة من حجم الإنتاج والاستثمار والتجارة العالمية، والتأثير على حركة الاستثمارات الدولية في دول النزاع والاقتصادات المجاورة بعد إعلان مئات الشركات الدولية انسحابها، فضلا عن عدم تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة جائحة كورونا التى لاتزال تداعياتها حاضرة.

وفي ظل ارتباط تلك الحرب بكبرى الاقتصادات المصدرة لمواد الطاقة كروسيا وكبرى الاقتصادات الصناعية كدول الاتحاد الأوروبي الغربية، وكذلك كبرى مصدري الحبوب كدول منطقة البحر الأسود (روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا)، فقد ترك هذا الأمر آثارًا سلبية على أسعار الطاقة والحبوب والذهب والمعادن، ومع تراجع الثقة في مناخ الاستثمار والتعامل الاقتصادي في دول الصراع، إلى جانب الاضطربات في الموانئ التجارية بأوروبا الشرقية وتصنيفها كمنطقة خطر بالنسبة لشركات التأمين والشحن العالمي، تفاقمت أزمة التوريد العالمي المتواجدة بالفعل منذ بداية العام الماضي 2021.

وتأتي مصر فى مقدمة اقتصادات الدول الآخذة فى النمو الأكثر تأثرا، ومع ارتفاع حصة الواردات من المعروض السلعي المحلي، فضلًا عن تأثر مصادر النقد الأجنبي المتدفق للداخل بالتطورات الراهنة، تتعدد التداعيات ما بين سلبية وأخرى إيجابية.

وانطلاقا من تفاقم تحديات سلاسل الإمداد والتوريد فى ظل تنامي المخاطر الجيوسياسية الناشئة عن الصراع وارتفاع أسعار النفط والغاز وتقلب أسواق الأسهم، ترصد هذه الدراسة التحليلة الصادرة عن المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” أبرز ملامح أزمة سلاسل الإمداد والتوريد العالمية فى ضوء الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعياتها على الاقتصاد المصري. وتوصلت الدراسة إلى أهم النتائج التالية:

  • تعطل حركة الإنتاج والتجارة في الاقتصادات الكبرى المتصارعة سيكون له تأثيرا على العالم بأسره، وخاصة الدولة النامية الأكثر اعتمادًا على الواردات لتلبية احتياجاتها من السلع الصناعية والمنتجات النفطية.
  • تأثر حركة الاستثمارات الدولية في دول النزاع والاقتصادات المجاورة نتيجة انسحاب مئات الشركات العالمية العاملة في روسيا وبعض الدول المجاورة مثل شركات التكنولوجيا الأمريكية والأوروبية وسلاسل المطاعم العالمية إلى جانب نزوح العلامات التجارية الغربية المعروفة.
  • موجة قياسية من ارتفاعات أسعار السلع والخدمات المتاحة للمستهلكين تجتاح العالم، حيث ارتفعت أسعار المستهلك على مستوى العالم بنسبة 4.8%.
  • شهدت أسعار كافة مصادر الطاقة ارتفاعًا كبيرًا منذ إعلان الحرب الروسية في أوكرانيا؛ نتيجة المخاوف العالمية من تراجع المعروض العالمي وخروج منتج ومصدر ضخم (روسيا) من حركة التجارة العالمية للطاقة، أو على الأقل تراجع صادرات العالمية من الطاقة، بما يعني خسارة العالم لحوالي 11% من واردات الطاقة.
  • شهدت أسعار الغاز الأمريكي ارتفاعا في يوم 19 مارس 2022 عن أسعاره في العام الماضي بنسبة تتراواح مابين 72%، 75%، أما الغاز الأوروبي، فقد شهدت أسعاره قفزة قياسية إذ شهد ارتفاعًا بنسبة 821% عن العام الماضي، والفحم جاء مرتفعًا بنسبة 327%.
  • شهدت أسعار الحبوب بالأسواق العالمية ارتفاعا غير مسبوق، مع فقدان العالم لحصة اثنين من كبار مصدري الحبوب عالميًا، لا سيما وأن روسيا وأوكرانيا، تسهمان بنحو 29% من صادرات القمح العالمية، و19% من إمدادات الذرة في العالم، و80% من صادرات زيت دوار الشمس.
  • ارتفعت أسعار الذهب مع فرار المستثمرين إلى المعدن الثمين، فقد ارتفعت العقود الآجلة للذهب المتداولة في “نايمكس” بنسبة 3.4% خلال 24 ساعة، لتصل إلى 1938 دولار للأونصة، وبذلك وصل المعدن إلى أعلى قيمته منذ نهاية عام 2020.
  • ارتفعت أسعار وقود تشغيل السفن بنسبة 23% منذ بداية العام، وصُنفت منطقة البحر الأسود كمنطقة خطر، حيث أوقفت شركات النقل البحري الكبرى في أوروبا طلبات الشحنات الأوكرانية، كما أوقفت بعض خطوط الحاويات تلقي طلبات الشحن في روسيا.
  • بلغت الزيادة فى أسعار الشحن البحري والجوي 20% مع فرض علاوة مخاطر زيادة على أسعار النوالين البحرية، وتكبُد شركات الطيران أكثر من 34 مليون يورو أسبوعيا نتيجة الالتفاف حول المجال الجوي الروسي.
  • تعطيل خطوط إنتاج السيارات بسبب ارتفاع مخاطر نقص الرقائق بين شركات صناعة السيارات في روسيا، حيث تعتبر روسيا واحدة من أكبر منتجي المواد في السيارات الكهربائية، وكذلك السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل.
  • ارتفاع معدلات التضخم سيضغط على البنوك المركزية العالمية ويدفعها لاتباع سياسة نقدية تشييدية عبر ارتفاعات مرتقبة في أسعار الفائدة بالأسواق الأمريكية والأوروبية وأدوات الدين لديهم، وهو ما سيؤثر بالسلب على الاستثمارات الأجنبية؛ نتيجة ارتفاع تكلفة التمويل المصرفي.

الفرص والتحديات أمام الاقتصاد المصري:

  • الفرصة سانحة للغاز المصري للحصول على حصة جيدة من واردات أوروبا من الغاز الطبيعي؛ خاصة مع تزايد صادرات مصر من الغاز الطبيعي منذ عام 2018؛ حيث بلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال 3.9 مليارات دولار خلال عام 2021، بنسبة نمو 550%، وذلك من إجمالي 12.9 مليار دولار صادرات بترولية العام الماضي.
  • زيادة إيرادات قناة السويس جراء زيادة أعداد السفن التجارية المارة بها فى ظل ارتفاع احتمالية عرقلة ممر الشمال الروسي، وكذلك تضرر أو توقف العمل بموانئ البحر الأسود.
  • تضرر واردات مصر من القمح من منطقة البحر الأسود، حيث إن وارداتها من روسيا وأوكرانيا تُشكل حوالي 86% من احتياجاتها من القمح.
  • تضرر المصالح الاقتصادية المصرية الروسية بعد استبعاد روسيا من نظام التحويل المالي الذي يعرف باسم سويفت Swift، ومنع تسوية معاملاتها بالدولار الأمريكي، بما يقيد حركة التبادل التجاري والتحويل المالي بين البلدين.
  • موجة من ارتفاعات الأسعار أمام المستهلكين تشهدها السوق المحلية في ظل اعتماد مصر على سد نسبة كبيرة من احتياجاتها من الطاقة والغذاء من الخارج.
  • انخفاض حجوزات السياح الأوكرانيين والروس للسوق المصرية، وذلك بنسبة تصل إلى 35%، مما قد ينذر بافتقاد القطاع السياحي المصري أكثر من 70% من موارده.

وفي النهاية تُقدم الدراسة التحليلية مجموعة من التوصيات:

  • ضرورة التنسيق بين كل من السياسات النقدية فيما يتعلق بالسيطرة على التضخم والسياسات المالية فيما يتعلق بجانب تمويل عجز الموازنة العامة، وكذلك السياسات الداخلية والتى من شأنها الحفاظ على مستويات مقبولة من الدخول الحقيقة للأفراد خاصة الفئات الأولى بالرعاية للحفاظ على مستويات مقبولة من القوى الشرائية تُسهم فى الحفاظ على مستويات مقبولة من الطلب الفعال الذي يسهم فى استقرار نمو الناتج المحلى الإجمالى.
  • الاهتمام بملفات التصنيع المحلي وتحضير قوائم من السلع النهائية والوسيطة لتدشينها فى المجمعات الصناعية المزمع افتتاحها خلال العام المالى الجاري والبالغ عددها نحو 13 مجمعاً على مستوى الجمهورية.
  • تقديم مزيد من التسهيلات الإئتمانية لدعم المنتجين المحليين بما يسهم فى تطوير الصناعة المحلية وزيادة معدلات الإنتاج، وخفض الأثر الناتج عن تراجع سلاسل الإمداد العالمية.
  • ضرورة العمل على استراتيجية استقطاب كبرى الشركات المؤثرة فى سلاسل الإمداد العالمية للمساهمة فى تغطية عجز الميزان التجارى من جهة وتعزيز قدرات الاقتصاد المصري إقليميا وعالمياً.
  • التوجه نحو الزراعات الخارجية فى الدول الشقيقة (السودان) والدول الصديقة الإفريقية لتعميق الأمن الاستراتيجى المصري من جهة وتأمين الاستهلاك المتوقع من جهة أخرى.

مقدمـــــــــــة :

مع بداية الانفراجة في أزمة سلاسل الإمداد والتوريد supply chain ، واختفاء فوضى الموانئ، التي نتجت عن ارتفاع الطلب العالمي على السلع المختلفة عقب إنهاء الإغلاق العالمي؛ جراء الإجراءات الاحترازية لمقاومة انتشار عدوى جائحة كوفيد_19، وفى ظل محدودية الحاويات والشاحنات، واتجاه أسعار الشحن للانخفاض من ارتفاعاتها غير المسبوقة.. جاءت الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من عقوبات اقتصادية ومالية فُرضَت على موسكو من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لتُلقي بظلالها السلبية على ثقة الأعمال التجارية والمستهلكين وأسواق السلع، وتتجدد معها أزمة سلاسل التوريد التي لم تنتهِ بعد.

ولكن كان لأزمة سلاسل التوريد الحالية أسباب أخرى تتعلق بارتفاع أسعار المواد الخام وقلة المعروض؛ بسبب التقييد الذي فُرض على حركة السفن التجارية في القارة الأوروبية … وبناءً عليه؛ يتناول هذا التقرير أسباب تأثر الاقتصاد العالمي بهذا النزاع العسكري دون غيره، وملامح الأزمة الاقتصادية العالمية التي تسبب بها، وتأثير ذلك على إرباك حركة الأسواق وسلاسل التوريد على الاقتصاد العالمي بشكل عام والمصري على وجه التحديد.

أولًا: أسباب صدمة الاقتصاد العالمي من الحرب الروسية الأوكرانية:

فى ظل مصير يتسم بالغموض لحد غير مسبوق، تلقى الاقتصاد العالمي، الذى لا يزال يعاني من تداعيات جائحة كورونا، ضربة موجعة جراء الحرب الروسية الأوكرانية التى لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمآلاتها النهائية حال اتساع نطاقها وتغير موازين القوى العالمية. ومن المتوقع أن يتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تُقدر بنحو تريليون دولار، في شكل انكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحوالي 1% بنهاية عام 2022، مع زيادة التضخم العالمي بنحو 3 نقاط مئوية خلال هذا العام، وذلك نظرا للأسباب التالية:

  • ثقل اقتصادات الدول المتصارعة:

تُعد الحرب الحالية هي الأقسى على الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، لكونها هذه المرة بين الدول الصناعية الكبرى التي تستحوذ على حصة كبيرة من حجم الإنتاج والاستثمار والتجارة العالمية؛ حيث قُدِّر الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي بنحو 13.8 تريليون دولار في العام 2020، ممثلًا نحو 22% من الاقتصاد العالمي، وهو أكبر تكتل اقتصادي وسياسي عالمي، وتبلغ واردات أوروبا للعالم أكثر من 6 تريليونات دولار، وكذلك صادراتها تتجاوز 6.5 تريليونات دولار في العام 2020.

هذا إلى جانب ارتفاع حجم تجارة روسيا الخارجية خلال 2021 إلى 789.4 مليار دولار، وبلغت صادرات السلع من روسيا 493.3 مليار دولار في زيادة بواقع 45.7% على أساس سنوي، كما بلغت الواردات 296.1 مليار دولار بزيادة سنوية بواقع 26.5%.، وسجل احتياطي المركزي الروسي 643.2 مليار دولار، في 25 فبراير 2022، وهو ما يعد رقمًا قياسيًا، إذ يعادل أكثر من 17 شهرًا من عائدات الصادرات الروسية.

ومن ثم، فإن تعطل حركة الإنتاج والتجارة في هذه الاقتصادات الكبرى سيكون له تأثيرا على العالم بأسره، وخاصة الدولة النامية الأكثر اعتمادًا على الواردات لتلبية احتياجاتها من السلع الصناعية والمنتجات النفطية.

  • التأثير على حركة الاستثمارات الدولية في دول النزاع والاقتصادات المجاورة:

دفعت العقوبات الدولية مئات من الشركات العالمية العاملة في روسيا إلى الإعلان عن إنهاء أعمالها بها مثل شركات التكنولوجيا الأمريكية والأوروبية وسلاسل المطاعم العالمية إلى جانب نزوح العلامات التجارية الغربية المعروفة، وتوقف بطاقات الائتمان الصادرة عن البنوك الروسية التى تستخدم  أنظمة الدفع فيزا وماستركارد، وكذلك الحال بالنسبة للشركات العاملة في أوكرانيا، فعلى سبيل المثال: قالت شركة تويوتا اليابانية لصناعة السيارات أنها ستوقف إنتاجها في مصنعها في سان بطرسبرج، وأنها أوقفت واردات السيارات حتى إشعار آخر؛ بسبب تعطل سلسلة التوريد، بالإضافة إلى إيقاف جميع الأنشطة في أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022.

هذا وقد أعلنت شركتي شل وبي بيBp  البريطانيتين انسحابهما من مشروعات أو أصول مشتركة مع روسيا، وقررت شركة  “توتال إنرجي” الفرنسية تعليق الاستثمارات الجديدة في روسيا، وعلقت مجموعة الطاقة الإيطالية “إيني إبرام” عقود جديدة لشراء النفط والمنتجات النفطية من روسيا. كما تسببت الحرب في إيقاف مصانع السيارات في ألمانيا.

  • عدم تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة جائحة كورونا:

لا تزال تداعيات تفشي وباء كورونا تخيم على الاقتصاد العالمي، فبعد مرحلة الانكماش وتراجع النشاط الاقتصادي، صُدم العالم بموجة قياسية من ارتفاعات أسعار السلع والمنتجات، ليشهد أزمة في سلاسل التوريد مع عودة الطلب بأعلى من مستوياته الاعتيادية مع محدودية الحاويات والشاحنات، مما تسبب فى موجة قياسية من ارتفاعات أسعار السلع والخدمات المتاحة للمستهلكين، فيما يعرف بالتضخم؛ حيث ارتفعت أسعار المستهلك على مستوى العالم بنسبة 4.8%.

وكانت معدلات التضخم أكثر ارتفاعًا في الاقتصادات الناشئة؛ حيث وصلت لنسبة 5.8% خلال عام 2021، وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي، وهو ما لا يمثل خروجًا كبيرًا عن الاتجاهات الحديثة؛ حيث أوضح البنك الدولى أن ارتفاع التضخم، الذي يؤثر بشدة بشكل خاص على العمال ذوي الدخل المنخفض، عند أعلى مستوى منذ عام 2008 في الاقتصادات المتقدمة، والأعلى منذ 2011 في الاقتصادات الناشئة والنامية .. فهناك بعض الاقتصادات انحرفت عن المتوسط ​​بكثير. وتجدر الإشارة إلى أن معدل التضخم يبلغ 10.2% في البرازيل ، و19.9% في تركيا، و52.5% في الأرجنتين.

ثانيًا: ملامح تأثير الحرب على أسعار المواد الخام ومتطلبات الصناعة

في ظل ارتباط تلك الحرب بكبرى الاقتصادات المصدرة لمواد الطاقة كروسيا وكبرى الاقتصادات الصناعية كدول الاتحاد الأوروبي الغربية، وكذلك كبرى مصدري الحبوب كدول منطقة البحر الأسود (روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا)، فقد ترك هذا الأمر آثارًا سلبية على أسعار الطاقة والحبوب .. وغيرهما على النحو الآتي:

1- ارتفاع أسعار الطاقة:

شهدت أسعار كافة مصادر الطاقة ارتفاعًا كبيرًا منذ إعلان الحرب الروسية في أوكرانيا؛ نتيجة المخاوف العالمية من تراجع المعروض العالمي وخروج منتج ومصدر ضخم (روسيا) من حركة التجارة العالمية للطاقة، أو على الأقل تراجع صادرات العالمية من الطاقة، بما يعني خسارة العالم لحوالي 11% من واردات الطاقة.

هذا بجانب استغلال البعض لتلك التوترات، والقيام بأعمال المضاربة لتحقيق أرباح استثنائية، لتكن النتيجة، ارتفاع خام برنت بنسبة 66%، إذ شهدت أسعار برميل نفط برنت تقلبات عديدة ليتم تداوله ما بين 98 دولاراً للبرميل وحتى 139 دولاراً للبرميل، أي بفارق يزيد عن 40 دولاراً. مما دفع العديد من المستثمرين إلى التخارج لترتفع بذلك الضغوط على الأسعار.

وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من العقوبات التى تم فرضها على روسيا إلا أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لم يظهر علامات تُذكر على التراجع، وفضلا عن ذلك فقد تأثرت الأسعار بعدة عوامل أخرى منها تعثر المحادثات النووية مع إيران وتضاؤل مخزونات البترول والمخاوف بشأن زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا فى الصين .

شهدت أسعار الغاز الأمريكي ارتفاعا في يوم 19 مارس 2022 عن أسعاره في العام الماضي بنسبة تتراواح مابين 72%، 75%، أما الغاز الأوروبي، فقد شهدت أسعاره قفزة قياسية إذ شهد ارتفاعًا بنسبة 821% عن العام الماضي، والفحم جاء مرتفعًا بنسبة 327%، على النحو الذي يظهره الجدول الآتي:

طاقةالسعريوم٪أسبوعيشهرياسنة
الإيثانول2.46 0.0100-0.40%-2.19%14.42%34.24%
دولار أمريكي / غال
البروبان1.4 0.032.55%-4.03%8.82%52.85%
دولار أمريكي / غال
الغازولين3.233 0.01640.51%-2.39%17.40%66.38%
دولار أمريكي / غال
الميثانول2958 79.002.74%2.35%9.76%28.33%
يوان صيني
النفثا980.88 1.690.17%-5.63%14.35%70.46%
دولار / تي
اليورانيوم56.35 0.95001.71%-6.71%27.92%88.15%
دولار أمريكي / رطل
برنت108.35 1.71001.60%-3.83%13.59%67.91%
دولار أمريكي / برميل
زيت التدفئة3.5981 0.11073.17%5.28%25.95%97.45%
دولار أمريكي / غال
زيت خام104.95 2.12002.06%-4.01%14.08%70.82%
دولار أمريكي / برميل
غاز TTF100.5 4.59-4.37%-23.42%38.50%482.07%
يورو
غاز المملكة المتحدة240 9.7800-3.92%-22.84%38.30%456.84%
GBP
غاز طبيعي4.896 0.0850-1.70%3.62%10.49%93.14%
دولار أمريكي / مليون وحدة حرارية بريطانية
فحم334.5 2.75-0.82%-9.26%43.04%260.65%
دولار / تي

وبنظرة أكثر تفصيلًا عن النفط والغاز الطبيعي، فقد وصلت العقود الآجلة لخام برنت لأعلى مستوى لها منذ 2014؛ حيث وصلت لحوالي 108 دولارات للبرميل مرتفعة بأكثر من 13% عن أسعاره عن نفس الفترة من الشهر الماضي، وبنسبة 67% من نفس الشهر في العام الماضي، وذلك وسط مخاوف من المزيد من اضطرابات الإمدادات. ومن المرجح تواصل ارتفاعه في ظل التهديد الأوروبي والأمريكي بفرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي؛ حيث استهدفت الولايات المتحدة فى مارس الحالي قطاع تكرير النفط الروسي بفرض قيود كاسحة جديدة على الصادرات، وكذلك عددا من القطاعات الأكثر حساسية بالنسبة للاقتصاد الروسي.

وفي ظل تحذير الاتحاد الأوروبي لروسيا بإدخالها في عزلة دولية، والحديث الأوروبي المتكرر على تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، الذي يمثل حوالي ثلث الاستهلاك الإجمالي في القارة الأوروبية، ونحو 40% من حجم واردات دول الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي، وتحصل ألمانيا على أكثر من 50% من وارداتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وتحصل بعض دول الاتحاد الأوروبي على وارداتها بالكامل من روسيا، كمقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك ومولدوفا، وكان الاعتماد بنسب تزيد عن 90% من إمدادات الغاز في فنلندا ولاتفيا و89% في صربيا، وستكون إيطاليا أيضًا من بين أكثر الدول تأثرًا؛ حيث تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 46%، أما فرنسا فهي تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 24% فقط، بينما كان أكبر مصدر للغاز إلى فرنسا هي النرويج؛ حيث يتم استيراد 35% منها.

وقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 199 يورو لكل ميجاوات/ ساعة؛ حيث استمرت المخاوف من العقوبات وتعطل الإمدادات في السيطرة على معنويات السوق. حتى الآن، ورغم عدم استهداف العقوبات المفروضة بشكل صريح قطاع الطاقة الروسي، لكنها تجعل من الصعب على السفن الروسية توفير منتجات الطاقة؛ حيث يتم تقييد الوصول إلى الموانئ في أوروبا. في غضون ذلك، هددت بيلاروسيا بوقف تدفقات الغاز الطبيعي، بينما قالت روسيا إنها ستواصل تصدير الغاز الطبيعي. كما دخلت الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة جديدة بمزيد من القصف العنيف الذي قد يتسبب في إلحاق أضرار بخطوط الأنابيب الحيوية، ووقفت المخزونات الحالية عند أدنى مستوياتها التاريخية وقد لا تتمكن المرافق الأوروبية من إعادة تعبئة مخازن الغاز في الأجل القريب.

كما أن محاولة إيجاد إمدادات غازية لتعويض أوروبا بالغاز في الأجل القريب، ستتطلب جهودًا ضخمة لتحقيق الهدف وفى مقدمتها توافر محطات الإسالة الأوروبية، فضلًا عن ارتفاع تكلفة النقل وتأخره، مقارنة بالغاز الروسي الذي يصل أوروبا عبر الأنابيب، فمن المتوقع أن المعادلات السعرية ستختلف عن تلك مع الشركات الروسية المستمرة بعضها منذ عقد الثمانينيات.

وتجدر الإشارة إلى أن صناعة الغاز المسال لا تتوفر لديها نفس المرونة المتوفرة في صناعة النفط، فالعقود تخدم محطات كهرباء معينة، وأي تغيير في حجم الإمدادات أو مواعيد وصولها يؤثر سلبًا على الإنتاج المستمر للكهرباء.

2- ارتفاع أسعار الحبوب بالسوق العالمية:

مع تصاعد الصراع في منطقة البحر الأسود والدول المطلة عليه التي تُعد المورد الرئيس للقمح والحبوب حول العالم وتحديدًا، القمح الرخيص، والأضرار التي لحقت بالمزارع الأوكرانية، وكذلك تعطل تسوية الصفقات الروسية؛ بسبب خروجها من نظام السويفت، تشهد أسعار الحبوب بالأسواق العالمية ارتفاعا غير مسبوق.

ومن ثم، فإن فقدان العالم لحصة اثنين من كبار مصدري الحبوب عالميًا، لا سيما وأن روسيا وأوكرانيا، تسهمان بنحو 29% من صادرات القمح العالمية، و19% من إمدادات الذرة في العالم، و80% من صادرات زيت دوار الشمس، إلى جانب اتجاه المستوردين إلى إيجاد أسواق بديلة، جعل سعر القمح والأرز والذرة الأمريكي يرتفع بنسبة 60% و5% و21% عن الأسعار في الشهر الماضي.

زراعيالسعريوم٪أسبوعيشهرياسنة
فول الصويا1666.25 2.2500-0.13%-0.58%4.24%17.65%
/ بوشل[1]Usd
قمح1044.75 31.2500-2.90%-3.02%31.46%66.63%
Usd
أرز15.625 0.0850-0.54%-1.45%3.34%18.87%
USD / cwt
حبوب ذرة741.25 13.2500-1.76%-3.04%13.17%32.90%
USd / BU

وبالتالي تضررت الاقتصادات المستوردة للقمح والحبوب الأوكرانية على وجه التحديد، والتي تتركز في الاقتصادات النامية، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، بما قد يعرضها للأزمات في تحقيق الأمن الغذائي، وكذلك ارتفاع في تكلفة استيراد القمح؛ حيث يعد القمح الأوكراني من أرخص أنواع القمح عالميًا، وبالتالي إطالة أمد موجة التضخم العالمية الحالية، هذا بجانب ارتفاع تكاليف النقل من المسافات الأبعد، ما يرفع أسعار الأغذية العالمية إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات طويلة.

3الذهب والمعادن:

مع اندلاع الصراع في أوروبا الشرقية، ارتفعت أسعار الذهب مع فرار المستثمرين إلى المعدن الثمين، الذي يُنظر إليه – عادةً- على أنه أصل آمن، فقد ارتفعت العقود الآجلة للذهب المتداولة في “نايمكس” بنسبة 3.4% خلال 24 ساعة، لتصل إلى 1938 دولار للأونصة، وبذلك وصل المعدن إلى أعلى قيمته منذ نهاية عام 2020.

ولم يتوقف الارتفاع على الذهب وحسب، بل طال كافة المعادن، فعلى سبيل المثال، نجد الحديد في ظل الاعتماد في تصنيعه بنسبة كبير على الغاز الطبيعي، وبالتالي ارتفاع تكلفة إنتاجه، بجانب توقف المعروض الأوكراني خامس أكبر مصدر لخام الحديد عالميًا.

المعادنالسعريوم٪أسبوعيشهرياسنة
ذهب1921.01 21.63-1.11%-3.24%0.81%10.10%
دولار أمريكي / طن أوقية
فضة24.952 0.383-1.51%-3.29%4.24%-4.93%
دولار أمريكي / طن أوقية
نحاس4.709 0.02600.56%2.01%5.10%14.50%
دولار أمريكي / رطل
فولاذ4958 38.000.77%1.18%2.88%5.44%
يوان صيني / T.
خام الحديد141.5 0.000.00%-7.21%8.02%-14.24%
دولار / تي
الليثيوم497500 0.000.00%0.81%11.17%485.29%
يوان صيني / T.
البلاتين1022 1.160.11%-5.33%-4.89%-14.58%

ثالثا: ملامح أزمة سلاسل التوريد العالمية

الارتفاعات غير محددة المدى لأسعار الطاقة والحبوب والمعادن، وتراجع الثقة في مناخ الاستثمار والتعامل الاقتصادي في دول الصراع، بجانب الاضطربات في الموانئ التجارية بأوروبا الشرقية وتصنيفها كمنطقة خطر بالنسبة لشركات التأمين والشحن العالمي، اجتمعت تلك العوامل لتزيد أزمة التوريد العالمي المتواجدة بالفعل منذ بداية العام الماضي 2021، ومن أبرز ملامحها:

1-  ارتفاع تكلفة الشحن التجاري:

ارتفعت أسعار وقود تشغيل السفن بنسبة 23% منذ بداية العام، وصُنفت منطقة البحر الأسود كمنطقة خطر، حيث أوقفت شركات النقل البحري الكبرى في أوروبا طلبات الشحنات الأوكرانية وتجنبت الموانئ الرئيسة في البلاد، وحولت البضائع إلى وجهات أخرى. كما أوقفت بعض خطوط الحاويات تلقي طلبات الشحن في روسيا. وهو ما عرض سلاسل التوريد العالمية لضغوط، زاد من شدتها تعطل طرق النقل؛ حيث أغلقت السفن الروسية المتراكمة مضيق كيرتش الذي يربط بين البحر الأسود وبحر آزوف، ما يعني أنه لن تتمكن أية سفن تجارية من المرور.

هذا فضلًا عن تعطل حركة النقل الجوي؛ بسبب قرار إغلاق المجال الجوي لقطع وصول الخدمات اللوجستية للحرب، وبالتالي سيتأثر نقل البضائع من الصين والشرق عمومًا إلى أوروبا مع مرور الشحنات عبر المنطقة، مع احتمالية ارتفاع أقساط التأمين لشحن البضائع أو العبور عبر تلك المياه، بما سيجبر سلاسل التوريد لدفع مبالغ أكبر للشحن؛ حيث تقوم شركات الشحن في آسيا بتعديل جداولها؛ استجابة لارتفاع سعر وقود تشغيل السفن.

وهنا نشير إلى أن حصة الشحن البحري من التجارة العالمية تبلغ نحو 80%، والزيادة فى أسعار الشحن البحري والجوي بلغت 20% لاسيما مع فرض علاوة مخاطر زيادة على أسعار النوالين البحرية، وأن الالتفاف حول المجال الجوي الروسي يكلف شركات الطيران أكثر من 34 مليون يورو أسبوعيا.

2-  سلاسل توريد السيارات:

الصراع الحالي له تداعيات على شركات صناعة السيارات على مستوى العالم أيضًا؛ فقد أدى إلى تعطيل خطوط إنتاج السيارات لأن روسيا واحدة من أكبر منتجي المواد في السيارات الكهربائية، وكذلك السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل.

كذلك، تعد روسيا ثالث أكبر مورد للنيكل في بطاريات الليثيوم أيون، وتوفر 40% من البلاديوم، في حين أن حوالي 90% من إمدادات النيون تأتي من أوكرانيا، وفقًا لوكالة فيتش. لذلك، فإن اضطرابات تدفق أي من هذه المواد سيكون له تأثير مكلف على شركات صناعة السيارات في جميع أنحاء العالم، لاسيما في أوروبا التي تستحوذ على أكثر من 50% من صادرات المركبات العالمية.

3ارتفاع في أسعار المعروض السلعي العالمي:

العقوبات المالية التي فرضها الاتحاد الأوروبي وأمريكا على روسيا واستبعادها من نظام السويفت تعني فرض قيود في التحويلات المالية المصرفية، وقيود على التجارة الخارجية، وبالتالي ستتسبب في أضرار لكافة الدول التي ترتبط بروسيا بعلاقات اقتصادية ومالية، ولاسيما السوق الأوروبية، إذ يستحوذ الاتحاد الأوروبي على حوالي 42% من الصادرات الروسية أغلبها يتركز في الوقود (نفط وغاز طبيعي)، كما تشكل واردات روسيا من سوق الاتحاد الأوروبي نحو 34% من وارداتها.

وهو ما سيؤثر على الاقتصاد الروسي والأوروبي على حد سواء، ويضر بسلاسل التوريد العالمية، ليشكل ضغطًا إضافيًّا على معدلات التضخم المرتفعة؛ حيث وصلت لـ 5.8% في فبراير 2022، مقابل 5.1%  في يناير في منطقة اليورو، مقابل 0.5% في فبراير 2021، وفي المملكة المتحدة بلغت 5.5%، مقابل 0.4% في فبراير 2021.

وهناك الكثير من نقاط الاختناق المحتملة الأخرى، بدءًا من المواد الغذائية الأساسية والمعادن الاستراتيجية إلى السلع الفاخرة. وإجمالًا، يوجد لدى أكثر من 130 اقتصاد سلعة واحدة على الأقل يتم استيرادها في الغالب من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا المجاورة، بحسب وكالة بلومبيرج.

كما يرى محللون، أن الهجوم الروسي على أوكرانيا قد يضيف المزيد من الضغوطات على إنتاج أشباه الموصلات، إذ تنتج روسيا وأوكرانيا 40% إلى 50% من غاز النيون المستخدم في أجهزة الليزر التي تساعد في تصميم أشباه الموصلات، كما تنتج روسيا 37% من إنتاج العالم من معدن البالاديوم المستخدم في الرقاقات الإلكترونية.

ومع تشديد العقوبات على روسيا، والتي ستلجأ إلى تغطية النقص في وارداتها خاصة من الأسواق الغربية عن طريق حليفها الاستراتيجي “الصين” سينعكس ذلك بالسلب على سلاسل التوريد الصينية لبقية دول العالم وسيصبح العالم أمام سبب جديد لارتفاع التضخم العالمي.

كما أنه في حال انقطاع الغاز الروسي عن أوروبا سيترجم ذلك بالارتفاع الإضافي في أسعار الغاز، بما يؤدي إلى ارتفاع وتضخم كبير في الدول الأوروبية التي هي دول صناعية، بالتالي فإن منتجاتها التي تصدرها إلى كل دول العالم، والتي تشكل حوالي 38% من الصادرات العالمية، والتي تتركز في الآلات والمعدات الكهربائية والميكانيكية التي تشكل حوالي 80% صادرات تلك السلع العالمية والمركبات (50.7% من الصادرات العالمية للمركبات)، والمنتجات الصيدلانية (حوالي 80% من العالمية)، وغيرها من المنتجات التي ستتأثر صناعتها في أوروبا؛ إما بفعل هروب الاستثمارات من الأراضي المتصارعة والخوف من انتقال التدخل الروسي في بقية دول أوروبا الشرقية التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي السابق، أو بسبب اضطرابات حركة الملاحة البحرية والقلق من عمليات القصف وكذلك ارتفاع أسعار الطاقة وتراجع إمدادات الطاقة من روسيا وبيلاوسيا لبقية الدول الأوروبية على خلفية العقوبات المفروضة.

وتجتمع تلك الأسباب لتؤثر على إمدادات سلاسل التوريد من تلك السلع التي تمثل الحصة الكبرى من سلاسل التوريد العالمية كما يتضح من الشكل الآتي:

وسيرتفع سعرها وتنخفض تنافسيتها الأمر الذي ينقل التضخم إلى كل دول العالم، وحتى ولو هدأت الأزمة ستكون أكثر كلفة؛ ارتباطًا بارتفاع تكلفة التأمين والإجراءات المتعلقة بالنفاذ إلى الأسواق، وبالتالي فإن عنوان الأضرار العالمية من الحرب في أوكرانيا هو ارتفاع الأسعار في كل شيء، فلن تقف الأسعار المرتفعة على قطاع بعينه، وستتأثر كافة القطاعات بارتفاعات في الأسعار.

ومن زاوية مختلفة، سيضغط ارتفاع معدلات التضخم على البنوك المركزية العالمية باتباع سياسة نقدية تشييدية عبر ارتفاعات مرتقبة في أسعار الفائدة بالأسواق الأمريكية والأوروبية وأدوات الدين لديهم، وهو ما سيؤثر بالسلب على الاستثمارات الأجنبية؛ نتيجة ارتفاع تكلفة التمويل المصرفي.

رابعًا: تداعيات أزمة سلاسل التوريد على الاقتصاد المصري

في ظل انكشاف الاقتصاد المصري على الاقتصاد العالمي، مع ارتفاع حصة الواردات من المعروض السلعي المحلي، فضلًا عن تأثر مصادر النقد الأجنبي المتدفق للداخل بالتطورات الراهنة، لا تُعتبر مصر بمنأى عن التأثيرات الاقتصادية التى تطال جميع اقتصادات العالم، ونرصد أبرز التداعيات الحالية على الاقتصاد المصري التى تتعدد ما بين سلبية وأخرى إيجابية، وهي كالتالي:

  • فرص جيدة لتصدير الغاز المصري لأوروبا:

مع تصاعد الحديث الغربي عن تشديد العقوبات على روسيا، والتي قد تطال صادراتها من الغاز الطبيعي خاصة لأوروبا، تُعد الفرصة سانحة للغاز المصري للحصول على حصة جيدة من واردات أوروبا من الغاز الطبيعي؛ خاصة مع تزايد صادرات مصر من الغاز الطبيعي منذ عام 2018؛ حيث تحولت مصر منذ هذا العام من دولة مستوردة للغاز إلى مصدرة، وبلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال 3.9 مليارات دولار خلال عام 2021، بنسبة نمو 550%، وذلك من إجمالي 12.9 مليار دولار صادرات بترولية العام الماضي، وبالتالي ستستفيد مصر من احتمالية وقف تصدير الغاز الروسي لأوروبا، عبر إتاحة فرص الإقبال على الغاز المصري؛ لتعويض نقص إمداد الغاز الروسي لأوروبا، والاستفادة من الأسعار المرتفعة للغاز.

  • قناة السويس .. بين التضرر والفرص الكامنة:

مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد وتيرتها، سيؤثر هذا الأمر على قناة السويس بشكل إيجابي تارة، وسلبي تارة أخرى، فعلى المستوى الإيجابي نجد ارتفاع احتمالية عرقلة ممر الشمال الروسي، وكذلك  تضرر أو توقف العمل بموانئ البحر الأسود، فإن ذلك سيمنح  قناة السويس فرص أكبر لاستقبال المزيد من السفن التجارية، بالإضافة إلى أنها طريق مختصر لحاملات النفط من الخليج العربي إلى أوروبا، وكذلك في الربط بين جنوب شرق آسيا وأوروبا، الأمر الذي يزيد من الوفورات في التكلفة والوقت للخطوط الملاحية، مما يجعل من قناة السويس الخيار الأول خاصة للسفن القادمة من شمال غرب أوروبا والمتجهة إلى آسيا، بما يساعد القناة على المحافظة على حصتها في حركة عبور النفط، وبالفعل حققت هيئة قناة السويس خلال العام 2021 أعلى إيراد سنوي في تاريخ القناة بلغ 6.3 مليارات دولار، وأكبر حمولات صافية سنوية بلغت 1.27 مليار طن، متجاوزة بذلك كافة الأرقام التي تم تسجيلها من قبل.

ولكن في المقابل، سيكون هناك تراجع لمرور السفن الأوكرانية، خاصة فيما يتعلق بسفن نقل الحبوب والقمح لحصر نسبة مرور تلك السفن بالقناة، خاصة وأن أبرز أسواق الاستيراد للحبوب الأوكرانية في منطقة الدول العربية وجنوب شرق آسيا، وتمر عبر قناة السويس.

  • تضرر واردات القمح من منطقة البحر الأسود:

وذلك بسبب التوتر العسكري في منطقة أوكرانيا والدول المحيطة التي تعتمد عليها مصر في سد فجوة استهلاك القمح محليًا، إذ تعد مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم؛ حيث استوردت حوالي 60% من مشترياتها من القمح العام الماضي من روسيا وحوالي 26% من أوكرانيا. أي أن واردات مصر من القمح من البلدين تشكل حوالي 86% من احتياجاتها من القمح، الذي يعد مصدر الغذاء الرئيس لكافة المواطنين والمقيمين.

وفي ظل تضرر مزارع القمح الأوكراني التي تتركز في المنطقة الشرقية مركز التدخلات العسكرية، وكذلك الارتفاع الحالي لأسعار القمح عالميًا، يجعل مصر – باعتبارها أكبر مستورد للقمح عالميًا بقيمة تجاوزت الـ 12 مليار دولار – مهددة بتراجع وارداتها من القمح ومخزونها الاستراتيجي منه؛ نظرًا لأن كميات القمح المطلوب توفيرها للمخابز المدعومة نحو 8.610 ملايين طن قمح يتم استيراد 5.111 ملايين طن قمح منهم لتوفير نحو 89 مليار رغيف، بالإضافة إلى 651 ألف طن قمح لتوفير دقيق المستودعات.

ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الخزانة العامة للدولة؛ حيث خصصت وزارة المالية نحو 12 مليار جنيه مخصصات إضافية لشراء القمح بعد ارتفاع الأسعار العالمية. وفي حال استمرار الأسعار العالمية في الارتفاع، قد تلجأ الحكومة المصرية إلى مراجعة تسعير بيع رغيف الخبز المدعوم؛ خاصة على خلفية تصريح سابق للرئيس “عبد الفتاح السيسي”، بأن منظومة تسعير رغيف الخبز المدعم يجب أن يعاد النظر فيها؛ لاسيما وأن سعره البالغ 5 قروش لم يتغير طيلة 33 عامًا، بينما تتخطى التكلفة الفعلية أكثر من 60 قرشًا للرغيف، وهو ما تسبب في رفع مخصصات دعم الخبز،  والتي تستحوذ على ما نسبته 53% من إجمالي مخصصات دعم السلع التموينية؛ حيث يبلغ عدد المستفيدين من دعم رغيف الخبز ودقيق المستودعات نحو 71 مليون فرد.

ولكن وضعت الحكومة المصرية خطة للتحوط ضد أزمة القمح بالسوق العالمية، عبر إيجاد أسواق بديلة واستيراد القمح من 14 سوقًا بديلة لروسيا وأوكرانيا، كما رفعت الحكومة أسعار شراء القمح من المزارعين محليًا بنسبة 15%؛ لتشجيعهم على الزراعة، بما يقلل احتياج مصر من القمح المستورد.

كما عملت على زيادة المخزون الاستراتيجي المصري من القمح الذي يكفي لـ5 أشهر، واعتبارًا من 15 إبريل المقبل سيتم ضم الإنتاج المحلي من القمح؛ ليكون الإجمالي لمدة 9 أشهر.

  • تضرر المصالح الاقتصادية المصرية/ الروسية:

التهديد الغربي بتشديد العقوبات الاقتصادية على روسيا، سيضر كافة الدول التي تدخل في شراكات اقتصادية مع الجانب الروسي، ومن بينها مصر؛ حيث تعني العقوبات استبعاد روسيا من نظام التحويل المالي الذي يعرف باسم سويفت Swift، وهو خدمة لإرسال الأموال عبر العالم، وكذلك منع تسوية معاملاتها بالدولار الأمريكي، وكذلك إمكانية إدراج بعض البنوك الروسية في القائمة السوداء، مما يجعل من الصعوبة على أي شخص في العالم إجراء معاملات معها، بما يقيد حركة التبادل التجاري والتحويل المالي بين البلدين.

وبالتالي تضرر العلاقات المصرية مع روسيا، والتي تنامت بشكل كبير في السنوات الماضية؛ حيث تمثل مصر الشريك التجاري الأول لروسيا في إفريقيا بنسبة تعادل ٨٣% من حجم التجارة بين روسيا وإفريقيا، كما تحصل مصر على نسبة 33% من حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية.

كما وصل عدد الشركات الروسية في مصر إلى 467 شركة، وتعمل بمجالات مختلفة مثل البترول والغاز، كما أن المنطقة الصناعية الروسية في مصر يتوقع أن تضخ استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار، وتوفر 35 ألف فرصة عمل.

وتتركز أبرز الواردات الروسية لمصر، في سلع استراتيجية، مثل: الحبوب والوقود المعدني والمعادن والطائرات والنحاس والأخشاب والحديد والصلب ومنتجاتهم والسكك الحديدية والأجهزة الكهربائية، فيما تمثلت الصادرات المصرية لروسيا في: الخضروات والفاكهة والملابس وملحقاتها، كما تعتمد مصر على روسيا في تدشين أول محطة طاقة نووية بمصر (محطة الضبعة النووية)، بموجب اتفاقية بمقتضاها توفر روسيا حوالي 80% من المكون الأجنبي، وتوفر مصر حوالي 20%، وتضم المحطة النووية وفقًا للاتفاقية في المرحلة الأولى 4 وحدات قدرة كل منها حوالي 1200 ميجاوات، هذا فضلا عن دور السائحين الروس الذين يشكلون ما بين 30 – 40%  من السياح الوافدين لمصر في تعزيز الإيرادات السياحية المصرية.

  • ارتفاع معدلات التضخم المحلي:

الارتفاعات القياسية في أسعار الطاقة والغذاء تُلقي بظلالها على معدلات التضخم المحلية في ظل اعتماد مصر على سد نسبة كبيرة من احتياجاتها من الطاقة والغذاء من الخارج، وبالتالي ارتفاع تكاليف استيرادهم، بما يرفع من تكلفة التصنيع المحلي، وتحمل المستهلك فارق ارتفاع التكلفة. هذا بجانب ارتفاع أسعار السلع المستوردة؛ نظرًا لنفس الأسباب، لتكون المحصلة النهائية موجة من ارتفاعات الأسعار أمام المستهلكين في السوق المحلية؛ حيث يقوم ملاك السفن التجارية بنقل عبء الزيادة في أسعار الوقود إلى مستأجري السفن، ومن جانبهم سوف يقوم مستأجرو السفن وكذلك ملاكها ومشغلوها بمحاولة نقل عبء الزيادة في سعر الوقود إلى الشاحنين أو متعهدي الشحن في شكل علاوة ارتفاع أسعار الوقود.

ويُتوقع على إثر ذلك ارتفاع فى قيمة نوالين الشحن التي ستحمل بالتبعية على المصدرين والمستوردين، ثم يتحملها المستهلك النهائي في آخر الأمر، وهو ما يسهم فى تعزيز الضغوط التضخمية، ولاسيما وأن مصر تعتمد على الاستيراد من الخارج في تلبية جزء كبيرة من احتياجاتها.

وتعد أوروبا الشريك التجاري الأول لمصر ومن أهم المجموعات السلعية التي استوردتها مصر من أوروبا: المركبات والآلات والمعدات الكهربائية والميكانيكية والمنتجات الصيدلانية، والحبوب والحديد والصلب ومنتجاتهما والوقود المعدني والزيوت المعدنية والطائرات والأخشاب ومنتجاتها والبلاستيك ومنتجاته .. تلك السلع التي يتوقع لها المزيد من الارتفاع في أسعارها.

هذا فضلًا عن، انعكاس ارتفاع الأسعار العالمية للنفط، على أسعار المشتقات النفطية التي تستوردها مصر، وبالتالي فمن المتوقع أن ترتفع أسعارها السوقية خلال الفترة القادمة، ولاسيما في ظل العمل بآلية التسعير التلقائي للنفط الذي تتم مراجعته كل ثلاثة أشهر.

  • تراجع السياح من أوروبا الشرقية وروسيا:

انعكست الأزمة الحالية على السياحة الوافدة من أوروبا الشرقية؛ في ظل تشكيل السياح الروس والأوكرانيين القادمين إلى مصر ما بين 30 – 40% من السياح الوافدين لمصر، ولكن تسببت الأزمة بالفعل في انخفاض حجوزات السياح الأوكرانيين والروس للسوق المصرية، وذلك بنسبة تصل إلى 35%، وفقًا لتصريحات الفاعلين بالسوق السياحية، ما يعيد السياحة المصرية لفترات الركود التي لم تستفق منها حتى الآن، مما قد ينذر بافتقاد القطاع السياحي المصري أكثر من 70% من موارده.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى