تقاريرتقدير موقفرئيسيعاجل

3 سيناريوهات محتملة للعلاقات الروسية الصينية وتداعياتها على مصر والمنطقة العربية

تحالف عسكري أم تقارب استراتيجي؟

تُعد الحرب الروسية الأوكرانية ” لحظة محورية ” قد تُؤثر على هيكلية النظام العالمي ونظام التحالفات الدولية وما يتبعها من تحولات جيوسياسية واسعة، فالصراع حاليا أكبر وأبعد من أوكرانيا وإن كانت ساحته الرئيسية ومن يكتوى بنيرانه، إلا أن مستقبل النظام العالمى ومواقع القوى الدولية هي محور الصراع الحقيقي.

وعلى الرغم من تسارع وتيرة التقارب الروسي الصيني في السنوات الأخيرة – مدفوعًا بشعور مشترك بالتهديد من الولايات المتحدة وحلفائها – غير أن الحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها على تلك العلاقة الاستراتيجية، فثمة مراقبون يصفون العلاقات الروسية الصينية الحالية بأنها تحالف، بينما يجادل البعض بأن العلاقة تتطلب معالجة بعض الجوانب اللازمة للتحول إلى تحالف دائم، وهناك مراقبون آخرون يرون أن لكل من روسيا والصين استراتيجيته المستقلة الساعية نحو إعادة تشكيل النظام العالمي والتى تتلاقي حينًا وتتنافر حينًا آخر.

ولهذا، يستعرض التقرير الموقف الرسمي الصينيى ويضع عدة سيناريوهات محتملة لطبيعة وشكل العلاقات الروسية الصينية خلال الفترة القادمة، ومدى تأثيرها على المنطقة العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص.   

أولا: الموقف الرسمي الصيني

يرتكز الموقف الرسمي للصين بشأن الحرب الدائرة رحاها الآن، في المؤتمرات الصحفية والمحادثات الدبلوماسية مع كل من القادة الغربيين والروس على محورين، الأول يتمثل فى التأكيد على أن الصين قوة للحفاظ على السلام العالمي، والاعتراف بسيادة أوكرانيا ، مع التأكيد على ضرورة وقف الحرب واللجوء إلى مفاوضات لوضع حد للأزمة الإنسانية في أوكرانيا، أما المحور الثاني فيركز على ضرورة التعاطي مع المخاوف الأمنية الروسية وهو النهج نفسه الذي اتبعته الصين خلال ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014.

وعليه، يرى محللون سياسيون أن الدعم الصيني لروسيا فى أزمة أوكرانيا لم يتعد حيز المؤازرة السياسية الرمزية، وذلك على غرار ما حدث عام 2014.

ثانيا:السيناريوهات المحتملة للعلاقات الروسية الصينية

 1- سيناريو إنشاء تحالف روسي صيني

دفع تعامل الغرب مع الأزمة الأوكرانية كلا من موسكو وبكين إلى مزيد من الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد التي تسعى إلى إصلاح النظام العالمي وتحوله إلى نظام تعددي الأقطاب يطوى صفحة الهيمنة الأحادية الأمريكية، والحقيقة أن الصين كانت في طليعة المواجهة منذ الحرب التجارية، لكن تقف روسيا الآن في الطليعة حيث يتناوب القوتان على تحمل العبء الأكبر من حيث مقاومة الهيمنة الأمريكية.

أوكرانيا بداية لصراع عالمي

هناك خبراء يرون أن التصعيد الحاد للصراع مع روسيا لا ينفصل عن الصراع بين الولايات المتحدة والصين، بل إن الخصم الاستراتيجي الأول الذي تنظر إليه الولايات المتحدة هو الصين وليس روسيا، لاسيما وأن الدول الآسيوية من الناحية الاستراتيجية أكثر أهمية للإمبريالية الأمريكية من أوكرانيا وأوروبا الشرقية. هذا ما يعني أن حرب أوكرانيا هي بداية لمزيد من الصراعات العالمية في المستقبل.

ويمكن اعتبار الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا هي “شراكة بلا حدود” والتى  كانت بمبادرة من الرئيس الصيني شي جينبينج وليس من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وذلك لتعزيز سلطته بشكل أساسي على مسرح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، والتي تم مقاطعتها إلى حد كبير من قبل قادة العالم (21 فقط حضروا مقابل 68 في عام 2008).

الصين وروسيا..مصالح وخِصم مشترك

هذا علاوة على اعتبار الصين أن وجود روسيا كشريك يكفل لها مواصلة إمداداتها الغذائية وكذلك المواد الخام الأخرى إذا نفذت الولايات المتحدة أقصى قدر من الإكراه الاستراتيجي ضد الصين حال اندلاع حرب في مضيق تايوان أو في بحر الصين الجنوبي ، أى أن نقاط القوة في الصين وروسيا مكملتان لبعضهما البعض في المجال الاستراتيجي ، وسيؤدي تعاونهما إلى تحقيق إمكانات جيوسياسية لا نهاية لها ، قد تمتد إلى احتواء اليابان ، فضلاً عن انضمام الهند لهذه الشراكة .

وهنا تجدر الإشارة إلى أن التوجهات السياسية والاقتصادية لروسيا والصين قد لا تكون متوافقة، ولكن هناك مصلحة لكل منهما في التقارب تتمثل فى دعم بعضهما البعض أمام خصم مشترك ألا وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

تنعكس أهمية العلاقات الصينية الروسية في جوانب مختلفة، كالدعم الدبلوماسي المتبادل وهو ماتجلى خلال الحرب الروسية الأوكرانية حيث دعمت الصين التخوف الروسي من توسع حلف الناتو وكذلك تحتاج الصين  للدعم الروسي تجاه الشئون المتعلقة بجزيرة تايوان وهونج كونج وشينجيانج.

التحالف الروسي الصيني..السيناريو الأسوأ لأمريكا

كما تبرز أهمية التعاون بين روسيا والصين على المستوى العسكري حيث تُفضل الصين تعزيز العلاقات مع روسيا بُغية تشكيل جبهة رادعة للولايات المتحدة وحلفائها فى ظل تسريع اكتساب الصين للتقنيات الرئيسية التي لا تستطيع الصين صناعتها وهو ما يجعل وصول التعاون إلى مستوى التحالف هو السيناريو الأسوأ  للولايات المتحدة وهو مايحمل معه احتمالية تعرضه لمحاولات اختراق غربية وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

قيود ومعوقات

هناك كثير من المراقبين يؤكدون وجود قيود وعراقيل أمام تكوين تحالف روسي صيني على خلفية أنهما قوى متنافسة، غير أن قادتهما استطاعا وضع إطار يُمكن من خلاله التعامل مع وضع التنافس  – وهو أمر تفتقر إليه الولايات المتحدة حاليًا في علاقاتها مع روسيا أو الصين. والأهم من ذلك ، أن الرغبة المشتركة في تجنب المواجهة العسكرية قد أرست أرضية تضمن استقرار وعدم تدهور العلاقات الروسية الصينية .

وفى هذا السياق، هناك قلق صيني من أن التحالف مع روسيا قد يُعطل مبادرة “الحزام والطريق” لا سيما وأن أكثر من 80% من حركة السكك الحديدية الصينية إلى أوروبا تمر قرب مناطق الصراع.

2- سيناريو شبه تحالف

من الناحية النظرية إن سقف العلاقات بين روسيا والصين غير محدود ، لكن في الممارسة العملية يعتمد على التكاليف والفوائد ، وإذا ما أقدمت روسيا والصين على تشكيل تحالف سيتبعه التزامًا دفاعيًا متبادلًا، وهو أمر باهظ التكلفة ماديًا وسياسيًا ، فقد يجر هذا التحالف أي منهما إلى حرب مع الولايات المتحدة وحلفائها قد يكون في غنى عن تلك الحرب.

أما عن الفوائد التي يقدمها التحالف الثنائي لن تتجاوز قليلاً تلك المتعلقة بترتيب عدم الاعتداء، خاصة وأن كل من روسيا والصين قوى نووية ويمكن لأي منهما بشكل منفرد مواجهة التهديدات العسكرية التي تتجاوز تلك القوات العسكرية التقليدية.

ومن ثم، فإن عدم وجود تحالف واسع النطاق بين روسيا والصين لا يقيد تعاونهما العسكري والأمني فقد يكون في حدود التشاور والتنسيق فيما يتعلق بالشئون الأمنية والاقتصادية وقضايا السياسة الأخرى، ولكن مثل هذا التنسيق من شأنه إثارة قلق الولايات المتحدة والغرب، خاصة إذا ما تزامن ذلك مع مشاركة موسكو للتكنولوجيا العسكرية مع بكين، لتتحول الصين إلى عملاق اقتصادي وعسكري ، مثلما حدث عند حصولها على منصات ومعدات روسية متقدمة كانت حاسمة في تحديث جيش التحرير الشعبي ، وعلى الجانب الروسي تعد الصين سوقًا خارجيًا مهمًا للأسلحة الروسية بينما يعاني الاقتصاد الروسي تحت وطأة العقوبات الغربية.

3-  سيناريو التعامل المنفرد

يرى مراقبون أنه نظرا لمحدودية المكاسب الصينية جراء التحالف الاستراتيجى أو شبه التحالف المحتمل مع موسكو، فمن المرجح أن تتجنب الصين الاصطدام بالولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب مما قد ينجم عنها من خسائر يستعصى تعويضها خاصة فى ظل تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني بفعل تداعيات جائحة كورونا والتراجع السريع في قطاع العقارات، فضلا عن أزمات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية.

وبالنظر إلى  شراكة  “بلا حدود”، نجد أن ما تستطيع أن تُقدمه الصين لروسيا محدود ولن يكون له تأثير يُذكر على موارد روسيا لاستمرار الحرب ، فما أظهرته الدولتان من دعم دبلوماسي وسياسي لبعضهما البعض لتضخيم موقفهما الدولي على خلفية الديناميكيات العالمية والإقليمية المضطربة، يُناقض واقع العلاقات حيث اقتصرت القيادة الصينية على دعم موقف روسيا ضد توسع الناتو، على الرغم من إمكانية وجود مستوى أكبر من الدعم الدبلوماسي الصيني لموسكو، وهو الأمر غير المرجح أن يتطور إلى خطوة أكثر عمقا. 

وبشكل عام ليس هناك إجماع صيني على تعميق العلاقات الروسية الصينية وذلك للاعتبارات التالية:

  • الإضرار بالمصالح الصينية : ثمة انقسام داخلي بالحزب الشيوعي الصيني على مدى التقارب والشراكة بين روسيا والصين فهناك تيار برئاسة رئيس الوزراء المتقاعد لي كه تشيانج الرجل الثاني في القيادة بعد الزعيم شي جين بينج، والمدعوم من قطاعات من الرأسماليين، يرى أنه يجب على الصين أن تنأى بنفسها عن روسيا، وهو ما ينعكس إلى حد ما في الرسائل المتناقضة الصادرة من بكين.

يعتقد القسم المناهض لسياسة الرئيس” شي ” أن تلك الشراكة من شأنها الإضرار بالاقتصاد الصيني، فقد يمكن أن يُوجه التهديد بفرض عقوبات ثانوية ضربة قاسية للاقتصاد الصيني في وقت يتراجع فيه النمو المحلي بشكل خطير خاصة وأن الحكومة أعلنت في المؤتمر الشعبي الوطني في 5 مارس هدفًا بنسبة 5.5 % من إجمالي الناتج المحلي لعام 2022 ، وهو أدنى هدف منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.

كما أن إطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية من شأنه أن يجلب الفوضى لأسواق رأس المال الدولية ، وسلاسل التوريد ، والاقتصاد العالمي ككل، وهذا مالاترغب فيه الصين .

  • المصالح الصينية الأوروبية : يُعد الاتحاد الأوروبى الشريك التجارى الأول لروسيا حيث تجاوز حجم التبادل التجاري الصيني مع الاتحاد الأوروبي 709 مليار دولار عام 2020 ، فضلا عن رغبة الصين فى أن تصبح أوروبا قطبًا صلبًا واحدًا في تشكيل عالم متعدد الأقطاب يتمتع بقدر أكبر من الاستقلال الاستراتيجي عن الولايات المتحدة.
  • المصالح الصينية الأمريكية: ارتفع حجم التبادل التجاري بين الصين وأمريكا في نهاية عام 2020 بنسبة 8.3 % ليصل إلى 586 مليار دولار، وفقا لبيانات هيئة الجمارك الصينية، وهو ما يمثل قرابة أربعة أضعاف حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين والذى بلغ نحو 140.705 مليار دولار.
  • أوكرانيا وتايوان “ليسا نفس الشيء” : يؤكد الحزب الشيوعي الصيني أن تايوان ليست “دولة”، بينما أوكرانيا دولة مستقلة كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي. والجدير ذكره هنا أنه ربما يعتقد الرئيس الصيني أن الصراع في أوكرانيا من شأنه أن يقوي نفوذه في مضيق تايوان من خلال تحويل الموارد العسكرية الأمريكية إلى أوروبا وممارسة ضغط أكبر على اليابان من خلال تحالفه مع روسيا.

ولهذا، فإنه على الرغم من تسارع وتيرة التقارب الروسي الصيني، إلا أن فرص إبرام تحالف عسكري بين الدولتين على غرار الناتو تظل متدنية، فمن المرجح أن تقتصر العلاقات الصينية الروسية على دعم بعضمها البعض، وذلك فى ضوء ما نشهده حاليا من لعبة التوازنات التى تسعى فى المقام الأول إلى مواجهة الهيمنة الأمريكية، وقد تتلاقى معهم في ذلك دول أخرى مثل كوريا الشمالية والهند ، فالهند على سبيل المثال رغم شراكتها مع الولايات المتحدة في مواجهة الصين عبر “تحالف كواد”، إلا أنها خلال الحرب الروسية الاوكرانية ونجدناها تغرد منفردة خارج التحالف وتمتنع عن إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتتجه لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع موسكو. 

ثالثا: تأثير العلاقات الروسية الصينية على المنطقة العربية

على صعيد مدى تأثير التحالف المحتمل أو التقارب الروسي الصيني على المنطقة العربية، يرى محللون استراتيجيون أنه فى ضوء فقد الدول العربية للثقة فى الجانب الأمريكي الناجم عن تصرفاتها أحادية الجانب دون مراعاة لمصالح شركائها وحلفائها، تبحث الدول العربية عن علاقات سياسية واقتصادية جديدة ومتوازنة مما يجعلها تسعى لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع كل من الصين وروسيا.‎

فبعد فشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتسوية للأزمة السورية والليبية، فضلا عن دعم واشنطن لميليشيات الحوثي الإرهابي ورفعه من قائمة المنظمات الإرهابية، وتوقيع اتفاق نووي مع إيران، تتجه الدول العربية حيث توجد مصالحها فربما الانفتاح على روسيا والصين اقتصاديا وسياسيا يوفر ضمانات ومصالح أكبر لها.

ومن منطلق اعتماد كثير من الدول العربية مثل مصر والمغرب وتونس على واردات القمح والحبوب من كل من روسيا وأوكرانيا، فضلا عن فتحها لقنوات تعاون عسكري مع روسيا والصين، فإن ذلك الأمر قد يدفعها نحو مزيد من التقارب تجاه روسيا والصين لدعم أمنها القومي والغذائي. 

رابعا: الموقف المصري من المحور الروسي الصيني

وتجدر بنا الإشارة إلى أن الخطوات التي انتهجتها الدولة المصرية عقب الحرب الروسية الأوكرانية تتسم بالاتزان والحرص على المصالح مع جميع الأطراف، حيث تحرص على اتخاذ مواقف لا تتعراض مع القانون الدولي ومبادىء ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ولا تضر بمصالحها..ففى الوقت الذى أيدت فيه مصر القرار الأممي المطالب بانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا، رفضت توظيف العقوبات الاقتصادية ضد موسكو  خارج إطار آليات النظام الدولي متعددة الأطراف من منطلق التجارب السابقة، والتي كانت لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معاناة المدنيين طوال العقود الماضية، كما ورد فى بيان وزارة الخارجية المصرية.

وغني عن القول فإن العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة الأمريكية قوية ومتنوعة منها السياسية والعسكرية والاقتصادية، كما تربطها ذات العلاقات مع الجانب الروسي والصيني، ولكن قد تميل العلاقات فى فترة معينة لأن تكون أكثر قوة وارتباطا مع طرف دون أن يعنى ذلك توقف التعاون مع الأطراف الأخرى. فالدولة المصرية حريصة كل الحرص على تحقيق علاقات متوازنة مع الأطراف الثلاثة الأمريكية والروسية والصينية.

وختاما،  يبرز التساؤل عما إذا كانت الدول العربية تمثل للصين فائدة سياسية أم مجرد فائدة اقتصادية ومجال جيد للاستثمار..وهل سيدفع التقارب الصيني الروسي، الصين لاتخاذ مواقف سياسية واضحة فى التعامل مع أزمات الدول العربية. كما تبرز حقيقة أن  الدول العربية لن تكون بمنأى عن هذا التغيير الذى يطال العالم عقب الحرب الروسية الأوكرانية، بل ستتخذ من السياسات والمواقف ما يضمن لها أمنها ومصالحها، واستقرار شعوبها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى