فى يوم الأرض..تظل العدالة المناخية مسئولية الدول الصناعية وحق للدول النامية
تغير المناخ يُهدد نصف سكان العالم ويُقوض حقوق الإنسان
أصبحت قضية تغير المناخ القضية الأساسية فى عصرنا هذا وأكبر تحد للبشرية خلال هذا القرن، فارتفاع معدل درجة الحرارة عالميا لم يعد أمرا يشوبه شك، بل واقعا يلمسه كل إنسان فى هذا العالم، ومن ثم بات الحديث عن كيفية مواجهته أمرا حتميا لاسيما وأن تغير المناخ يُعد أخطر نتائج السلوك المتهور للإنسان نحو البيئة بعد أن أحدث الإنسان تنمية وإن كانت كبرى فهي قاصرة تجاهلت البيئة ونظمها، واعتمدت على المنافسة اللاأخلاقية وعلى الإنتاج والاستهلاك المفرطين.
إن تغير المناخ فى الأساس قضية غير عادلة ففي حين تُسهم الدول الصناعية الكبرى بالنصيب الأكبر في الإضرار بالغلاف الجوي، تُعتبر الدول النامية الأكثر عرضة لتبعات ارتفاع درجة حرارة الأرض والأقل قدرة على الوصول إلى الموارد والتكنولوجيا لمواجهة والتكيف مع عواقب التغيرات المناخية، فليس عدلا أن تتحمل الدول جميعها الأعباء وبالحدة نفسها.
وعليه، أصبحت قضية العدالة المناخية تفرض نفسها في نقاشات قادة الدول والحكومات بشكل دورى على مستوى المؤتمرات الدولية والاتفاقيات الأممية ذات الصلة بموضوع مكافحة التغيرات المناخية، لاسيما وأنها لم تعد مسألة بيئية أو فيزيائية فقط، وإنما أصبحت أمرًا له بعد سياسي وأخلاقي هام، وباتت تهدد أيضا حقوق الإنسان وقدرته فى الحصول على مسكنه وغذائه ومتطلباته بشكل عام.
وانطلاقا من أهمية تحقيق العدالة المناخية، وبمناسبة اليوم العالمي للأرض الموافق 22 إبريل من كل عام، يجيب هذا التقرير على عدة تساؤلات حول مفهوم التغيرات المناخية والمقصود بالعدالة المناخية، وأهدافها، وما إذا كان التمويل المناخي عادلا وكافيا لمواجهة تداعيات التغير المناخي. ويشير التقرير إلى أكبر الدول المسببة للاحتباس الحراري، وأكثر الشعوب تضررا من التغيرات المناخية، إلى جانب مدى تأثير التغيرات المناخية على حقوق الإنسان، وكيف تُؤجج التوترات بين المجتمعات وتُهدد بالنزاعات المسلحة.
مفهوم التغيرات المناخية
عرفت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لسنه 1992 مصطلح تغير المناخ بأنه ” أى تغير في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشـري الـذي يُفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي العالمي والذي يلاحظ، بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ، على مدى فترات زمنية متماثلة”.
كما تم تعريف تغير المناخ على أنه “اختلال فى الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياح والأمطار وغيرها والتى تملأ كل منطقة على الأرض”.
بينما أشارت إلى أن مصـطلح “الآثار الضارة لتغير المناخ” يعني ” التغيرات التي تطرأ على البيئة الطبيعية أو الحيوية من جراء تغير المناخ والتي لها آثار ضارة كبيرة على تكوين أو مرونة أو إنتاجية النظم الإيكولوجية الطبيعية والتنوع البيولوجي والمسيرة أو على عمل النظم الاجتماعية – الاقتصادية أو على صحة الإنسان ورفاهه.
كما أشارت الاتفاقية أيضا إلى أن مصطلح “الانبعاثات” يعني “إطلاق غازات الدفيئة و/أو سلائفها في الغلاف الجوي على امتداد رقعة محددة وفترة زمنية محددة” ، كما ذكرت أن مصـطلح “الغازات الدفيئة” يعني “تلك الغازات التى تسمح للأشعة تحت الحمراء الصادرة من الشمس بالوصول إلى الأرض بينما لا تسمح انعكاسها إلى الفضاء الخارجي”.
المقصود بالعدالة المناخية
على الرغم من أن مفهوم العدالة المناخية مفهوم حديث العهد وليس له إطار نظرى محدد، فإنه يمكن اعتباره جيلا جديدا من العدالة يهدف إلى الحد من الفوارق واللاعدالة التى تتسبب فيها الآثار السلبية للتغيرات المناخية والتى عمقت الفوارق بين الفئات الاجتماعية وبين الدول والمجتمعات، انطلاقا من أن الجميع لا يتأثرون بنفس الطريقة ولا بنفس الحدة والحجم من الآثار السلبية للتغيرات المناخية، فالقضية تتعلق بمن يتسبب فى التغير المناخي ومن يعاني منه.
ويرتبط مفهوم العدالة Justice بمفهوم الإنصاف الذى أوجده وشدد عليه الفيلسوف John Rawls فى كتابه “العدالة كإنصاف”، بينما اعتبر John Mill العدالة من أهم الأجزاء وأكثرها قدسية وإلزاما على الإطلاق فى الأخلاق كلها.
وتعرف العدالة المناخية حسب Eckersley Robyn أولا التوزيع العادل لمنافع التعاون الاجتماعي ومخاطره، وثانيا إنقاص هذه المخاطر فى علاقتها بأخلاق الجماعة، كما عرفها “شكراني الحسين” بأنها تحمل الأعباء والتكاليف بين مختلف الأجناس والأمم والأفراد والفئات والأقاليم تبعا لأماكن وجود البنيات التحتية الملوثة للبيئة وأساليب مجابهة هذا التلوث.
وتشير بعض الكتابات إلى أن العدالة المناخية هى رؤية لإزالة وتخفيف الأعباء غير المتكافئة التى أنتجها تغير المناخ، وكشكل من أشكال العدالة البيئية هى المعاملة العادلة لجميع الناس والتحرر من التمييز، مع طرح مشاريع وسياسات تعالج تغير المناخ والنظم التى تؤدى إلى تغير المناخ واستدامة التمييز.
فالعدالة المناخية هى قيمة أخلاقية وروحية لذلك هناك من يُطلق مصطلح العدالة المناخية على البعد الأخلاقى لتغير المناخ.
وقد انتشر مؤخرا مفهوم ” العدالة المناخية ” للتأكيد على واقع عدم تكافؤ توزيع الآثار الضارة عن الاحتباس الحرارى بشكل عادل ، حيث تتأثر المجتمعات الفقيرة والمهمشة بشكل أكبر بتداعيات التغير المناخى على الرغم من أنها أسهمت بأقل قدر فى إنبعاثات الغازات الدفيئة ، وهو ما يخلق بعدا أخلاقيا للقضية يتعلق بالحفاظ على مناخ آمن للأجيال القادمة.
أهداف العدالة المناخية
تهدف العدالة المناخية إلى ضمان تمتع الشعوب بالحقوق الأساسية، وإلى الإنصاف بين الدول في التمكين من أجل التكيف والتخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن التغير المناخي على أساس مبدأ المسئولية المشتركة.
ومن بين أهداف العدالة المناخية، تحميل الدول الغنية المسببة لتلوث المناخ، والأقل تضررًا منه، المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بالدول الفقيرة جراء تفاقم الأزمة. ولهذا تستلزم العدالة المناخية الاعتراف بكل من الآثار غير المتكافئة لأزمة تغيّر المناخ والمسئولية تجاهها، انطلاقا من مبدأ أن الذين يُنتجون التلوث يجب أن يتحملوا تكاليف تداعياته لمنع الإضرار بصحة الإنسان أو البيئة.
التمويل المناخي..هل يُعتبر عادلا وكافيا لمواجهة التغير المناخي؟
تُعرف الأمم المتحدة التمويل المناخي بأنه دعم الجهود المبذولة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أو لمساعدة المجتمعات على التكيُّف مع آثار تغيُّر المناخ.
يتدفق التمويل المناخي من الدول الصناعية التي تمتلك المال والخبرة التكنولوجية في اتجاه الدول النامية الأكثر فقرًا وضعفًا، ويمر عبر مسارين، الأول “المسار العام” أي من خلال الحكومات، وغالبًا يستهدف الاستثمارات التي تُسهم في الصالح العام، أو “المسار الخاص” الذي يؤدي دورًا مهمًّا في مشروعات الاقتصاد الأخضر.
وكان من المقرر أن تقدم الدول المتقدمة تمويلا مناخيا قيمته 100 مليار دولار ، حسب اتفاقية باريس 2015، للدول النامية، من أجل التخفيف من آثار التغيرات المناخية والتكيف معها، إلا أنه لم يتم الوفاء بهذا التعهد.
أكبر خمس دول مسببة للاحتباس الحراري:
وفقا لبحث نُشر فى موقع Carbon Brief عام 2021، فإن الأنشطة البشرية ضخت حوالي 2500 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ عام 1850، علما بأن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كانت قبل الثورة الصناعية حوالي 280 جزءا في المليون، بينما بحلول عام 2013، كان هذا المستوى قد وصل إلى علامة 400 جزء في المليون لأول مرة.
ووجد تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية (IEA) فى 8 مارس 2022، أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة ارتفعت بنسبة 6% في عام 2021، إلى مستوى قياسي بلغ 36.3 مليار طن، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق. وشكّل الفحم أكثر من 40% من النمو الإجمالي في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية في عام 2021، حيث وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 15.3 مليار طن.في حين بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الغاز الطبيعي 7.5 مليار طن، وبلغت الانبعاثات من النفط 10.7 مليار طن، وفقا للتقرير.
وأشارت عديد من الدراسات العلمية إلى أن الدول الصناعية تسببت فى 92% من انبعاثات الغازات الدفيئة بينما بلغت انبعاثات دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية مجتمعة 8% فقط، وهناك خمس دول تُعد الأبرز من حيث كمية الغازات المنبعثة، وهم على النحو التالي:
- الصين: مسئولة عن نحو30 % من إجمالي الانبعاثات.
- الولايات المتحدة الأمريكية: مسئولة عن 15% .
- الاتحاد الأوروبي : مسئول عن 10 % .
- الهند : مسئولة عن نحو 7% من كمية الغازات.
- روسيا: تسهم بواقع 5%.
المصدر: المفوضية الأوروبية، قاعدة بيانات الانبعاثات لبحوث الجو العالمية
تغير المناخ يهدد نصف سكان العالم
وفق التقرير الجديد الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، ما يقرب من نصف سكان العالم- ما بين 3.3 و 3.6 مليار شخص- يعيشون في مناطق شديدة التأثر بتغير المناخ، ويعتمد مدى تعرض هؤلاء لتأثيرات تغير المناخ على مدى الفقر والوضع في المجتمع.
الشعوب الفقيرة والنامية الأكثر تضررًا
تؤكد كافة التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة فى هذا الشأن أن تأثيرات التغيرات المناخية لن تكون متساوية بين الأغنياء والفقراء ، فقد ذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس : ” كما هو الحال دائما فإن الفقراء والضعفاء هم أول من يعانى والأسوأ تضررا ” .
ويؤكد الخبراء فى مجال البيئة أن الفئات الأكثر تضررًا هم سكان الدول النامية الذين تنخفض لديهم الإنبعاثات بالنسبة للفرد الواحد مقارنة بالدول المسببة للتلوث بشكل رئيسى خاصة دول إفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية والجزر الصغيرة والقطب الشمالي.
وكان البنك الدولي قد حذر فى تقرير له عام 2015 من أن “التغيرات المناخية تهدد بغرق نحو 100 مليون شخص في الدول الفقيرة بحلول عام 2030″، مشددًا على ضرورة اتباع “سياسات صارمة لحماية أشد الفئات ضعفًا في العالم من فشل المحاصيل والكوارث الطبيعية والأمراض التي تنقلها المياه والآثار الأخرى المترتبة على تغيُّر المناخ”.
وأوضح أن ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يؤدي إلى فشل 5٪ من إنتاجية المحاصيل بحلول عام 2030، وفي أفريقيا قد يصل هذا المستوى إلى 12%.، وشدد على أن “ارتفاع درجة الحرارة بين درجتين إلى 3 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية سيضع 150 مليون شخص آخرين في دائرة الإصابة بالملاريا وحدها في الهند، كما يمكن أن يؤدي إلى دخول 45 مليون شخص إلى دائرة الفقر بحلول عام 2030 من جَرّاء الصدمات الزراعية والأمراض الناجمة عن التغيرات المناخية”، مشيرًا إلى أن “حوالي 702 مليون شخص –يمثلون نحو 9.6% من سكان العالم- يعيشون في فقر مدقع”.
كما حذر البنك الدولي من أن منطقة “إفريقيا جنوب الصحراء”، والتي تقع جنوب الصحراء الكبرى، ستشهد نوبات جفاف وحر شديد بحلول ثلاثينيات هذا القرن، ما قد يؤدي إلى “عدم صلاحية 40% من الأراضي المُستخدمة الآن في زراعة الذرة، وقد يتسبب في إلحاق خسائر جسيمة بأراضي السافانا العشبية، مما يهدد سبل الرزق القائمة على الرعي”، مضيفًا أنه “بحلول خمسينيات هذا القرن، من المتوقع أن تزيد نسبة السكان الذين يعانون نقص التغذية بنسب تتراوح بين 25 و90% عن مستواها في الوقت الحالي”.
التغيرات المناخية تُقوض حقوق الإنسان
أجمعت الدراسات والأبحاث المتخصصة أن للتغيرات المناخية آثار وخيمة على حقوق الإنسان، تختلف درجة أثارها من حق لآخر، ومن مجموعة بشرية لأخرى، ومن بلد لأخر، فالتأثيرات المناخية على حقوق الإنسان في أوروبا مثلا ليست بالقدر ذاته في إفريقيا أو في أسيا، لاسيما فى ظل عدم وفاء الدول العظمى بالتزاماتها تجاه الدول المتضررة والتى تم تقديرها بنحو 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 للتكيف مع التداعيات وخفض انبعاثات غازات الدفيئة.
وأكدَّت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت أن تغير المناخ يُشكل تهديداً واضحاً وآنياً ومتزايداً للممارسة الكاملة والفاعلة لكل حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة، والحق في الصحة، والحق في مستوى معيشة لائق، والحق في عدم التمييز، والحق في تقرير المصير والحق في التنمية.
وكانت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) قد حذرت من أنه دون اتخاذ إجراءات سريعة، فتغير المناخ وظواهر الطقس المتطرف وارتفاع مستويات سطح البحر، سيعرض حياة الملايين من البشر لمخاطر تشمل كافة حقوقه، ونخص بالذكر منها:
1- الحق في الحياة
الواقع يؤكد أن التغيرات المناخية تُشكل تهديدا حقيقيا لحق الإنسان فى الحياة، لا سيما وأن الكثير من التغيرات المناخية تصاحبها فيضانات وأعاصير وارتفاع لمستويات سطح البحر، وموجات الحر، والجفاف، والتصحر، ونقص المياه، وانتشار الأمراض الاستوائية والأمراض المنقولة بالنواقل.
وبحسب دراسة جديدة تقدم بها باحثون من جامعة كارولاينا الشمالية فى عام 2017، فإن تأثير تغير المناخ على تركيز ملوثات الهواء، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية كبيرة في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى موت الملايين بسبب تلوث الهواء سنويا.
ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة فإنه يموت ما يقرب من 7 ملايين شخص حول العالم كل عام نتيجة لتلوث الهواء، حيث تحدث حوالي 4 ملايين من هذه الوفيات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
2- الحق في الغذاء
توقعت منظمة الأغذية والزراعة أن تغير المناخ قد يسفر عن خفض الناتج الزراعي بنسبة تصل إلى 30 % في إفريقيا و21 % في أسيا، خاصة وأن المواسم الزراعية آخدة بالتغير، مع تغير أنماط تساقط الأمطار والحرارة والتى تؤثر تباعا على المحاصيل والثروة الحيوانية مما يزيد من خطر الجوع وانعدام الأمن الغدائي في المناطق الفقيرة من العالم، فالفقراء الذين يعيشون في بلدان نامية معرضون بصفة خاصة للتأثر بحكم اعتمادهم المفرط في غذائهم وأرزاقهم على موارد تتأثر بالمناخ.
3-الحق في الماء
كشف تقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية في العالم “المياه وتغير المناخ”، الصادر عام 2020، أن التغير المناخي سيؤثر على إمكانية توافر المياه اللازمة للاحتياجات البشرية الأساسية، ما سيترتب عليه تقويض حقوق المليارات من البشر في التمتع بمياه شرب نظيفة وخدمات صرف صحي.
وقد حذر التقرير من أن يفقد 52٪ من سكان العالم، بحلول عام 2050، فرص الحصول على حقهم في مياه شرب آمنة وخدمات صرف صحي، من جَرَّاء تأثير التغيُّر المناخي على موارد المياه. ومن المتوقع أن يتأثر واحد من كل أربعة من سكان العالم على الأقل بنقص المياه المتكرر بحلول عام 2050.
هذا ويفتقر أكثر من 80 مليون شخص في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي إلى الوصول المناسب إلى المياه النظيفة والمرافق الصحية الأساسية.
4- الحق في الصحة
أشار المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إلى أن “أعباء فاتورة تغير المناخ لا تتراكم على الأجيال القادمة فحسب، بل يدفع ثمنها الباهظ الناس من صحتهم اليوم”.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن المخاطر الصحية الأكثر شيوعًا المتعلقة بالمناخ تشمل: الإجهاد الحراري، أو الإصابة أو الوفاة الناتجة عن الأحداث المناخية القاسية، والأمراض المنقولة عن طريق الطعام والماء وناقلات الأمراض (مثل الكوليرا أو حمى الضنك أو الملاريا).
وفى هذا الإطار أصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرا فى نوفمبر 2021 تناول أوضاع السكان فى منطقة الساحل الإفريقي والتى تشمل دول موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو والكاميرون والسنغال وغامبيا وغينيا وتشاد، حيث يعانى السكان الأصليون من تداعيات المناخ السريع الاحترار واللجوء الى الهجرة الى أراض أخرى ، حيث ترتفع درجات الحرارة في المنطقة بمعدل أسرع بنسبة 1.5 مرة من المتوسط العالمي كما أنّ الأمطار تهطل بصورة غير منتظمة والمواسم الممطرة تتقلّص، وتكرر الفيضانات بشكل غير مسبوق .
يعانى السكان أيضا فى هذه المناطق من فقد فرص العمل مع تناقص المحاصيل وفقدان المراعي ، وهو ما يضطرهم الى التهجير القسرى واعتباره الخيار الوحيد وهو ما يؤثر بشكل أساسى على أمنهم وسلامتهم .
تغير المناخ يُهدد بنزاعات مسلحة
أشارت دراسة حملت عنوان ” المناخ كعامل خطر للصراعات المسلحة ” المنشورة بمجلة «Nature» فى يونيو 2019، إلى أن 20% من صراعات القرن الماضى تأثرت بالتغيرات المناخية. كما يتوقع تزايد هذه النسبة مستقبلا فى ظل مزيدٍ من التقلبات المناخية والتى من شأنها أن تزيد من مخاطر الصراعات والحروب المناخية ، فيما أوضحت عدد من الدراسات الأخرى أن ارتفاع درجات الحرارة بنسبة 4% سوف يزيد من تأثير المناخ على النزاعات بنسبة 26%. وهو ما يعنى تزايد التأثير بمعدل يصل إلى 5 أضعاف التأثير الحالى .
وقد حذر تقرير لموقع أفريك 21 الناطق باللغة الفرنسية المنشور بتاريخ 18 ابريل 2022، من حدوث صراعات وشيكة في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل بسبب أثار تغير المناخ ،وأن التوترات حول الموارد المائية التي أصبحت شحيحة ستؤدي إلى نشوب حروب إذا لم يتم التدخل بشكل عاجل.
كما أشار المؤتمر الإقليمي حول تغير المناخ والسلام والأمن في “غرب إفريقيا والساحل” والذي عقد في الفترة من 6 إلى 7 أبريل 2022 في العاصمة السنغالية داكار إلى أن البلدان الأكثر تضررًا من تغير المناخ تقع في وسط منطقة الساحل مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مضيفًا أن هناك أكثر من 1.8 مليون نازح داخليًا في غرب أفريقيا بسبب الجفاف،الأمر الذي يزيد من حدة التهديد في هذه المنطقة.
وأسفرت كذلك النزاعات فى نيجيريا بين الرعاة البدو والمزارعين على الموارد عن مقتل أكثر من 3600 شخص خلال ثلاثة أعوام فقط وهو ما يتجاوز 6 أضعاف أعداد القتلى من عمليات تنظيم ” بوكو حرام ” فى نيجيريا عن الفترة نفسها.
وأوضحت العديد من أراء الخبراء أن الصراع فى دارفور يرتبط بشكل كبير بالتغيرات المناخية؛ حيث انخفض هطول الأمطار بنسبة 30%، وتراجع الإنتاج الزراعى بنسبة 70%، وارتفاع درجة الحرارة بنحو 1.5 درجة، الأمر الذى ساهم فى تفاقم حدة الصراع. وهو ما عبر عنه الأمين العام السابق للأمم المتحدة «بان كى مون» الذى رأى أن الصراع فى دارفور هو أول صراع ناجم عن التغيرات المناخية فى العالم..
تحقيق العدالة المناخية يستدعى تدخلًا دوليًا
لقد استدعت التغيرات المناخية وما صاحبها من تدهور بيئى تحركًا دوليًا وأمميًا عاجلا من أجل التعامل مع هذه التداعيات والأضرار التى تلحق بحقوق الإنسان حيث تبنت المفوضية السامية لحقوق الإنسان خطة عمل للفترة من 2018: 2021 بهدف ” تنفيذ السياسات والخطط البيئية والمناخية الدولية والوطنية بما يتماشى والمعايير الدولية لحقوق الإنسان”.
كما تسعى المفوضية وفقا “لاتفاق باريس بشأن تغير المناخ لخطة عام 2030” إلى تعزيز نهج قائم على حقوق الإنسان فى الإجراءات المتعلقة بالمناخ ما يتطلب اتّخاذ الدول تدابير طموحة للتكيف مع تغيّر المناخ والتخفيف من آثاره، تكون شاملة وتحترم المجتمعات المتضررة ، ويعد هذا الإتفاق هو أول نتاج عالمي معتمد لخفض الاحتباس الحراري والتعهد بالنظر الإيجابي لقضايا المناخ والأخذ في الاعتبار الهدف الخاص باحتواء الاحترار العالمي لأقل من درجتين والسعي لتحديده في 1.5 درجة .
وعلى الرغم من أن بنود هذا الإتفاق التى تلزم دول الشمال بدعم الدول الأكثر تضررا إلا أن هذه الدول لم تلتزم بتضمين ذلك الاتفاق ضمن سياساتها المناخية والصناعية والاقتصادية بشكل حقيقى بل أن بعضها استمر في التحايل على مواد الاتفاق، فنجد أن هناك 10 دول هي المسئولة عن ما يقرب من 69 % من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، ومن بين تلك الدول العشر سنجد أهم ثلاث قوى اقتصادية في العالم يتصدرن القائمة وهم على التوالي الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وتلك القوى الثلاث الكبرى فقط تسهم بما يقارب 55% من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.
من ناحية أخرى ألزمت إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغير المناخى (UNFCC) لسنة 1992 الدول الصناعية الكبرى والحكومات بدعم ومساعدة الدول النامية فى التخفيف من حدة التغير المناخى والتكيف معه من خلال بناء القدرات ونقل التكنولوجيا ، فيما أوضحت الاتفاقية أبرز المسئوليات الواقعة على عاتق الدول المسببة للإنبعاثات الكربونية تجاه الدول الأكثر تضررا بما يلى :
1- الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة من قبل الدول الكبرى إلى مستويات تمنع التدخل البشرى فى النظام المناخى.
2- توفير التمويل المناخى طويل وقصير المدى لمساعدة الدول الأكثر عرضة لآثار التغير المناخى للتكيف معها وانتهاج سياسات تنموية خافضة للكربون والإلتزام بنتائج محادثات كوبنهاجن والتى تنص على أن الدول الأكثر ثراء ستقدم 100 مليار دولار سنويا بهدف ضمان بناء القدرات ونقل التكنولوجيا لمساعدة الفئات الأضعف على أن تصبح أكثر قدرة على التكيف مع تغير المناخ والإستفادة من النمو الأخضر.
الالتزام الدولى بتحقيق العدالة المناخية..مفقود
الحقيقة أن كل قوانين حقوق الإنسان تلزم الدول على اتخاذ إجراءات فورية للتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة والتأكد من أنّ الناس جميعهم يتمتّعون بالوسائل اللازمة للتكيف مع تغير المناخ. فى حين أن الواقع يؤكد تزايد خطورة التغيرات المناخية وتداعياتها وغياب الإلتزام الدولى بتحقيق العدالة المناخية فى ظل ظهور أثار مستحدثة أكدتها تقارير حديثة للأمم المتحدة والتى أشارت إلى أن العالم يواجه اليوم خطر “الفصل العنصري المناخي”، وهو سيناريو يدفع فيه الأثرياء للهروب من ارتفاع درجة الحرارة ومن الجوع والصراعات بينما يواجه من تبقّى من البشرية في جميع أنحاء العالم المشقّات والمآسي.
وقد تدفع أزمة المناخ بـ120 مليون شخص إضافي إلى الفقر بحلول العام 2030، وستتحمّل العبء الأكبر فيها البلدان والمناطق الفقيرة والأماكن التي يعيش ويعمل فيها الفقراء.
خلاصة القول هي أن التغير المناخي أصبح خطرا داهما يتربص بالإنسانية ويجعل الحياة فى دول كثيرة أمرا صعبا فى ظل الكوارث الطبيعية وانتشار الجوع والأمراض والأوبئة وندرة المياة والهجرة ونزوح الملايين وظهور ما يُسمى بـ”اللاجىء البيئي” ، وتنال الدول النامية النصيب الأكبر من هذه المخاطر وعلى رأسها الدول الإفريقية.
لقد أصبح الحديث عن تحقيق العدالة المناخية المفقودة فرضا أخلاقيا تفرضه خطورة القضية على الدول الصناعية الكبرى التى كانت المسبب الرئيسى فى إفساد الغلاف الجوى للكرة الأرضية وإحداث التدهور البيئى الذى سيعانى آثاره كل البشر..والتضامن الدولى أصبح أمرا وجوبيا، واتخاذ التدابير اللازمة لخفض انبعاثات الغازات الدفئية هى قضية لابد أن تتعاون فى حلها كل الدول فى أسرع وقت لضمان استقرار وسلامة شعوب الأرض.