تقاريرتقدير موقفرئيسيعاجل

خيارات الطاقة الأوروبية وفرص مصر على الخريطة الجديدة

هل تستطيع أوروبا الاستغناء عن الطاقة الروسية؟

تشهد أسواق الطاقة العالمية والأوروبية على وجه الخصوص حالة من الاضطراب عقب فرض الدول الغربية عقوبات قاسية على روسيا على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية ، وفي المقابل استخدمت روسيا سلاح الطاقة ضدها، مستغلة اعتمادها بشكل أساسي على الغاز والنفط الروسي لتأمين احتياجاتها من الطاقة.

تسخدم روسيا هذا السلاح بتدرج وحذر شديد ،حيث اشترطت دفع الغاز “بالروبل” ، بدءًا من 1 إبريل من قبل المشترين من الدول غير الصديقة فقط بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، والتي تُشكل أكثر من 70 % من الجهات المستوردة للطاقة الروسية من حيث الإيرادات، الأمر الذي جعل البعض يعتقد أنه تهديدًا بقطع الإمدادات، وإن كان كثير من المحللين يرون أن تلك الخطوة بعيدة التنفيذ ،حفاظًا على المصالح الروسية قبل الأوروبية .

أزمة الطاقة الأوروبية تصل إلى منعطف حرج

تستشعر الكثير من الدول الأوروبية بحاجتها إلى تنويع مصادر واردتها من الطاقة وذلك حفاظًا على استقلالية القرار السياسي الأوروبي ، لذا باتت ” معضلة الطاقة ” محل نقاش الدوائر السياسية والبحثية في أوروبا لبحث سبل سد أي فجوة في إمدادات الطاقة، لاسيما وأن أوروبا تعتمد بنسبة تصل إلى نحو 40% على الغاز الروسي (160 مليار متر مكعب من الغاز سنويا).

ويمكن القول أن فريقًا يؤيد العودة  مرة أخرى إلى مصادر تم الاستغناء عنها لأسباب بيئية كالفحم أو البترول ، بينما يتجه فريقًا آخر نحو الطاقة المتجددة  بالتحول إلى تشارك الكهرباء عبر الموصلات البينية من الدول المجاورة أو من خلال تعزيز توليد الطاقة  من مصادر الطاقة المتجددة، ولكن جميعها لايمكن التحول إليها بين ليلة وضحاها ، مما يؤكد أن الدول الأوروبية حقًا في “معضلة طاقوية” إذا ما أقدمت روسيا على قطع إمدادات الغاز.

أولاً: وضع قطاع الطاقة الأوروبي

يعتمد قطاع الطاقة الأوروبي على مزيج من مصادر الطاقة المتجددة وغير المتجددة وإن كانت لاتزال تعتمد إلى حد كبير على مصادر الطاقة غير المتجددة كالوقود الأحفوري مثل الفحم، والنفط، والغاز الطبيعي، أو الوقود النووي ذات الانبعاثات الكربونية المحدودة التى قد تقترب انبعاثاتها إلى حجم الانبعاثات التى تنتجها المصادر المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية .

مزيج الطاقة في أوروبا  2020

فاعتبارًا من عام 2020 ، شكلت مصادر الطاقة المتجددة ما يقرب من 20 % من إجمالي استهلاك الطاقة في أوروبا، ويخطط الاتحاد الأوروبي تأمين الحصول على 40 % من إجمالي استهلاكها من مصادر الطاقة المتجددة وتقليل حصة النفط والفحم في مزيج الطاقة لديها وذلك بحلول عام 2030. وعلى الرغم من أن هذا هدف طموح ، إلا أن الوقود الأحفوري سيظل يمثل نصف استهلاك الطاقة في الاتحاد الأوروبي بعد عقد من الآن، بحسب تأكيدات بعض المحللين.

وفيما يتعلق بالطاقة الشمسية ، تُولد سبع دول من الاتحاد الأوروبي حتى الآن أكثر من عُشر طاقتها الكهربائية من الألواح الشمسية ، هولندا (17 %) وألمانيا (17 %) وإسبانيا (16 %) واليونان (13 %) وإيطاليا (13 %) يقودون الطريق ، وفقًا لمركز أبحاث الطاقة” Ember “   

وإن كانت أزمة الطاقة المتجددة ترتبط بطبيعة مصادر هذه الطاقة من حيث صعوبة التنبؤ بكميتها وتأثرها بالتغيرات المناخية ، إلا أن مصادر الطاقة غير المتجددة تتأثر  دائمًا بالعوامل السياسية وظروف العرض والطلب والتى يمكن سردها فيما يلي:

أ- أسباب تتعلق بالمعروض من واردات الطاقة : خلال عام التعافي الاقتصادي من أزمة وباء كورونا، شهد العالم أجمع ارتفاعا في أسعار النفط والغاز والفحم نتيجة عدم التوازن بين الطلب والعرض العالمي، حيث ضعفت الاستثمارات في مجالات الاستكشاف والإنتاج لمصادر الطاقة التقليدية من نفط وغاز وفحم خاصة بعد إعلان شركة الطاقة النرويجية ،أكبر منتج ومورد للغاز للسوق الأوروبية، أنها لن تستطيع تلبية أكثر من 60 % من الزيادة في الطلب على الطاقة في دول أوروبا ، في وقت التى تحتاج فيه أوروبا إلى تأمين استهلاكها فضلًا عن الحاجة إلى إعادة ملء مخزونات الغاز التي تُستخدم وقت الأزمات.

ب-  أسباب آخرى تتعلق بـ “خط الأنابيب”نورد ستريم 2” : أدى عدم تشغيل خط الأنابيب”نورد ستريم 2″  إلى انخفاض الغاز الروسي المتدفق إلى أوروبا بنسبة 25 % على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2021، بعد أن كان يُفترض أن يضاعف كميات الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية، بخاصة ألمانيا والنمسا، اللتين تعتمدان عليه لتلبية أكثر من نصف احتياجاتهما من الطاقة .

ويرجع توقف هذا الخط لأسباب قانونية وإجرائية تتعلق بالحصول على التصاريح الألمانية والأوروبية اللازمة لبدء تشغيله ، كضمان أمن الإمدادات ، والتى تدهورت إلى حد بعيد عقب نشوب الحرب الروسية الأوكرانية ، لذا فإنه من المستبعد أن يحصل هذا الخط على أي تصاريح للتشغيل مادامت هناك حرب وهناك احتمالية تكرارها في المستقبل.

والجدير ذكره خضوع الشركة المشغلة لخط الأنابيب”نورد ستريم 2″  للعقوبات الأمريكية والغربية، وباتت الشركات الأخرى التي أسهمت في تمويل المشروع مضطرة إلى الانسحاب من أي أعمال لها علاقة بروسيا  تجنبًا للعقوبات. لذا فمن غير المرجح أن يكون لهذا المشروع جزءًا من قطاع الموردين للطاقة الأوروبية.

ج- توقف الخط البري الآخر “يامال- يوروبا الذي يمر عبر بيلاروس وبولندا إلى ألمانيا والذي يمثل 15% من إمدادات روسيا المتجهة غربًا إلى أوروبا وتركيا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار عقود الغاز الطبيعي في البورصة الهولندية بنحو 11 %، وهي المعيار القياسي لأسعاره في أوروبا.

ج- احتمالية حظر الغاز الروسي: لاتزال إمدادات الغاز الروسي تتدفق إلى أوروبا حتى الآن ، ولكن في حالة حظر الغاز الروسي، ستجد أوروبا نفسها أمام مأزق كبير وذلك لعدة أسباب:

أولا : استمرار انخفاض مخزونات الغاز في دول أوروبا لتصل إلى 10 % من سعتها بحسب وكالة “رويترز”. فعلى الرغم من اتفاق الولايات المتحدة على إمداد أوروبا بنحو 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال هذا العام، وكذلك الاتفاق مع مصر وقطر والجزائر على زيادة شحناتهم من الغاز، إلا أن ذلك لن يكون كافيًا لتعويض الغاز الروسي لتلبية الاحتياجات الأوروبية، ناهيك على أن الغاز الطبيعي المسال أكثر تكلفة  إذا ما قورن بالغاز الروسي  والذي ارتفعت أسعاره مؤخرًا مع زيادة الطلب عليه بنسبة 500 %.

ثانيا: تأثر أسعار الغاز الطبيعي بارتفاع أسعار النفط منذ بدء الحرب في أوكرانيا.

ثالثًا : قلة كمية الغاز الطبيعي في السوق العالمية المتاحة للبيع الفوري.

رابعًا: ستحتاج شركة “غازبروم”  الروسية إلى دعوة المشترين للموافقة على تغيير شروط الدفع في العقود مما يعني إعادة التفاوض، والذي من شأنه أن يُحدث بعض الاضطرابات في إمدادات الغاز العالمية ويُفاقم من أزمة الطاقة في أوروبا.

د- تقادم المحطات النووية : يتراجع توافر الطاقة النووية في بلجيكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا حيث تقادمت المحطات أو يتم إيقاف تشغيلها أو التخلص التدريجي منها ، خاصة وأن العمر التشغيلي للمحطة حوالي 40 عامًا فقط.

فقد أغلقت ألمانيا ثلاثة من محطاتها النووية الست المتبقية في نهاية عام 2021 ، ومن المقرر إغلاق المحطات الأخرى في نهاية عام 2022، أما عن فرنسا التي تعتمد على الطاقة النووية بحوالي 70٪ من طاقتها ، فقد توقفت أكثر من أربع مفاعلات لديها ، مما اضطرت إلى استيراد الكهرباء من جيرانها.

 يكاد يجمع معظم المحللين في سوق الطاقة على تضاؤل احتمال وقف صادرات الطاقة الروسية إلى أوروبا بسبب حاجة روسيا لعائدات بيع الغاز الطبيعي لأوروبا كمصدر حيوي للعملات الصعبة والذي يُعد بمثابة خنفًا اقتصاديًا لها، خاصة في ظل فرض الحظر على الاحتياطيات الأجنبية لروسيا في الخارج”.

وفى ظل صعوبة وجود بديل فوري عن الغاز الروسي  وهو ما أشار إليه تقرير حديث للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، وهو ماتدركه روسيا أيضًا، حيث صرح نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أن أوروبا لن يكون لديها أي بديل خلال السنوات الخمس المقبلة، هناك ثمة تيار آخر متمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية التى ترى ضرورة تحييد سلاح الطاقة الروسي.

وعليه تتجه تلك الدول لوضع خطط طوارئ في حالة توقف إمدادات الغاز الروسي  والبحث  في نفس الوقت عن  مصادر طاقة بديلة، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يخطط لخفض واردات الغاز الروسي بمقدار الثلثين ردًا على الحرب في أوكرانيا بحلول عام 2023  ولكن هذا الأمر يُمثل تحديًا لوجيستيًا ضخمًا، وذلك قبل قدوم فصل الشتاء القادم، ويصطدم مع عدة عقبات وهي:

  • تستغرق عملية الاستبدال للمصادر البديلة سنوات حيث يتطلب إنشاء خطوط الأنابيب الجديدة ومنشآت تسييل الغاز.
  • تغيير طرق التجارة يمكن أن يشكل ضغطاً على سوق الشحن.
  • من أجل تلبية الطلب الفوري، سيتعين على العملاء الحاليين لدى المورد الموافقة على تأجيل طلباتهم والذي يتطلب عملًا دبلوماسيًا من قبل الولايات المتحدة وأوروبا.

ثانيًا: مستقبل الطاقة التقليدية في أوروبا

  • مستقبل إمدادات الغاز والنفط

يستشرف المجلس الأطلنطي خطورة الوضع الطاقوي في أوروبا خلال عقد من الزمان ، خاصة بعد  استنفاد احتياطياتها المؤكدة من النفط في غضون 10.4 سنة والغاز 14.5 سنة ، مما يجعل القارة أكثر اعتمادًا على واردات الطاقة. ولا تستطيع الولايات المتحدة تقديم الكثير من المساعدة في هذا الصدد لأن نسب reserve – to –production ratio RP ( حجم نسبة الاحتياطيات إلى الإنتاج ) للنفط والغاز الطبيعي لديها تشبه إلى حد بعيد تلك الموجودة في أوروبا.

ويبدو أن الأمر أفضل بالنسبة لكندا فيما يتعلق بمخزونها النفطي بينما ليس كذلك بالنسبة لمخزونها من الغاز الطبيعي، فإذا ما استعانت أوروبا بالنفط الكندي، فذلك يتطلب من كندا مضاعفة إنتاجها ثلاث مرات في العقد المقبل ،الأمر الذي يؤدي إلى استنفاد احتياطياتها في أقل من 30 عامًا ، مما يشير إلى إمكانية أن تلبي كندا جزءًا من الطلب الأوروبي على النفط فقط وليس طلبها على الغاز الطبيعي في المستقبل المنظور.

كما يمكن لجنوب أوروبا استقبال الغاز الأذربيجاني عبر خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا وخط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول (TANAP) عبر تركيا.

  • عودة التنقيب عن النفط

صرحت الحكومة  البريطانية بإعادة التنقيب عن النفط وذلك تحت ضغط  شركات الطاقة وهيئات الأعمال لتخفيف عبء ارتفاع أسعار الطاقة للمنازل الذي يهدد ملايين الأسر البريطانية. وكانت صحيفة “اندبندنت” قد أفادت بأن هناك خططاً ترمي إلى الموافقة على ستة مواقع جديدة للتنقيب عن البترول في بحر الشمال.

كما قال وزير المالية الألماني، كريستيان ليندنر، إن على بلاده إعادة النظر في الحظر المفروض على عمليات الحفر الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال.

  • عودة الاعتماد على الفحم :

من المتوقع أن تلجأ بعض الدول الأوروبية إلى إعادة تنشيط محطات الفحم القديمة التي تم إيقاف تشغيلها لتعويض النقص في قدرات شبكات الكهرباء نتيجة توقف توربينات توليد الطاقة من الرياح من ناحية، والارتفاع الهائل في أسعار الغاز الطبيعي من ناحية أخرى.

ومن بين تلك الدول بريطانيا التى بدأت منذ شهر مارس الماضي بتشغيل محطة توليد كهرباء تعمل بالفحم، حيث إنها  تجد تشغيل محطات الفحم أقل كلفة من شراء الكهرباء للشبكة من أوروبا، أو استخدام محطات تعمل بالغاز الطبيعي، في الوقت الذى ازداد فيه الطلب على الكهرباء مما شكل ضغطًا على الشبكات في بريطانيا وأوروبا، وجعل إمكانية تعويض النقص في شبكة أي بلد عن طريق الشراء من بلد آخر أمراً صعباً وأعلى كلفة .

وعلى ذات الشاكلة، أعادت ألمانيا تشغيل محطات توليد الكهرباء بالفحم التي تقرر تفكيكها بسبب انبعاثات الكربون العالية منها، وهو ما سينتج عنه تبعات كارثية على الأوضاع المناخية.

ثالثًا : مستقبل الطاقة المتجددة

وجد بعض القادة الأوربيين في الضغط الروسي باستخدام سلاح الطاقة دافعًا قويًا للانتقال إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة، فها هو تصريح فرانس تيمرمانز ، نائب رئيس المفوضية الأوروبية : ” علينا الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة”.

وتطمح المفوضية الأوروبية فى تركيب أكثر من 300 جيجاوات من الألواح الضوئية بحلول منتصف هذا العقد – أي ضعف المستوى الذي شهده عام 2020 – وأكثر من 500 جيجاوات بحلول عام 2030، وفقاً لمسودة استراتيجيتها للطاقة الشمسية التي اطّلعت عليها وكالة “بلومبرج”.

وتتضمن الخطة “نشراً سريعاً وكثيفاً” للألواح الشمسية على أسطح المنازل، بدءاً من المباني ذات الاستهلاك الأعلى للطاقة، وسيتم نشر هذه الألواح جنباً إلى جنب مع سن تشريعات جديدة لتسريع إصدار التصاريح.

والجدير بالذكر أن استخدامات الطاقة الشمسية تجاوزت نظيرتها من  طاقة الفحم للمرة الأولى بالمجر في صيف 2021 ، وهو هدف توصلت إليه بالفعل اليونان والبرتغال في عام 2020.  وقد نمت الاستثمارات فى مجال الطاقة الشمسية بنسبة 34٪ فى عام 2021 على أساس سنوي لتضيف حوالي 26 جيجاواط من قدرة التوليد ، لتبلغ إلى طاقة شمسية تراكمية في الاتحاد الأوروبي حوالي 165 جيجاوات.

وتأتى طاقة الرياح  ضمن المصادر التى تعتمد عليها بعض الدول الأوروبية كالدنمارك والسويد ، ولكن يعيب على هذا المصدر أنه أكثر مصادر الكهرباء تغيرًا ، ومن الصعب التنبؤ بمخرجاته ، الأمر الذي يحتم التوسع فى تنفيذ الترابط الشبكي مع الدول المجاورة لأنها سمحت على سبيل المثال للدنمارك بإرسال الطاقة الزائدة إلى الخارج في أيام الرياح واستيراد الطاقة في أوقات انخفاض الرياح ، من خلال سوق الطاقة الإقليمي في الدول الاسكندنافية.

كما باتت دول مثل بلجيكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تعتمد بشكل كبير على الطاقة النووية لتوفير احتياجاتها من الطاقة ودول أخرى مثل بولندا ورومانيا تسير قدمًا في خطط لبناء طاقة نووية جديدة.

ومن المحتمل أيضًا أن تلعب واردات الوقود المعتمد على الهيدروجين النظيف دورًا كبيرًا في مزيج الطاقة الأوروبية. فبحسب تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في 15 يناير 2022، فإن الاعتماد الدولي على الهيدروجين سيغطي ما يصل إلى 12% من استخدامات الطاقة العالمية بحلول عام 2050.

ولكن ثمة معوقات تقف أمام تسريع الاتجاه الأوروبي نحو الطاقة المتجددة وهي التوافق حول سياسة الطاقة، ففي أوروبا الغربية على سبيل المثال ، تميل الحكومات الجديدة ، ولا سيما الحكومات المحافظة ، إلى تقويض أي سياسات قوية للطاقة المتجددة التى أقرتها الحكومات السابقة، مما يجعل مسيرة التحول لاتبرح مكانها بسبب تذبذب السياسات الطاقوية.

رابع: وضع الشمال الإفريقي وفرص مصر على خريطة الطاقة

فى إطار مبادرة “استبدال مصدر طاقة الاتحاد الأوروبي” التى تستهدف البحث عن بدائل لواردات النفط والغاز من روسيا،  توجهت أنظار الدول الأوروبية إلى القارة الإفريقية لامتلاك بعض دولها لاحتياطات كبيرة من الغاز ومصادر متعددة للطاقة المتجددة.

وفى هذا الصدد، تتطلع ألمانيا إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر وشراء الغاز من دول أوروبية أخرى، كما تدرس إيطاليا زيادة إمدادات الغاز من الجزائر التى لديها خطوط أنابيب إلى إسبانيا وإيطاليا ومحطة كبيرة للغاز الطبيعي المسال في سكيكدة.

وتُعد مصر والمغرب والجزائر رواد منطقة شمال إفريقيا في صناعة الطاقة المتجددة، ومن المرشح أن يتصاعد دورهم في عملية الربط الطاقوي مع القارة الأوروبية، لاسيما فى ظل تنافس أوروبي صيني ياباني فى هذا المجال بالمنطقة.

تعتبر منطقة شمال إفريقيا منطقة مثالية في إنتاج الهيدروجين الأخضر المنتج باستخدام الطاقة الشمسية،  وبإعادة تشكيل شبكة خطوط أنابيب النفط والغاز الحالية يمكن نقل الهيدروجين المتولد في شمال إفريقيا إلى أوروبا والذي سيلعب بدوره في إحداث تحول جذري بخريطة الطاقة الأوروبية خاصة فى ظل تزايد كهربة صناعة النقل وزيادة استخدام الهيدروجين في النقل الثقيل ، والصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة ، وجميع الصناعات التحويلية تقريبًا.

ثمة حضور ألماني قوي في هذه المنطقة لتوطيد التعاون مع الدول الثلاث السابق ذكرهم، فقد أبرمت ألمانيا والمغرب اتفاقًا  في 16 من يونيو 2020 لتطوير قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر، وإنشاء مشاريع بحثية واستثمارية، وبموجبه دعمت الحكومة الألمانية بناء محطة لإنتاج الهيدروجين، والذي يقدر إنتاجه  سنويًا بحوالي عشرة آلاف طن من الهيدروجين اعتباراً من عام 2025.

وكذلك تتفاوض الجزائر مع ألمانيا لبناء مصنع هيدروجين أخضر، تصل إنتاجيته إلى 20 ميجاواط، مع توقعات بدء تشغيل هذا المشروع بحلول عام 2024.

الفرص المصرية فى أزمة الطاقة الأوروبية

من المتوقع أن يكون لمصر نصيب كبير فى مبادرة “استبدال مصدر طاقة الاتحاد الأوروبي” سواء على المدى القصير، بإمدادها بالغاز الطبيعي المسال خاصة مع تنامي حجم الصادرات المصرية من الغاز، وذلك بإعادة تصديره إلى اليونان ومنها إلى أوروبا من محطات الغاز الطبيعي المسال على ساحل البحر المتوسط، أو على المدى الطويل، من خلال المساهمة في بناء مرفق لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر، وذلك في ضوء تمتعها بعوامل تساعدها على أن تكون مركزاً لإنتاجه، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي المتميز بما يساعد في سهولة نقله إلى أوروبا خاصة إذا ما أبقت الدول الأوروبية على التزماتها تجاه تقليل الانبعاثات الكربونية.

وهنا نشير إلى أن إجمالى صادرات الغاز الطبيعي المسال من كلا من مجمع الإسـالة في دمياط ومجمع “إدكو” خلال عام 2021 بلغ نحو 6.5 مليون طن مقابل 1.5 مليون طن عام 2020، بنسبة نمو سنوية بلغت نحو 385%، وهي نسبة النمو الأعلى عالميًا خلال 2021. وبحسب القدرات التصميمية لمحطتى الإسالة المصرية، يتضح أنه من الإمكان استيعاب مزيد من الغاز الخام وإسالته وإعادة تصديره إلى أوروبا.

وعلى صعيد الطاقة المتجددة، تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، وآخرها اتفاقية التطوير المشترك لمشروع إقامة وتشغيل منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة 100 ميجاوات في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إضافة إلى توقيع اتفاقية الشروط الرئيسية لعقد شراء الهيدروجين بالمشروع بين شركات سكاتك النرويجية وفرتيجلوب التّابعة لـ “أدنوك” و”أو سي آي”، وأوراسكوم كونستراكشون وصندوق مصر السيادي، كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم مع شركة ميرسك الدنماركية لإقامة مشروع لإنتاج الوقود الأخضر لإمدادات تموين السفن.

يذكر أن لمصر مخططا طموحا لتكون محورًا عالميًا للطاقة لدول أوروبا وأفريقيا ودول الخليج من خلال مشروعات الربط الكهربائى بحلول عام 2030،  والتى بدأت الشركة المصرية لنقل الكهرباء بدراسة الربط مع اليونان ثم باقى أوروبا.

ختامًا:

يبدو أن الاتجاه نحو الطاقة المتجددة هو المستقبل الأفضل ليس لأوروبا فقط وإنما للعالم أجمع والذي يتسق مع الالتزام بتصفير الانبعاثات الكربونية ،الأمر الذي يتطلب التشجيع على الاستثمار فيه ودعم نموه لكي يكون بمثابة تحوّط ضد التقلبات المستقبلية في أسعار الطاقة العالمية وضد استخدام مصادر الطاقة كـ”سلاح جيوسياسي” إبان الأزمات الدولية أو النزاعات الإقليمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى