تقاريرتقدير موقفرئيسيعاجل

الشراكة الصناعية بين مصر والإمارات والأردن ..دوافع الاتفاق وآفاق التعاون

الاتفاقية تُدشن لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك

فى ظل حالة الاضطراب غير المسبوق التى يشهدها الاقتصاد العالمي حاليا، ومع تنامى التحديات أمام النظام المالي والنقدي العالميين على إثر تحولات لموازين القوى وأدوار الفاعلين الدوليين فى نظام عالمي لم تستقر بعد قواعده وأنماط العلاقات بين أطرافه، بات وجود تكامل عربي لتحقيق تنمية مستدامة تضمن توفير الاحتياجات الأساسية للشعوب وجعلها فى مأمن من هذه الأزمة، ضرورة حتمية تفرضها الظروف الراهنة.

وتأتي اتفاقية “الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة” بين مصر والإمارات والأردن، والتى أُطلقت فى 29 مايو  الماضي بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، لتدشن لمرحلة جديدة من العمل العربي المشترك بين الدول الثلاث التى عقدت العزم على توحيد طاقاتها واستثمار قدراتها المختلفة لتصبح نقطة ارتكاز إقليمية مؤثرة فى الاقتصاد العالمي، ولاعب أساسي فى مختلف الأحداث لاسيما فى منطقة الشرق الأوسط.

ويستهدف الاتفاق الإطاري للتعاون بين الدول الثلاث مصر والإمارات والأردن الانطلاق من المجال الصناعي ومن قوة الإمكانيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في خمسة مجالات واعدة تشمل الزراعة والأغذية والأسمدة، والأدوية، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات، وهي مجالات ذات أهمية بالغة فى تعزيز بنيان مجتمعات الدول الثلاث خاصة وأنها مجالات تتعلق مباشرة بمتطلبات الحياة اليومية لشعوبها.

ونظرا للأهمية البالغة لاتفاق الشراكة الصناعية بين الدول الثلاث، يسلط هذا التقرير الضوء على أبرز ملامح هذا الاتفاق وأهدافه، والدوافع التى تقف وراءه، ودلالة توقيت إطلاق هذه الشراكة، وكيف تُؤسس لمرحلة تكامل تتجاوز الجانب الاقتصادي لتشمل جوانب اجتماعية ومعرفية، فضلا عن آفاق التعاون الممكنة التى من المقرر أن تُشكل قيمة مضافة للدول الثلاث.

أولا: ملامح وأهداف الاتفاق

تم الاتفاق بين الدول الثلاثة على تدشين صندوق استثماري جديد تُديره الشركة القابضة المملوكة لحكومة أبوظبي  ADQ  بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في المشاريع المنبثقة عن هذه الشراكة في القطاعات المُتفق عليها وهي الزراعة والأغذية والأسمدة، والأدوية، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات.

وتجدر الإشارة إلى أن شركة (ADQ) القابضة تأسست في عام 2018 وهي واحدة من أكبر الشركات القابضة على مستوى المنطقة العربية، حيث تمتلك استثمارات مباشرة وغير مباشرة محلياً ودولياً،  وتغطي المحفظة الواسعة من المشاريع الكبرى التابعة لها قطاعات رئيسية ضمن الاقتصاد المتنوع، بما في ذلك الطاقة والمرافق والأغذية والزراعة والصحة والدواء والنقل والخدمات اللوجستية وغيرها.

وتتمثل الشراكة في 5 أهداف استراتيجية مشتركة، وهي السعي لتحقيق نمو قائم على الاستدامة، وتحقيق سلاسل توريد مضمونة ومرنة، وتطوير صناعات تنافسية ذات مستوى عالمي، وتعزيز قطاعات التصنيع ذات القيمة المضافة، وتعزيز نمو وتكامل سلاسل القيمة والتجارة بين البلدان الثلاثة.

هذا وتمتلك الدول الثلاث مجموعة من الموارد والمزايا التنافسية الفريدة التي تشمل توفر المواد الأولية والخام، مثل موارد الطاقة في دولة الإمارات، والأراضي الزراعية الخصبة في مصر، والمعادن في كل من مصر والأردن ..كما تتمتع هذه الدول بقدرات قوية في مجال الصناعات الدوائية وإمكانية تنميتها وتوسعتها وزيادة طاقتها الإنتاجية، وقدرات تصنيعية مهمة في مجالات الحديد والألمنيوم والبتروكيماويات والمشتقات، فضلا عن العمالة الماهرة والبنية التحتية المتقدمة التى تتمتع بها الدول الثلاث من مطارات وموانئ وممرات نقل استراتيجي.

ثانيا: دوافع الاتفاق

  • تغيرات جيوسياسة:

في ضوء زيادة حدة التوترات السياسية بالمنطقة وتزايد حالة عدم القين التى يشهدها الاقتصاد العالمى جراء الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية وتزعزع استقرار السلم والأمن الدوليين، اتجهت عدة دول عربية إلى تدشين صناديق استثمارية سيادية تستهدف تمويل المشروعات الهامة لنمو الاقتصاد لديها وتعزيز قدراتها التصنيعية من خلال استغلال الأصول المتاحة غير المستغلة وتتولى إدارة هذه الأصول الصناديق السيادية من خلال الشراكات مع صناديق سيادية أخرى دولية.

وفى ظل منطقة محفوفة بالاضطرابات والحروب الأهلية  والتحالفات الجيوسياسية المتغيّرة والتنافس بين التحالفات المتخاصمة التي تسعى إلى توسيع دوائر نفوذها وتحديد المصائر في الدول الضعيفة والمتجزّئة في المنطقة، اكتسبت هذه الأطر التعاونية أهمية استراتيجية قوية.

  • تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال للأسواق الناشئة:

لعل أهم ما دفع الدول الثلاثة لتعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينها هى تخارج رؤوس الأموال من بعضها، الأمر الذى أدى إلى تراجع الاحتياطات الأجنبية لديها فضلا عن تذبذب الأسعار نتيجة لموجه التضخم العالمية. وعليه، سعت الحكومات الثلاثة إلى جذب استثمارت منخفضة التكلفة ومرتفعة العوائد من خلال عقد اتفاقات شراكة بين الدول الثلاثة بهدف استغلال الفوائض المالية لدى الدول النفطية والناتجة عن أسعار النفط المرتفعة خلال الفترة الحالية والفترات المستقبلية، خاصة وأن عوائد الاستثمار فى الدول المتقدمة أخذت فى التراجع خلال الفترة الحالية ومتوقع أن تنخفض مع تزايد حدة الركود التضخمى فى الدول الكبرى.

  • تأصيل التعاون المشترك متعدد الأطراف:

تسعى العديد من الدول العربية لعقد اتفاقات شراكة من خلال دمج الاقتصاد لديها بمزيد من الشراكات الاستراتيجية طويلة الأجل من جهة وتخفيف الأعباء الحالية الناتجة عن صدمة أسعار الطاقة والغذاء من جهة أخرى، وتأتى الدول العربية تونس والجزائر وليبيا والسودان فى مقدمة الدول المرشحة لعقد اتفاقات مع مصر والإمارات والسعودية والكويت والبحرين وقطر لتبادل المزيد من الميزات النسبية لكل من الاقتصادات المشاركة.

يُذكر أن الصناديق الاستثمارية السيادية تلعب دورا مهما فى تحركات رؤوس الأموال خلال الفترة الحالية والمقبلة وسط تخبط شديد فى السياسات المالية والنقدية فى العالم نتيجة العقوبات المفروضة من قبل الغرب على روسيا وعلى عدد من الدول مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية فضلا عن تخارج الولايات المتحدة من العديد من الاتفاقات التجارية مثل (نافتا، الأطلسي).

ثالثا: آفاق التعاون

تطوير القطاع الصناعي في الدول المشاركة سيؤدي إلى تمكين التنمية الصناعية في الدول الثلاث، وتنويع الاقتصاد وزيادة إسهام الصناعة في الناتج المحلي، كما أن هذه الشراكة تعكس قدرة دول المنطقة على تعزيز علاقاتها وإطلاق مشاريع وصناعات جديدة في إطار منظومة صناعية تكاملية توفر المزيد من الفرص فى واقع مليىء بالتحديات، وفي ضوء ذلك تكمن آفاق التعاون فيما يلى:

  • تعزيز النمو الاقتصادي:

تستهدف الدول الثلاثة زيادة الناتج المحلى الإجمالى، بما ينعكس على متوسط نصيب الفرد، وتعتمد الدول الثلاثة على تغيير نمط النمو الاقتصادي لديها من خلال تعزيز القدرات الكامنة لدى اقتصادها من خلال استقطاب رؤوس أموال جديدة منخفضة التكلفة وطويلة الأمد ومباشرة تستهدف الشراكة فى المشروعات القائمة والمستقبلية للخروج من الأزمات الحالية سواء كانت نقدية أو مالية أو هيكلية.

حيث تسعى الإمارات لتنويع هيكلها الاستثماري  للخروج من عباءة ريعية الاقتصاد من جهة واستغلال الفوائض المالية لديها للاستثمار خارج أراضيها من جهة أخرى، فيما تستهدف الحكومة المصرية جذب المزيد من الاستثمارات لمعالجة القصور النقدي لديها فى الأجل القصير ومشاركة القطاع الخاص ودمج الصندوق السيادي المصري فى شراكات دولية استثمارية منخفضة التكلفة ومرتفعة العوائد، فيما يسعى الاقتصاد الأردنى للتعافى من الأزمات المالية واستلهام التجربة المصرية فى الإصلاح المالى والنقدى بما يعزز من قدراته الإنتاجية خلال المرحلة المقبلة التى تتسم بضبابية المشهد إقليما ودولياً.

وكما هو موضح بالشكل البياني السابق، فإن الناتج المحلي الإجمالي المصري بلغ 363 مليار دولار عام 2021، بينما بلغ الناتج المحلي الإماراتى نحو 421 مليار دولار، والأردني نحو 43 مليار دولار عن نفس العام.

  • تعزيز التبادل التجاري:

من المتوقع أن ترتفع معدلات التبادل التجاري بين البلدان الثلاثة بحلول العام المقبل فور دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، إذ تعتزم الحكومة الأردنية تغطية ما لديها من عجز فى ميزانها التجارى من مصر والإمارات وتتركز المنتجات الزراعية والصناعية من مصر مقابل السلع التكنولوجية والرقمية من الإمارات.

كما أنه من المتوقع أن تدخل السلع الزراعية المصرية الأسواق الإماراتية بشكل مكثف خاصة لما شهدته المنتجات الزراعية المصرية من تحسن فى مستويات الجودة وانخفاض المترسبات واتفاقها بشكل شبه كامل مع المعايير الأوروبية لسلامة الغذاء، وهو ما تسعى مصر إليه من تقليص العجز التجاري لديها من خلال زيادة صادراتها للدول العربية.

يوضح الشكل البيانى التالى حجم التبادل التجاري للدول الثلاثة مع العالم 2021.

  • الاستغلال الأمثل للقدرات الكامنة فى الاقتصادات المشاركة:

تحظى القطاعات الصناعية والصناعات التكاملية بالاهتمام البالغ لدى الدول الثلاث، إذ دشنت مصر بنية تحتية كبيرة تستوعب النمو المتسارع فى قطاعات صناعية متوقعة ولعل أهمها الصناعات التحويلية والصناعات التكميلية والهندسية.

وتسعى مصر من خلال الاتفاق إلى استقطاب رؤوس الأموال عن طريق دخول صندوق مصر السيادى بالشراكات مع الدول العربية وضخ الأموال المتولدة عن هذه المشروعات فى استكمال المشروعات القائمة بهدف تعزيز قدرات الاقتصاد المصري لزيادة مساهمة القطاع الصناعى فى الناتج المحلى الإجمالى.

وهنا نشير إلى أن النشاط الصناعى بلغ نحو 1.5 تريليون جنيه خلال العام المالى 2020/2021، مقابل نحو 1.4 تريليون فى قطاع الزراعة، ونحو 53634 مليون في قطاع النقل واللوجستيات، فيما بلغ القطاع التعديني نحو 66180 مليون جنيه، وقد دعم هذا النمو تراكم الرأسمال الحكومى بنحو 162 مليار جنيه.

وبشأن الاقتصاد الإماراتى فقد بلغ التكوين الرأسمالى نحو 286074 مليون درهم إماراتى، ويتركز نمو الاقتصاد الإماراتى على التحول من الاقتصاد الريعى المعتمد على النفط إلى اقتصاد مستدام معتمد على تنوع مصادر النمو وهو ما دفعه بالشراكة مع اقتصادات عدة لتنويع مصادر نموه من جهة واستثمار الفوائض المالية من جهة أخرى فى قطاعات واقتصادات أعلى ربحية من الدول المتقدمة جراء ما يشهده العالم المتقدم من حالة ركود تضخمية.

بينما يتنوع الاقتصاد الأردنى وتمثل الصناعة نحو 1404 مليون دينار من حجم ناتج محلى يقدر بنحو 43.7 مليار دينار، ونحو 488 مليون فى قطاع الزراعة ونحو 183 مليون دينار بقطاع التعدين ونحو 681مليون بقطاع النقل، وفى ضوء ارتفاع التكوين الرأسمالى للحكومة إلى نحو 3.5 مليار دولار فإن الحكومة الأردنية تتجه بشدة نحو التحول لاقتصاد رأسمالى يعتمد فى أساسه على مشاركة القطاع الخاص وجذب المزيد من الخبرات الدولية المتمثلة فى الشركات التكنولوجية خاصة المتركزة فى الإمارات العربية أو صناعية تكاملية متركزة فى مصر فضلاً عن تغطية احتياجاتها من الكهرباء عبر شبكات الربط الممتدة التى تمتلكها مصر.

خلاصة القول:

يعبر الاتفاق الإطاري عن مرحلة جديدة للتعاون بين الدول الثلاث مصر والإمارات والأردن تستهدف تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في خمسة مجالات صناعية ..ووفق  هذا الاتفاق ستستثمر الإمارات 10 مليارات دولار أمريكي ضمن صندوق استثماري يشمل دول مجاورة لم يُعلن عنها بعد، ويستهدف مشروعات في مصر والأردن من خلال تطوير صناعات تنافسية ذات مستوى عالمي، وتعزيز قطاعات التصنيع ذات القيمة المضافة، إلى جانب توفير سلاسل توريد مضمونة ومرنة وتعزيز نمو سلاسل القيمة والتجارة وتكاملها بين الدول الثلاث.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى