أوراق بحثيةدراسات اقتصاديةدراسات التنميةرئيسيعاجل

أبعاد ودوافع تحركات الدولة المصرية فى ضوء المتغيرات الدولية الراهنة

نتائج مرجوة وآفاق التعاون بين مصر والمجتمع الدولي

شهدت تحركات الدولة المصرية زخما على الصعيدين العربي والدولي خلال الآونة الأخيرة وخاصة فى شهر يوليو 2022، وذلك فى ظل حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي غير المسبوق منذ قرابة قرن من الزمان، ووسط عديد من التحديات أمام النظام المالي والنقدي العالميين على إثر تحولات لموازين القوى وأدوار الفاعلين الدوليين الجدد فى نظام عالمي لم تستقر بعد قواعده وأنماط العلاقات بين أطرافه.

وانطلاقا من الأهمية البالغة لهذا الزخم وفى ضوء التغيرات الراهنة على الصعيد العالمي، ترصد هذه الورقة البحثية أهم تحركات الدولة المصرية خلال الآونة الأخيرة على الصعيدين العربي والدولي بشكل تحليلي لبيان دوافع وأبعاد مشاركة مصر فى كل منها، والتى كان آخرها عَقد قمة مصرية فرنسية، سبقتها زيارة صربيا لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وقمة بطرسبرج لحوار المناخ بألمانيا، وذلك على الصعيد الدولى الذي يعكس نهج مصر لتبنى التعددية الدولية كأساس لعلاقاتها الدولية، وكذلك التحركات العربية بالمشاركة فى قمة جدة للأمن والتنمية، والتى باتت وجوبية نحو تكامل عربي جاد لتحقيق التنمية المستدامة كضمانة جادة لتوفير الاحتياجات الأساسية للشعوب وجعلها فى مأمن من الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، وذلك من خلال المحاور الرئيسية التالية:

 المحور الأول: دوافع وأبعاد تحركات مصر على الصعيد العربي

أولاً: قمة جدة للأمن والتنمية

ثانياً:  تعاون عربي متعدد الأطراف

ثالثا: دوافع التقارب بين الدول العربية

المحور الثاني: دوافع وأبعاد تحركات مصر على الصعيد الدولى

أولاً: حول تغيرات المناخ والتمهيد لقمة كوب 27

ثانياً: تعزيز الشراكات الدولية والاستثمار

ثالثاً: دوافع مشاركات مصر وتحركاتها الدولية

المحور الثالث:  نتائج مرجوة وآفاق التعاون بين مصر والمجتمع الدولى

 المحور الأول: دوافع وأبعاد تحركات مصر على الصعيد العربي

جاءت تحركات الدولة المصرية تجاه الدول العربية لعقد شراكات استراتيجية تعزز فرص نمو الاقتصاد المصري من خلال الاستفادة من الفوائض المالية المُحققة لدى الدول المصدرة للنفط من جهة، وتحقيق معدلات ربحية مرتفعة لتلك التدفقات الرأسمالية من خلال الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف خاصة وأن الدول العربية المُصدرة للنفط دخلت مرحلة الشراكة الاستراتيجة بديلا عن الاستفادة من العوائد الائتمانية فى الدول المتقدمة بعدما عصفت بها موجات تضخم تزامنت مع تراجع معدلات النمو بها وسط مخاوف من ركود تضخمى وشيك.

وفى ضوء هذه التحركات يسلط هذا المحور الضوء على أهم وأبرز اللقاءات والاتفاقات الاستثمارية التى عقدتها مصر مع الدول العربية خلال الفترة الأخيرة، وذلك على النحو التالى:

أولاً: قمة جدة للأمن والتنمية

جاء انعقاد قمة جدة للأمن والتنمية بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، ضمن عدد من اللقاءات الثنائية بين الدول المشاركة بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن ، في أول جولة  خارجية له إلى المنطقة منذ توليه منصبه، حيث عُقد اجتماع ثنائي بين قيادتي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في 15 يوليو 2022، تلاها  اجتماع قمة خليجية عربية أمريكية ضم قادة مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق ومصر.

تأتى هذه القمة ضمن مساعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى رعاية مصالحها فى المنطقة العربية وزيادة الإنتاج اليومى من النفط لمواجهة العجز الناتج فى قصور سلاسل إمداد الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من عقوبات غربية على صادارت الطاقة الروسية، وخلُصت القمة إلى تراجع الدور الأمريكى فى التأثير على اتجاهات إنتاج الطاقة والنفط، الأمر الذي يشير إلى تصاعد دور القوى الدولية المواجهة لأمريكا، وتأتى الصين وروسيا فى المقدمة.

كما أن تحركات الولايات المتحدة الأمريكية جاءت بالتزامن مع تحركات روسيا إلى إيران لعقد مباحثات ثنائية ومتعددة الأطراف للخروج من طائلة العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي والإيرانى، ويتضح من قراءة  المشهد الدولي وجود استقطاب دولي من قبل القطبين الشرقي بقيادة روسيا ودعم الصين وحلفائها من جهة، والقطب الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها المشتركة مع الدول الأوروبية من جهة أخرى.

وعلى صعيد التعاون المصري السعودى فقد سبق قمة جدة لقاءات ثنائية على مستوى وزراء المجموعة الاقتصادية والتى قد نتج عنها  التوقيع الثنائي على 14 اتفاقية استثمارية، وهو ما يعكس تقارب واضح  فى الفترة الحالية يهدف لترسيخ التعاون طويل الأمد فى الفترة المستقبلية، حيث وقع الجانبان 14 اتفاقية استثمارية بقيمة 7.73 مليار دولار  فى يونيو 2022، ضمن اتفاقات بينية تزيد عن 160 إتفاقية  ثنائية، بنمو سنوى 87% بقيمة استثمارية تقدر بنحو  32 مليار دولار، اشتملت أوجه التعاون على تطوير قطاعات رئيسية وهي الأدوية  وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلى جانب التعاون فى المجال الإعلامي.

يُذكر أن الاستثمارات السعودية في مصر تجاوزت نحو 53 مليار دولار موزعة على 6800 مشروع وشركة، كما تبلغ عدد الشركات المصرية نحو 802 تعمل في المملكة السعودية برؤوس أموال 5 مليار دولار، فيما تحتل مصر المرتبة الثانية استثمارا  فى السعودية بنحو  160 رخصة فى عام 2020 ونحو 11 صفقة استثمارية فى 2020، ولعل أبرز هذه الاتفاقيات ما يلى:

  • اتفاقية بين “أكوا باور” السعودية والقابضة المصرية للكهرباء لإنشاء أكبر محطة في الشرق الأوسط لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح بقدرة تتجاوز 1100 ميجاوات.
  • اتفاقية بين الفنار العالمية والهيئة العربية للتصنيع لإنتاج الكهرباء والهيدروجين الأخضر
  • اتفاقية بين الفنار العالمية والهيئة العربية للتصنيع فى مجال المعلومات والحلول الرقمية
  • اتفاقيات بين مجموعة عجلان إخوان وسبع شركات مصرية فى مجالات صناعات غذائية والسيارات وصناعات ترفيهية.
  • اتفاقية بين (خوارزمي فنتشرز وخزنة) لتعزيز الخدمات المالية بالمملكة العربية السعودية
  • اتفاقية فى مجالات الصحافة والإذاعة والتلفزيون والإنتاج الدرامي والإعلام الرقمى
  • اتفاقية لإنشاء مصنع جمجوم فارما بمصر للصناعات الدوائية
  • اتفاقية بين “أقوات” السعودية للصناعات الغذائية وحلوانى إخوان.

ثانياً:  تعاون عربي متعدد الأطراف:

عقدت مصر والإمارات والأردن اتفاقية الشراكة الصناعية بهدف تدشين مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك بين الدول الثلاث التى عقدت العزم على توحيد طاقاتها واستثمار قدراتها المختلفة لتصبح نقطة ارتكاز إقليمية مؤثرة فى الاقتصاد العالمي، ولاعب أساسي فى مختلف الأحداث لاسيما فى منطقة الشرق الأوسط.

تستهدف الدول الثلاث مصر والإمارات والأردن استغلال القدرات والإمكانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكامنة لدى كل منهم، لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، لاسيما وأن هذه الدول تتمتع بمجموعة من الموارد والمزايا التنافسية الفريدة التي تشمل توفر المواد الأولية والخام، مثل موارد الطاقة في دولة الإمارات، والأراضي الزراعية الخصبة في مصر، والمعادن في كل من مصر والأردن .

كما تتمتع بقدرات قوية في مجال الصناعات الدوائية وإمكانية تنميتها وتوسعتها وزيادة طاقتها الإنتاجية، وقدرات تصنيعية مهمة في مجالات الحديد والألومنيوم والبتروكيماويات والمشتقات، فضلا عن العمالة الماهرة والبنية التحتية المتقدمة التى تتمتع بها الدول الثلاث من مطارات وموانئ وممرات نقل استراتيجي.

تم الاتفاق بين الدول الثلاث على إنشاء صندوق استثماري جديد تُديره الشركة القابضة المملوكة لحكومة أبوظبي  ADQ  بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في المشاريع المنبثقة عن هذه الشراكة في القطاعات المُتفق عليها وهي الزراعة والأغذية والأسمدة، والأدوية، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات.

وتجدر الإشارة إلى أن شركة (ADQ) القابضة تأسست في عام 2018 وهي واحدة من أكبر الشركات القابضة على مستوى المنطقة العربية، حيث تمتلك استثمارات مباشرة وغير مباشرة محلياً ودولياً،  وتغطي المحفظة الواسعة من المشاريع الكبرى التابعة لها قطاعات رئيسية ضمن الاقتصاد المتنوع، بما في ذلك الطاقة والمرافق والأغذية والزراعة والصحة والدواء والنقل والخدمات اللوجستية وغيرها.

ثالثا: دوافع التقارب بين الدول العربية

  • تغيرات جيوسياسة:

في ضوء زيادة حدة التوترات السياسية بالمنطقة وتزايد حالة عدم القين التى يشهدها الاقتصاد العالمى، اتجهت بعض حكومات الدول العربية إلى تدشين صناديق استثمارية سيادية تستهدف تمويل المشروعات الهامة لديها لحفز النمو الاقتصادى لديها من خلال تعزيز قدراتها التصنيعية واستغلال الأصول المتاحة غير المستغلة وتتولى إدارة هذه الأصول الصناديق السيادية بالشراكات مع صناديق سيادية أخرى دولية.

  • تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال للأسواق الناشئة:

لعل أهم ما دفع الدول العربية لتعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينها هى تخارج رؤوس الأموال من بعض الأسواق، الأمر الذى أدى إلى تراجع نسبي للاحتياطات الأجنبية لدى بعض البنوك المركزية، مما دفع بتذبذب الأسعار نتيجة لموجه التضخم العالمية.

وعليه، سعت بعض الحكومات وفى مقدمتهم الحكومة المصرية إلى جذب استثمارت منخفضة التكلفة ومرتفعة العوائد من خلال عقد اتفاقات شراكة بين الدول العربية، بهدف استغلال الفوائض المالية لدى الدول النفطية والناتجة عن أسعار النفط المرتفعة خلال الفترة الحالية والمحتملة خلال الفترات المستقبلية، خاصة وأن عوائد الاستثمار فى الدول المتقدمة أخذت فى التراجع خلال الفترة الحالية ومتوقع أن تنخفض مع تزايد حدة الركود التضخمى فى الدول الكبرى.

  • تأصيل التعاون المشترك متعدد الأطراف:

تسعى العديد من الدول العربية لعقد اتفاقات شراكة من خلال دمج الاقتصاد لديها بمزيد من الشراكات الاستراتيجية طويلة الأجل من جهة وتخفيف الأعباء الحالية الناتجة عن صدمة أسعار الطاقة والغذاء من جهة أخرى، وتأتى الدول العربية مثل تونس والجزائر وليبيا والسودان فى مقدمة الدول المرشحة لعقد اتفاقات مع مصر والإمارات والسعودية والكويت والبحرين وقطر لتبادل المزيد من الميزات النسبية لكل من الاقتصادات المشاركة وللخروج من وطأة الركود التضخمى الذي بات على وشك أن يضرب الاقتصاد العالمى.

  • تعزيز نمو الناتج المحلى الإجمالى المعتمد على التعاون:

تستهدف الدول العربية تسريع وتيرة النمو لدى كل منها، إذ يتراوح النمو السنوى للناتج المحلي الإجمالى للدول الأربع مصر والسعودية والإمارات والأردن ما بين 2.6%  و 5.4%، وتحظى مصر بمعدلات نمو بلغت 5.4% وتعد مرتفعة مقارنة بالأردن والتى بلغت 2.6% فيما بلغ النمو الاقتصادى فى السعودية نحو 3.2% والإمارات نحو 3.8%، ويوضح الشكل رقم(1) الناتج المحلى الإجمالى فى 2020 ومعدل نمو الناتج المحلي السنوى 2021. 

المحور الثاني: أبعاد ودوافع تحركات مصر على الصعيد الدولي 

صُنفت تحركات الدولة المصرية خلال الفترة الأخيرة فى اتجاهين أساسيين، إذ تمثل قضية التغيرات المناخية وآثارها السلبية على الاقتصادات الناشئة أولى اهتمامات الجانب المصري تأصيلا للدور الريادى المصري فى القضايا الدولية ذات الاهتمام العالمى الواسع، أما الاتجاه الثانى والأهم هو تعزيز الشراكات التنموية مع المجتمع الدولى خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية العالمية الراهنة، ويستعرض هذا المحور أسباب ودوافع تحركات مصر على الصعيد الدولى على النحو التالى:

أولاً: حول تغيرات المناخ والتمهيد لقمة كوب 27

وفقا للدور المحورى الذي تلعبه مصر فى ملف التغيرات المناخية ونظرا لتَولي مصر رئاسة الدورة القادمة لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب27 ) المقرر انعقادها فى نوفمبر 2022 فى شرم الشيخ، وُجهت الدعوة للرئيس عبد الفتاح السيسي للمشاركة فى عدد من القمم الدولية والثنائية والتي يمكن تناولها على النحو التالى:

  • قمة منتدى الاقتصاديات الكبرى حول الطاقة وتغير المناخ:

وذلك للمرة الأولى فى يونيو 2022 عبر الفيديو كونفرانس، تحت رعاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبمشاركة العديد من رؤساء الدول والحكومات وسكرتير عام الأمم المتحدة، تمهيدا لقمة شرم الشيخ COP27  وتأكيدا على التزام مصر بدعم وتعزيز جهود مواجهة تغير المناخ والتكيف مع تداعياته السلبية.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد قامت بتأسيس منتدى الاقتصاديات الكبرى حول الطاقة وتغير المناخ عام 2009 لدعم موضوعات تغير المناخ وحشد الزخم الدولي اللازم لها.

  • حوار بطرسبرج للمناخ بألمانيا 2022:

الذى ترأسته مصر وألمانيا فى العاصمة برلين بمشاركة ممثلين عن 40 دولة لبحث قضية تغيرات المناخ والقضايا الدولية ولعل أبرزها إمدادات الطاقة ونقص الغذاء. ويأتى حوار بطرسبرج للمناخ كمحطة هامة تمهيدا لـ(كوب27).

ثانياً: تعزيز الشراكات الدولية والاستثمار 

  • مشاركة مصر فى منتدى بطرسبورج الاقتصادي الدولي:

انعقد المنتدى في نسخته الخامسة والعشرين في الفترة من 15 و18 يونيو 2022، بمشاركة دولية موسعة اشتملت على نحو 141 منطقة ودولة. وشاركت مصر فى دورته هذا العام  كضيف شرف، بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمته في الجلسة العامة للمنتدى عبر تقنية الفيديو.

وتعكس هذه المشاركة مساعى وجهود السياسة الخارجية المصرية  لسنوات طوال للانخراط فى عالم متغير متعدد الأقطاب، وكذلك حرص الدول المضيفة ورئاسة المنتدى على مشاركة مصر لكونها الفاعل الأساسي فى المنطقة العربية والإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط.

  • زيارة دولة صربيا:

تعد صربيا من أهم مكونات يوغوسلافيا سابقًا والتى تربطها بمصر والهند من خلال حركة عدم الانحياز والتى كان لمصر دور فاعل فيها إبان الحرب الباردة، وبالتالي فإن الزيارة تحمل دلالات هامة فقد تُمهد لمشهد سياسي مشابه لأجواء الحرب الباردة، وذلك عقب انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية.

كما أن هذه الزيارة قد تتجاوز بعدها الثنائي، ويمتد صداها لبعض الدول فى العالم العربي وإفريقيا، وهو ما انعكس فى توافد عدد من القيادات السياسية للقاهرة عقب هذه الزيارة مثل وزير الخارجية الروسي واجتماعه بالمندوبين الدائمين بالجامعة العربية وتأكيده على دور مصر الفاعل، وتلاها زيارة الرئيس الصومالى للقاهرة للتباحث حول أهم القضايا التى تهم القرن الإفريقي نظرا للدور الذى تلعبه مصر مع أطراف دولية متعددة لصياغة إطار تعاون مشترك للخروج من وطأة التأثير السلبي لتراجع سلاسل الإمداد والطاقة فى العالم والتى لها بالغ الأثر على دول عديدة فى مقدمتها الدول الإفريقية.

وعلى الجانب الاقتصادي فقد بلغ التبادل التجاري بين مصر وصربيا نحو  80 مليون دولار في عام 2021 مقابل 104 ملايين دولار في عام 2020، فيما بلغت الصادرات المصرية إلى صربيا 42.39 مليون دولار عام 2021 مقابل 65.90 مليون دولار عام 2020. فى حين بلغت صادرات صربيا إلى مصر 37.35 مليون دولار عام 2021 مقابل 38.10 مليون دولار عام 2020.

ومن المتوقع أن تشهد العلاقات الاقتصادية بين الدولتين دفعة قوية جراء توافد الاستثمارات الصربية لمصر من خلال مجلس الأعمال المصري الصربي الذي توليه القيادة السياسية اهتماما كبيرا لضمان تحقيق التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.

  • زيارة دولة فرنسا:

جاءت زيارة الرئيس لفرنسا فى ختام جولته الأوروبية التى استهدفت بالأساس تأصيل مبدأ مصر الثابت نحو تحقيق السلم والأمن الدوليين، كما  أن الزيارة جاءت تحت شعار العلاقات الاستراتيجية المميزة والشراكة القوية التي تربط البلدين فى مجالات عدة، وأن الدور الثنائي للبلدين يعكس التوافق حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

تصدرت عدة ملفات هامة تلك الزيارة ومن بينها تأثير الحرب الأوكرانية على مجالي الطاقة والغذاء، خاصة أن باريس تعد من أكبر الدول في إنتاج القمح، إلى جانب الأزمة الليبية والسورية والسودانية والإرهاب في غرب إفريقيا، وتأثير تلك الأزمات على المنطقة العربية.

وعلى الجانب الاقتصادي، فقد ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين مصر وفرنسا لتصل إلى 991.9 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، مقابل 617.2 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2021، بنسبة ارتفاع قدرها 60.7%.، نتيجة لارتفاع قيمة الصادرات المصرية إلى فرنسا، إذ سجلت  557 مليون دولار خلال الستة أشهر الأولى من عام 2022، مقابل 183.9 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2021، بنسبة ارتفاع قدرها 202.9%.، فيما بلغت قيمة الواردات المصرية من فرنسا نحو  434.9 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، مقابل 433.3 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2021، بنسبة ارتفاع قدرها 0.4%.

أما الاستثمارات الفرنسية في مصر بلغت 228.4 مليون دولار خلال النصف الأول من العام المالي 2021 / 2022 مقابل 128.9 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام المالي 2020/ 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 77.2%، كما شهدت تحويلات المصريين العاملين بفرنسا 126.1 مليون دولار خلال العام المالي 2020/2021 مقابل 105.7 مليون دولار خلال العام المالي 2019 / 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 16.2%.

ثالثاً: دوافع مشاركات مصر وتحركاتها الدولية

  • تولى مصر رئاسة الدورة القادمة للقمة العالمية للمناخCOP27 

جاءت تحركات الدولة المصرية على الصعيد العالمي انطلاقاً من حجم المسئولية المُلقاة على عاتقها كرئيس لمؤتمر COP27 ، وتأكيدا على التزامها بدعم وتعزيز جهود مواجهة تغير المناخ والتكيف مع آثاره السلبية، والبناء على الزخم الدولي والإرادة السياسية من قبل كافة الأطراف لهذا الغرض، فضلا عن تطلعاتها للتوصل إلى نتائج ملموسة تساهم في إحداث تغيير حقيقي على الأرض ينتقل من مرحلة التفاوض حول النصوص والإعلان عن التعهدات إلى مرحلة التنفيذ الفعلي على كافة المستويات للوصول إلى أهداف اتفاق باريس للمناخ المُبرم فى 2015، وفي مقدمتها هدف الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.

  • تحول مصر إلى مركز إقليمى للطاقة النظيفة والمتجددة:

أعلنت مصر انضمامها لمبادرة التعهد العالمي للميثان في المسار المعني بالبترول والغاز، والذي تسعى من خلاله إلى تعزيز جهودها لخفض انبعاثات قطاع البترول والغاز الطبيعي من غاز الميثان، استنادا إلى الخبرات والتمويل الذي توفره المبادرة وبالتعاون مع الشركاء الدوليين في هذا القطاع، حيث بلغ عدد المشروعات الخضراء المدرجة فى خطة عام 2020/2021 -وفق تقرير وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية- نحو 691 مشروعًا بتكلفة بلغت 447.3 مليار جنيه، ومدرج لها اعتمادات بحوالي 36.7 مليار جنيه في خطة عام 20/2021.

وعليه تُشكل نسبة الاستثمارات العامة المدرجة للمشروعات الخضراء حوالي  15% من إجمالي الاستثمارات العامة الموزعة المدرجة  في الخطة، فضلا عن جهود الدولة فى العمل على تخصيص 50% من مشروعاتها لتكون مشروعات خضراء خلال الثلاث سنوات القادمة.

لقد ساهمت التغيرات الجذرية فى مجالات الطاقة والبنية التحتية إلى تحول مصر من حالة عجز فى ميزان الطاقة إلى تحول فائض فى انتاج الكهرباء فضلاً عن التوجه للتصدير للدول المجاورة ذات خطوط الربط أو عبر اتفاقات تعاون ثنائية.

  • تحول الدول نحو بدائل لمصادر الطاقة:

تحولت أسواق الطاقة العالمية جراء الحرب الروسية الأوكرانية نحو مزيد من حالة عدم الاستقرار تصاحبها حالة من عدم اليقين، الأمر الذي دفع العديد من الدول إلى تنويع مصادر إمداد الطاقة من جهة وتنويع مصادر توليدها من جهة أخرى.

وبشأن تنويع مصادر إمدادها فى الأجل القصير، يأتى غاز شرق المتوسط فى الصدارة حيث تتولى مصر رئاسة “منتدى شرق المتوسط للغاز” (EMGF ) ومقره القاهرة، وذلك بعد مجهودات كبيرة بُذلت فى هذا الصدد بدءا بترسيم الحدود فى 2014 مع دول الجوار، ومرورا بإنهاء ملفات مستحقات الشركات العالمية العاملة فى البحث والتنقيب عن البترول والغاز، وانتهاء بتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط فى 2018، وتدشينه فى 2020.

وعلى جانب استدامة مصادر الطاقة، فإن الدول الأوروبية تجد فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومصر بالتحديد المصدر المناسب لعقد صفقات وضخ استثمارات لإنشاء محطات طاقة متجددة ومد خطوط للربط الكهربائي للاستفادة من الوفورات الموجودة والمتولدة نتيجة لموقعها المتميز والفريد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أوروبا تعتمد على نحو 45% من إمداداتها من الطاقة من روسيا وعقب نشوب الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع حالة عدم اليقين بشأن إمدادات الطاقة، ارتفعت الأسعار لتتجاوز 140 دولار للبرميل فضلا عن ما تمثله من ضغوط مالية ونقدية نتيجة للعقوبات التى لم تأت بنتيجة على الأرض، ومن ثم فإن الدول كافة والأوربية الصناعية خاصة تستهدف تنويع مصادرها من الطاقة جغرافياً ونوعياً.

  • قدرة مصر على التأثير فى محيطها العربي وعمقها الاستراتيجي فى إفريقياً:

لعبت الدولة المصرية دورا محوريا فى المحيطين العربى والإفريقى حيث تشهد آفاق التعاون المصري على الصعيد العربي والإفريقي تناميا متزايدا يوما تلو الآخر فى ظل إقامة المشروعات الكبرى، وتفعيل مناطق التجارة الحرة، وتوفير الخدمات والبرامج التدريبية لبناء الكوادر وغيرها الكثير من مجالات لتعاون.

وقامت مصر مؤخراً بإطلاق استراتيجيتها الوطنية لتغير المناخ 2050، وتقوم في الوقت الراهن بوضع اللمسات النهائية على مساهماتها الوطنية المحدثة، والتي ستتضمن أهدافاً كمية محددة وطموحة في عدد من القطاعات الرئيسية، لتعكس الجهود التي قامت وتقوم بها لتحقيق تحول عادل إلى الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة على نحو يسمح لها بأن تكون مركزاً للطاقة في منطقتها، كما ستوضح هذه المساهمات المسئوليات التي تضطلع بها مصر تجاه الدول العربية والإفريقية لتجنيب الآثار السلبية لتغير المناخ وبناء قدرات على تحملها والتكيف معها، خاصة في ظل أزمات عالمية متعاقبة لها انعكاساتها على أسعار الطاقة والغذاء .

المحور الثالث:  نتائج مرجوة وآفاق التعاون بين مصر والمجتمع الدولي

فى ضوء ما يشهده العالم من اضطراب اقتصادى حاد نتج عن جائحة كورونا وما تَبِعها من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، تأتى أهمية الزخم الدولى لحضور مصر ومشاركتها فى العديد من اللقاءات والقمم الإقليمية والدولية، ومن المستهدف تحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية والتى يمكن تناولها على النحو التالى:

  • التوسع فى مشروعات الهيدروجين الأخضر وتحلية المياه:

قد يلقى اهتماما كبيرا خلال فاعليات القمة، ويعزز ذلك ما تم من التحالفات متعددة الأطراف خلال المرحلة الحالية والمستقبلية حيث تم:

  • تحالفبين صندوق مصر السيادي وشركات أوراسكوم كونستراكشون وسكاتك النرويجية وفيرتيجلوب المنتجة للأمونيا، لإنشاء مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة 100 ميجاوات في العين السخنة ليدخل الخدمة  فى عام 2024.
  • التعاون الثلاثى بين مصر والإمارات والأردن والذى قدرت استثماراته بنحو مليار دولار.
  • عقد 14 اتفاقية بين مصر والسعودية مؤخرا باستثمارات إجمالية تبلغ 7.73 مليار دولار وقد تصل إلى 30 مليار دولار منها اتفاقية بين الفنار العالمية والهيئة العربية للتصنيع لانتاج الكهرباء والهيدروجين الأخضر.
  • زيادة التمويل الدولي للمشروعات الخضراء والتحول إلى النقل النظيف:

بات من متوقع عقد صفقات ثنائية ومتعددة الأطراف فى مجال تجميع السيارات والأتوبيسات واستبدالها بالمركبات الكهربائية، ومن أبرز مصدر للتمويل صندوق بلاك روك الجديد للبنية التحتية والذي تبلغ قيمته 673 مليون دولار.

وقد يصل التمويل إلى مليار يورو من الاتحاد الأوروبي بحلول 2028 ويرتكز على الأمن المائي، كما أن أليانز جلوبال إنفستورز وبنك الاستثمار الأوروبي قاما  بتأسيس صندوق استثماري  يركز على المناخ في الأسواق الناشئة بقيمة 500 مليون يورو،  بالإضافة إلى السندات الحوكمية البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وسندات التنمية المستدامة فى هذه الدول وفى مقدمتها مصر والتى وقعت مع جهات دولية استثمارات خضراء بقيمة 3 مليار دولار خلال إبريل 2022 فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

  • مساعى دولية لصياغة إطار ملائم جديد لتخفيف حدة الصراع العالمى:

يدخل الاقتصاد العالمى مرحلة جديدة من الاضطراب المالى والنقدى غير المعلوم أمده، الأمر الذي جعل من المساعى الدولية حول صياغة أطر ملائمة أمرا وجوبيا للخروج من وطأة التراجع معدلات النمو وارتفاع مستويات الأسعار، ومالهما من آثار بالغة على مستويات معيشة المواطنين من جهة وقدرة الحكومات على تخطى تداعيات أزمة أسعار الطاقة ومدخلات الإنتاج  والغذاء من جهة أخرى.

وتستهدف مصر طرح أطر تعاونية وتشاركية أمام المجتمع الدولى خاصة الاقتصادات الناشئة لتقليل حدة الآثار الاقتصادية الناجمة عن التحديات الدولية الراهنة ولعل أهمها التغيرات المناخية وكذا التوترات الجيوسياسية، وكذلك التطرق لملف أزمة الديون والتى قد تعصف بعدد من الاقتصادات الناشئة على إثر التغيرات المناخية من جهة والتوترات الجيوسياسية من جهة أخرى.

  • تقارب اقتصادى مصري روسي مع توافق حول العديد من القضايا:

اكتسبت العلاقات المصرية الروسية زخماً كبيرا خلال الآونة الأخيرة وأصبحت أكثر تميزا في ظل الظروف الدولية الراهنة التي تتسم بعدم الاستقرار، وتعكس هذه العلاقة توافقاً بين الجانبين حول العديد من القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بالإضافة لتعزيز الشراكات الاستثمارية.

وتعد محطة الضبعة للطاقة النووية بقدرة تصل إلى 4800 ميجاواط وتكلفة تبلغ 30 مليار دولار، أبرز المشروعات المشتركة بالإضافة إلى المنطقة الصناعية الروسية فى منطقة شرق بورسعيد باستثمارات تبلغ 6.9 مليار دولار، وفرص عمل تتجاوز 35 ألف فرصة. ومن ثم تخطت الشراكة المصرية الروسية مرحلة الاستثمار والتبادل التجاري لتصل إلى مرحلة التصنيع المشترك.

  • صياغة أطر تعاونية بين مصر والدول العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة:

تأكيدا على جاهزيتها لمناخ الاستثمار، تسعى الدولة المصرية لتسويق فرص استثمارية جديدة وقائمة تُعد الأعلى ربحية فى المنطقة العربية وشمال إفريقيا، فى ظل الارتفاعات المطردة للتضخم فى العالم، خاصة الدول المتقدمة والتى باتت فيها معدلات الربحية رهينة تغيرات الصرف والفائدة على حد سواء ولهذا تستهدف الدولة المصرية الترويج للاستثمار الإقليمى والدولى خاصة بعد جاهزيتها لاستقبال المزيد من تدفقات رؤوس الأموال بعد إصلاح هيكلي دام قرابة الست سنوات متواصلة بالتزامن من إحلال وتدشين للبنية التحية بصورة حضارية وفق معايير عالمية.

وفى هذا السياق، يذكر أن مصر حققت تقدماً ملحوظ فى تبسيط الإجراءات والتيسير على المستثمرين حيث صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 982 لسنة 2022 بتاريخ 14 مارس 2022 والذى ينص على إلتزام كافة الجهات المختصة بتلقى طلبات المستثمرين لإصدار الموافقات أو التصاريح أو التراخيص اللآزمة لإنشاء وتشغيل المشروعات الاستثمارية الجديدة او التوسع فى المشروعات الاستثمارية القائمة بالبت فى تلك الطلبات خلال 20 يوم عمل من تاريخ تقديم الطلب مستوفياً جميع مستنداته.

خلاصة القول:

تُعبر مساعى الدولة المصرية عن مرحلة جديدة للتعاون العربي الذي قد يفتح الباب أمام  تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في  الدول العربية من خلال تفعيل الدور الاقتصادى للجامعة العربية ومؤسساتها المختلفة، بالاعتماد على الميزة النسبية لكل اقتصاد مُشارك، وتحظى قطاعات التصنيع باهتمام بالغ من جانب الحكومات لتعزيز القيمة المضافة، إلى جانب توفير سلاسل توريد مضمونة ومرنة وتعزيز نمو سلاسل القيمة والتجارة وتكاملها بين الدول المشاركة والمحتملة دخولها فى اتفاق مزمع خلال الفترة المقبلة.

وتستهدف الدولة المصرية إقامة علاقات ذات تعددية دولية لتحقيق الأهداف الاقتصادية لديها من جهة وتأصيل لدورها المحورى والريادى من جهة أخرى، فى ظل منطقة محفوفة بالاضطرابات والحروب الأهلية المتفشّية والتحالفات الجيوسياسية المتغيّرة والتنافس بين التحالفات المتخاصمة التي تسعى إلى توسيع دوائر نفوذها من جهة أخرى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى