تقاريردراسات اقتصاديةرئيسيعاجل

تطور أداء الاقتصاد المصري فى ضوء تداعيات الأزمة العالمية الراهنة

أهم الإجراءات المتوقعة فى ضوء التغييرات الوزارية واعتذار محافظ البنك المركزى عن مهامه

يشهد الاقتصاد العالمي مرحلة شديدة الغموض والتى تعد من أصعب المراحل التى شهدها العصر الحديث، إذ تتشابك فيها العلاقات الدولية وتتعارض المصالح البينية للدول مما يدفع بمزيد من التوترات بين الدول الكبرى، الصين والولايات المتحدة من جهة وروسيا وأوروبا من جهة أخرى، وبين ذاك وتلك تتأثر كافة اقتصادات العالم، فنجد تداعي واضح للاقتصاد الأوروبي والمُقدر ناتجه المحلى بنحو 17 تريليون دولار، أى ما يمثل 20% من الاقتصاد العالمى، فيما يتداعى اقتصاد ألمانيا الأكبر أوروبيا بنحو 5 تريليون دولار والرابع عالميا بعد الولايات المتحدة واليابان والصين.

وما تشهده دول العالم جراء تداعيات التغير المناخي واتساع ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة الأرض فاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، ومع اقتراب فصل الشتاء وتعقد أزمة الطاقة فى الدول الأوربية  نتيجة توقف إمدادات الغاز الطبيعي الروسي وعدم كفاية بدائل الطاقة لتلبية الاحتياجات المتزايدة، تزداد الأمور تعقيدا وسط توقعات بحدوث انقسامات بين الدول الأوروبية.

وفى ضوء المشهد الاقتصادي المتأزم حاليا، يستعرض هذا التقرير آخر تطورات أداء الاقتصاد المصري، خاصة عقب التغييرات الوزارية المُوسعة مؤخراً، وكذا اعتذار محافظ البنك المركزى المصري عن الاستمرار فى مهامه من جهة أخرى، وذلك على النحو التالى:

أولا: ملامح الاقتصاد العالمى:

  • التضخم
  • نمو الاقتصاد العالمى
  • الاستقرار النقدى والمالى

ثانياً: آفاق تطور أداء الاقتصاد المصري:

  • الفرص
  • التحديات

ثالثاً: أهم الإجراءات المتوقعة فى ضوء التغييرات الوزارية واعتذار محافظ البنك المركزى عن مهامه:

  • الإجراءات التنفيذية
  • الإجراءات النقدية

أولا: ملامح الاقتصاد العالمي

1-التضخم:

شهد الاقتصاد العالمى حالة من التضخم المزمن، إذ تجاوز التضخم الكلي (سعر جميع السلع والخدمات) والتضخم الرئيسي (ما عدا أسعار الغذاء والطاقة) كثيرا المستويات المستهدفة في معظم البلدان.

وتُشير النظريات الاقتصادية المعتادة إلى أن التضخم سيخرج عن السيطرة في حالة تطبيق مزيج محدد من السياسات النقدية والمالية لفترة مُطولة، والتكهن باستمرار التضخم من عدمه نتيجة لذلك يتوقف على حدة التغيرات الدولية وأهمها أسعار الطاقة والغذاء الناتجة عن التغيرات الجيوسياسية فى أوروبا وجنوب شرق أسيا، وفق ما جاءت به مجلة التمويل والتنمية الصادرة عن صندوق النقد الدولى فى عدد يونيو2022.

شكل رقم (1) أسباب ارتفاع التضخم

يوضح الشكل السابق أن هناك خمسة عوامل أساسية أدت إلى الارتفاع الحالي في معدلات التضخم، ويمكن الإشارة لتلك العوامل على النحو التالى:

  • اختناقات شملت سلاسل الإمداد العالمية ويوضحها الشكل ناحية اليمين (AS) والذي يوضح انحصار للعرض الكلى للسلع فى الاقتصادات كافة نتيجة لتراجع سلاسل الإمداد بما دفع الارتفاع من (P) إلى (P”) مستوى سعري أعلى مما كان عليه قبل جائحة كورونا.
  • التدابير التنشيطية والتحول من إنتاج السلع إلى إنتاج الخدمات، والتى أدت وبشكل كبير إلى زيادة الطلب الكلى وتشتمل هذه الإجراءات التدابير التى اتبعتها الدول تجاه احتواء أزمة كورونا وما دعى بانحصار الناتج الكلى عالميا فضلا عن تغاير نمط الإنتاج للتحول للخدمات أكثر منه إنتاج سلعى.
  • تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية حيث دفعت تذبذب الإمدادات من الغذاء من جهة وتراجع العمل فى القطاع الإنتاجى بالزراعة وارتفاع مدخلات الإانتاج من جهة أخرىي.

وإلى جانب الأسباب التى جاءت بمجلة التمويل والتنمية الصادرة عن صندوق النقد الدولى، يمكن القول بأن التداعيات الجيوسياسية عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان قد تُؤجج الصراع مجددا فى منطقة هى الأولى عالميا فى إنتاج السلع الصناعية والتى تعد من أهم مدخلات الإنتاج لصناعات عديدة وتأتى الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات فى المقدمة.

وفى السياق ذاته، يمكن الجزم بأن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية قد تسعى وبشكل جاد إلى نقل الصراع الدائر حاليا فى أوكرانيا مع الروس إلى محيط جزر تايوان مع الصين فى محاولة منها لتخفيف الضغط الواقع على أوروبا وتقويض شبه التحالف (اتفاق المصالح) بين الروس والصين ضدها.

وفى ضوء ذلك يمكن استنتاج أن التضخم الذى يشهده الاقتصاد العالمى يعد هو الأسوأ منذ الكساد الكبير ويبين الشكلين التاليين (3،2) عدد الدول التى شهدت ارتفاعات مزمنة فى الأسعار خلال الأعوام الثلاثة الماضية مقارنة بعام 2008 وما بعده وذلك على النحو التالى:

يُذكر أن كلا من الأرجنتين وتركيا قد تخطتا نسب التضخم إلى مستويات تتجاوز 70%خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث سجلت تركيا نحو 79% والأرجنتين نحو 71%، وذلك على خلفية الاضطراب المالى والنقدى الذي شهدته هذين الدولتين خلال جائحة كورونا.

2-نمو الاقتصاد العالمى:

تُشير غالبية التوقعات إلى دخول الاقتصاد العالمى مرحلة من الركود المُصاحب للتضخم سالف الذكر، ويستلزم نحو 6 أشهر متتالية حتى تدخل الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة الركود، وهو ما قد جاءت به البيانات الرسمية حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي لمدة ربعين متتاليين بنحو 1.6% و1.5% ومن المتوقع أن تزداد وتيرة الانكماش نظرا للأوضاع العالمية والمحلية.

وقد انكمش بالتبعية نمو الاقتصاد العالمى ليصل إلى نحو 6.1% في العام الماضي مقارنة بنحو 3.2% في عام 2022، بانخفاض قدره 0.4 نقطة مئوية عن توقعات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي في إبريل 2022.

3-الاستقرار المالي والنقدي:

يشهد النظام المالي العالمي أولى الصدمات الحادة التى تتسم بالخطورة منذ انهيار قاعدة بريتون وودز “Bretton Woods”  التى أعقبها  دولرة Dollarization” “الاقتصاد العالمى، وتكتسب هذه المرحلة خطورتها بسبب حدة الصراع الدولى للهيمنة الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، لنجد أن مخاوف التخلى عن الدولار الامريكي فى التعامل به دوليا واعتماد الدول على احتياطه لديها دفع بالفدرالى الأمريكى إلى رفع أسعار الفائدة بشكل يتخطى استهدافه للتضخم إذ يمثل ارتفاعات الأسعار نحو 70% منها جراء صدمة أسعار الحبوب والطاقة عالميا وليس زيادة الطلب المحلي بالولايات المتحدة الأمريكية.

ويمكن استنتاج ذلك بوضوح بعد لجوء الكونجرس الأمريكى لإصدار قانون مواجهة التضخم والذي بموجبه تمنح الحكومة صلاحيات أكثر لحفز القطاع الإنتاجى لتخطى فترات التباطؤ والركود سالفة الذكر والتى استمرت طيلة ربعين فى العام الجارى من جهة، ومن جهة أخرى دعم الفئات التى تضررت من ارتفاعات الأسعار.

ويوضح الشكل التالى الوضع المالى للدول الكبرى والمناطق الأكثر تأثيرا فى الاقتصاد العالمى، والذي يعكس حالة الاضطراب الكبير الذى جاء عقب تبنى الفدرالي الأمريكي سياسات نقدية مشددة بهدف خفض التضخم وبالأساس استعادة زيادة الطلب على الدولار الأمريكى مجددا فى محاولة لدرأ خطر التخلى عنه جزئيا فى المعاملات الدولية.

وقد دفعت حالة عدم الاستقرار والاضطراب فى السياسة النقدية للدول الكبرى إلى نزوح الاستثمارات غير المباشرة فى الأسواق الصاعدة ومنها مصر حيث تدفقت للخارج نحو 20 مليار دولار منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية جراء ارتفاعات أسعار الفائدة فى الدول المتقدمة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض فى أسعار الصرف للعملة المحلية مصحوبا بمستويات تضخم قياسية نتيجة لزيادة تكلفة الواردات، إلا أن النمو الاقتصادى الموجب المحقق خلال السنوات الثلاث الماضية من جهة، وكذا الإصلاحات التى طرأت على ميزان التجارة خاصة ميزان الطاقة من جهة ثانية، دفعتا الاقتصاد المصري بعيدا بعض الشئ عن حدة الصدمة الخارجية التى أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وقوضت النمو الاقتصادى ليصل 4.5: 5% خلال العام الجارى2022/2023 كما هو مستهدف.

ويتناول المحور التالى آفاق الاقتصاد المصري فى ضوء استطلاع بعض التقارير الدولية وكذا استطلاع ملامحه عقب التغييرات التى جرت على السلطات التنفيذية والنقدية على النحو التالى:

ثانياً: آفاق تطور أداء الاقتصاد المصري

شهد أداء الاقتصاد المصري تطوراً كبير خلال الأعوام السبع الماضية، وهو الأمر الذى جنبه العديد من التداعيات الكبيرة نتيجة لما يشهده العالم من حالة اضطراب يشوبها الغموض وعدم اليقن، ولذا يمكن استطلاع آفاق الاقتصاد المصري من خلال استطلاع تقارير صندوق النقد والبنك الدوليين، وكذلك مؤسسة فيتش للحلول المالية، وذلك على النحو التالى:

  • الفرص
  • زيادة مساهمة القطاع الخاص وتعزيز الناتج الصناعى:

أشار تقرير صادر عن مؤسسة “فيتش” Fitch Solutions  تحت عنوان Country Risk Report إلى أن القطاع الصناعى المصري أمام فرصة كبيرة مع تراجع الواردات من الخارج، إذ أن عدد السكان يتخطى 100 مليون نسمة وبالتالى من الممكن زيادة المساهمة النسبية للقطاع الصناعى من خلال إتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص وتمكينه من استعادة النمو لتصل نسبة الصناعة إلى ما يزيد عن 20% خلال الأعوام الثلاثة القادمة مقارنة بنسبة مساهمة تقدر بنحو 17 %  فقط.

“وثيقة ملكية الدولة”

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدولة المصرية تعكف على صياغة الإطار العام الحاكم لملكية الدولة فى النظام الاقتصادى، من خلال إقرار الشكل النهائي لوثيقة ملكية الدولة والتى تم طرحها للمناقشة والحوار المجتمعى منذ مايو الماضى ومن المتوقع أن تُطرح بصورتها النهائية نهاية الربع الأول من العام المالى 2022/2023 الجارى، وتستهدف الحكومة من خلال هذه الوثيقة إتاحة النشاط الاقتصادى بنسب تتراوح ما بين 60:75% للقطاع الخاص، وتخارج الدولة من النشاط الاقتصادى سواء بشكل كلي أو جزئي لتشجيع القطاع الخاص، على أن يشتمل التخارج بشكل كلي بعض القطاعات الإنتاجية، وبشكل جزئي لقطاعات أخرى، فى حين تُبقي الدولة ملكيتها وتزيد الاستثمارات فى القطاعات التى يعزف القطاع الخاص عن الدخول بها نظرا لزيادة تكلفتها وارتفاع درجات المخاطرة، ويوضح الشكل التالى المساهمة القطاعية للصناعة.

  • زيادة الاستثمارات الأجنبية للداخل:

من المتوقع أن تشهد الاستثمارات العالمية حراك كبير خلال اجتماعات قمة المناخ المقرر إقامتها فى نوفمبر 2022 بمدينة شرم الشيخ، الأمر الذى يجعل منها فرصة كبيرة أمام الجانب المصري لتعزيز التدفقات الاستثمارية للداخل، وذلك من خلال التسويق لكافة الفرص الاستثمارية المتاحة بشكل عام والاستثمارات الموجهة للقطاع البيئي والاقتصاد الأخضر وإنتاج الهيدروجين بشكل خاص.

وتحظى قمة المناخ هذا العام بزخم متفرد من نوعه لعدة أسباب وأهمها:

  • ارتفاع درجة حرارة الأرض وبخاصة فى قارة أوروبا التى تمتلك نحو 25% من الناتج المحلى الإجمالى للعالم، وذلك نتيجة لعدم جديتها فى خفض الانبعاثات الكربونية خلال العقود الثلاث الماضية، ما يجعلها أمام خطوات جادة بشأن استدامة إمدادات الطاقة لديها وتعزيز النمو المتدنى نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية من جهة وجفاف بعض الأنهار من جهة أخرى.
  • زيادة اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية يدفع الحكومات الأوروبية وبشكل أساسى لزيادة محفظتها الاستثمارية مع مصر فى مجال الطاقة خاصة الغاز الطبيعى فى الأجل القصير والكهرباء فى الأجل المتوسط والطويل.
  • الاعتماد المتزايد خلال العقدين الأخيرين على مصانع الصين وجنوب شرق أسيا دفع كبرى الشركات فى العالم بخاصة الأوروبية والأمريكية إلى إعادة النظر فى توزيع مصانعها وخطوط إنتاجها حول العالم، الأمر الذي يجعل الإصلاحات التى نفذتها مصر فى البنية التحتية فرصة لاستقطاب أكبر قدر ممكن من هذه الاستثمارات، فضلاً عن توفر واستدامة الطاقة من جهة، وتدنى تكلفة العمالة من جهة أخرى. 
  • التحديات
  • تباطؤ نمو الناتج:

قد يقود تباطئ نمو الاقتصاد العالمى إلى حالة ركود تشمل الاقتصادات الصاعدة، وهو ما قد يؤدى إلى خفض التوقعات بشأن النمو الاقتصادى، ووفق توقعات المؤسسات الدولية فإن الاقتصاد المصري ينمو بمعدل 5.6% للعام الجاري وسط توقعات بالتباطؤ ليصل إلى 4.6% للعام المقبل، إلا أن هذه التوقعات تظل رهن عدد من المتغيرات الداخلية والخارجية ولعل أهمها ما يلى:

  • ارتفاع المستوى العام للأسعار:

ارتفاع المستوى العام للأسعار عالميا قد يؤدى إلى مزيد من ارتفاع الأسعار محلياً، الأمر الذي يؤدى بدوره إلى زيادة فى التزامات الدولة تجاه الفئات الأولى بالرعاية ما يزيد من حجم الموازنة العامة وهو ما يستدعى مزيدا من الاقتراض. يُذكر أن العجز الكلى بالموازنة بلغ نحو 6.2% كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى، ويشير الشكل التالى إلى التوزيع النسبي للنفقات العامة بالموازنة الجارية 2023/2022.

  • ارتفاع نسب الدين العام الخارجي:

بلغ الدين العام الخارجى نحو 145.5 مليار دولار في نهاية ديسمبر من مستوى 137.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، بنسبة زيادة بلغت نحو 5.8% ومتوقع نموه بنسبة 10% خلال سبتمبر 2022، الأمر الذي قد يُعيق حجم الإنفاق المخصص للاستثمارات ، حيث بلغت مدفوعات الفائدة نحو 45% من إجمالى الإيرادات ونحو 33% من إجمالى النفقات العامة  وما يعادل 8% من الناتج المحلى الإجمالى للعام المالى الجاري، ويوضح الشكل التالى تطور كلا من مدفوعات الفائدة من جهة والعجز الجارى والكلى من جهة أخرى.

  • تحديات التجارة الخارجية:

تظهر آثار التباطؤ فى التجارة الدولية فى اتجاهين الأول يتمثل فى تأثر حجم الموازنة العامة بنحو مليار جنيه فى فاتورة الاستيراد نتيجة لارتفاع سعر البرميل بنحو دولار واحد، ونحو 20 مليار جنيه لتحريك سعر الصرف بنحو جنيه واحد لكل دولار، ، والاتجاه الثاني هو العوائد المتوقعة من إيرادات قناة السويس، حيث إن انخفاض نمو التجارة العالمية بنسبة 1% يؤثر على الموازنة العامة سلباً بنحو 2 مليار جنيه.

ومن المتوقع تراجع نمو التجارة العالمية ليصل إلى 4.9% خلال عام 2023 مقارنة بالعام الجاري المُقدر بنسبة 6.7%، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة بمقدارة 100نقطة أساس أى بنسبة 1% تسهم فى زيادة عجز الموازنة العامة بنحو 28  مليار جنيه، وقد يضطر المركزى رفع أسعار الفائدة فى الاجتماع القادم فى 22 سبتمبر 2022، إذا ما استمرت أسعار الفائدة العالمية فى ارتفاع من جهة واتجه التضخم المحلي نحو الارتفاع بعدما تباطـأت وتيرته خلال مايو/ يوليو 2022.

ثالثاً: أهم الاجراءات المتوقعة فى ضوء التغييرات الوزارية

اقتضت الضرورة إجراء تغييرات وزارية فى نحو 13 وزارة، وقد جاءت التغيرات الوزارية على خلفية الحوار الوطنى من جهة وتدنى أداء بعض الوزارات من جهة أخرى، ويستهدف التعديل الوزارى إعادة النظر فى الخدمات المقدمة من بعض الوزارات بما يدفع بتحقيق المستهدف منها، ولعل أبرز الوزارات التى تمس وبشكل مباشر الملف الاقتصادي: وزارة التجارة والصناعة، وزارة قطاع الأعمال العام، وزارة السياحة والآثار، وزارة التنمية المحلية وذلك على النحو التالي:

  • الإجراءات التنفيذية:
  • وزارة التجارة والصناعة:

تعول الحكومة المصرية على إنجاح خطتها الاقتصادية الخاصة بملف الصناعة والذي تعرض لعدة صدمات قوضت نموه خلال الربعين الأخيرين من العام المالى المنصرم، الأمر الذى دفع بضرورة تغيير الوزير بما يهدف إلى ضخ دماء جديدة تستهدف خطط تعزز من نمو هذا القطاع.

ومن المتوقع خلال الربع الثانى من العام المالي الجاري أن يشهد القطاع الصناعى طفرة كبيرة تعتمد بالأساس على إشراك القطاع الخاص وتذليل كافة العقبات سواء لمستثمرين جدد أو للمصانع والشركات المتضررة فى الوقت الراهن نتيجة التداعيات العالمية، كما أنه من المنتظر افتتاح 17 مجمع صناعي على مستوى الجمهورية تشتمل على وحدات صناعية صغيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر بهدف العمل على توفير مدخلات إنتاج وسيطة تدخل فى صناعات رائدة فى مصر، ولعل أهمها قطاع الصناعات النسيجية، وقطاع الصناعات المعدنية.

وهكذا من المنتظر من القطاع الصناعى أن يُسهم بشكل أكبر فى الناتج المحلى الإجمالى فضلاً عن إحلال الواردات بمنتجات محلية الصنع تُلبي احتياجات الأسواق المحلية والاتجاه للتصدير، كما أنه من المتوقع صياغة سياسات تتوافق مع الأهداف المالية والنقدية بما يعزز من كفاءة السياسة الاقتصادية ككل، ولعل أبرز مثال يُذكر فى هذا السياق كلا من إجراءات الاستيراد (الاعتماد المستندى)، وكذلك التسجيل المسبق للشحنات.

  • وزارة قطاع الأعمال العام:

قد يرجع تغيير وزير قطاع الأعمال العام، إلى مستهدفات ورؤية الدولة تجاه ما تمتلكه من شركات باتت فى حاجة ماسة لتطوير وتحسين المستوى الإنتاجى من خلال استحداث أساليب الإدارة والإنتاجية، إذ تسعى الدولة إلى الفصل بين ملكيتها لهذه الشركات وإدارتها لها بهدف تحسين الإنتاجية وضخ استثمارات جديدة من خلال فتح المجال أمام القطاع الخاص عن طريق بدائل مختلفة، إما طرح بعض من أسهم هذه الشركات فى سوق الأوراق المالية أو منح حقوق الإدارة والتشغيل للقطاع الخاص أو التخلى تماما والتخارج من بعضها، أو ضخ المزيد من الاستثمارات وبقاء الدولة لأهداف استراتيجية.

ومن المنتظر خلال العام الجارى 2022،  أن تقر الحكومة وثيقة ملكية الدولة وعرضها بصورتها النهائية على مجلس النواب لاعتمادها. ويعكف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار خلال الفترة الحالية (مايو/ سبتمبر)   على عقد جلسات حوار مجتمعى يشارك فيه المتخصصون والخبراء من القطاع الخاص والعام وممثلى مجلسي النواب والشيوخ للوصول إلى الصياغة النهائية.

  • وزارة السياحة والآثار:

تعد السياحة أحد أهم الروافد الدولارية والنقد الأجنبي للاقتصاد الوطنى، وهو ما يجعل من ملف السياحة والآثار ذو أهمية بالغة فى وقت تضطرب فيه أسواق النقد جراء ما يشهده العالم من ارتفاعات فى أسعار الفائدة، وهو ما دفع الحكومة بتغيير الوزير ليستهدف حزمة تحفيزية وترويجية للقطاع السياحى فضلاً عن التمويل لمشروعات سياحية تعمل على زيادة المساهمة النسبية للقطاع فى الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عما يُدره من عملة صعبة تعزز من كفاءة السياسات النقدية وبخاصة سعر الصرف للجنيه المصري.

  • وزارة التنمية المحلية:

يُشير تغيير وزير التنمية المحلية إلى احتمالية إجراء تغييرات مُوسعة فى المحافظين، ولعل المحافظات التى تلحق بالتغيير هي تلك التى دخلت المرحلة الأولى من البرنامج القومي لتطوير قرى الريف المصري (حياة كريمة) وذلك على خلفية حفز القطاع المحلي على النمو وزيادة المشاركة الفعالة فى التنمية المستدامة من جهة، والعمل على كفاءة الإنفاق العام من جهة أخرى عن طريق تحسين كفاءة الإنفاق وتحسين كفاء الإيرادات المُتوقعة من طرح الأراضي للنشاط الاقتصادى والتعمير.

  • الإجراءات النقدية:

من المُتوقع أن تشهد السياسة النقدية تحسنا كبيرا خلال الفترة المقبلة خاصة عقب تعيين حسن عبدالله قائما بأعمال محافظ البنك المركزى، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات التى من شأنها تعزيز روافد النقد الأجنبي، فضلا عن تحقيق مستهدفات نقدية.

ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال قرار لجنة السياسات النقدية التى عُقدت  الخميس الماضي 18 أغسطس، حيث توقع الكثير من الخبراء رفع أسعار الفائدة بنسبة  1%، إلا أن القرار جاء بالتثبيت، الأمر الذي يشير إلى إمكانية اتباع سياسات نقدية ليست مشددة كما اعتاد المحافظ السابق طارق عامر. وقد يرجع قرار التثبيت لعدة أسباب أهمها:

  • ارتفاع سعر الفائدة يؤدي مباشرة إلى زيادة تكلفة الاقتراض، الأمر الذي يزيد من ربحية القطاع النقدي (البنوك) على حساب القطاع الحقيقي (الإنتاج).
  • رفع سعر الفائدة فى الوقت الراهن لا يؤدى دوره فى جذب الموال الساخنة مرة أخرى لاتساع الفارق بين أسعار الفائدة المحلية والدول المتقدمة (وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية).
  • انحصار موجة التضخم فى يوليو الماضى وسط توقعات بهدوء نسبي فى أسعار السلع العالمية فى مقدمتها الحبوب والنفط والذى استقر فى المتوسط عند 85 دولار للبرميل.
  • تطبيق إجراءات نقدية بحتة دون النظر للقطاع الإنتاجى أدى إلى نتيجة عكسية حيث دفعت سياسة التشديد النقدي خلال الفترة الأخيرة إلى تدنى الإنتاجية للعديد من القطاعات الاقتصادية وفى مقدمتها القطاع الصناعى والزراعى، ما دفع بالمبالغة فى أسعار السلع المحلية خاصة ما يعتمد على مدخلات أجنبية، إلى جانب اعتماد الاحتياطى من النقد الأجنبي على الأموال الساخنة والتى اتجهت للخارج فور رفع أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة الأمريكية بمقدار 100 نقطة مطلع العامل المالى الجاري.

 

  • يمكن استشراف آفاق مؤشرات الاقتصاد المصري من خلال الجدول التالى الذي صدر عن مؤسسة فيتش للحلول المالية، عن شهر يوليو 2022. وهنا يتوجب الإشارة إلى أن البيانات الواردة قد تتغير وفق المستجدات المحلية والعالمية.

ويستعرض الجدول التالي التوقعات الخاصة بالمؤشرات الاقتصادية الكلية وفق تقرير فيتش يوليو 2022.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى