تقاريررئيسيعاجل

العلاقات المصرية القطرية..أبرز التحديات وآفاق التعاون المرتقبة

شهدت العلاقات المصرية القطرية تطورا إيجابيا يعكس رغبة الدولتين فى تحسين العلاقات البينية وتجاوز خلافات الماضى وتدشين علاقات جديدة تتسم بقدر كبير من القوة والشراكة. وهذا التطور الإيجابي لم يكن مفاجئا بل استغرق وقتا ليس بقليل لحل المشكلات والوصول لأرضيات مشتركة على نحو يخدم مصالح البلدين ويُضفي متانة على العلاقات الثنائية بينهما.  

خطوات جادة على طريق التقارب

 دفعت المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة باتجاه النهوض بمسار العلاقات بين البلدين على المستويين السياسي والاقتصادي، والذى أخذ منحى إيجابيا مطلع عام 2021، لتتجاوز الدولتان الخلاف السياسي الذى تصاعدت حدته عام 2013، ويصبح التعاون المشترك وإعلاء المصالح أمر حتمي.

ومع تصاعد حدة الصراع الروسي الأوكراني وما ترتب عليه من تنامي لمتحصلات الدول العربية جراء الارتفاعات المتتالية فى أسعار النفط العالمية، إلا أن العوائد الحقيقية للاستثمارات العربية فى الدول الغربية شهدت انخفاضا ملحوظا. ومن ثم أصبحت مصر ضمن أفضل الفرص الاستثمارية فى المنطقة والعالم، لاسيما وأنها تتمتع بموقع جغرافي يُمثل بوابة رئيسة للأسواق الإفريقية والأوروبية، الأمر الذى من شأنه أن يؤسس لمرحلة تعاون عربية جديدة.

وفى هذا الإطار، يُصدر المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” هذا التقرير ليسلط الضوء على واقع العلاقات المصرية القطرية سياسيا واقتصاديا، إلى جانب استشراف آفاق التعاون المشترك بين البلدين على النحو التالى:

أولاً: دلالات التقارب السياسي وأهم قضايا الاتفاق المحورية

 ثانيا: واقع التعاون المصري القطري

  • التبادل التجاري بين البلدين
  • الاستثمار القطري فى مصر

 ثالثا: آفاق التعاون المشترك

  • الاستثمارات القطرية المتوقعة فى مصر
  • أهم التحديات أمام التعاون المشترك

 أولا: دلالات التقارب السياسي وأهم قضايا الاتفاق المحورية:

عكس اتفاق قمة العُلا التى عُقدت فى المملكة العربية السعودية فى 5 يناير 2021 خلال اجتماعات القمة الخليجية 41، تطورًا كبيرا فى واقع العلاقات العربية القطرية بصفة عامة والمصرية القطرية بصفة خاصة، بعد أن عُلقت العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية الأربعة (مصر- السعودية- الامارات-الكويت- البحرين) مع قطر نتيجة للخلاف حول العديد من القضايا الجوهرية.

ودشنت كلا من مصر وقطر مرحلة جديدة من العلاقات البينية سعت خلالها الدولتان إلى تفعيل مستوى التواصل حيث قام وفد قطري بزيارة القاهرة في مارس 2021 ، تلاها زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني فى مايو من نفس العام لتسليم رسالة خطية من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني للرئيس عبد الفتاح السيسي يُعرب فيها عن تطلع بلاده لتعزيز العلاقات مع الدولة المصرية.

وأعقب تلك  الزيارة نحو 17 زيارة ولقاء بين الجانبين تُوًجَتَ بزيارة الأمير تميم إلى مصر فى 24 يونيو 2022 وزيارة الرئيس السيسي إلى قطر فى 13 سبتمبر 2022، لتدخل العلاقات البينية مرحلة تعاون واتفاق ثنائي حول العديد من القضايا محل الخلاف طيلة الفترة من 2013 وحتى 2021. ويُعد هذا التغير الإيجابي للعلاقات المصرية القطرية مؤشرا جيدا يُؤسس لمزيد من العلاقات الاقتصادية بين البلدين ويتيح أفقا تعاونية وأطرا استثمارية طويلة الأجل.

وتتمثل أبرز المحاور والقضايا محل الاتفاق فى التالي:

  • وقف جميع الاتصالات مع المعارضة السياسية في السعودية والإمارات ومصر والبحرين، تسليم جميع الملفات التي تفصل بيانات اتصالات قطر مع الجماعات المعارضة ودعمها لها، مع إغلاق قطر لجميع المنصات الإخبارية التي تمولها، بشكل مباشر وغير مباشر.
  • وقف التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان ذات السيادة ووقف تجنيس المواطنين المطلوبين من السعودية والإمارات ومصر والبحرين، بالإضافة لسحب الجنسية القطرية من المواطنين الحاليين، الذين ينتهك حملهم للجنسية القطرية قوانين تلك البلدان.
  • خفض التعاون التجاري والاستخباراتى مع إيران تجنباً للتدخلات فى الشئون الداخلية للدول العربية من جهة، ودرءا للعقوبات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة على الشركات القطرية العاملة فى الدول العربية من جهة أخرى، مع اتباع سياسات خارجية تتوافق مع سياسات الدول العربية تجاه القضايا الدولية محل الاهتمام المشترك.
  • خفض التعاون العسكري بين الدوحة وأنقرة خاصة فيما يتعلق ببناء القاعدة العسكرية التركية على الأراضي القطرية، وهو ما يمثل خلاف كبير حول توغل تركية فى الشئون الداخلية للعديد من الدول العربية خاصة سوريا وليبيا واقليم كوردستان العراق.
  • اعتماد دولة قطر تصنيف الجماعات المتطرفة مثل ( جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم داعش والقاعدة وفتح الشام “المعروف سابقاً باسم جبهة النصرة”) ضمن قائمة الإرهاب التي أعلنتها السعودية والبحرين والإمارات ومصر، وأن تقوم بتحديث قائمتها استناداً إلى أي قائمة مستقبلية ستعلنها الدول الأربع في وقت لاحق.
  • وقف لكافة سبل الدعم والتمويل للأفراد أو الجماعات أو المنظمات التي تم تصنيفها بأنها إرهابية من قبل الدول العربية الأربعة والولايات المتحدة ودول أخرى.
  • تجميد أصول الشخصيات الإرهابية والهاربين والأفراد المطلوبين، مع تقديم المعلومات المطلوبة حول إقامتهم وتحركاتهم وأموالهم.
  • تعميق التعاون القطري العربي من خلال انخراط المؤسسات المالية والتنموية فى الدعم المالى الممنوح للدول العربية التى لحق بها خسائر في الأرواح وخسائر مالية نتيجة سياسات قطر في السنوات الأخيرة .

ثانيا: واقع التعاون المصري القطري

1-التبادل التجاري بين البلدين:

بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 44.8 مليون دولار خلال عام 2021، مقارنة بنحو 25.4 مليون دولار سجلتها عام 2020 بنسبة زيادة بلغت 76.4%، حيث شكلت قيمة الصادرات المصرية إلى قطر نحو 4.246 مليون دولار خلال عام 2021 مقابل 1.197 مليون دولار خلال عام 2020، فيما بلغت قيمة الواردات المصرية من قطر 32.964 مليون دولار خلال عام 2021، مقابل 24.121 مليون دولار في عام 2020، وفق إحصائيات التجارة الدولية www.trademap.org.

وفيما يتعلق بنوعية السلع محل اهتمام السوق القطرية خلال عام  2021، فقد جاء الأثاث بقيمة 1.4 مليون دولار، ثم آلات وأجهزة كهربائية بقيمة 848 ألف دولار، ومصنوعات من حديد أو صلب بقيمة 632 ألف دولار، والمصنوعات الجلدية بقيمة 621 ألف دولار، إضافة إلى مصنوعات من الرخام والمصنوعات الحجرية بقيمة 256 ألف دولار.

وبالنسبة لتحويلات المصريين العاملين في قطر، فقد أظهرت البيانات، أنها ارتفعت إلى 1.34 مليار دولار خلال العام المالي 2019/2020 بزيادة قدرها 4.3% عن العام المالي السابق، بينما بلغت تحويلات القطريين العاملين في مصر 2.8 مليون دولار في 2019/2020، مقابل 4.9 مليون دولار في 2018/2019 بانخفاض 43.5 %.

2- الاستثمار القطري فى مصر:

ارتفعت مؤخرا الاستثمارت القطرية طويلة الأجل وقصيرة الأجل، حيث بلغت الاستثمارات قصيرة الأجل غير المباشرة بنهاية مارس 2022 نحو 8 مليار دولار تمثلت فى ودائع لدى البنك المصري قدرت بنحو 5 مليارات دولار، فيما بلغت التدفقات فى سوق الأوراق المالية نحو 3 مليار دولار.

وفيما يتعلق بالاستثمارات طويلة الأجل فقد تخطت 10.2 مليار دولار ومتوقع أن ترتفع إلى نحو 20 مليار دولار بنهاية عام 2022، مقارنة بنحو 673.3 مليون دولار2020.

وتعكس بيانات البنك المركزى المصري الاتجاه التصاعدى للاستثمارات القطرية فى مصر لتأتى فى المرتبة الثانية بعد دولة الإمارات خلال الفترة من 2018 وحتى 2020، حيث سجلت في العام المالى 2020/2021 نحو 507.9 مليون دولار، بينما سجلت نحو 678.3 مليون دولار فى العام المالي 2019/2020.

وتجدر الإشارة إلى تنوع الاستثمارات القطرية في مصر فى العديد من القطاعات الاقتصادية المختلفة خاصة البنوك والعقارات وقطاع الطاقة، حيث إن أبرز هذه الاستثمارات تتمثل فى بنك قطر الوطني الأهلي مصر (QNB) وشركة الديار العقارية، فضلا عن مساهمة شركة قطر للطاقة عبر شركة التكرير العربية باستثمارات في مشروع مصفاة الشركة المصرية للتكرير.  

ثالثا: آفاق التعاون المشترك

1-الاستثمارات القطرية المتوقعة فى مصر:

وفق البيانات الرسمية، تم توقيع مذكّرة تفاهم بين جهاز قطر للاستثمار وصندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية، ومذكّرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الموانئ، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجالات الشئون الاجتماعيّة.

فيما أعلنت قطر رغبتها فى استثمار 4.5 مليارات دولار في مصر، من خلال توقيع شركة قطر إنرجي مع شركة إكسون موبيل اتفاق تستحوذ قطر على 40% من حصتها في حقل تنقيب في البحر المتوسط قبالة السواحل المصرية.

وتأتى الاستثمارات القطرية فى مصر ضمن حزمة استثمارية كبيرة من خلال عدد من الصناديق الاستثمارية الخليجية الخمسة كما هو موضح بالشكل البيانى التالى والذي يستحوذ جهاز قطر للاستثمار على نحو 450 مليار دولار وفق آخر تقرير صدر عن معهد صندوق الثروة السيادى SWFI للاستثمارات خلال الفترة من 2022 وحتى 2025، ونظرا لضعف العوائد من الاستثمار فى الدول الكبري نتيجة الاضطراب المالي والنقدى الذي تشهده تلك الاقتصادات فإنه من المتوقع ارتفاع التدفقات الرأسمالية لهذه الصناديق الاستثمارية الخمس إلى مصر بدءا من أكتوبر 2022.

وفى ضوء التوجه نحو تعزيز التعاون الاقتصادى بين مصر وقطر يمكن استشراف أهم القطاعات محل اهتمام الجانبين وذلك على النحو التالى:

تشير الاستثمارات العربية إلى إمكانية تعزيز التعاون بين الأطراف العربية بما يخدم المصالح المشتركة عن طريق الصناديق السيادية للدول الخليجية والصندوق السيادى المصري وتستحوذ قطاعات الطاقة والبنية التحتية والزراعة والتصنيع المشترك والسياحة أهم القطاعات محل الاهتمام بين كافة الأطراف.

وهناك مؤشرات عدة تؤكد وجود اهتمام قطري بقطاعي الطاقة والنقل البحري والمواني في مصر، حيث تسعى الدوحه فى الفترة المقبلة إلى توجيه استمارات كبيرة فى تلك القطاعات على وجه الخصوص.  

الأمر الذي يشير إلى أن التعاون بين قطر ومصر يأتى تحت إطار تعزيز أطر تعاونية تجاه ملفات الأمن القومى العربي بالدرجة الأولى بخلاف ما تناولته بعض وسائل الاعلام بأنه التقارب الأخير بين الجانبين جاء مدفوعًا باستقطاب رؤوس الأموال القطرية للدخول فى استثمارات فى مصر.

2-أهم التحديات أمام التعاون المشترك:

تُشير معطيات المشهد الراهن إلى تورط السياسة الخارجية القطرية خلال الفترة الماضية فى زعزعة الاستقرار الداخلى للعديد من الدول العربية، وهو ما يتطلب بذل المزيد من الجهد والتعاون القطرى لرأب الصدع مع هذه الدول، ولعل أبرز التحديات ما يلى:

  • تغلغل الجماعات المتطرفة خاصة الإخوان المسلمين فى جذور الدولة القطرية منذ عقود تمتد من خمسينيات القرن الماضي وهو ما يعد من أبرز التحديات الداخلية التى تواجهها الدولة القطرية والتى تتطلب منها تغيير سياستها المتبعة مع الدول العربية وتركيا.
  • الالتزامات التى تضمنها قطر مع تركيا وإيران خلال الفترة الماضية ولعل أهمها إنشاء القاعدة العسكرية التركية على الأراضي القطرية.
  • امتداد التأثير الإيرانى على صياغة السياسات القطرية والتأثير على اتجاهات الاستثمارات الخارجية لقطر خاصة مصر والأردن.
  • مدى التزام النظام القطرى بالإطار العام الحاكم للسياسة الخارجية العربية تجاه أهم القضايا ولعل أهمها القضية الفلسطينية والتعامل مع النظام الروسي وكذلك التعامل مع المتغيرات فى الشأن الليبي والسودانى.
  • تشتيت الجهود العربية فى صراعات عرقية وأيديولوجية دون الوصول إلى اتفاق وتعاون مشترك متعدد الأطراف مع جهات دولية من شأنها تعزيز الدور العربي فى السياسة الدولية.
  • غياب التنسيق التام حول العديد من الملفات الهامة مثل الملف الليبي والملف السودانى قد يفتح المجال أمام نقاط خلاف فى المستقبل.

حاصل القول:

تعزز حالة الاستقطاب الدولية وحالة اضطراب السياسات الاقتصادية للدول الأوروبية والدول السبع الكبري، فرص التعاون المشترك فى المنطقة العربية بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل عام، فضلا عن أنها تتيح الفرصة أمام تأصيل التعاون طويل الأمد أمام صناديق الاستثمار السيادية فى المنطقة وجنوب شرق آسيا.

ويظل التقارب المصري القطري من جهة والقطرى العربي من جهة أخرى فى إطار الاتفاق حول ملامح السياسة العربية الموحدة تجاه القضايا الدولية، ولا ينحصر هذا التعاون فقط فى الجانب الاقتصادي كما هو مشاع فى العديد من المنصات الإعلامية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى