أوراق بحثيةدراسات اقتصاديةدراسات التنميةرئيسيعاجل

الذكاء الاصطناعي في مصر وسبل تعزيزه في إطار الاستراتيجية الوطنية

تمنح التكنولوجيا الرقمية بلدان العالم فرصة فريدة لتسريع خطى التنمية الاجتماعية الاقتصادية وبناء مستقبل أفضل، حيث تُحدث الابتكارات الرقمية تحولات في جميع قطاعات الاقتصاد تقريباً عن طريق إدخال نماذج عمل جديدة، ومنتجات جديدة، وخدمات جديدة، وطرق جديدة لخلق القيمة وفرص العمل‏‏. وقد بدأت نتائج هذا التحول في الظهور بالفعل حيث تبلغ قيمة الاقتصاد الرقمي العالمي 11.5 تريليون دولار، أو 15.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.

تهدف الورقة البحثية إلى تحديد أهمية الابتكارات الرقمية والذكاء الاصطناعي، وعرض مؤشرات الذكاء الاصطناعي في مصر، بالإضافة إلى تناول الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في مصر، وأخيرا تقديم مجموعة من المقترحات لتعزيز الجهود المصرية في مجال الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية.          

وتمثلت أهم نتائج الدراسة فيما يلي:-

  • جاءت مصر في المرتبة الثانية إفريقيا بعد موريشيوس وفقا لتقرير مؤشر جاهزية حكومات دول العالم لتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لعام 2022 ، حيث جاءت مصر في المركز 56 بـ2 نقطة. وبمقارنة التقرير لعام 2019 كانت مصر في المركز الثامن على مستوى إفريقيا، وفي المركز 111 من بين 194 دولة.
  • وفقا لتقرير التنمية البشرية لمصر عام 2021، كشف عن تقدّم مصر 55 مركزًا في مؤشر “جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي”.
  • وفقا لتقرير مؤشر المعرفة العالمي فقد تقدمت مصر من الـمركز 72 من بين 138 دولة عام 2020 إلى الـمركز 53 من بين 154 دولة عام 2021.
  • ترتكز الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في مصر على 3 محاور أساسية، بالتعليم والتدريب ثم الاستفادة العملية من حجم البيانات الكثيفة الموجودة في مصر وإتاحة تلك البيانات للقطاع الخاص.
  • يبرز دور الذكاء الاصطناعي في التحول الرقمي كعامل محفز لحل مشاكل البيئة والتحول إلى بيئة نظيفة (Green). وكذلك يتم استخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لبناء المدن الذكية وتحويل المدن الحالية إلى ذكية طبقاً للمعايير الدولية.

أولا: أهمية الابتكارات الرقمية والذكاء الاصطناعي

 للتكنولوجيا أثر عميق على طريقة عمل الحكومات وتفاعلها مع مواطنيها، حيث تفتح الباب لزيادة الشفافية وكفاءة تقديم الخدمات. وهذه الموجة المستمرة من الابتكارات قادرة على إزالة أي عقبات تحول بين الناس والفرص، وخصوصاً الفئات الأشد فقراً والأكثر معاناة وتأثراً.

فبفضل المنصات الرقمية، أصبح بإمكان الأفراد – أينما كانوا – الوصول إلى قدر غير مسبوق من المعلومات، والعمل بوظائف عبر الإنترنت، والالتحاق بدورات إلكترونية، بل والحصول على الرعاية المنقذة للحياة عبر الخدمة الطبية عن بعد. كما توفر الخدمات المالية المقدمة عبر الهاتف المحمول بديلاً سهلاً وآمناً للنظام المصرفي التقليدي، مما أعطى دفعة كبرى لتعميم الخدمات المالية على مستوى العديد من البلدان النامية. وقد أتاحت أنظمة تحديد الهوية الرقمية لملايين المهمشين إثبات هويتهم، وممارسة حقوقهم، والاستفادة من الخدمات الضرورية كالصحة أو التعليم.

يُعرف الذكاء الاصطناعي بأنه علم وهندسة صنع آلات، والذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكى القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع تُبرمج في الآلة، كما أنه يُعنى بكيفية صنع حواسيب وبرامج قادرة على اتخاذ سلوك ذكى.

وتتسابق كبرى شركات التكنولوجيا حول العالم في تطوير الربوت الذكي لمختلف الاستخدامات أو تطوير تقنيات مذهلة تحاكى البشر، وتم عرض الكثير منها في المعارض الدولية مثل جيتكس والمؤتمر العالمي للهواتف الذكية وغيرها.

وللابتكارات الرقمية منافعها الشاملة بعيدة المدى، ففي البلدان المتقدمة والنامية، سرعان ما تؤدي التكنولوجيا إلى إطلاق حلول مبتكرة للتحديات المعقدة التي تواجه مجموعة واسعة من القطاعات من الصحة والتعليم إلى النقل أو إدارة مخاطر الكوارث أو الزراعة.

ومع ذلك لم يستفد الكل بالقدر ذاته، ففي حين تعد الثورة الرقمية ظاهرة عالمية، لا تزال هناك تفاوتات هائلة فيما بين البلدان وداخلها من حيث الانتشار، ويُسر التكلفة، وأداء الخدمات الرقمية. ففي حين تتاح لأكثر من نصف سكان العالم حالياً إمكانية الاتصال بالإنترنت، فإن معدل الانتشار لم يتعد 15% في البلدان الأقل نمواً، أو فرداً واحداً من بين كل 7 أفراد. وذلك نتيجة ارتفاع أسعار خدمات الإنترنت من خلال الهواتف المحمولة أو الخطوط الثابتة عريضة النطاق باهظة التكلفة في بلدان كثيرة، حيث يُشكل نقص البنية التحتية الرقمية والعراقيل التنظيمية عائقاً أمام تطوير خدمات الاتصالات عريضة النطاق، وتبلغ تكلفة خدمات المحمول عريضة النطاق ما يقرب من 17% من متوسط النصيب الشهري للفرد من إجمالي الدخل القومي في البلدان الأقل نمواً، مقارنة بالنسبة العالمية التي لا تتجاوز 5%.

وبالمثل، تتفاوت سرعة الخدمات عريضة النطاق، حيث تعد سرعات الخدمات الثابتة عريضة النطاق البالغة 10 ميجابايت في الثانية أو أكثر شائعة في البلدان المتقدمة؛ في حين لا تزيد نسبة الخدمات الثابتة عريضة النطاق التي تصل سرعتها إلى 10 ميجابايت في الثانية بالبلدان الأقل نمواً على 7%.

وفي عالم تقوده تكنولوجيا المعلومات والاتصالات،  من شأن هذه الفجوة الرقمية المستمرة أن تزيد أوجه انعدام المساواة تفاقماً وتخلق طبقة جديدة من ”الفقر الرقمي“. وتفادياً لهذا السيناريو، تسعى الحكومة المصرية أن تعزز جهودها لضمان الوصول الشامل إلى الخدمات عريضة النطاق ، ومنح الناس المهارات والموارد التي يحتاجون إليها للمشاركة في الاقتصاد الرقمي مشاركة كاملة.

ثانيا: مؤشرات الذكاء الاصطناعي في مصر

احتلت أمريكا المركز الأول خلال العام الحالي 2022 في تقرير مؤشر جاهزية حكومات دول العالم لتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي AI بواقع 85.5 من 100 نقطة، تلتها بريطانيا بـ81.1 نقطة، ثم فنلندا بـ79.2 نقطة.

وبحسب التقرير الصادر عن مؤسسة Oxford Insights ومركز أبحاث التنمية الدولية الذي شمل نحو 172 دولة، جاءت ألمانيا في المركز الرابع بـ78.9 نقطة، أعقبتها السويد خامسا بـ78.8 نقطة، بينما حصدت سنغافورة المركز السادس بـ78.7 نقطة، وجاءت كوريا في المركز السابع بـ77.7 نقطة.

ووفقا للتقرير فقد تم تطبيق منهجية قياس مدى استعداد الحكومات لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ارتكازا على ثلاثة محاور رئيسية، و33 مؤشرا من بينها وجود استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، وقوانين حماية البيانات والخصوصية، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات الرقمية، وتطور البنية التحتية للاتصالات، وتوافر المهارات الرقمية، وثقافة ريادة الأعمال، ويتم الترتيب بناء على مجموع 100 نقطة.

وحلت الدنمارك في المركز الثامن بـ75.6 نقطة، أعقبتها كلا من النرويج وهولندا في المركزين التاسع والعاشر بـ75.3 و74.4 درجة على التوالي. وجاءت فرنسا في المركز الـ11 بـ73.8 نقطة، ثم استراليا بـ73.6 نقطة، تلتها اليابان في المركز الـ13 بـ73.3 نقطة،أعقبتها كندا في المركز الـ14 بـ73.2 نقطة، ثم لوكسمبورج بـ72.6 نقطة.

وجاءت الإمارات في المركز الـ16 كأول دولة عربية في الترتيب مسجلة 72.4 نقطة مقابل 69.9 نقطة لدولة أستونيا و69.2 نقطة لسويسرا، تلتها الصين في المركز الـ19 بـ69.1 نقطة، وحلت إسرائيل في المركز الـ20 بـ68.8 نقطة. وحلت أيرلندا في المركز 21 بـ68.2 نقطة، أعقبتها النمسا بـ68.2 نقطة، وجاءت نيوزيلندا في المركز 23 بـ68.1 نقطة، تلتها أسبانيا في المركز 24 بـ68.04 نقطة. وحجزت إيطاليا المركز الـ25 بـ65.4 نقطة، ثم ليتوانيا في المركز 26 بـ65.02 نقطة، أعقبتها البرتغال في المركز 27 بـ63.9 نقطة، تلتها كلا من ماليزيا وبلجيكا ومالطا في المراكز 28 و29 و30 بـ63.7 و63.1 و62.4 نقطة على التوالي.

على صعيد منطقة الشرق الأوسط، جاءت قطر في المركز الثاني عربيا والـ37 عالميا على المؤشر بـ56.8 نقطة تلتها السعودية في المركز 38 بـ56.2 نقطة، والبحرين في المركز 43 بـ54.7 نقطة، وعمان في المركز 48 بـ52.1 نقطة. وجاءت مصر في المرتبة الثانية أفريقيَا بعد موريشيوس وجنوب أفريقيا في المرتبة الثالثة، فقد ظهرت موريشيوس كأول دولة ممثلة للقارة الأفريقية في الترتيب إذ جاءت في المركز 45 عالميا ب 53.9 نقطة، تلتها مصر في المركز 56 بـ49.2 نقطة، تلتها جنوب أفريقيا في المركز 59 بـ48.3 نقطة، وتذيلت اليمن الترتيب حيث احتلت المركز 172 على المؤشر بـ19.1 نقطة.

وبمقارنة التقرير لعام 2019 جاءت مصر في المركز الثامن على مستوى إفريقيا في مجال الذكاء الاصطناعي، وفي المركز 111 من بين 194 دولة، أي أن مصر تقدمت 55 مركزا على المؤشر. ويرجع سبب تحسن ترتيب مصر إلى الجهود المبذولة من قبل الحكومة لتحقيق هذا الانجاز ومنها التوسع في تبنى التكنولوجيات الحديثة لتقديم خدمات مصر الرقمية؛ وتنفيذ مشروع ضخم لتطوير البنية التحتية للاتصالات باستثمارات تصل إلى نحو 1.6 مليار دولار وتنفيذ المرحلة الثانية للمشروع في العام المالي الحالي باستثمارات 300 مليون دولار، بالإضافة إلى تهيئة البيئة التشريعية والقانونية التي تحكم استخدامات الذكاء الاصطناعي وذلك من خلال إصدار قانون حماية البيانات الشخصية الذي ينظم العلاقة بين مالك البيانات والمستخدمين.

ويرتب التقرير الدول بناء على قدرتها على استخدام الذكاء الاصطناعي في توفير الخدمات العامة، وذلك من خلال تقييم البنية التحتية القائمة، والمهارات البشرية المتاحة، وانتشار معايير الحوكمة، وجودة وإتاحة البيانات، توفر خيارات كبيرة من المواهب داخل البلاد، والتي تتكون من خلال تعليم الذكاء الاصطناعي وتقوية القطاع بشكل عام.

كما أن هناك عددا من شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة المصرية أو المملوكة لمصريين ضمن الأكثر تطورا على مستوى العالم، فهناك شركة تحليل مقاطع الفيديو أفيدبيم، والتي صنفت ضمن أهم 20 مطورا للذكاء الاصطناعي عالميا، وجذبت استثمارات تأسيسية من شركات إيجيبت فينتشرز، وهناك أفيكتيفا التي تدرب الروبوتات على قراءة المشاعر، وجاءت ضمن قائمة فوربس لأبرز 10 ابتكارات تكنولوجية بمجال الذكاء الاصطناعي. وهناك شركة “ذا دي” والتي تأسست في مصر ولديها فرع آخر في بون بألمانيا، وتعمل على توفير الخدمات التقنية والرقمية للشركات، وهناك أيضا إنوفيشن هب، والتي تقدم خدماتها للطلبة في مصر وتونس وبريطانيا.

شكل رقم (1) أكبر 10 شركات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي

ومع التوقعات بنمو نشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مصر بمعدل 25.5% سنويا من الآن وحتى عام 2030، ومع تطبيق الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي خلال ثلاث إلى خمس سنوات، فإن تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي يبدو ضمن أولويات الحكومة.

ولكن ذلك لن يتحقق دون بيئة تمكن الابتكار بقوة. ويوصي التقرير بتطوير سياسات واضحة حول استخدام وإتاحة البيانات، وفتح المزيد من المراكز التكنولوجية لتحفيز البحث العلمي والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، والعمل عن قرب مع الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومطوري المصادر المفتوحة، والمؤسسات التعليمية لمساعدتهم على دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات. 

شكل رقم (2) شركات عالمية تتصدر براءات اختراع الذكاء الاصطناعي

كما أن تقرير التنمية البشرية لمصر 2021، كشف عن تقدّم مصر 47 مركزًا في مؤشر شفافية الموازنة، من المركز 110 عام 2018، إلى المركز 63 عام 2019، وكذا تقدمها 55 مركزًا في مؤشر “جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي”، والذي يَقيس مدى استعداد الحكومة لاستخدام تقنيّات الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات العامة لمواطنيها.

ووفقًا لتقرير مؤشّر المعرفة العالمي الصادر عن برنامج الأمم الـمتحدة الإنمائي (UNDP)، والذي يُدرِج مُؤشرات أخرى مُتعدّدة مثل التعليم والابتكار والبيئة، فقد تقدّمت مصر من الـمركز 72 من بين 138 دولة عام 2020 إلى الـمركز 53 من بين 154 دولة عام 2021.

ثالثا: الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في مصر

يعتبر الذكاء الاصطناعي أيقونة أحدثت نقلة حقيقية، وطفرة علمية في العديد من الدول المتقدمة، ولعل هذا ما دفع مصر إلى اعتماده في إطار الانطلاق نحو مستقبل أفضل، بالتطوير واستغلال التكنولوجيا لتقديم أفضل خدمة لصالح النهوض بالدولة والمجتمع معا. فالذكاء الاصطناعي أصبح اليوم لغة لابد أن يتحدثها الجميع، لذا تم وضع الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي لتشمل إقامة كليات للحاسبات والذكاء الاصطناعي في عدد من المحافظات بما يغطى كافة أنحاء الجمهورية بالإضافة إلى إتاحة التدريب والتعليم، وجمع قدر هائل من البيانات لتدشين تطبيقات تهدف إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات.

ترتكز الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في مصر على 3 محاور أساسية، بالتعليم والتدريب ثم الاستفادة العملية من حجم البيانات الكثيفة الموجودة في مصر وإتاحة تلك البيانات للقطاع الخاص كل في موقعه للاستفادة منها وفقا أهميتها لكل قطاع منفصل. وتضم الاستراتيجية خطط لجعل مصر رائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى تطوير منظومة متكاملة توظف الذكاء الاصطناعي في المجالات الحيوية للدولة.

وتتعاون وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في إطار الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة من أجل تنفيذ مشروعات في البحوث التطبيقية باستخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات الدولة المختلفة مع نقل المعرفة إلى الشباب المصري؛ أي أنه يتم التعاون مع كبرى المؤسسات التعليمية والجامعات الدولية المرموقة من أجل إعداد كوادر رقمية متخصصة في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي.

ويأتي اهتمام الدولة ممثلة في الحكومة بالتحول الرقمي في العديد من القرارات والصور التنفيذية وآخرها تطبيق قرار التعامل في كافة الجهات الحكومية من خلال الدفع الإلكتروني، لتستكمل الدولة مسيرتها نحو الرقى بالخدمات المقدمة للمواطنين بالعمل على الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي لتوظيفه في المجالات الحيوية للبلاد.

ومن هنا تعمل الاستراتيجية على تعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل قد يصل إلى 100% بالإضافة إلى الارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئة عمل مبتكرة وخلق سوق جديد واعد في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية ودعم مبادرات القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى بناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير، واستثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى، فضلا عن استثمار كل الطاقات على النحو الأمثل، واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوافرة بطريقة خلاقة.

فعلى سبيل المثال تستهدف الاستراتيجية في قطاع النقل تقليل الحوادث والتكاليف التشغيلية، وفى قطاع الصحة تقليل نسبة الأمراض المزمنة والخطيرة، وفى قطاع الفضاء إجراء التجارب الدقيقة وتقليل نسب الأخطاء المكلفة بالإضافة إلى قطاع الطاقة المتجددة عبر إدارة المرافق والاستهلاك الذكي، أما قطاع المياه فتستهدف إجراء التحليل والدراسات الدقيقة لتوفير الموارد بالإضافة إلى قطاع التكنولوجيا لرفع نسبة الإنتاج والمساعدة في الصرف العام، وقطاع التعليم من خلال التقليل من التكاليف وزيادة الرغبة في التعلم، وبالنسبة لقطاع البيئة تستهدف زيادة نسبة التشجير وزراعة النباتات المناسبة وتطوير المرور من خلال آليات وقائية كالتنبؤ بالحوادث والازدحام المروري، ووضع سياسات مرورية أكثر فاعلية.

  وذلك في إطار رؤية مصر 2030  التي تسعى إلى جعل الاقتصاد المصري اقتصاد سوق منضبط يتميز باستقرار أوضاع الاقتصاد الكلي، وقادر على تحقيق نمو احتوائي مستدام، ويتميز بالتنافسية والتنوع ويعتمد على المعرفة، ويكون لاعباً فاعلاً في الاقتصاد العالمي، قادراً على التكيف مع المتغيرات العالمية، وتعظيم القيمة المضافة، وتوفير فرص عمل لائق ومنتج، ويصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى مصاف الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع.

   وتعد التنمية الاقتصادية أحد أهم محاور البعد الاقتصادي في خطة التنمية المستدامة رؤية مصر 2030، بجانب محوري الطاقة والشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية. ويتضمن المحور الأول “التنمية الاقتصادية” 7 أهداف، يأتي على رأسها استقرار أوضاع الاقتصاد الكلي، ويتضمن الهدف خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وخفض نسبة العجز الكلي إلى الناتج المحلي الإجمالي، والحفاظ على استقرار مستوى الأسعار.

  ويتمثل الهدف الثاني في زيادة التنافسية والتنوع والاعتماد على المعرفة، والذي يتضمن زيادة درجة تنافسية الاقتصاد المصري دوليًا ورفع مساهمة الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي، خاصة الخدمات الإنتاجية والتي تشمل على سبيل المثال: خدمات الصيانة للأجهزة والمعدات، والتصميم والاتصالات، والشحن والنقل. بالإضافة إلى الهدف الثالث “تعظيم القيمة المضافة”، والذي يتضمن زيادة المكون المحلي في المحتوى الصناعي وخفض عجز الميزان التجاري.

   أما الهدف الرابع فيتضمن زيادة مساهمة الاقتصاد المصري في الاقتصاد العالمي لتصبح مصر من أكبر 30 دولة في مجال الأسواق العالمية، ومن ضمن أفضل 10 دولة في مجال الإصلاحات الاقتصادية، وضمن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال عشرة أعوام وضمن الدول حديثة التصنيع خلال 5 سنوات.

   ويتضمن الهدف الخامس خفض معدل البطالة ومضاعفة معدلات الإنتاجية، ويحدد الهدف السادس أن يصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى مصاف الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع من خلال تحسين مستوى معيشة المواطنين. أما الهدف السابع فيتضمن العمل على دمج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد وخفض حجم المعاملات غير الرسمية، من خلال تطوير آليات دمج هذا القطاع وتوفير الحوافز والقضاء على المعوقات.

رابعا: سبل تعزيز الجهود المصرية في مجال الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية         

شهدت مصر خطوات متسارعة للنهوض والتنمية والتحديث على جميع الأصعدة وفى كل شبر من أرجائها مثل شبكة الطرق التي أنشأتها الدولة لرفع كفاءة النقل والمواصلات مما سيكون له آثار اقتصادية كبيرة على التجارة والصناعة وحركة السكان داخل البلاد، وفى خطوة مهمة للنهوض بالبلاد واللحاق بركب الدول المتقدمة تم إنشاء العاصمة الإدارية لتكون أول عاصمة ذكية في العالم تحديث العمل في الهيئات والمصالح الحكومية التي ستنتقل للعاصمة الإدارية، للانتقال إلى عصر التحول الرقمي والشمول المالي والدفع الإلكتروني والذكاء الاصطناعي.

وتحتاج مصر إلى بنية تحتية تكنولوجية قادرة على تلبية التوسع في مجال التحول الرقمي، كخطوة مهمة وضرورية لنجاح الخطط والمشروعات الطموحة التي بدأت الدولة تنفيذها في كل المجالات ومن بينها مشروعات التعليم والصحة، بعد أن بدأت وزارة التربية والتعليم تطبيق نظام التعليم الإلكتروني من خلال التابلت، كما تتجه الجامعات الحكومية إلى تطبيق التعليم الإلكتروني بعد أن سبقها في ذلك عدد من الجامعات الخاصة والأجنبية، أما وزارة الصحة فإنها تحتاج إلى بنية تحتية تكنولوجية جيدة مع بدء نظام التأمين الصحي الجديد.

سيؤدى التحول الرقمي إلى الحد من الفساد والرشوة وميكنة جهات الدولة وربطها إلكترونياً سيؤدى إلى تسهيل إجراءات المعاملات وسرعة صدور الأحكام في حالات التقاضي لتحقيق العدالة وكلها عوامل محفزة لجذب الاستثمار. وأيضاً سيساهم التحول الرقمي في حصر السيطرة على ممتلكات الدولة وإعادة توجيه استخدامها لخدمة التحول للحياة الرقمية.

وأيضاً يبرز دور الذكاء الاصطناعي في التحول الرقمي كعامل محفز على سبيل المثال لحل مشاكل البيئة والتحول إلى بيئة نظيفة (Green). وكذلك يتم استخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لبناء المدن الذكية وتحويل المدن الحالية إلى ذكية طبقاً للمعايير الدولية.

وقد يكون من المناسب أن يكون هناك وزارة متخصصة للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي لتتولى مسئولية هذا الملف وتكون مسئولة عن التنسيق بين الوزارات والهيئات المختلفة، وتكون هذه الوزارة مسئولة عن تنفيذ المشروعات القومية للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، حتى تتوحد الجهود الرامية للإسراع في تنفيذ المشروعات والخطط التي تسعى الدولة للإسراع في تنفيذها، واللحاق بركب الدول التي سبقتنا في هذا المجال، مثلا رواندا أطلقت قمراً صناعياً يوفر الإنترنت المجاني لمواطنيها. إن إنشاء وزارة للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي أصبح أمرا مهما لتقود قاطرة التحول الرقمي.

وأخيراً ضرورة رفع كفاءة أداء الشركة المصرية للاتصالات وتمكينها من إنشاء بنية تحتية رقمية تُلبى احتياجات الدولة والمجتمع في التحول الرقمي والمشروعات القومية الكبرى مثل مشروع تطوير التعليم قبل الجامعي، إضافة إلى أهمية الإسراع في التشريعات التي تكون بمثابة الأطر المطلوبة لمرحلة التحول الرقمي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى