درايةمقالات

 متلازمة الإصلاح والتنمية في مصر (1)..!

من أين يبدأ الإصلاح؟

بقلم: أ.د/ صلاح هاشم

على مدار سنوات طويلة مرت على مصر وتحديدا منذ النصف الأول من القرن العشرين الذى شهد ظهور أعلام في الفكر الاجتماعي والتنويري والإصلاحي المعتدل، الذين توغلت أفكارهم وآرائهم في عقل ووجدان المصرىين، بل تخطت الحدود إلى كثير من دول العالم، فلا نستطيع أن ننسى رواد الفكر الإنساني الذين أسسوا لمدارس إصلاحية عديدة ليس في مصر وحدها بل وفي كثير من دول العالم أمثال الشيخ محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني وسعد وفتحي زغلول والأستاذ قاسم أمين وغيرهم من رواد الوعي في العصر الحديث .. وأعتقد أن هذه الفترة تحديداً كانت مصر دولة رائدة في قيادة التغيير والوعي إقليماً ودولياً، وصاحبة قرار سياسي واضح ومحترم وكانت داعمة اقتصادياً لمختلف الدول العربية وصدرت للدنيا كلها الثقافة والفن والإبداع والإصلاح والسياسة.

  وربما شهدت الفترة منذ بداية الخمسينيات وحتى نهاية الستينيات محاولات وتجارب ربما لم تكن مكتملة في الإصلاح الاجتماعي، لكن معظمها أصابته حالة من الانطفاء والركود في فترة السبعينيات، متزامنة مع عمليات الإصلاح الاقتصادي المشوهة، وتجربة الانفتاح غير المخطط لها وغير المدروس توابعها وتداعياتها في نفس الوقت، والتي كان من أهمها تراجع الخصائص العامة للمواطن المصرى والانتقال بالفكر الإنساني العام من العمق إلى السطحية والابتعاد به من تقدير العمل والإنتاج واحترام كل ما هو مصري وأصيل إلى ثقافة الاستهلاك غير الآمن، مع تقديس المنتج الأجنبي!

 ولعل هذه كانت نقطة بداية التراجع ليس في الاقتصاد وحده ولكن في السمات العامة للمنتج الإنساني المصري، فلا أعتقد أننا نستطيع بحال الفصل بين ما هو إنساني وما هو اقتصادي أو إنتاجي بشكل عام .. فعادة ما يُلازم تراجع الخصائص العامة للمنتج الإنساني أي المواطن تراجع في الخصائص العامة للمنتج الاقتصادي وربما العكس والذى يمكن أن نسميه ” متلازمة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي”..!

نظرية فى الإصلاح الاجتماعي والتنوير

كل ذلك دفعني منذ سنوات إلى التفكير في نظرية في الإصلاح الاجتماعي والتنوير تقوم على تحليل الأوضاع الإنسانية بشكل عام وتخرج بمجموعة من المؤشرات ربما تمكننا من فهم أوسع للمجال الاجتماعي وكيفية التعامل مع العقلية الإنسانية بشكل عام من خلال البحث في تكوين الإنسان حسب فلسفة الطبيعة، ونجيب على تساؤل عام : كيف للمجتمعات والشعوب أن تتقدم؟ وكيف يمكن زيادة المنتج البشرى وتطويره بسلام؟ وكيف يمكن توجيهه لخدمة الأهداف العامة للدول والتي تتلخص حسب أقوال ” سقراط ” و “مكيافيلي” في الهيمنة والقوة والاستقرار بوجه عام .. وكانت نقطة الانطلاق في النظرية هى الفكر باعتباره الركيزة الأساسية فى التنوير والإصلاح بوجه عام .. وكما قال  ” إميل سيوران ”  في كتابه “المياه كلها بلون الغرق “حين فشلنا في خلق إنسان يُفكر، فشلنا بطبيعة الحال في تكوين شعب، بل تشكل لدينا جمهور، جمهور مُصفق، وجمهور لاعن، يُصفق مرة، ويلعن مرة .. لكنه لا يُفكر !

شعوب وجماهير 

وبالطبع هناك فارق كبير بين الشعوب التى تشارك  الدول والحكومات في بناء حضارتها والتي تتسم أفكارها بالعمق والرصانة والابتكار ولديها بناء عقلي وسيكولوجي مغاير تماماً للبناء الفكري والسيكولوجي للجماهير التى تتسم بالسطحية وتتسم أفكارها واتجاهاتها بعدم الثبات، الأمر الذى دفع علماء الاتصال بوصف الجماهير بأنها كالمرأة اللعوب تهوى دائما من يُغازلها، بعكس الشعوب التى هى بالأساس منبع الحكمة والحضارة ومصدر الإلهام والتطوير.

الإصلاح يبدأ من الشعب

إذن الانطلاقة هنا فى الإصلاح لابد أن تكون من الشعب الذى يُعد الوعاء الذى تنتخب منه الحكومات والقيادات، وكلما كان وعاءً نظيفاً راقياً كلما كانت قياداته راقية، وكلما كان وعاءً فاسداً كلما كانت حكوماته فاسدة .. إذن ليس منطقي أن نهتم بإصلاح الحكومات تاركين الشعب بلا ضابط يحكمه نزاهتها .. فالعمل على إصلاح الحكومات دون الشعوب مجرد جهد مهدر لا طائل منه سوى الانزلاق إلى القاع والتراجع والتخلف والفساد!

والسؤال هنا يتعلق بإصلاح الشعوب وكيف يمكن أن يكون وماهي الصورة المُثلي للشعوب الناهضة والآخذة في التحضر ؟.. وماهي آليات هذا الإصلاح؟ .. وهل يمكن اختزال الإصلاح في الإصلاح الاقتصادى أو الديني فقط ؟

أتصور أن مفهوم الإصلاح أعمق وأكبر وأن الإصلاح الاجتماعي يجب أن يكون الأساس في عملية التغيير والتطوير وهو ما سوف نركز عليه في بناء نظريتنا التى سوف تتشكل عبر مقالتنا القادمة .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى