أوراق بحثيةدراسات اقتصاديةرئيسي

أزمة الغذاء..بين الواقع وجهود التصدي لتحدياتها المتزايدة

345 مليون شخص حول العالم يواجهون انعدام الأمن الغذائي

صدمات اقتصادية كبيرة وصراعات وحروب وظواهر مناخية متطرفة جعلت العالم يمر بأزمة غذائية غير مسبوقة استحكمت حلقاتها فى عام 2023 حيث شهدت سلاسل توريد الأغذية العالمية تقلبات متزايدة بعد الحرب الروسية الأوكرانية التى تسببت فى اضطراب فى نظام الأغذية العالمي تتجاوز تداعياته حدود منطقة النزاع، فأوكرانيا التى توصف بأنها “سلة غذاء العالم” نظرا لكونها مركزا رئيسيا للإمدادات الغذائية وبخاصة القمح والأسمدة، أصبحت غير قادرة على ضمان الأمن الغذائى لكثير من دول العالم فى ظل خسارة ما يقرب من ربع أراضيها الزراعية، وتراجع إنتاجية المحاصيل بها بنسبة بلغت 40% .

كما ترتب على الحرب انخفاض صادرات أوكرانيا من الحبوب  إلى نحو 23.6 مليون طن في موسم 2022 – 2023 بعدما كانت 33.5 مليون طن في موسم 2021 – 2022 ، وارتفاع أسعار السلع الغذائية حول العالم، ومعدلات التضخم وتفاقم الجوع حول العالم حيث يعانى نحو 345 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو ما يمثل أكثر من ضعف العدد المسجل في عام 2019، وذلك وفقا لتقديرات برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.

وفى ظل تفاقم أزمة الغذاء عالميا، يُصدر المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” ورقة بحثية تهدف لتحليل أسباب وتداعيات أزمة الغذاء، وعرض حالة الأمن الغذائي والتغذية عالميا وعربيا، ثم تتناول جهود المنظمات الدولية لمواجهة هذه الأزمة، وأخيرا تستعرض جهود الدولة المصرية للتصدى لها. 

وقد توصلت الورقة لأهم النتائج التالية:-

1- لا يزال تضخم أسعار الغذاء المحلية مرتفعاً في معظم الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط والمرتفع حيث زاد معدل التضخم عن 5% فى 70.6% من الدول منخفضة الدخل، و81.4% من الشريحة الدنيا من الدول متوسطة الدخل، و84% من الشريحة العليا من الدول متوسطة الدخل.

2- تعاني نحو 80.4% من الدول مرتفعة الدخل من ارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية.

3- سيؤدي تضخم أسعار الغذاء بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هذا العام إلى تباطؤ النمو إلى 3%، مقابل 5.8%، العام الماضي.

4- يشكل التضخم ما بين 24% إلى 33% من انعدام الأمن الغذائي المتوقع في عام 2023.

5- واجه نحو 258 مليون شخص في 58 بلدا أو إقليما انعداما حادا فى أمنهم الغذائى في عام 2022، وهو ما يمثل ارتفاعًا من 193 مليون شخص في 53 بلدًا وإقليمًا في عام 2021.

6- عانى نحو 53.9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الشديد في المنطقة العربية في عام 2021، أي بزيادة قدرها 55٪ منذ 2010، وزيادة قدرها 5 ملايين عن العام السابق.

7- أكثر من نصف سكان الدول العربية، أي 162.7 مليون شخص، لم يستطيعوا تحمل كلفة تبني نمط غذائي صحي في عام 2020.

وتسعى الدولة المصرية لمواجهة أزمة الغذاء ببذل المزيد من الجهود من خلال ما يلي:

1- استصلاح مزيد من الأراضى الزراعية حيث زادت مساحة الأراضي المنزرعة في مصر بحوالي 9% لتصل إلى 9.7 ملايين فدان فى عام 2021، ومن المستهدف زيادة مساحة الرقعة الزراعية لنحو 3.3 مليون فدان بحلول عام 2030، للوصول بإجمالي مساحة الرقعة الزراعية إلى 13 مليون فدان.

2-التوسع فى نشاط البورصة المصرية للسلع، وتداول الأقماح فى البورصة للمرة الأولى، مما ساهم فى ضبط واستقرار الأسعار بالسوق المحلي وذلك فى ضوء انخفاض سعر طن الدقيق استخراج 72% إلى 13.5 ألف جنيه بدلا من 15 ألف جنيه، وانخفاض سعر ردة النخالة بقيمة 2000 جنيه لكل طن.

3- توقيع اتفاقية منحة بقيمة 40 مليون دولار مقدمة من الاتحاد الأوروبي بتنفيذ الوكالة الإيطالية للتعاون التنموي، لتعزيز جهود الأمن الغذائي في مصر.

4- تنفيذ برنامج “دعم الاتحاد الأوروبي للأمن الغذائى بمصر” الممول بمنحة قيمتها 100 مليون يورو. كما بلغت محفظة التعاون الإنمائي الجارية بين مصر والاتحاد الأوروبي نحو 3 مليار يورو.

5- توقيع العديد من اتفاقيات الشراكة لدعم جهود الأمن الغذائي، من بينها المشروع الطارئ لدعم الأمن الغذائي والاستجابة المرنة بقيمة 500 مليون دولار مع البنك الدولي، ومشروع توسيع برنامج تكافل وكرامة بقيمة 500 مليون دولار مع البنك الدولي، وبرنامج دعم الأمن الغذائي والصمود الاقتصادي بقيمة 271 مليون دولار مع بنك التنمية الأفريقي.

6- تنفيذ 3 مراحل من برنامج مبادلة الديون المصرية الإيطالى من أجل التنمية، بقيمة 350 مليون يورو، ويتم من خلالهم تمويل عدد 106 مشروع بالقطاعات التالية: الأمن الغذائي، والتعليم، والزراعة، والمجتمع المدنى، والبيئة والتراث الثقافى.

7- توفير أقصى درجات الدعم لقطاع الزراعة والمزارعين، ومواصلة تطوير منظومة الزراعات التعاقدية لتشجيع التوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية، إضافة إلى جهود تطوير السلالات المصرية للثروة الحيوانية لتعزيز إنتاجها.

أولا: تحليل أسباب وتداعيات أزمة الغذاء

وفقا لآخر تحديث لحالة الأمن الغذائي في العالم على موقع البنك الدولي في 1 يوينو 2023 ، لا يزال تضخم أسعار الغذاء المحلية مرتفعاً في معظم الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط والمرتفع حيث تظهر المعلومات الخاصة بالفترة ما بين يناير 2023، وإبريل 2023 زيادة معدل التضخم عن 5% فى 70.6% من الدول منخفضة الدخل، و81.4% من الشريحة الدنيا من الدول متوسطة الدخل، و84% من الشريحة العليا من الدول متوسطة الدخل، فضلا عن معاناة نحو 80.4% من الدول مرتفعة الدخل من ارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية.

وبحسب التقرير، تقع الدول الأكثر تضررا من ارتفاع أسعار الغذاء في: إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وجنوب آسيا، وأوروبا، كما يوضح الشكل التالي: 

شكل رقم (1) خريطة تضخم أسعار الغذاء

المصدر: صندوق النقد الدولي، وهافر أناليتيكس، واقتصاديات التجارة

­­­­ وقد أوضح البنك الدولي في تقرير بعنوان “حين تتبدل المصائر: الآثار طويلة الأجل لارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” الصادر فى إبريل 2023، إن تضخم أسعار الغذاء بالمنطقة هذا العام سيؤدي إلى تباطؤ النمو إلى 3%، مقابل 5.8%، العام الماضي. وخفض البنك بذلك توقعاته لنمو المنطقة بعد تقديرات سابقة نشرها في أكتوبر 2022 بأن معدل النمو بلغ 3.5% عام 2023. كما أشار التقرير إلى أن متوسط تضخم أسعار الغذاء على أساس سنوي في 16 بلدا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين مارس وديسمبر 2022 بلغ 29%. وكان هذا أعلى من معدل التضخم الكلي الذي ارتفع في المتوسط إلى 19.4% على أساس سنوي خلال تلك الفترة، مقارنة بنسبة 14.8% بين أكتوبر 2021 وفبراير 2022.

وبحسب التقرير، فإنه على مستوى كل المجموعات الفرعية الأربع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي شملها التقرير – البلدان النامية المستوردة للنفط، والبلدان النامية المصدرة للنفط، والبلدان الواقعة في صراعات، ودول مجلس التعاون الخليجي – يشكل التضخم ما بين 24% إلى 33% من انعدام الأمن الغذائي المتوقع في عام 2023.

ويشير تقرير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن مؤشرها لأسعار الغذاء بلغ 143.7 نقطة في 2022 بزيادة قدرها 14.3% عن عام 2021 وهو أعلى مستوى له منذ بدء التسجيلات عام 1990. وقد تفاقمت أزمة الغذاء العالمية لعدة أسباب منها تزايد عدد القيود المفروضة على تجارة الغذاء التي تضعها البلدان بهدف زيادة الإمدادات المحلية وخفض الأسعار، حيث طبق 22 بلداً 28 قرار حظر على تصدير المواد الغذائية حتى 13 مارس 2023، وطبقت 10 بلدان 14 إجراءً للحد من الصادرات.

فى حين أشار تقرير لوكالة “موديز” إلى أن أسعار المواد الغذائية العالمية تراجعت عن مستوياتها القياسية المسجلة في مارس 2022، إثر الحرب الأوكرانية الروسية، لكنه رجح بقاء الأسعار عند مستويات مرتفعة على مدار العام الحالي. وحددت “موديز” العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء، أبرزها المخاطر المستمرة على إنتاج المحاصيل في أوكرانيا، والمشاكل التي تواجهها مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب من أوكرانيا إلى العالم، بالإضافة إلى شح الإمدادات العالمية والتقلبات المناخية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أسعار القمح والذرة تراجعت في الفترة الأخيرة بسبب السماح باستئناف صادرات أوكرانيا الزراعية ضمن مبادرة البحر الأسود، حيث أتاحت المبادرة تدفق الصادرات الزراعية الأوكرانية، وهو ما ساهم في تراجع أسعار المحاصيل بنسبة 10-15% عن مستوياتها القياسية مع بدء الأزمة الروسية الأوكرانية. وبلغت أسعار القمح 275 دولارا للطن، والذرة 280-290 دولار للطن، فيما بلغت أسعار الشعير 260 دولار للطن، ويعد استقرار الأسعار رهنا بتمديد اتفاق مبادرة حبوب البحر الأسود. وفى حال عدم التوصل إلى اتفاق لتمديد مبادرة البحر الأسود، سترتفع أسعار محاصيل القمح والذرة والشعير إلى مستويات قياسية مرتفعة. 

لقد أتاح اتفاق الحبوب في البحر الأسود تصدير 32.9 مليون طن من المواد الغذائية إلى 45 دولة عبر 3 قارات (17 مليون ذرة، و9 مليون قمح، و2 مليون زيت عباد الشمس..)، حيث ذهبت 57٪ من إجمالي الصادرات إلى الدول النامية وهو ما يمثل 19 مليون، و43% للدول المتقدمة وهو ما يمثل 14 مليون، وذلك بحسب الإحصائيات الواردة على موقع الأمم المتحدة، وكما هو موضح فى الشكل رقم (2)، والشكل رقم (3).

شكل رقم (2) يوضح شحنات مبادرة حبوب البحر الأسود حسب السلعة

شكل رقم (3) يوضح نسبة الصادرات من المواد الغذائية للدول النامية والمتقدمة

التى أتاحها اتفاق الحبوب فى البحر الأسود

ووفقًا لتقرير المخاطر العالمية 2023، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن أزمة الغذاء -إلى جانب أزمة الطاقة- تخاطر بتقويض الجهود المبذولة للتصدي للمخاطر طويلة الأجل، ولا سيما تلك المتعلقة بتغير المناخ والتنوع البيولوجي والاستثمار في رأس المال البشري، ومن المتوقع أن تستمر هذه الأزمة على مدى العامين المقبلين، وتزيد من مخاطر الركود، وضائقة الديون المتزايدة، وأزمة تكلفة المعيشة المستمرة، وتحدث فجوة في العمل المناخي، وربما تتسبب فى حرب جيو اقتصادية.

ويشير تقرير المخاطر لعام 2023، إلى أن عدم التعاون بشكل أكثر فاعلية في التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه، من شأنه أن يؤدي على مدى السنوات العشر المقبلة إلى استمرار الاحتباس الحراري وتزايد الكوارث الطبيعية وفقدان التنوع البيولوجي والتدهور البيئي بشكل عام، إذ يُنظر إلى فقدان التنوع البيولوجي على أنه أحد أسرع المخاطر العالمية تدهورًا خلال العقد المقبل، فضلا عن أن الأزمات والتنافسات الجيوسياسية سوف تؤدي إلى خلق ضائقة مجتمعية على مستوى غير مسبوق، وبالتبعية سوف تختفي الاستثمارات في مجالات الصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية، مما يزيد من تآكل التماسك الاجتماعي.

ويطرح تقرير السياسة الغذائية العالمية لعام 2023 الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، إعادة التفكير في الاستجابة لأزمة الغذاء حتى يتسنى للحكومات والجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية العمل على الحد من الآثار قصيرة وطويلة الأجل لأزمات الغذاء. يشدد التقرير على ضرورة وجود أنظمة جيدة التنسيق للإنذار المبكر وأطر عمل استباقية للتأهب وتنظيم جهود الاستجابة قبل وقوع الأزمة.

ويدعو التقرير أيضا الحكومات إلى الحفاظ تهيئة بيئة أعمال داعمة لسلاسل القيمة الزراعية، وبناء برامج حماية اجتماعية تشمل الأهداف المتعلقة بالمساواة بين الجنسين والمناخ وتراعي التكيف مع الأزمات، مع إعادة توجيه أنشطة صناديق دعم الأنشطة الزراعية، وتحسين الاستفادة من أموال القطاع الخاص من أجل تعزيز القدرة على الصمود على المدى الطويل. 

ثانيا: حالة الأمن الغذائي والتغذية

يُشير التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2023 المنشور على موقع الفاو والصادر في 3 مايو 2023، إلى أن 258 مليون شخص في 58 بلدا أو إقليما واجهوا انعداما حادا فى أمنهم الغذائى على مستوى الأزمات أو مستويات أسوأ في عام 2022، وهو ما يمثل ارتفاعًا من 193 مليون شخص في 53 بلدًا وإقليمًا في عام 2021. وهذا الرقم هو الأعلى في تاريخ التقرير الذي صدر لأول مرة منذ سبع سنوات.

وبحسب ما ورد فى التقرير، فإن الأفراد فى 7 دول (أفغانستان، وبوركينافاسو، وهاييتي، ونيجيريا، والصومال، وجنوب السودان، واليمن)، قد واجهوا مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، مما يشير إلى خطر المجاعة ومستويات خطيرة للغاية من سوء التغذية في عدة مناطق من هذه الدول. وهنا نشير إلى أن انعدام الأمن الغذائي الحاد يحدث عندما يعجز شخص ما عن استهلاك قدر كافٍ من الغذاء، ما من شأنه تعريض حياته أو سبل عيشه لخطر داهم.

هذا ويؤكد تقرير “نظرة إقليمية عامة حول حالة الأمن الغذائي والتغذية 2022” الصادر عن كل من منظمة الأغذية والزراعة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، واليونيسيف، والإسكوا، أن مستويات الجوع وسوء التغذية قد وصلت إلى مستويات حرجة في المنطقة العربية، لا سيما بعد أن أعاقت جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا إمكانية الحصول على الأغذية الأساسية.

ويكشف التقرير عن أن ما يقدر بنحو 53.9 مليون شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد في المنطقة العربية في عام 2021، أي بزيادة قدرها 55٪ منذ 2010، وزيادة قدرها 5 ملايين عن العام السابق. كما حذر التقرير من أن انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد قد أثر سلباً على ما يقدر بنحو 154.3 مليون شخص في عام 2021، بزيادة قدرها 11.6 مليون شخص عن العام السابق.

كما أوضح أن أكثر من نصف سكان الدول العربية، أي 162.7 مليون شخص، لم يستطيعوا تحمل كلفة تبني نمط غذائي صحي في عام 2020. وتتزايد تكلفة اتباع نمط غذائي صحي في المنطقة العربية كل عام منذ عام 2017، حيث وصلت التكلفة في عام 2020 إلى 3.47 دولار أمريكي للفرد الواحد في اليوم.

ولا تزال المنطقة العربية تعاني أشكالاً متعددة من سوء التغذية. ورغم أن معدل انتشار التقزم في المنطقة (20.5٪)، والذي يؤثر على طفل واحد من بين كل خمسة أطفال دون سن الخامسة، كان أقل من المتوسط العالمي، يشير التقرير إلى أن معدل انتشار الهزال  في المنطقة (7.8%) كان أعلى من المتوسط العالمي (6.7%). وبلغ معدل انتشار زيادة الوزن بين الأطفال دون سن الخامسة 10.7% عام 2020. وأن 28.8% من السكان البالغين (18 عاماً فأكثر) في المنطقة العربية يعانون من السمنة، وهذه النسبة أكثر من ضعف المعدل العالمي. وأنه بالإضافة إلى هذه الأحداث العالمية، فإن عوامل أخرى مثل تغير المناخ والنزاعات والقضايا الهيكلية مثل الفقر وانعدام المساواة تزيد من عبء تحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية في المنطقة.

سلط التقرير الإقليمي الضوء على التجارة كعامل تمكين أساسي لضمان تحقيق جميع الأبعاد الأربعة للأمن الغذائي والتغذية عن طريق زيادة كمية وتنوع الغذاء وخفض سعره بالنسبة للبلدان المستوردة الصافية للغذاء. وأوصى التقرير واضعى السياسات بالتركيز على السياسات التي تسهل تجارة المواد الغذائية مثل تقليل الحواجز التجارية، وإنشاء مناطق جديدة للتجارة الحرة، وتبني التقنيات الرقمية، وتقليل الحواجز غير الجمركية، وتنسيق الممارسات التنظيمية، وتعزيز الحوكمة، وتعزيز التعاون والتنسيق بين البلدان والمجتمع الدولي.

ويدعو التقرير إلى الاستفادة من التجارة البينية والاعتماد بشكل أكبر على قدرات المشتركة للدول العربية، حيث تساعد التجارة الإقليمية على الحد من نقص الغذاء خلال دورات الإنتاج الزراعي العادية وتوفر آلية مهمة لمعالجة نقص الإنتاج أو اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الآثار السلبية وغير المتوقعة للأحداث العالمية، حيث كشفت جائحة كوفيد-19 عن هشاشة في أنظمة الأغذية الزراعية، وزادت نسبة الجوع وسوء التغذية على الصعيدين العالمي والإقليمي، وأدت الحرب المستمرة في أوكرانيا إلى تعطل سلاسل الإمداد الغذائي وتضخم أسعار الحبوب والأسمدة والطاقة.

ثالثا: جهود المنظمات الدولية لمواجهة أزمة الغذاء

في إطار استجابة عالمية شاملة لأزمة الأمن الغذائي القائمة، أعلن البنك الدولي في إبريل 2022 إتاحة ما يصل إلى 30 مليار دولار على مدى 15 شهراً، منها 12 مليار دولار في مشروعات جديدة. والهدف من هذا التمويل هو توسيع نطاق الاستجابات قصيرة وطويلة الأجل على 4 محاور تركيز لتعزيز الأمن الغذائي والتغذوي، والحد من المخاطر، وتدعيم الأنظمة الغذائية: (1) مساندة المنتجين والمستهلكين، (2) تسهيل زيادة التجارة في المواد الغذائية والمستلزمات، (3) مساندة الأسر الأكثر احتياجا، و(4) الاستثمار في الأمن الغذائي والتغذوي المستدام.

وقد حقق البنك هدفه المتعلق بتقديم ارتباطات بقيمة 30 مليار دولار لصالح الاستجابة في مجال الأمن الغذائي والتغذوي. ‫وفي الفترة بين إبريل وديسمبر 2022، تجاوزت ارتباطات البنك في مجال الأمن الغذائي والتغذوي في إطار القروض الجديدة 12 مليار دولار، وقد تم تقديم نصفها تقريبا لإفريقيا، وهي واحدة من أكثر المناطق تضررا من أزمة الغذاء. ومن الأمثلة على ذلك:

  • يعمل برنامج تعزيز قدرة الأنظمة الغذائية على الصمود في غرب أفريقيا بتكلفة قدرها 766 مليون دولار على زيادة التأهب لمواجهة انعدام الأمن الغذائي وتحسين قدرة الأنظمة الغذائية على الصمود في غرب أفريقيا. كما يعمل البرنامج على زيادة الخدمات الاستشارية الرقمية للوقاية من أزمات الزراعة والغذاء وإدارتها، وتعزيز قدرات التكيف لدى الأطراف الفاعلة في النظام الزراعي، والاستثمار في الأنشطة الرامية إلى تحقيق تكامل ودمج أسواق الغذاء الإقليمية والتجارة لزيادة الأمن الغذائي. ويجري حاليا إعداد مبلغ إضافي قدره 345 مليون دولار للسنغال وسيراليون وتوجو.
  • منحة إضافية بقيمة 150 مليون دولار للمرحلة الثانية من مشروع الاستجابة في مجال الأمن الغذائي والقدرة على الصمود في اليمن، والتي ستساعد على التصدي لانعدام الأمن الغذائي، وتدعيم القدرة على الصمود، وحماية سبل كسب العيش.
  • منحة بقيمة 50 مليون دولار من التمويل الإضافي لطاجيكستان للتخفيف من آثار انعدام الأمن الغذائي والتغذوي على الأسر وتعزيز قدرة قطاع الزراعة على الصمود بوجه عام. يهدف مشروع بقيمة 125 مليون دولار في الأردن إلى تدعيم تنمية قطاع الزراعة من خلال تعزيز قدرته على الصمود في وجه تغير المناخ، وزيادة القدرة التنافسية والشمول، وضمان الأمن الغذائي على المدى المتوسط إلى الطويل.
  • سيسهم مشروع بتكلفة 300 مليون دولار في بوليفيا في زيادة الأمن الغذائي، والنفاذ إلى الأسواق، واعتماد ممارسات زراعية ذكية مراعية للمناخ.
  • قرض بقيمة 315 مليون دولار لمساندة تشاد وغانا وسيراليون لزيادة استعدادها لمواجهة انعدام الأمن الغذائي وتحسين قدرة أنظمتها الغذائية على الصمود في وجه التحديات.
  • مشروع طارئ لدعم الأمن الغذائي والقدرة على الصمود بقيمة 500 مليون دولار لتعزيز جهود مصر لضمان استمرار حصول الأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً على الخبز، والمساعدة في تدعيم قدرة البلاد على الصمود في وجه أزمات الغذاء، ودعم الإصلاحات التي ستساعد على تحسين نواتج التغذية.
  • قرض بقيمة 130 مليون دولار لتونس بهدف الحد من تأثير الحرب في أوكرانيا من خلال تمويل واردات القمح الليّن الحيوية وتقديم دعم طارئ لتغطية واردات الشعير لإنتاج الألبان والبذور لصغار المزارعين لموسم الزراعة القادم.
  • يساعد برنامج تعزيز قدرة أنظمة الغذاء على الصمود في شرق أفريقيا والجنوب الأفريقي بتكلفة قدرها 3 مليار دولار بلدان المنطقتين على زيادة قدرة نظمها الغذائية على الصمود في وجه التحديات وقدرتها على التصدي لتزايد انعدام الأمن الغذائي.

وسيعزز البرنامج أيضاً الاستجابة المشتركة بين الوكالات لأزمة الغذاء، وكذلك الجهود متوسطة وطويلة الأجل لتحقيق الإنتاج الزراعي القادر على الصمود، والتنمية المستدامة للموارد الطبيعية، وتوسيع نطاق النفاذ إلى الأسواق، وزيادة التركيز على قدرة أنظمة الغذاء على الصمود في وجه الصدمات في وضع السياسات.

وقد أصدر رؤساء منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة التجارة العالمية البيان المشترك الثالث في 8 فبراير 2023 الذى يدعو إلى منع تفاقم أزمة الأمن الغذائي والتغذوي، وضرورة اتخاذ مزيد من الإجراءات العاجلة من أجل (1) إنقاذ بؤر الجوع، (2) تسهيل التجارة، وتحسين أداء الأسواق، وتعزيز دور القطاع الخاص، و(3) إصلاح وإعادة توجيه الدعم الضار مع الاستهداف الدقيق والكفاءة للوصول إلى المستحقين. وينبغي للبلدان الموازنة بين الإجراءات التدخلية العاجلة قصيرة الأجل وجهود بناء القدرة على الصمود على المدى الأطول في إطار استجابتها للأزمة.

رابعا: جهود الدولة المصرية لمواجهة أزمة الغذاء

تسعى الدولة المصرية لمواجهة أزمة الغذاء ببذل المزيد من الجهود من خلال ما يلي:-

1- استصلاح مزيد من الأراضى الزراعية حيث زادت مساحة الأراضي المنزرعة في مصر بحوالي 9% لتصل إلى 9.7 ملايين فدان فى عام 2021 ، مقارنة ب 8.9 مليون فدان فى عام 2014. وتستهدف خطة عام 22/2023 زيادة الرقعة الزراعية نصف مليون فدان في نطاق مشروعات التوسّع الأفقي التى تشمل مشروع مُستقبل مصر والدلتا الجديدة على محور الضبعة بالساحل الشمالي الغربي، ومشروع تنمية توشكى جنوب الوادي الجديد، ومشروع شرق العوينات بالجزء الجنوبي الغربي من الصحراء الغربية، إلى جانب تحسين الإنتاجية الزراعية لزيادة المساحة المحصولية الإجمالية لتتجاوز 19 مليون فدان مُقابل 17.5 مليون فدان عام 2020 ، وزيادة إنتاجية الفدان بنسب تتراوح بين 15% و20%.

2-زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل الاستراتيجية عبر التوسع في الزراعة واستصلاح المزيد من الأراضي، حيث تستهدف الدولة زيادة المساحة المزروعة بالقمح بنحو مليون ونصف المليون فدان خلال العامين القادمين للوصول بنسبة الاكتفاء الذاتي إلى 65% بحلول 2025.

3- توفير أقصى درجات الدعم لقطاع الزراعة والمزارعين، ومواصلة تطوير منظومة الزراعات التعاقدية لتشجيع التوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية، وتم إعلان سعر ضمان لتوريد الذرة وفول الصويا وعباد الشمس، بهدف زيادة الإنتاج من تلك المحاصيل لاسيما التي تدخل في صناعة الأعلاف، بما يحّد من الفاتورة الاستيرادية ويسهم في ضبط الأسعار.

4- التوسع فى نشاط البورصة المصرية للسلع بهدف تقليل حلقات تداول السلع بين المزارعين والمنتجين وصولا إلى يد المستهلك ، حيث تم تداول الأقماح فى البورصة للمرة الأولى، مما ساهم فى ضبط واستقرار الأسعار بالسوق المحلي وذلك فى ضوء انخفاض سعر طن الدقيق استخراج 72% إلى 13.5 ألف جنيه بدلا من 15 ألف جنيه، وانخفاض سعر ردة النخالة بقيمة 2000 جنيه لكل طن.

5- تنفيذ عدد من المشروعات فى مجال تنمية الثروة الحيوانية وتعظيم منتجاتها. وتتمثل هذه المشروعات فى إنشاء عدة مزارع لتربية وتسمين الماشية من سلالات اللحم ومزارع أخرى لتربية الماشية للألبان وإنشاء مجازر آلية حديثة متكاملة بالإضافة إلى مصانع لمختلف منتجات الألبان والعديد من مصنعات اللحوم، إضافة إلى جهود تطوير السلالات المصرية للثروة الحيوانية لتعزيز إنتاجها من اللحوم والألبان، من خلال مراكز التلقيح الصناعي وخطوط التحسين الوراثي، بالإضافة إلى إنشاء مراكز تجميع الألبان المتطورة على مستوى الجمهورية وتدعيمها بوسائل الاختبارات المعملية والتخزين والخدمات البيطرية اللازمة. هذا إلى جانب تعظيم الاستفادة من الأبحاث العلمية لزيادة الإنتاج وخفض التكلفة، لما لذلك من مردود إيجابي لصالح المربين والمزارعين، فضلًا عن تلبية احتياجات المواطنين من الإنتاج المحلي للحوم والألبان، بما يدعم الجهود المكثفة لتحقيق الأمن الغذائي في مصر.

6-تنفيذ مشروعات عملاقة لتنمية الثروة السمكية فى غليون، والفيروز والديبة، مما أهل مصر لتحتل المرتبة الأولى إفريقيا فى مجال الاستزراع السمكي، والسادس عالميا، حيث تم زيادة الناتج من مساحات الاستزراع السمكي بالدولة من 1.1 مليون طن عام 2014 إلى 2 مليون طن حتى الآن.

كما تم استخدام أنماط جديدة في الاستزراع السمكي، مثل الاستزراع السمكي التكاملي، والذي يهدف إلى الاستفادة العظمي من وحدة المياه، ويتميز بإنتاج الأسماك والنباتات معاً. فضلا عن إطلاق المشروع القومي لتنمية البحيرات (المنزلة – البرلس – إدكو – البردويل).

7-أطلقت وزارة التعاون الدولي المنصة الوطنية للمشروعات الخضراء برنامج “نُوَفِّي” والذي يمثل منصة لإشراك عدد كبير من شركاء التنمية وممثلي القطاع الخاص والأطراف ذات الصلة، لحشد التمويلات الإنمائية الميسرة والمحفزة لعمل المناخ، وتقديم نموذج للبناء عليه إقليميا وعالميا، حيث أن محور الغذاء ضمن البرنامج يتضمن 5 مشروعات رئيسية هي “تكيف إنتاج المحاصيل في وادي النيل والدلتا”، ومشروع ” تعزيز التكيف في منطقة شمال الدلتا في المناطق المتأثرة بارتفاع مستوى سطح البحر “، ومشروع ” مشروع تعزيز مرونة المناطق الأكثر احتياجًا”، ومشروع “تحديث نُظُم الري في الأراضي الزراعية القديمة”، ومشروع ” تدشين أنظمة الإنذار المبكر”.

8- توقيع اتفاقية منحة بقيمة 40 مليون دولار مقدمة من الاتحاد الأوروبي بتنفيذ الوكالة الإيطالية للتعاون التنموي، لتعزيز جهود الأمن الغذائي في مصر، والتى من خلالها ستتعاون الوكالة الإيطالية للتعاون التنموي مع وزارة الزراعة، لتنفيذ المكون الخاص “بدعم إنتاج القمح والحبوب من خلال زيادة الوصول إلى البذور المعتمدة والميكنة بقيمة 25 مليون يورو، بهدف تنفيذ أنشطة معنية بالميكنة الزراعية لإنتاج الحبوب والبذور المحسنة. وبالتعاون مع وزارة التموين ستعمل على إنشاء صوامع حقلية، وكذلك استكمال النظام المعلوماتى للتحكم فى حركة الأقماح فى مصر، بقيمة 15 مليون يورو.

من المستهدف أن تُسهم  المنحة في الحصول على أصناف عالية الإنتاجية من المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة، وأصناف أكثر تأقلمًا مع الظروف المناخية، مما يمثل دعما لمنظومة الأمن الغذائي في إنتاج أصناف أكثر استدامة وتحملا للتغيرات المناخية وذلك من خلال مركز البحوث الزراعية وكذلك مركز بحوث الصحراء. ذلك إلى جانب دعم الميكنة الزراعية الحديثة وتعزيز مرونة الأمن الغذائي وكذلك دعم صغار المزارعين خاصة في محافظات الدلتا والساحلية.

9- تنفيذ برنامج “دعم الاتحاد الأوروبي للأمن الغذائى بمصر” الممول بمنحة قيمتها 100 مليون يورو، ويجري الاتفاق على المشروعات المتعلقة بالمبلغ المتبقي والمقدر بنحو 60 مليون يورو. وذلك لمواجهة تحديات الأمن الغذائي الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب تعزيز الجهود الوطنية المبذولة في مجال إنتاج وتخزين الحبوب، وتحفيز المرونة المناخية وزيادة القدرات التخزينية للحبوب الاستراتيجية.

10- بلغت محفظة التعاون الإنمائي الجارية بين مصر والاتحاد الأوروبي نحو 3 مليار يورو، ويتم تمويل هذه المشروعات من خلال آليات التمويل الأوروبية في إطار التعاون الثنائي والإقليمي، وآلية التمويل المختلط Blended Finance.

11- توقيع العديد اتفاقيات الشراكة لدعم جهود الأمن الغذائي، من بينها المشروع الطارئ لدعم الأمن الغذائي والاستجابة المرنة بقيمة 500 مليون دولار مع البنك الدولي، ومشروع توسيع برنامج تكافل وكرامة بقيمة 500 مليون دولار مع البنك الدولي، وبرنامج دعم الأمن الغذائي والصمود الاقتصادي بقيمة 271 مليون دولار مع بنك التنمية الأفريقي.

12- تم تنفيذ 3 مراحل من برنامج مبادلة الديون من أجل التنمية بين مصر وإيطاليا، بقيمة 350 مليون يورو، ويتم من خلالهم تمويل عدد 106 مشروع بالقطاعات التالية: الأمن الغذائي، والتعليم، والزراعة، والمجتمع المدنى، والبيئة والتراث الثقافى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى