أوراق بحثيةتكنولوجيادراسات اقتصاديةرئيسي

إمكانات أداء التجارة الإلكترونية والشركات الافتراضية في مصر..رؤية تحليلية

تمتلك مصر فرصة لتوظيف الاقتصاد الرقمي كمحرك للنمو والابتكار وعلاج أوجه القصور التي تعانى منها المنظومة الخدمية والحكومية، خاصة في ظل زيادة الاستثمارات في التحول الرقمي، حيث إن التحول الرقمي سيؤدى إلى الحد من الفساد والرشوة وميكنة جهات الدولة وربطها إلكترونياً سيؤدى إلى تسهيل إجراءات المعاملات وسرعة صدور الأحكام في حالات التقاضي لتحقيق العدالة وكلها عوامل محفزة لجذب الاستثمار. وأيضاً سيساهم التحول الرقمي في حصر السيطرة على ممتلكات الدولة وإعادة توجيه استخدامها لخدمة التحول للحياة الرقمية.

وفى هذا الإطار، يُصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية ورقة بحثية تتناول تحليل إمكانات أداء التجارة الإلكترونية والشركات الافتراضية فى مصر، وذلك من خلال المحاور التالية:

أولا: أداء التجارة الإلكترونية والشركات الافتراضية في مصر وإفريقيا

ثانيا: إجراءات الحكومة المصرية لتسهيل إجراءات الشركات الافتراضية

ثالثا: سهولة ممارسة الأعمال في مصر

رابعا: سبل دعم وتحفيز التجارة الإلكترونية والشركات الافتراضية في مصر

توصلت الورقة للنتائج التالية:-

  • ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت في مصر حيث بلغ نحو 75.7 مليون مستخدم في يناير 2022، مقابل 21.9 مليون مستخدم في يناير 2012، وبلغ عدد مستخدمي الإنترنت عن طريق المحمول 68.5 مليون مستخدم فى يونيو 2022، مقابل 59.7 مليون مستخدم فى يونيو عام 2021 بزيادة بلغت نسبتها 14.9%.
  • 13.7 % من مستخدمي الإنترنت في مصر يستخدموه في الاستثمار وتنفيذ التعاملات البنكية عبر تطبيقات الموبايل شهرياً، بينما يستخدم 15 % من الإنترنت لدفع قيمة الخدمات والمرافق.
  • بدأت وزارة الاتصالات منذ عام 2022 فى برنامج لاستضافة الشركات المصنعة للإلكترونيات فى مصر ومنها شركات نوكيا وفيفو التي بدأت التصنيع من مصر، كما يتم حاليا التباحث مع شركات أوبو وشاومى لافتتاح مصنع لها فى مصر، كذلك يتم عقد مباحثات مع شركة سامسونج لتوسيع مصنعها فى بنى سويف.
  • بلغت قيمة خدمات الدفع والتحصيل الإلكتروني الحكومي عبر منظومة الدفع الالكتروني نحو 3.7 تريليون جنيه (نحو 200 مليار دولار أميركي)، بينما وصلت قيمة المتحصلات من الضرائب والجمارك إلى نحو تريليون جنيه.
  • أكد تقرير “الأونكتاد” أن مصر هى الوجهة الاستثمارية الأولى فى القارة الإفريقية لعام 2022، بينما حدد بنك “راند ميرشانت” أعلى 10 دول جاذبة للاستثمار في أفريقيا لعام 2021، وجاءت مصر فى المركز الأول.

أولا: أداء التجارة الإلكترونية والشركات الافتراضية في مصر وإفريقيا

يمكن تعريف الشركة الافتراضية بأنها شركة تعتمد على التوظيف الإلكتروني حيث يؤدي الموظفون أعمالهم عن بعد، ويتم الاتصال بينهم بالوسائل الإلكترونية، ولا يوجد لها مقر ثابت، ولا تتحمل مصروفات تُذكر إذا قورنت بمصرفات الشركة المادية، وتوفر الكثير من المال والوقت والجهد والمباني، ويمكن أن تقرر شركة ما أن تتحول من كونها شركة تقليدية تسير وتعمل وفقًا للطرق المألوفة والمعروفة إلى شركة افتراضية تعتمد في كل ما تفعله على العمل عن بُعد.

قفزت مبيعات التجارة الإلكترونية العالمية إلى 26.7 تريليون دولار في عام 2019، بزيادة 4 % عن عام 2018، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد). وأوضح التقرير، أن مبيعات التجزئة عبر الإنترنت نمت بشكل ملحوظ في عديد من البلدان، حيث سجلت جمهورية كوريا أعلى حصة بنسبة 25.9 % عام 2020، في ارتفاع من 20.8 % في العام السابق، حيث أن حجم التجارة الإلكترونية بلغت نحو 30 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (GDP) في 2020.

ووفقاً لأحدث إحصاءات “findstack.com” المتخصصة في شئون التجارة الإلكترونية عن عام 2022، فإن نحو 16 % من الشركات في العالم تعمل عن بعد بنسبة 100 %، بينما 44 % الشركات لا تسمح بالعمل عن بعد، وأكدت أن 77 % من الموظفين يقولون إنهم أكثر إنتاجية عند العمل من المنزل، ومتوسط ​​الدخل السنوي للعمال عن بعد هو 4000 دولار أعلى من العمال الآخرين. ولفتت إلى أن 85 % من المديرين يعتقدون أن وجود فرق مع العمال عن بعد سيصبح القاعدة الجديدة، بينما يقول 74 % من العمال إن وجود خيار العمل عن بعد من شأنه أن يجعلهم أقل عرضة لترك الشركة.

ووفق أحدث إحصاءات منصة الواقع الافتراضي “هورايزون وورلد”، التابعة لـ”ميتا فيرس”، فإن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر بلغ نحو 75.66 مليون فرد بنسبة 71.9 % ومتوسط عدد الساعات التي يقضيها المصريون على الإنترنت 8 ساعات. وأشارت المؤسسة إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر ارتفع من 21.9 مليون مستخدم في يناير 2012 إلى 75.7 مليون مستخدم في يناير 2022، وأن 13.7 % من مستخدمي الإنترنت في مصر في الاستثمار وتنفيذ التعاملات البنكية عبر تطبيقات الموبايل شهرياً، بينما يستخدم 15 % من الإنترنت لدفع قيمة الخدمات والمرافق.

وبحسب بيانات النشرة السنوية لإحصاءات الاتصالات السلكية واللاسلكية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يونيو 2023، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت عن طريق المحمول 68.5 مليون مستخدم فى يونيو 2022، مقابل 59.7 مليون مستخدم فى يونيو عام 2021 بزيادة بلغت نسبتها 14.9%، وبلغ عدد مستخدمي الإنترنت عن طريق ADSL  نحو 10.5 مليون مشترك في يونيو 2022 مقابل 9.5 مليون مشترك في يونيو 2021 بنسبة زيادة بلغت نحو 10.7%.

شكل رقم (1) يوضح عدد مستخدمي الإنترنت عن طريق الهاتف المحمول طبقا للشهور

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

بدأت وزارة الاتصالات منذ عام 2022 فى برنامج لاستضافة الشركات المصنعة للإلكترونيات فى مصر ومنها شركات نوكيا Nokia ، وفيفوVIVO   بدأت التصنيع من مصر، كما يتم حاليا التباحث مع شركات أوبو Oppo وشاومى Xiaomi لافتتاح مصنع لها فى مصر، كذلك يتم عقد مباحثات مع شركة سامسونج لتوسيع مصنعها فى بنى سويف، علما بأنه تم الاتفاق مع هذه الشركات على أن تكون نسبة المكون المحلي فى صناعة الإلكترونيات لا يقل عن 40 %، وأنه سيتم الانتهاء من بناء نحو 2800 برج محمول لتحسين خدمات المحمول المقدمة للمواطنين إلى جانب إنشاء 1000 برج محمول فى قرى حياة كريمة، وأنه يتم العمل فى هذا المجال وفقا للمعايير العالمية في بناء أبراج المحمول مع الحصول على موافقات من كافة جهات الدولة المعنية.

كما أن الدولة ممثلة في مصلحة الضرائب المصرية قطعت منذ عامين تقريباً خطوات جيدة في نظم التحول الرقمي، مثل فرض منظومة الفاتورة الإلكترونية، التي تلزم كل بائع وتاجر في مصر بدفع الضرائب عبر الإنترنت، مما يسمح للدولة بالرقابة على التمويلات المشبوهة وخطط غسل الأموال.

لقد أصبح مجال التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت هو المستقبل، وبات يسير بخطى هائلة ومستقرة نحو النمو، إذ إن بعض الشركات الكبرى في العالم، مثل (أمازون) و(جوميا) سمحت لموظفيها مع تفشي الجائحة عالمياً بالعمل من المنازل من دون الحاجة إلى الوجود الدائم بالمقار، ومع هدوء الجائحة بشكل تدريجي وجدت تلك الشركات قوائمها المالية تتجه إلى تحقيق معدلات ربحية جيدة بفضل توفير جزء من تكلفة العمل داخل المقار، ويتوقع الخبراء أنه مع حلول عام 2040 ستكون 95% من عمليات الشراء في العالم عبر الإنترنت.

وتجدر الإشارة إلى أن عدد متسوقي الإنترنت على مستوى إفريقيا يُقدر بنحو 21 مليون متسوِّق. وتقدَّر حجم سوق التجارة الإلكترونية في إفريقيا بما يزيد على 60 مليار دولار عام 2021، ومن المتوقَّع أن يشهد السوق زيادةً تُقدر بـ14.5 مليار دولار خلال الفترة (2025 – 2030)، ويتوقع أن تساهم في توفير 3 ملايين فرصة عمل بالقارة بحلول عام 2025.

وتوجد نحو 264 شركة ناشئة في القارة الإفريقية تعمل في مجال التجارة والتسويق الإلكتروني وتنشط في 23 دولة، ومن الدول الإفريقية المتقدمة بهذا المجال موريشيوس وتونس وجنوب إفريقيا وكينيا وناميبيا وبتسوانا ومصر والجزائر.

تهدف أفريقيا لزيادة التسوق عبر الإنترنت من خلال تطبيق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) والتي ستستفيد منه مصر، حيث تفرض الاتفاقية على الشركات تخفيض 90٪ من الضرائب المفروضة على المنتجات، وحرية انتقال الأموال والمعاملات، وتسعى لتكوين اتحاد جمركي على مستوى القارة الإفريقية، مما يؤدي لزيادة حجم التجارة البينية الإفريقية، خاصة أن القارة تضم 1.3 مليار نسمة، وتحقق ناتجاً محلياً إجمالياً يبلغ 2.5 تريليون دولار، مما يعزز التجارة الإلكترونية في أفريقيا.

ثانيا: إجراءات الحكومة المصرية لتسهيل إجراءات الشركات الافتراضية

تتجه الحكومة إلى التوسع في السماح بتأسيس الشركات الافتراضية (عبر الإنترنت من دون الحاجة إلى مقار)، لدعم الاقتصاد المصري، الذي يعاني ضغوط التداعيات السلبية للحرب الروسية – الأوكرانية، حيث استندت خطة الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية إلى 5 محاور رئيسة، تبدأ بتعزيز قيمة المنتج والصناعة المحلية، وتوطين الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتخارج الدولة من الشركات العامة لإتاحة الفرص أمام القطاع الخاص، وإعادة هيكلة الدين العام، وخطة للنهوض بسوق المال المصرية، واستمرار الحفاظ على البعد الاجتماعي. وتضمنت الخطة مساعي حكومية نحو تسهيل تسجيل الشركات الناشئة عبر الإنترنت، وفتح الشركات الافتراضية من دون الحاجة إلى وجود مقار للشركة، مع تعديل التشريعات والقوانين لتسهيل تأسيس شركات الفرد الواحد. مما يسهم في دمج الاقتصاد غير الرسمي تحت المظلة الرسمية للدولة، لتكون خير داعم للاقتصاد المحلي.

ووفقاً لأحدث إحصاءات وزارة المالية بشأن منظومة التحول الرقمي في مصر “بوابة مصر الرقمية” منذ انطلاقها في مايو 2019، أبرزت أن قيمة خدمات الدفع والتحصيل الإلكتروني الحكومي عبر المنظومة بلغت نحو 3.7 تريليون جنيه (نحو 200 مليار دولار أميركي)، بينما وصلت قيمة المتحصلات من الضرائب والجمارك إلى نحو تريليون جنيه، وأشارت المنظومة إلى أن الحكومة نجحت في تحويل 96 % من البطاقات الحكومية الإلكترونية لصرف مستحقات العاملين بالدولة إلى كروت “ميزة” المؤمنة ذات الشرائح الذكية اللا تلامسية للعاملين بالجهاز الإداري للدولة. وتم البدء في تطبيق المرحلة الأولى من منظومة الفاتورة الإلكترونية منذ أكتوبر 2020 حتى تطبيق المرحلة السادسة في شهر فبراير 2022.

لقد  سمحت منظومة الفاتورة الإلكترونية بالمتابعة والرقابة لجميع التعاملات التجارية بين الشركات من خلال التبادل اللحظي لبيانات الفواتير التجارية بين الممولين والمستهلكين في كل منافذ البيع والشراء، وتقديم الخدمات بكل أنحاء الجمهورية، بما يسهم في دمج الاقتصاد غير الرسمي، وحصر المجتمع الضريبي بشكل أكثر دقة، وإرساء دعائم العدالة الضريبية، وتكافؤ الفرص بين الممولين في السوق المصرية، وتحصيل حقوق الدولة، على نحو يساعد في زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق المستهدفات الاقتصادية والتنموية.

 إن توجيهات فتح الشركات الافتراضية يدعم توجهات الحكومة في زيادة نصيب القطاع الخاص في الاستثمارات المنفذة من 30 % إلى 65 % من خلال زيادة عدد الشركات الموجودة في السوق المصرية. كما أن القرار سيجذب عدداً من الشركات الأجنبية، التي ترغب في السوق المصرية، إذ تسهل عليها هذه الخطوة عديداً من الإجراءات الإدارية المعتادة، وعلى رأسها إمكانية إدارة الأعمال عبر الإنترنت من دون الحاجة إلى الإقامة، ما يسهل الوصول إلى عملاء جدد، وسيعزز تجربة الدولة في التحول إلى الاقتصاد الرقمي، كما ستقلل على الشركات الناشئة تكاليف استئجار مقار خاصة بها، وتوظيف عمالة، لاسيما وأن خطوة إقامة وتأسيس الشركات افتراضياً ستعمل على تحسين مركز مصر في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، كما ستتيح لها تبوء مركز  إقليمي متميز.

وتحتاج مصر إلى بنية تحتية تكنولوجية قادرة على تلبية التوسع في مجال التحول الرقمي، كخطوة مهمة وضرورية لنجاح الخطط والمشروعات الطموحة التي بدأت الدولة تنفيذها في كل المجالات ومن بينها مشروعات التعليم والصحة، بعد أن بدأت وزارة التربية والتعليم تطبيق نظام التعليم الإلكتروني من خلال التابلت، كما تتجه الجامعات الحكومية إلى تطبيق التعليم الإلكتروني بعد أن سبقها في ذلك عدد من الجامعات الخاصة والأجنبية، أما وزارة الصحة فإنها تحتاج إلى بنية تحتية تكنولوجية جيدة مع بدء نظام التأمين الصحي الجديد.

ويأتي اهتمام الدولة بالتحول الرقمي في العديد من القرارات والصور التنفيذية وآخرها تطبيق قرار التعامل في كافة الجهات الحكومية من خلال الدفع الإلكتروني، لتستكمل الدولة مسيرتها نحو الرقى بالخدمات المقدمة للمواطنين بالعمل على الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي لتوظيفه في المجالات الحيوية للبلاد.

ومن هنا تعمل الحكومة على تعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل قد يصل إلى 100% بالإضافة إلى الارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وإيجاد بيئة عمل مبتكرة وسوق جديد وواعد في المنطقة ذو قيمة اقتصادية عالية ودعم مبادرات القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى بناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير، واستثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى، فضلا عن استثمار كل الطاقات على النحو الأمثل، واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوافرة بطريقة خلاقة.

ثالثا: سهولة ممارسة الأعمال في مصر

أكد تقرير “الأونكتاد” أن مصر هى الوجهة الاستثمارية الأولى فى القارة الإفريقية لعام 2022، وحدد بنك “راند ميرشانت” أعلى 10 دول جاذبة للاستثمار في إفريقيا لعام 2021، حيث تحتل مصر المركز الأول، وجاء ترتيب الدول على النحو التالي: مصر – المغرب – جنوب إفريقيا – كينيا – رواندا – غانا – كوت ديفوار – نيجيريا – اثيوبيا – تونس. وهناك عدة عوامل ساهمت في نمو اقتصاد الدول الأفريقية العشر التي جاءت بالتقرير من بينها قطاعات التصنيع والتشييد والبناء وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وتجارة التجزئة والخدمات المصرفية والمالية.

إن للتكنولوجيا أثر عميق على طريقة عمل الحكومات وتفاعلها مع مواطنيها، حيث تفتح الباب لزيادة الشفافية وكفاءة تقديم الخدمات. وهذه الموجة المستمرة من الابتكارات قادرة على إزالة أي عقبات تحول بين الناس والفرص، وخصوصاً الفئات الأشد فقراً والأكثر معاناة وتأثراً.

فبفضل المنصات الرقمية، أصبح بإمكان الأفراد – أينما كانوا – الوصول إلى قدر غير مسبوق من المعلومات، والعمل بوظائف عبر الإنترنت، والالتحاق بدورات إلكترونية، بل والحصول على الرعاية المنقذة للحياة عبر الخدمة الطبية عن بعد. كما توفر الخدمات المالية المقدمة عبر الهاتف المحمول بديلاً سهلاً وآمناً للنظام المصرفي التقليدي، مما أعطى دفعة كبرى لتعميم الخدمات المالية على مستوى العديد من البلدان النامية. وقد أتاحت أنظمة تحديد الهوية الرقمية لملايين المهمشين إثبات هويتهم، وممارسة حقوقهم، والاستفادة من الخدمات الضرورية كالصحة أو التعليم.

ووفقًا لتقرير مؤشّر المعرفة العالمي الصادر من برنامج الأمم الـمتحدة الإنمائي (UNDP)، والذي يُدرِج مُؤشرات أخرى مُتعدّدة مثل التعليم والابتكار والبيئة، فقد تقدّمت مصر من الـمركز 72 من بين 138 دولة عام 2020 إلى الـمركز 53 من بين 154 دولة عام 2021.

شهدت مصر خطوات متسارعة للنهوض والتنمية والتحديث على جميع الأصعدة وفى كل شبر من أرجائها مثل شبكة الطرق التي أنشأتها الدولة لرفع كفاءة النقل والمواصلات مما سيكون له آثار اقتصادية كبيرة على التجارة والصناعة وحركة السكان داخل البلاد.  وفى خطوة مهمة للنهوض بالبلاد واللحاق بركب الدول المتقدمة، تم إنشاء العاصمة الإدارية لتكون أكبر مدينة ذكية فى العالم حيث تم تنفيذ أعمال بنية أساسية ذكية على أعلى مستوى من أدوات التحول الرقمي، فضلا عن تحديث العمل في الهيئات والمصالح الحكومية التي ستنتقل إليها، وذلك بهدف الانتقال إلى عصر التحول الرقمي والشمول المالي والدفع الإلكتروني والذكاء الاصطناعي.

وتتسابق كبرى شركات التكنولوجيا حول العالم في تطوير الربوت الذكي لمختلف الاستخدامات أو تطوير تقنيات مذهلة تحاكى البشر، وتم عرض الكثير منها في المعارض الدولية مثل جيتكس والمؤتمر العالمي للهواتف الذكية وغيرها. وللابتكارات الرقمية منافعها الشاملة بعيدة المدى، ففي البلدان المتقدمة والنامية، سرعان ما تؤدي التكنولوجيا إلى إطلاق حلول مبتكرة للتحديات المعقدة التي تواجه مجموعة واسعة من القطاعات من الصحة والتعليم إلى النقل أو إدارة مخاطر الكوارث أو الزراعة.

ومع ذلك لم يستفد الكل بالقدر ذاته: ففي حين تعد الثورة الرقمية ظاهرة عالمية، لا تزال هناك تفاوتات هائلة فيما بين البلدان وداخلها من حيث الانتشار، ويسر التكلفة، وأداء الخدمات الرقمية، ففي حين تتاح لأكثر من نصف سكان العالم حالياً إمكانية الاتصال بالإنترنت، فإن معدل الانتشار لم يتعد 15% في البلدان الأقل نمواً، أو فرداً واحداً من بين كل 7 أفراد، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار خدمات الإنترنت من خلال الهواتف المحمولة أو الخطوط الثابتة عريضة النطاق باهظة التكلفة في بلدان كثيرة، حيث يشكل نقص البنية التحتية الرقمية والعراقيل التنظيمية عائقاً أمام تطوير خدمات الاتصالات عريضة النطاق. حيث تبلغ تكلفة خدمات المحمول عريضة النطاق ما يقرب من 17% من متوسط النصيب الشهري للفرد من إجمالي الدخل القومي في البلدان الأقل نمواً، مقارنة بالنسبة العالمية التي لا تتجاوز 5%.

 وبالمثل، تتفاوت سرعة الخدمات عريضة النطاق، حيث تعد سرعات الخدمات الثابتة عريضة النطاق البالغة 10 ميجابايت في الثانية أو أكثر شائعة في البلدان المتقدمة؛ في حين لا تزيد نسبة الخدمات الثابتة عريضة النطاق التي تصل سرعتها إلى 10 ميجابايت في الثانية بالبلدان الأقل نمواً على 7%.

وفي عالم تقوده تكنولوجيا المعلومات والاتصالات،  فمن شأن هذه الفجوة الرقمية المستمرة أن تزيد أوجه انعدام المساواة تفاقماً وتتسبب فى وجود طبقة جديدة من ”الفقر الرقمي“. وتفادياً لهذا السيناريو، تسعى الحكومة المصرية لتعزيز جهودها لضمان الوصول الشامل إلى الخدمات عريضة النطاق، ومنح الناس المهارات والموارد التي يحتاجون إليها للمشاركة في الاقتصاد الرقمي مشاركة كاملة.

ويرجع سبب تحسن ترتيب مصر إلى الجهود المبذولة من قبل الحكومة لتحقيق هذا الإنجاز ومنها التوسع في تبنى التكنولوجيات الحديثة لتقديم خدمات مصر الرقمية، وتنفيذ مشروع ضخم لتطوير البنية التحتية للاتصالات باستثمارات تصل إلى نحو 1.6 مليار دولار وتنفيذ المرحلة الثانية للمشروع في العام المالي الحالي باستثمارات 300 مليون دولار، بالإضافة إلى تهيئة البيئة التشريعية والقانونية التي تحكم استخدامات الذكاء الاصطناعي وذلك من خلال إصدار قانون حماية البيانات الشخصية الذي ينظم العلاقة بين مالك البيانات والمستخدمين.

رابعا: سبل دعم وتحفيز التجارة الإلكترونية والشركات الافتراضية في مصر

توصي الورقة بتطوير سياسات واضحة حول استخدام وإتاحة البيانات، وفتح المزيد من المراكز التكنولوجية لتحفيز البحث العلمي والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، والعمل عن قرب مع الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومطوري المصادر المفتوحة، والمؤسسات التعليمية لمساعدتهم على دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات. 

تأتي المقترحات بشكل أكثر تفصيلا على النحو التالي:

أولاً: يتعين نشر ثقافة الابتكار الرقمي للجميع وتحقيق الوصول الشامل للتقنيات الرقمية، بالإضافة إلى توفير البيانات بأسعار معقولة.

ثانيا: تبني التحوُّل الرقمي من قبل جميع الوزارات، مما يعد محركا لعملية التنمية، وخاصة بالنسبة للذين يعتمدون على المنصات الإلكترونية.

ثالثاً: تقديم المساعدة للشركات الناشئة، وكذلك الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم بهدف تعزيز المنافسة والابتكار.

رابعا: ضرورة رفع كفاءة أداء الشركة المصرية للاتصالات وتمكينها من إنشاء بنية تحتية رقمية تلبى احتياجات الدولة والمجتمع في التحول الرقمي والمشروعات القومية الكبرى مثل مشروع تطوير التعليم قبل الجامعي، إضافة إلى أهمية الإسراع في التشريعات التي تكون بمثابة الأطر المطلوبة لمرحلة التحول الرقمي.

خامسا: تقديم عدد من السياسات الإقليمية على مستوى القارة الإفريقية، في إطار منطقة التجارة الحرة القارية، بهدف دمج الاقتصادات وتطبيق الاستراتيجيات الرقمية الوطنية، مما يتطلَّب التعاون بين الدول الإفريقية في مختلف المجالات منها الضرائب الرقمية وأمن البيانات وتوفر المعلومات عبر الحدود.

 

قائمة المراجع

  • Reports

1-African Development Bank Group, African Economic Outlook 2021, Addis Ababa, 2021.

2-Economic Commission for Africa: Economic Report on Africa 2020: Innovative Finance for Private Sector Development in Africa, Addis Ababa, 2021.

3-International Telecommunication Union ITU, Digital Trends in Africa 2021

4-Rand Merchant Bank, Traditional Values and Innovative Ideas, 2021.

5-United Nations Conference on Trade and Development UNCTAD: Designing Trade Liberalization in Africa: Modalities for Tariff Negotiations towards an African Continental Free Trade Area, Geneva, 2020.

6-United Nations Conference on Trade and Development: From Regional Economic Communities to a Continental Free Trade Area: Strategic Tools to Assist Negotiators and Agricultural Policy Design in Africa, Geneva, 2018.

7-World Bank Group: The African Continental Free Trade Area Economic and Distributional Effects, Washington, D.C, 2020.

8-World Bank, Doing Business 2020, Washington, D.C, 2020.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى