التقزم عند الأطفال..مؤشرات مقلقة وتكلفة اقتصادية كبيرة
مرض التقزم إحدى أهم التحديات التي تواجهها الدولة المصرية
اعتمدت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015 أهداف التنمية المستدامة (SDGs)باعتبارها دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع البشر بالسلام والازدهار بحلول عام 2030، وسعت مختلف الحكومات والمؤسسات المعنية لوضع الخطط لتحقيق هذه الأهداف وعلى رأسها الحفاظ على صحة الإنسان ورفاهيته انطلاقا من كونه وسيلة التنمية وغايتها.
فجاء الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة لينص على “القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان”، والهدف الثاني ليؤكد ضرورة ” القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسنة وتعزيز الزراعة المستدامة”، كما نص الهدف الثالث على “ضمان تمتّع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار”.
وحال تعقب التقدم المُحرز في مؤشرات أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالتغذية على الصعيد العالمي، نجد أنه لايزال غير كاف، فالجهود الرامية للحد من أمراض سوء التغذية – وعلى رأسها التقزم – لاتزال قاصرة عن تحقيق المستهدف، ويبدو أن العالم ليس على المسار الصحيح لاسيما وأن أمراض سوء التغذية تتفاقم، وتهدد حياة الملايين، فنحو 50% من وفيات الأطفال دون سن الخامسة ترتبط بنقص التغذية، ومعظم هذه الوفيات تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية.
ونظرا لما يترتب على الإصابة بالتقزم من تكلفة اقتصادية واجتماعية باهظة تُقوض خطط التنمية ومستقبل الدول،يُصدر المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” هذه الورقة البحثية التى تتناول مفهوم التقزم ومؤشراته على الصعيد المحلي والعربي والعالمي، فضلا عن جهود الدولة المصرية فى مواجهة هذا المرض، وعدد من التوصيات التى من شأنها خفض أعداد الأطفال المصابين بالتقزم في مصر، وذلك من خلال عدة محاور على النحو التالي:
أولا: مفهوم التقزم
ثانيا : مؤشرات الإصابة بالتقزم عربيا وإقليميا ودوليا
ثالثا: التكلفة الاقتصادية لتقزم الأطفال
رابعا: مؤشرات الإصابة بالتقزم فى مصر
خامسا: أسباب الإصابة بمرض التقزم فى مصر
سادسا: جهود الدولة المصرية فى مواجهة التقزم
سابعا: توصيات لمواجهة مرض التقزم
أولا: مفهوم التقزم
يُعتبر التقزم Stunting شكلا من أشكال نقص التغذية Undernutrition التي تُعد أكبر أسباب سوء التغذية شيوعا. وينتج نقص التغذية عن قلة تناول الطعام وعدم كفاية الوارد الغذائي لتلبية احتياجات الجسم، ويؤدى إلى سرعة التأثر بالمرض والتعرض للوفاة ولاسيما بالنسبة إلى الأطفال.
وتُشير منظمة الصحة العالمية إلى أن التقزم يعني قصر القامة بالنسبة إلى العمر، وينجم عن نقص التغذية المزمن أو المتكرر، وعادة ما يرتبط بتردي الظروف الاجتماعية الاقتصادية، وتردي صحة الأمهات وتغذيتهن، والاعتلال المتكرر، و/ أو عدم تغذية الرضع وصغار الأطفال ورعايتهم على النحو الملائم في مراحل الحياة المبكرة.
ويتم اعتبار الطفل مصابا بالتقزم عندما يكون غير قادر على بلوغ الطول المتوقع في عمره وفقا لإمكانياته، ويحدث التقزم على مدى أول 1000 يوم من عمر الطفل، ويبلُغ متوسط أطوال الأشخاص البالغين المصابين بالتقزم حوالي 122 سنتيمترًا.
وترتبط الإصابة بالتقزم ارتباطا وثيقا بسوء التغذية للأم والطفل منذ مراحل تكوينه الأولى وهو فى رحم أمه وخلال الشهور الأولى من طفولته، وخطورة الإصابة بهذا المرض تكمن فى أنها تؤثر على حياة الإنسان منذ طفولته المبكرة وتستمر أعراضها معه فى مرحلة الشباب والشيخوخة وتؤثر على إدراكه المعرفى وقدراته الحركية وتعاملاته مع مقدرات الحياة بشكل عام، وهو ما يمكن تداركه وعلاجه قبل سن العامين بشكل أساسي، وبعد العامين يكون العلاج بالغ الصعوبة.
ينقسم مرض التقزم إلى نوعين، هما:
1- التقزم المتناسب: يكون الجسم ضئيلًا بشكل متناسق، وتكون أجزاء الجسم أصغر من المعدل الطبيعي لكنها متناسقة.
2- التقزم غير المتناسب: يكون حجم الجسم غير متناسق حيث يجعل بعض أجزاء الجسم أكبر أو أصغر من المعدل الطبيعي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن آثار هذا المرض تستمر مدى الحياة، فعادة ما يصاب أغلب الأطفال الذين يعانون من التقزم بأمراض فقر الدم والذى يعنى انخفاض نسبة تركيز الهيموجلوبين فى الدم أو نقص خلايا الدم الحمراء ذات القدرة على نقل الأكسجين بما يكفى لتلبية احتياجات نمو الطفل الفسيولوجية. هذا فضلا عن تدني نمو المهارات الإدراكية والاجتماعية والعاطفية للأطفال المصابة بالتقزم، وفي مراحل لاحقة من حياتهم، سيكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض غير المعدية.
وعليه، فإن مرض التقزم لا يُعد مشكلة صحية فحسب ولا يقتصر تأثيره على الفرد أو الأسرة، بل يعد مشكلة اجتماعية واقتصادية تمتد تداعياتها طويلة الأمد لتشمل المجتمع بأسره، الأمر الذى يجعل من هذا المرض عائقا حقيقيا أمام جميع خطط التنمية.
ثانيا : مؤشرات الإصابة بالتقزم عربيا وإقليميا وعالميا
أكدت منظمة الصحة العالمية أن جميع دول العالم تتضرر من أمراض سوء التغذية بشكل عام ومن التقزم بشكل خاص، في حين ذكرت تقارير البنك الدولي أن أعداد الأشخاص – خاصة الأطفال – المصابين بالتقزم تؤكد أنه مازال يُشكل أخطر التحديات التى تقف عقبة أمام تحقيق الخطط الإنمائية فى مختلف دول العالم.
- التقزم على الصعيد العربي والإقليمي
فى تقريره حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الصادر في إبريل 2023 ، حذر البنك الدولي من أن التضخم الناجم عن الصراعات والأزمات العالمية وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، تسبب في ارتفاع انعدام الأمن الغذائي إلى 17.6%، وزيادة مخاطر توسع دائرة التقزم بين الأطفال.
وأشار التقرير إلى أن الزيادة في أسعار الغذاء بين مارس ويونيو من عام 2022 تسببت في إصابة ما بين 200 ألف و285 ألف مولود جديد بالتقزم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو ما يعني زيادة تلك المخاطر ما بين 17% و24%.
كما أفاد تقرير البنك الدولي بأن ليبيا وسوريا واليمن يعانون من أعلى معدلات التقزم، وأن بلدان مجلس التعاون الخليجي ممثلة في البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية سجلت أدنى معدلات التقزم في المنطقة.
وفى تقرير آخر صادر عن الأمم المتحدة، فإن نسب الإصابة بالتقزم في سوريا تشهد زيادة كبيرة بسبب سوء التغذية، حيث إن واحداً من كل ثلاثة من الأطفال دون سن الخامسة شمال غربي سوريا يعانون من التقزّم، وذلك في ظل معاناة أكثر من 4.6 مليون طفل في جميع أنحاء سوريا من انعدام الأمن الغذائي.
وبحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ” الفاو”،بلغ معدل انتشار التقزم بين الأطفال دون سن الخامسة في المنطقة العربية 20.5% في عام 2020، مقارنة بـ 28.7 % في عام 2000.
ووفقاً للتصنيف الفرعي لدول المنطقة من حيث الدخل،تعاني الدول العربية منخفضة الدخل من أعلى معدل لانتشار التقزم، حيث تبلغ نسبته 32.9%، مقارنة بـ 17.3% في الدول متوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، و13.5% في الدول متوسطة الدخل من الشريحة العليا، و5.1 % في الدول مرتفعة الدخل.
ويوضح الشكل رقم (1) معدل انتشار التقزم بالنسبة المئوية بين الأطفال دون سن الخامسة حسب التصنيف الفرعي للدول العربية من حيث الدخل:
المصدر: تقديرات مشتركة بين اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي
وبحسب التقديرات المشتركة بين اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، كان التقزم في عام 2020 يُمثل مشكلة صحة عامة خطيرة للغايةبنسبة بلغت أكثر من 30 % في أربع دول عربية: جيبوتي وليبيا والسودان واليمن، وكانت مستويات انتشار التقزم عالية في خمسة دول أخرى وهي جزر القمر وسوريا والصومال وموريتانيا، بينما مثّلَ التقزم في باقي الدول العربية مشكلة صحة عامة متدنية أو متوسطة الخطورة، وسجلت ليبيا أعلى معدل لانتشار التقزم في المنطقة، وبما يصل إلى 43.5 %.
يوضح الشكل رقم (2) انتشار التقزم بين الأطفال دون الخامسة في الدول العربية عام 2020
المصدر: تقديرات مشتركة بين اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي
وبناء على ما سبق، فإنه يتضح أنه على الرغم من وجود تحسن ملحوظ في العقدين الماضيين بشأن عدد الأطفال المصابة بالتقزم، إلا أنه لا يزال معدل الانتشار الحالي للتقزم في المنطقة مرتفعاً استناداً إلى تصنيف منظمة الصحة العالمية لشدة سوء التغذية بوصفها مشكلة صحة عامة، ولكن يظل معدل الانتشار الحالي المقدر للمنطقة العربية أقل من المتوسط العالمي البالغ 22.3 %.
- التقزم على الصعيد العالمي
تكشف التقديرات المشتركة لسوء تغذية الأطفال (JME) الصادرة عن اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي في عام 2023 ،عن تقدم غير كافٍ للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة حيث إن ثلث الدول فقط هي التي تسير على المسار الصحيح نحو خفض عدد الأطفال المتأثرين بالتقزم إلى النصف بحلول عام 2030، وذلك مع تعذر تقييم التقدم المحرز حتى الآن بالنسبة لحوالي ربع الدول.
وتكشف هذه التقديرات الحديثة عن معدلات الإصابة بالتقزم، وذلك على النحو التالي:
- يعاني نحو 148 مليون طفل تحت سن الخامسة في جميع أنحاء العالم من التقزم في عام 2022، أي بنسبة بلغت 22.3%.
- يوجد نحو 52% من الأطفال المصابين بالتقزم تحت سن الخامسة في آسيا، و43% في إفريقيا، كما يوضح الشكل رقم (3):
المصدر: اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي
– انخفض معدل انتشار التقزم للأطفال عند سن الخامسة من نحو 33% عام 2000، إلى 22.3% عام 2022، أي من 204.2 مليون طفل عام 2000، إلى 148 مليون طفل عام 2022.
– انخفضت أعداد الأطفال المصابة بالتقزم خلال العقد الماضي (2012-2022)في كل من:
-آسيا حيث انخفضت الأعداد من 106.8 مليون طفل إلى 76.6 مليون طفل.
-أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي حيث انخفضت الأعداد من 6.8 مليون طفل إلى 5.7 مليون طفل.
-أوروبا حيث انخفضت الأعداد من 2.1 مليون طفل إلى 1.4 مليون طفل.
– بينما ارتفعت أعداد الأطفال المصابين بالتقزم في إفريقيا من 61.3 مليون طفل عام 2012، إلى 63.1 مليون عام 2022، كما يوضح الشكل رقم (4):
المصدر: اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي
– يعيش ثلث الأطفال (64%) المصابين بالتقزم في الدول منخفضة الدخل، بينما يعيش 8% منهم في الدول متوسطة الدخل، و2% في الدول مرتفعة الدخل.
-يعيش ثلاثة أرباع أطفال العالم في دول بعيدة عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 بشأن التقزم، كما يوضح الشكل رقم (5):
المصدر: اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي
-تأتى خريطة توزيع الأطفال دون الخمس سنوات المصابين بالتقزم حسب الدولة وبالنسبة المئوية عام 2022 على النحو المبين في الشكل رقم (6):
المصدر: اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي
ومن المتوقع أن تبلغ نسبة الأطفال المصابين بالتقزم دون الخامسة فى عام 2025 الى 15.4% وفى عام 2030 الى 12.8%.
ويتبين من الأرقام والنسب السابقة الذكر أن العالم ليس على المسار الصحيح في مواجهة التقزم، فعلى الرغم من انخفاض معدلات التقزم في دول كثيرة، إلا أن هذا الانخفاض لن يحقق المستهدف في 2025 بشأن تقليل نسب الإصابة بالتقزم بنحو 40%، والمستهدف فى 2030 بشأن خفض معدل الإصابة بنحو 50%.
حيث إن متوسط المعدل السنوي لخفض الإصابة بالتقزم منذ عام 2012 وحتى 2022 بلغ 1.65% فقط في السنة، في حين أنه من أجل الوصول للمستهدف عام 2030 وخفض أعداد الأطفال المصابين بالتقزم إلى 88.9 مليون، يتطلب الأمر أن يكون متوسط المعدل السنوى للخفض من الآن وحتى 2030 حوالي 6%، أي حوالى 4 أضعاف ما تم تحقيقه في العقد الماضي.
ولهذا إذا استمر معدل الانخفاض كما هو على النحو الحالي، فمن المتوقع أن تصل أعداد المصابين بالتقزم في عام 2030 نحو 128.5مليون طفل أي بزيادة 39.6 مليون طفل معظمهم يعيشون في غرب إفريقيا وإفريقيا الوسطى.
ثالثا: التكلفة الاقتصادية لتقزم الأطفال
تتكبد الدول خسائر فادحة نتيجة إصابة أعداد كبيرة من الأطفال بمرض التقزم، حيث ينخفض نصيب الفرد من الدخل بسبب عدم التصدي لهذا المرض في السنوات الأولى من عمر الطفل، فيتم ترجمة تداعيات انخفاض فترات الدراسة وتدني المهارات الإدراكية إلى خسائر فى سوق العمل يتوقف حجمها على مدى تفشي التقزم عندما كان عمال اليوم فى مرحلة الطفولة، ومن ثم فإن الفاقد في الدخل بالنسبة للشخص البالغ يعانى منه الطفل المصاب بالتقزم عندما يلتحق بسوق العمل.
وفي تقرير نُشر على موقع البنك الدولي بشأن العلاقة بين معدلات التقزم وخسائر الدخل لدى العامل الذي أصيب بالتقزم في طفولته، بلغ متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في البلاد أقل بنسبة 7% بالمقارنة به في حالة عدم إصابة أي من عمال البلد الحاليين بالتقزم في الطفولة، وفي إفريقيا وجنوب آسيا، يرتفع متوسط الخسائر في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي إلى ما بين 9-10%.
فيما تبلغ التكاليف السنوية لنقص التغذية لدى الأطفال ومنها التقزم– بحسب بيانات اليونسيف– حوالى 20.3 مليار جنيه أو 1.9 من إجمالى الناتج القومى.
وبحسب دراسة تحت عنوان “التكاليف الاقتصادية لتقزم الأطفال التي يتحملها القطاع الخاص في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل”، يُكلف تقزم الأطفال القطاع الخاص ما لايقل عن 135 مليار دولار من المبيعات سنويا، وتكبدت الشركات من دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ومنطقة شرق آسيا والمحيط الهادي أكبر الخسائر.
كما أشارت الدراسة إلى أن العمال المصابين بالتقزم يفقدون حوالي 20% من دخلهم السنوي، وأن أكثر القطاعات تأثرا بالتقزم تتمثل في الصناعات التحويلية، والملابس وقطاع الغذاء.
وتؤكد التقارير الدولية أن عوائد الاستثمار فى التغذية مرتفعة وتُؤثر على خطط التنمية بشكل مباشر، فعلى سبيل المثال كل دولار أمريكى يتم استثماره فى الحد من التقزم يُولد عائدا اقتصاديا يعادل حوالى 18 دولارا فى الدول المثقلة بالأعباء. كما أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن مجرد تغيير بسيط في نسب إصابة الأطفال بالتقزم يصاحبه تغير كبير في الدخل.
فقد ثبت أنه يُمكن تقليل الخسائر الناجمة عن هذا المرض حال وجود تدخلات تُركز على تحقيق التغذية المُثلى فى فترة الألف يوم الحرجة بداية من حمل المرأة حتى بلوغ طفلها عامه الثاني، وكلما كانت التدخلات فعالة، كلما كان العائد الاقتصادي أكبر. وبحسب بيانات اليونيسف، يُعد الاستثمار فى التغذية للأطفال والشباب استثمارا أساسيا لتحقيق استدامة التنمية ورخاء الشعوب.
رابعا : مؤشرات الإصابة بالتقزم فى مصر
يُشكل مرض التقزم واحدا من أهم التحديات التي تواجهها الدولة المصرية، وعلى الرغم من تحقيقها تقدما ملحوظا في خفض أعداد المصابين بالتقزم، إلا أن التحدي لا يزال كبيرا على صعيد تحقيق المستهدف وفقا لرؤية مصر 2030 فيما يتعلق بأمراض سوء التغذية بشكل عام والتقزم بشكل خاص.
واستنادا لبيانات المسح الصحي للأسرة المصرية 2022 الذى أجراه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وتصريحات مسئولين فى وزارة الصحة، يمكن إجمال مؤشرات الإصابة بالتقزم فى مصر على النحو التالي:
- انخفضت نسبة الأطفال دون سن الخامسة المصابين بالتقزم من 21 % في عام 2014 إلى 13% عام 2021، كما يوضح الشكل رقم (7):
المصدر : الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء
- يعاني طفل من كل 3 أطفال دون الـ5 سنوات من التقزم.
- يعاني نحو 4% من الأطفال فى مصر من قصر قامة حاد ، وبمقارنة ما ورد فى السمح السكانى الصحى لعام 2014، نجد حدوث انخفاض ملحوظ فى هذه النسبة والتى كانت قد بلغت حوالى 10% .
- وفيما يتعلق بالنمط العمرى، نجد أن نسبة التقزم مرتفعة بين الأطفال عند عمر شهر ثم تنخفض بعد ذلك لتعاود الارتفاع مرة أخرى لتصل نسب التقزم إلى أعلى مستوياتها بين الأطفال فى الفئة العمرية (12:17 شهرا) بنسبة تبلغ 19%.
يوضح الشكل رقم (8) نسب التقزم حسب العمر
المصدر: المسح الصحي للأسرة المصرية 2021
- توجد بعض الاختلافات حسب المناطق الجغرافية المختلفة، حيث ترتفع نسبة قصر القامة بالنسبة للعمر في ريف الوجه القبلي لتصل إلى 16% وتنخفض في حضر الوجه البحري إلى أقل من 10%.
- سُجلت أعلى نسبة للإصابة بـالتقزم فى الفئة العمرية من 12-17 شهرًا بنسبة 18.5%، وأقلها جاء فى الفئة العمرية من 48- 59 شهرًا بنسبة 7.9%، وعلى مستوى المحافظات، سجلت محافظات: “الشرقية، وبورسعيد، والغربية” أقل نسب بـ 4%، 6.7%، 8%، على التوالي، بينما سجلت محافظات: “جنوب سيناء، وسوهاج، وأسيوط” أعلى نسب بـ 26.8%، 21.9%، 19.9% بالترتيب.
- الأطفال الذين أكملت أمهاتهم التعليم الثانوى أو أعلى أقل احتمالا للإصابة بالتقزم من الأطفال الذين أمهاتهم أقل تعليما .
- وبالنسبة لمؤشر الثروة فالأطفال الذين يعيشون فى مستوى أعلى أقل احتمالا للإصابة بالتقزم من الأطفال الذين يعيشون فى مستوى أدنى .
- يتعرض الأطفال الناتجين عن الزواج المبكر إلى التقزم حيث بلغت نحو 40% ، منهم 17% يعانون من التقزم الشديد.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مشكلة فى حصر عدد مصابي التقزم فى مصر بشكل دقيق، وذلك نظرا لإخفاء بعض الأسر وجود طفل يعانى من هذا المرض بسبب الخجل والخوف من الوصمة المجتمعية.
خامسا : أسباب الإصابة بالتقزم فى مصر
هناك عدة عوامل تتسبب في إصابة الأطفال بمرض التقزم في مصر، وقام فريق من الباحثين بمنظمة اليونيسف والجامعة الأمريكية بالقاهرة بتسليط الضوء على أبرز هذه العوامل والتي جاءت على النحو التالي:
1- غياب الوعي الصحي بين الأمهات وممارسات التغذية غير الملائمة: يعد غياب الوعي بين الأمهات بأهمية التغذية السليمة أثناء الحمل سببا رئيسيا للتقزم في مصر، حيث تحدث معظم الأضرار التي لا يمكن علاجها بسبب سوء التغذية في مصر خلال الفترة من الحمل وحتى الأربعة وعشرين شهرا الأولى من العمر ، فضلا عن أن الأمهات يفتقرن إلى المعرفة السليمة حول التغذية المناسبة للطفل خلال الأشهر الـ ۲٤ الأولى وممارسات تغذية الرضع وصغار الأطفال.
۲ – قلة التنوع الغذائي وعدم كفاية ممارسات التغذية التكميلية:يفتقر نوع الأغذية التكميلية التى يتلقاها الأطفال بعد عمر 6 أشهر إلى التنوع والعناصر المغذية ، ويظهر انعدام التنوع الغذائي بشكل أكثر وضوحا في الوجه القبلي مقارنة بالوجه البحري، “ففي المحافظات الحضرية يعانى 19% من السكان من نقص التنوع الغذائى مقارنة ب 56% فى الوجه القبلى ، وعلى سبيل المثال لا يحصل الأطفال فى سن 6 أشهر فى كل من الوجه القبلى والبحرى على كميات كافية من الأطعمة ، البروتينات الحيوانية المصدر والحبوب والفواكه والخضروات ، بل يستهلك الأطفال فى كثير من الأحيان كميات صغيرة وغير متكررة من الأطعمة الخفيفة التى تحتوى على سعرات حرارية قليلة خلال السنة الأولى من العمر .
۳ – التأثير السلبي للبيئة المحيطة والأعراف الاجتماعية :تؤثر البيئة المحيطة من التصورات الثقافية والأعراف الاجتماعية على سلوك الوالدين في ممارسات التغذية ،فغالباً ما تواجه الأمهات ضغوطاً من أزواجهن وأفراد أسرهن وأصدقائهن وجيرانهن لاتباع المعايير الاجتماعية المتعلقة بممارسات التغذية ، وللأسف تكون معظم هذه المفاهيم والمعتقدات الثقافية حول التغذية الصحيحة للرضع وصغار الأطفال غير دقيقة.
4– عدم كفاية خدمات الرعاية الصحية: يُعد عدم توافر المغذيات الدقيقة المطلوبة في وحدات صحة الأسرة من المعوقات الهامة أمام تحسين صحة الأم والطفل، فضلا عن أن النقص فى أعداد الإخصائيين المدربين في وحدات صحة الأسرة ونقص المعرفة حول تغذية الرضع وصغار الأطفال هي عوامل أخرى تسهم في زيادة المشكلة.
سادسا: جهود الدولة المصرية فى مواجهة التقزم
أولت الدولة المصرية اهتماما كبيرا بالعناية بصحة المواطنين، ووضعت أهدافًا واضحة لتعزيز سياسات التغذية الصحية السليمة والآمنة، وسعت لمواجهة والحد من انتشار مرض التقزم،وجاء أبرز ماقامت به الدولة على النحو التالي:
- أعطت المادة 81 من دستور 2014 للمصابين بالتقزم الكثير من الحقوق وذلك للمرة الأولى وبعد سنوات طويلة من التهميش والإهمال حيث نصت على أن:”تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام، صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا ورياضيًا وتعليميًا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالاً لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص”.
لقد عانت فئة مصابي التقزم من مشكلات عدة منها: عدم حصولها على نسبة 5 % من الوظائف، وعدم توفير أماكن لها في المواصلات العامة مثلها مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرها الكثير من المشكلات
- أطلق بنك الطعام المصرى في يناير 2023 برنامج “فرصة أولى” للحد من انتشار التقزم ومعالجة هذا المشكلة بداية من الأمهات الحوامل والأمهات حديثي الولادة وأطفالهم حتى سن سنتين.
يتم تنفيذ البرنامج تحت محور الوقاية، الذي خدم أكثر من 37,000 طفل عبر 10 محافظات، من خلال توفير التغذية الصحية والسليمة، لكل من الأم الحامل، والطفل حديث الولادة، ويحرص البرنامج على أن يكون لدى الأم الغذاء والوعي الكافي لمرحلة دقيقة جدا من عمرها ومن عمر الجنين.
- دشنت وزارة التربية والتعليم في فبراير 2023 تطبيقا إلكترونيا لمتابعة تسليم وجبات التغذية المدرسية حيث تم تعميم التطبيق على المدارس المستهدفة.
- أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي برنامج “الألف يوم الأولى في حياة الطفل” كإحدي آليات تحسين الوضع التغذوي للسيدات الحوامل والمرضعات والأطفال الرضع، بما يعمل على تعزيز النمو الإدراكي والبدني للأطفال وحمايتهم من آثار سوء التغذية والتي تشمل التقزم
، خاصة وأن 85% من صحة الإنسان طوال حياته تتكون خلال الـ1000 يوم الذهبية، وأي تقصير في هذه الفترة لا يمكن تعويضه بعد ذلك.
ويشهد البرنامج توسعا كبيرا على مستوى جميع المحافظات لأسر تكافل وكرامة التي لديها أطفال أقل من سنتين بحد أقصى طفلين لكل أسرة أو طفل واحد لأم حامل تماشياً مع سياسات تنظيم الأسرة التي وصل إجمالي عدد المستفيدين من برنامج الألف يوم إلى 87,700 مستفيد بنهاية أغسطس 2022.
وتتلخص المزايا التي يوفرها البرنامج بإتاحة سلة من الأغذية الغنية للسيدات الحوامل والمرضعات لأكثر من 17008 أسرة تبلغ قيم السلة 80 جنيها من أسر تكافل وكرامة في محافظات (أسيوط – سوهاج – قنا).
- أطلقت وزارة الصحة والسكان استراتيجية وطنية للغذاء بالتعاون مع القطاعات والجهات الحكومية المعنية بهذا الملف والجهات الدولية، ويتم تنفيذها وفقًا لمعايير ذات جودة عالمية،بهدف مكافحة سوء التغذية في مصر.
- إطلاق البرنامج القومى لتزويد السيدات والأطفال بفيتامين أ والحديد وحمض الفوليك لتعزيز الوقاية وعلاج أمراض سوء التغذية وتقوية كفاءة برامج توفير المغذيات الدقيقة.
- إطلاق المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن أمراض التقزم إلى جانب أمراض الأنيميا والسمنة لدى طلاب المرحلة الابتدائية، حيث تم إطلاقها عام 2019، لإجراء المسح الطبي للطلاب وقياس الطول والوزن ونسبة الهيموجلوبين في الدم، حيث تستهدف المبادرة فحص 15 مليون طالب فى المرحلة الإبتدائيةفى 29444 مدرسة حكومية وخاصة ويشارك فى تنفيذها 2.400 فريق طبى ، كما يتم تحويل الحالات المصابة للمتابعة الدورية من خلال 255 عيادة تأمين صحى على مستوى الجمهورية .وبالفعل تم فحص 10 ملايين و838 الفا و959 طالب فى المرحلة الإبتدائية منذ انطلاق الحملة حتى الآن.
سابعا: توصيات لمواجهة مرض التقزم
على الرغم من انخفاض معدل انتشار التقزم لدى الأطفال أقل من 5 سنوات فى مصر، وبذل الدولة لجهود كبيرة للحد من سوء التغذية، إلا أن المرض لايزال منتشرا ويشكل عائقا أمام تحقيق التنمية، ومن ثم توصي الورقة بما يلي:
1- وضع استراتيجية وطنية للقضاء على مرض التقزم تتفق وأهداف التنمية المستدامة على أن تتولى أحدى الجهات المعنية مسئولية تنفيذ هذه الخطة وفق جدول زمنى محدد وخطة تنفيذية دقيقة وملزمة .
2- تفعيل المادة الدستورية رقم 81 من دستور 2014 التى تُلزم الدولة بتوظيف مصابي التقزم ومنح سيارات مجهزة طبياً معفاة من الضرائب والجمارك ومعاش تضمان اجتماعي، إلى جانب خدمات عدة فاعتبارهم ضمن فئات الإعاقة التى تتاح لهم نسبة 5% من عدد العاملين فى الدولة.
3- ضرورة زيادة أعداد الإخصائيين المدربين في وحدات صحة الأسرة، وتوافر المغذيات الدقيقة المطلوبة لتحسين صحة الأم والطفل.
4- توفير الشركات والمصانع للاحتياجات اللازمة لمصابي التقزم من أدوات مناسبة وملابس وغيرها من الاحتياجات التى تكفل لهم حياة إنسانية كريمة.
5- إنشاء قاعدة بيانات للسيدات حديثى الزواج والأمهات تتضمن أرقام هواتفهم المحمولة بهدف إرسال رسائل نصية أو عن طريق إحدى تطبيقات المحمول حول أهمية التغذية السليمة للأطفال والرضع وبعض الحقائق الطبية حول مرض التقزم وطرق الوقاية منه.
6- بناء قدرات الرائدات الصحيات في مجالات التوعية المجتمعية ومشورة التغذية في مراكز طب الأسرة المنتشرة في كافة أنحاء مصر لتعزيز قدراتها المجتمعية والعمل على رفع وعي الأمهات حول سوء تغذية الأم والطفل، مع التركيز على المناطق الأشد حرماناً والأكثر ضعفا.
7- ضرورة إسهام منظمات المجتمع المدني فى مساعدة الأقزام على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، والعمل على تأهيلهم، والمساعدة فى رعايتهم صحيا ونفسيا واجتماعيا، ودمجهم فى المجتمع.
8- إعادة تفعيل مبادرة المستشفيات الصديقة للأطفال والتي أطلقتها منظمة الصحة العالمية عام 1991، لدعم البداية المبكرة للرضاعة الطبيعية والرضاعة الطبيعية المطلقة في الشهور الستة الأولي من عمر الطفل، مع الاستمرار في الرضاعة بعد ذلك حتى عمر العامين، وكذلك دعم متابعة نظام بدائل حليب الأم.
9- إطلاق حملة إعلامية قومية تستهدف رفع التوعية حول طبيعة أمراض سوء التغذية ومنها التقزم وكيفية مواجهتها وأهمية حصول الأمهات والأبناء على التغذية السليمة خاصة فى 1000 يوم الأولى من عمر الطفل.
10- قيام وسائل الإعلام المختلفة بتسليط الضوء على مطالب مصابي التقزم، والتوعية بقبول هذه الفئة فى المجتمع دون تنمر وذلك بالتعاون مع المؤسسات الدينية، مع ضرورة إظهار مصابي التقزم فى السينما والدراما كنماذج وفئات يجب احترامهم فى المجتمع.
11- إنتاج مواد درامية تُوجه للأطفال والأسر المصرية تؤكد على أهمية اعتماد الأسرة على الوجبات المنزلية التي تعد آمنة وأكثر فائدة من الناحية الغذائية، حيث سيطرت فى السنوات الأخيرة أفكار تتبناها معظم الأسر، حيث اتجهت معظم العائلات إلى إطعام الأبناء الوجبات السريعة والتى تحتوى على المواد الحافظة بشكل هائل والتي تقلل من امتصاص الجسم للأحماض والفيتامينات والألياف الأساسية التي يحتاجها الجسم خصوصا الأطفال.
المصادر :
- أمل محمد الأطرونى (2019)، الصحة النفسية فى ضوء بعض المتغيرات الديموجرافية لدى عينة من الأقزام “ذوى الهامات، مجلة البحث العلمى، جامعة عين شمس.
- معالجة التقزم وفقر الدم فى مصر، ملتقى السياسات العامة، متاح على موقع الجامعة الأمريكية فى القاهرة من خلال الرابط التالي:.
- ملخص حالة الأمن الغذائي والتغذية فى العالم 2022 والصادر عن منظمة الأغذية والزراعة ” الفاو”
https://www.fao.org/documents/card/ar/c/cc0639ar
- المسح السكاني للأسرة المصرية 2022، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
- الموقع الرسمى لليونسيف
- الموقع الرسمى لمنظمة الصحة العالمية
- الموقع الرسمى لوزارة الصحة والسكان
- الموقع الرسمى لوزارة التضامن الاجتماعى