أوراق بحثيةدراسات اقتصاديةرئيسي

الاقتصاد المصري في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية: السيناريوهات والحلول

تعرض الاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة إلى سلسلة من الصدمات التى أدت إلى مواجهته للعديد من التحديات فى محاولته للتعافى منها، حيث تأثر الاقتصاد بشكل كبير بالتطورات السياسية والتوترات الإقليمية فى العالم وفى منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك تبعات الأزمة الروسية الأوكرانية، والاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة.   

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن الدولة المصرية تسعى جاهدة لاحتواء مختلف التداعيات السلبية على القطاع الاقتصادي، والحفاظ على استقرار الاقتصاد وتحقيق نمو مستدام، وحماية المواطنين من تبعات الصدمات الاقتصادية.

وفى هذا الإطار، تهدف الورقة البحثية إلى تحليل المتغيرات الإقليمية والدولية التي يتعرض لها الاقتصاد المصري، وتوضيح الآثار الاقتصادية لتلك المتغيرات عليه، إلى جانب تسليط الضوء على السياسات والاجراءات التي يُمكن للاقتصاد المصري اتباعها. وختاما، تُقدم الورقة البحثية عدة حلول مُقترحة لتعزيز أداء الاقتصاد، ودعم قدرته على مواجهـة الصدمات الخارجية.  

وتمثلت أهم الحلول التي اقترحتها الورقة لتعزيز أداء الاقتصاد المصري فيما يلي:-

  1. زيادة حجم المشاريع القومية ذات العائد الدولاري والتوقف مؤقتا عن تمويل المشاريع التي تحتاج إلى إنفاق دولاري.
  2. التوسع في دعم قطاع الصناعة المصري عبر الاهتمام باستراتيجية تعميق التصنيع المحلى.
  3. جاءت حملات المقاطعة الحالية فرصة ذهبية أمام المنتجات المحلية لتزيد من مساحتها السوقية عبر تزايد الطلب على المنتجات المحلية.
  4. على الحكومة التركيز على زيادة تنافسية الصادرات وجودتها وتقليل العوائق التي تواجه المصدرين باعتبار الصادرات وسيلة للحصول على النقد الأجنبي.
  5. رفع سعر الفائدة سيؤدي لتراجع الاستثمار وانكماش النشاط الاقتصادي وتزايد البطالة.
  6. تخفيف قيود الحصول على النقد الأجنبي الذي يحتاجه القطاع الخاص للحصول على المواد الخام اللازمة للإنتاج. 

أولا: تحليل المتغيرات الإقليمية والدولية التي يتعرض لها الاقتصاد المصري

تعرض الاقتصاد المصري لصدمات متتالية وأوضاع مضطربة (بدءاً من جائحة كورونا ووصولاً إلى الحرب في أوكرانيا). وأثرت تلك الضغوطات على مكتسبات خطة الإصلاح الاقتصادي التي بدأتها مصر منذ عام 2016، حيث أدت الأزمة الروسية الأوكرانية في عام 2022 إلى تداعيات كبيرة على الاقتصاد المصري في الوقت الذي يكافح فيه للتعافي من النتائج الاقتصادية لجائحة كوفيد-19، حيث يأتي ارتفاع معدلات التضخم وتراجع واردات القمح وتضاؤل تدفق السياح على رأس النتائج السلبية لهذه الحرب. وبالتالي ازداد خطر انعدام الأمن الغذائي نظرا لارتباط الواردات الغذائية لمصر بهاتين الدولتين.

بالإضافة إلى ذلك، أدى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية إلى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج وخسائر كبيرة في الاحتياطيات، حيث انخفضت الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي وصافي الأصول الأجنبية لدى البنوك. وتُشكل الحرب التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة خطورة كبيرة أيضا على الاقتصاد المصري، على الرغم من أن مصر ليست جزءا من الصراع. وتُشير التوقعات إلى احتمال ارتفاع أسعار البنزين والغاز إذا ما انجرفت قوى إقليمية كإيران إلى الصراع مع إسرائيل. فهناك مخاوف من اتساع النزاع ليضم الدول القريبة المنتجة للنفط مثل إيران، وخاصة إذا قامت إيران بإغلاق مضيق هرمز.

ولسد جزء من فجوة التمويل، سعت مصر للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي. في ديسمبر 2022، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على عقد اتفاق مدته 46 شهرا مع مصر في إطار “تسهيل الصندوق الممدد” بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي تقريبا. ويُمثل البرنامج الذي يدعمه الصندوق في مصر حزمة شاملة من السياسات الهادفة إلى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي وتحقيق نمو شامل بقيادة القطاع الخاص. وتتضمن حزمة السياسات التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن، وسياسة نقدية تهدف إلى تخفيض التضخم تدريجيا، والضبط المالي لضمان تراجع مسار الدين العام مع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الضعيفة، وإصلاحات هيكلية واسعة النطاق.

ومن المتوقع أن يشجع “تسهيل الصندوق الممدد” على إتاحة المزيد من التمويل لصالح مصر من شركائها الدوليين والإقليميين. وعلى الرغم من الأهداف الواعدة لقرض صندوق النقد الدولي، إلا أنه التحول إلى سياسة سعر الصرف المرن أدى إلى انخفاض كبير في قيمة الجنيه المصري مما أثر سلبا على القوة الشرائية للمصريين وارتفاع فاتورة الواردات. ولهذا، اتجهت الحكومة المصرية إلى زيادة الدعم الموجه للفئات الأشد فقرا.

وتجدر الإشارة إلى أن الصين تُعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، وفقا للناتج المحلى الإجمالي، والقوة التجارية الأولى عالمياً، فضلاً عن كونها من أهم محركات النمو الاقتصادي العالمي، كما أصبحت عملتها ضمن سلة عملات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، ابتداء من أكتوبر 2016. ويبلغ الدخل القومي الصيني أكثر من 10.4 تريليون دولار، مقابل 17.4 تريليون دولار للولايات المتحدة الأمريكية. ولدى الصين قوة شرائية توازى أكثر من 15 تريليون دولار، واحتياطي من العملات الصعبة والذهب يقدر بنحو 3.7 تريليون دولار، ثلثه موظف في سندات الخزانة الأمريكية. وتسعى الصين إلى تقليص اعتمادها على الدولار، بعد أن أصبحت العملة الصينية تغطى نحو 10% من حركة التجارة العالمية. ومنذ عام 2015 تضاعفت صادرات الصين من السلاح لأفريقيا، متجاوزة حصة الولايات المتحدة، ومستحوذة على 17% من السوق الأفريقية.

تخوض الصين والولايات المتحدة حربا تجارية متصاعدة شهدت جولات من فرض رسوم جمركية على واردات كل منهما، بالإضافة إلى توتر للعلاقات متصاعد بسبب الخلافات على قضايا مثل مبيعات الأسلحة والنشاط العسكري في بحر الصين الجنوبي.

وفيما يتعلق بالميزان التجاري بين الصين والولايات المتحدة، فهو يميل لصالح بكين، التي تجاوز فائضها التجاري 375 مليار دولار في تبادلاتها مع واشنطن عام 2021، علما بأن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجاوز 600 مليار دولار عام 2020 وبلغت صادرات الولايات المتحدة إلى الصين عام 2021 حوالي 116.2 مليار دولار، بينما بلغت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة نحو 492 مليار دولار في العام نفسه. وتستورد الولايات المتحدة الألومنيوم والصلب والإلكترونيات والملابس والآلات من الصين، بينما تعتبر الصين أكبر مستورد لفول الصويا من الولايات المتحدة.

تقدر الاستثمارات المباشرة بين الصين والولايات المتحدة عام 2021 بقيمة 60 مليار دولار، حيث بلغت حصة الاستثمارات الصينية بالولايات المتحدة نحو 46 مليار دولار، في حين لم تتجاوز قيمة الاستثمارات الأمريكية في الصين 14 مليار دولار.

وتُعَدّ مصادر الطاقة المحرِّك الأساسي للاقتصادات الكُبرى في العالم، وتعتمد عليها التجارة العالمية بشكل كبير، فإذا ما تم تعطيل حركة المرور فى الموانىء والممرّات الواقعة في الشرق الأوسط، كالموانئ العربية على كُلٍّ من الخليج العربي والبحر الأحمر، أو الممرّات الدولية، مثل مضيق هرمز ومضيق باب المندب أو قناة السويس، فإن ذلك سيؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية.

وبناء على ذلك، فإن النمو الاقتصادي الصيني والأمريكي وحتّى العالمي، وانسيابيةَ التجارة، مرتبطان بشكلٍ وثيق بمنطقة الشرق الأوسط حاضرًا ومستقبلًا. فمع سُرعة النمو السُكّاني لأغلب دولِ المنطقة، وارتفاع مستويات الدخل فى المنطقة، وتسارُع النمو الاقتصادي في بعضها الآخر، تصبح دول الشرق الأوسط  أسواقًا واعدةً للاستثمار وتشغيل رؤوس الأموال في مجالاتٍ مختلفة، وحتّى بيع وتصدير المنتجات الدفاعية والعسكرية.

فرضت الصين بشراكتها التكنولوجية بشبكات الجيل الخامس 5G  إيجاد تعاونٍ تكنولوجي أصبح بدوره مصدرَ إزعاجٍ لواشنطن، وذلك لما له من مزايا اقتصادية تنافُسية لصالح الصين، واتّساعٍ للنفوذ الأمني والاستخباراتي، وقد تسبب ذلك فى ضغوط أمريكية على بعض الدول، من أجل وضع حدٍّ لهذا النفوذ التكنولوجي الصيني، الذي يبدو كـ «حرب تكنولوجية» باردة. كما أن مشرو ع «الحزام والطريق» الصيني يوفر للصين هيمنةً وحضورًا على الأرض فى عدد من الدول، قد يتعزَّز بحضورٍ عسكري فى المستقبل، مما سيحد من النفوذ الأمريكي ويضع مستقبل حركة التجارة العالمية في يد الصين.

وهذا وتشترك الصين مع روسيا في الرغبة بكسر الهيمنة الأمريكية على خطوط الملاحة البحرية، وعلى الرغم من امتلاك الصين لقاعدة عسكرية في جيبوتي واهتمامها بتسيير عمليات الشحن الدولي عبر الممرّات المائية، إلا أنها لم تتمكن بعد من تحدى الهيمنةَ العسكرية الأمريكية. ومع ذلك، تسعى الصين، من خلال خططها طويلة الأمد، إلى تعظيم دورها فى ضمان الأمن المتعلِّق بتجارتها ومنتجاتها مع دول العالم، ومحاولات تشييد قواعد عسكرية جديدة سواءً في الخليج العربي أو بحر العرب وغيره.

تقوم الصين بتنفيذ مبادرة “الحزام والطريق” وتُخصّص لهذه المبادرة ما قيمته 3 تريليون دولار، يتركز منها ما قيمته 1,3 تريليون دولار في تطوير البنى التحتية للدول التّي يمرّ عبرها الطريق مما يزيد نموها وجودة الخدمات المرتبطة مع الصين. وعلى صعيد التكنولوجيا التي باتت الصين تتفوق فيها بشكل كبير والذي يزيد من مخاوف أمريكا أيضا حيث أنه يوجد 9 شركات صينية من أصل 20 أكبر شركات تكنولوجيات عالمية، وهو ما يجعل نفوذها يمتد إلى النطاق السيبراني. وهذا يعطي مؤشراً عن طبيعة المخاوف الأمريكية تجاه هذا التوسع الذي يقوض النفوذ الأمريكي ويثير مخاوفه.

وفى إطار سعيها إلى تحقيق النمو الاقتصادي فى الشرق الأوسط، أبرمت الصين مجموعة من الاتفاقيات مع دول المنطقة بهدف تأمين خط طريق الحرير وتفعيل قدرات الموانئ وطاقتها الاستيعابية وجعلها قادرة على استقبال أكبر البواخر التجارية. فعلى سبيل المثال، وقعت الصين مع إيران اتفاق شراكة استراتيجية شاملة يتضمن 18 مسودة تفاهم في مختلف المجالات، منها البنوك والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية وعشرات المشاريع الأخرى في إيران.

وفي هذا الاتجاه، ستقوم إيران بتخفيض سعر كميات النفط التي ستوردها للصين بنسبة 30% لمدة 25 عامًا. إن هذا التعاون مع إيران وحدها كقوة متوسطة سيزيد من مخاوف الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط في ظل حالة الضغط منها على إيران، وهو الأمر الذي يخفف بشكل كبير من الحصار المفوض عليها، بل وسيعزز من نفوذ الصين على حساب أيضاً ربط ميناء جوادر الباكستاني معها، وهذا ما يهدد استراتيجيتها في المحيط الهندي، التي تتفاعل الصين معها بعقد صفقات تجارية مما يزيد من فرص ربط طريق الحرير وفاعليته في الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار فإن ميناء جوادر الباكستاني، الذي يخترق كشمير ويدخل إلى باكستان ليخلق حالة تفاعل مع دول المتوسط، ويوجد الخوف لدى حليف أمريكي وهو الهند التي تحاصرها الصين في نطاقها القريب وهو ما يتسبب فى وجود قلاقل لديها ويضعف التهديد الأمريكي هناك في نشاطه تجاه الباسفيك، وهو أحد أهم التحديات أيضاً والتي تتفاعل فيها الهند والولايات المتحدة والذي يشكل تحالف على أساس التهديدات الذي تواجهه الهند وتسعى لتنميته معها.

ثانيا: الآثار الاقتصادية للمتغيرات الدولية والإقليمية الراهنة على مصر

 لقد دفعت حالة عدم الاستقرار والاضطراب في السياسة النقدية للدول الكبرى إلى نزوح الاستثمارات غير المباشرة في الأسواق الصاعدة ومنها مصر حيث تدفقت للخارج نحو 20 مليار دولار منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية جراء ارتفاعات أسعار الفائدة في الدول المتقدمة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض حاد في أسعار الصرف للعملة المحلية مصحوبا بمستويات تضخم قياسية نتيجة لزيادة تكلفة الواردات، إلا أن النمو الاقتصادي الموجب المحقق خلال السنوات الثلاث الماضية من جهة، وكذا الإصلاحات التي طرأت على ميزان التجارة خاصة ميزان الطاقة من جهة ثانية، دفعتا الاقتصاد المصري بعيدا بعض الشئ عن حدة الصدمة الخارجية، والتي من شأنها أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، والتي قوضت النمو الاقتصادي.

  • الفرص- زيادة اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية، يدفع الحكومات الأوروبية وبشكل أساسي إلى زيادة محفظتها الاستثمارية مع مصر في مجال الطاقة خاصة الغاز الطبيعي في الأجل القصير والكهرباء في الأجل المتوسط والطويل.
  • الاعتماد المتزايد خلال العقدين الأخيرين على مصانع الصين وجنوب شرق أسيا دفع كبري الشركات في العالم بخاصة الأوروبية والأمريكية إلى إعادة النظر في توزيع مصانعها وخطوط إنتاجها حول العالم، الأمر الذي يجعل الإصلاحات التي نفذتها مصر في البنية التحتية فرصة لاستقطاب أكبر قدر ممكن من هذه الاستثمارات، فضلاً عن توفر واستدامة الطاقة من جهة، وتدنى تكلفة العمالة من جهة أخرى.
  • التحديات:
  • تباطؤ النمو الاقتصادي:

قد يقود تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي حالة ركود تشمل الاقتصادات الصاعدة، وهو ما قد يؤدى إلى خفض التوقعات بشأن النمو الاقتصادي، ووفق توقعات المؤسسات الدولية فإن الاقتصاد المصري ينمو بمعدل 5.6% للعام الجاري وسط توقع بتباطؤ ليصل إلى 4.6% للعام المقبل.

  • ارتفاع المستوى العام للأسعار:

أدى ارتفاع المستوى العام للأسعار عالميا إلى مزيد من الارتفاع فى الأسعار على المستوى المحلي، الأمر الذي يؤدى بدوره إلى زيادة في التزامات الدولة تجاه الفئات الأولى بالرعاية، ويزيد من حجم الموازنة العامة وهو ما يستدعى مزيدا من الاقتراض، حيث بلغ العجز الكلى بالموازنة نحو 6.2% كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي، ويشير الشكل التالي إلى التوزيع النسبي للنفقات العامة بالموازنة الجارية 2022 / 2023.

  • ارتفاع الدين العام الخارجي:

بلغ الدين العام الخارجي لمصر نحو145.5  مليار دولار في نهاية ديسمبر من مستوى 137.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، بنسبة زيادة بلغت نحو 5.8% ، الأمر الذي قد يعيق حجم الإنفاق المخصص للاستثمارات، حيث بلغت مدفوعات الفائدة نحو 45% من إجمالى الإيرادات ونحو 33% من إجمالى النفقات العامة وما يعادل 8% من الناتج المحلى الإجمالي للعام المالي الجاري، ويوضح الشكل التالي تطور كلا من مدفوعات الفائدة من جهة والعجز الجاري والكلى من جهة أخرى.

  • تحديات التجارة الخارجية:

تظهر آثار التباطؤ في التجارة الدولية في اتجاهين يتمثل الأول في زيادة فاتورة الاستيراد نتيجة لارتفاع سعر النفط، ونحو 20 مليار جنيه لتحريك سعر الصرف، والاتجاه الثاني هو انخفاض العوائد المتوقعة من إيرادات قناة السويس، نتيجة انخفاض معدل نمو التجارة العالمية، فمن المتوقع تراجع نمو التجارة العالمية ليصل إلى 4.9% خلال عام 2023 مقارنة بالعام الجاري المقدر 6.7%، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس تسهم في زيادة عجز الموازنة العامة بنحو 28 مليار جنيه.

ثالثا: السياسات والاجراءات التي يمكن للاقتصاد المصري اتباعها 

  • على مصر اللجوء إلى مجموعة من السياسات والإجراءات لمجابهة المتغيرات الدولية والاقليمية على المستوى المحلي على النحو التالي:- 

1- بذل المزيد من الجهود في سبيل حماية أنشطة الإنتاج والتسويق الضرورية لتلبية الطلب المحلي والعالمي، وأن تواصل سلاسل الإمداد عملها، مما يعني حماية البنى التحتية القائمة لتجهيز المحاصيل والمواشي والأغذية، وسائر النظم اللوجيستية.

2- إيجاد مزودين جدد وأكثر تنوعًا للأغذية، والاعتماد على مخزون السلع الغذائية الموجودة حاليًا وتنويع إنتاجها المحلي بما يضمن حصول الأشخاص على أنماط غذائية صحية.

3- توسيع نطاق شبكات الأمان الاجتماعية لحماية الضعفاء فسوف يُدفع الكثيرون إلى دائرة الفقر والجوع بفعل الصراع القائم مما يتعين توفير برامج للحماية الاجتماعية مناسبة ومحددة الأهداف.

 4- تجنّب ردود الفعل المخصصة على مستوى السياسات فمن شأن خفض التعريفات الجمركية على الواردات أو استخدام القيود على الصادرات أن يساعد في التصدي لتحديات الأمن الغذائي.

 5- تعزيز الشفافية في الأسواق وتشجيع الحوار: إنّ ضمان قدر أكبر من الشفافية والمعلومات عن أوضاع الأسواق العالمية كفيل بمساعدة الحكومة والمستثمرين على اتخاذ قرارات مستنيرة في ظلّ التقلبات التي تشهدها أسواق السلع الأساسية الزراعية.

  • فى حال زيادة الاستقطاب الأمريكي الصيني أو استمر بنفس المعدل الحالي، فعلى مصر: 
  • اختيار سياسة متوازنة بين القوَّتين لتعظيم المكاسب: سيكون من الحكمة أن تتبع مصر سياسةً متوازنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وذلك لعدة أسباب أهمها أن الولايات المتحدة هي أهمّ حليفٍ استراتيجي للعديد من الدول اليوم، ورُبّما لا تملك بديلًا عن الدعم الأمريكي في مختلف الأُطر الدولية، بما في ذلك المساعدات الأمنية والعلاقات الاقتصادية. كما أنَّ العلاقات التي تجمع الدولَ مع الصين، في ضوء الاهتمام بالحفاظ على تنافُسيتها الاقتصادية على المدى الطويل، وفي ظلّ صعود الصين إلى مكانةِ قوَّةٍ اقتصاديةٍ وتكنولوجية، يحتتم على مصر صياغةَ سياسةِ توازُنٍ بين مصالحها الاقتصادية قصيرة المدى وأهمِّية حماية أمنها على المديين المتوسِّط ​​والبعيد، والتعامُل بحذر وبراجماتية مع كلا القوَّتين.
  • تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية: في ظلّ تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، تسنحُ فُرصةٌ لدول أخرى لتعزيز استقلاليتها وتنمية شراكتها الاستراتيجية؛ حتّى لا تجد نفسها في موقفٍ يحتِّم عليها الاختيار بين المعسكرين، أو دفع جزءٍ من فاتورة الحرب الباردة الجديدة، لذا قد تجد مصر نفسها أمام خيارِ تقليص الاعتماد على بكين وواشنطن، ويمكن أن يبدأ هذا المسلك بالبحث عن تعزيز العلاقات السياسية والتجارية والأمنية مع شُركاء غير تقليديين. وأن تحافظ على استقلاليةٍ استراتيجية بعيدًا عن الولايات المتحدة الأمريكية، حين يتعلَّق الأمر بالتجارة والاستثمار، في ظلّ التخوُّف من التوجُّهات الأمريكية وسياساتها في فكّ الارتباط الجزئي وإعادة تقييم الاهتمامات ومصالح الأمن القومي الأمريكي، وكذلك استخدام اتّساع نطاق دور الصين الاقتصادي والاستثماري كعنصرِ ضغطٍ على الولايات المتحدة؛ لإعادة رفع مستوى التزامها، ودعم سياساتها.
  • تكثيف الشراكة مع القُوى المتوسِّطة: في ظلّ تنامي التنافُس بين الولايات المتحدة والصين، من الضرورى أن تسعى مصر إلى تعميق علاقاتها مع الدول والشُركاء من القوى المتوِّسطة والمؤثِّرة في النظام الدولي، لا سيما الدول صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وكذلك الاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف تأمين بدائل وخطوط دفاعٍ أمامية من جانب تلك القُوى عن مصالحها، ولفرض معادلةٍ متوازنة بين القوى الكبرى بما يحولُ دونَ التعرُّض لتأثيرات أيّ حربٍ عالمية باردة.

رابعا: الحلول المُقترحة لتعزيز أداء الاقتصاد المصري، ودعم قدرته على مواجهـة الصدمات الخارجية:

  • زيادة حجم المشاريع القومية ذات العائد الدولاري والتوقف مؤقتا عن تمويل المشاريع التي تحتاج إلى إنفاق دولاري. ولابد من تنويع مصادر السيولة الدولارية بسرعة أكبر والتركيز على المصادر التي لا تحتاج بُنى تحتية كبيرة.
  • التوسع في دعم قطاع الصناعة المصري عبر الاهتمام باستراتيجية تعميق التصنيع المحلى. فمن الضروري توفير بدائل للواردات في السوق المصري لتقليل تعرضه لصدمات خارجية.
  • في ظل اعتداء قوات الاحتلال على قطاع غزة، وتنامي الشعور القومي والعربي لدى المواطنين، يمكن الاستفادة من ذلك لتوجيه أدائهم الاستهلاكي بما يدعم المنتج المحلي ويشجع على التخلي عن السلع الاستهلاكية التابعة لشركات عالمية ممولة من الكيان الصهيوني. فحملات المقاطعة الحالية جاءت فرصة ذهبية أمام المنتجات المحلية لتزيد من مساحتها السوقية عبر تزايد الطلب على المنتجات المحلية. ويسهم ذلك التوجه في تغير أنماط الاستهلاك، كما يؤدى إلى تخفيف الضغط على الطلب على الدولار، مما يعطى الاقتصاد المصري فرصة لزيادة مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلى الاجمالي، ولكن دعم الدولة لحملات المقاطعة يجب أن يتم بشكل غير مباشر حتى لا يعطي رسائل سلبية للمستثمر الأجنبي.
  • على الرغم من أن تخفيض سعر العملة يجعل الواردات أغلى ولكنه يجعل الصادرات أرخص ويزيد الطلب العالمي عليها. ولكن على الحكومة اتخاذ خطوات لزيادة تنافسية الصادرات وجودتها، وتقليل العوائق التي تواجه المصدرين باعتبار الصادرات وسيلة للحصول على النقد الأجنبي. ولابد من وجود إعانات أكبر لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بهدف مساعدتها على الإنتاج من أجل التصدير.
  • رفع سعر الفائدة بواسطة البنك المركزي ليس وحده حل لكبح التضخم خاصة أن التضخم ليس ناجم عن زيادة طلب بل ارتفاع تكلفة وصدمات سلاسل التوريد العالمية. على العكس، رفع سعر الفائدة سيؤدي لتراجع الاستثمار وانكماش النشاط الاقتصادي و تزايد البطالة.
  • تخفيف قيود الحصول على النقد الأجنبي الذي يحتاجه القطاع الخاص للحصول على المواد الخام اللازمة للإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، يواجه القطاع الخاص الآن ارتفاع تكلفة التمويل بسبب تشديد السياسة النقدية.
  • تقليل مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في الحصول على الائتمان المحلي، حيث إن الجزء الأكبر من الائتمان المحلي مخصص للحكومة وقطاع الأعمال العام ويمثل حوالي 60% من الائتمان المحلي.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى