أوراق بحثيةالسياسات العامةرئيسي

حركة “الأفروسنتريك” والسيناريوهات المستقبلية على الهوية الإفريقية لمصر

على مدار التاريخ تعرضت الدولة المصرية لمؤامرات تستهدف أمنها واستقرارها ووحدة شعبها، إلا أنها نجحت فى كشف العديد من تلك المؤامرات والتصدي لها بفضل وعي الشعب المصري ووحدة الصف الوطني. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاطر قائمة تتطلب من الدولة المصرية وشعبها مواصلة اليقظة والحذر.

ومن أبرز تلك المؤمرات ما تقوم به حركة الأفروسنتريك التي تسعى إلى الترويج لفكرة أن المصريين القدماء كانوا أفارقة سود البشرة، وذلك بهدف إضعاف الهوية المصرية وإثارة الانقسامات بين المصريين.

وفى هذا السياق، يُصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” ورقة بحثية تتناول أبعاد ومبادىء حركة “الأفروسنتريك”، وتسعى إلى توضيح مقولات الحركة وتفنيدها، إلى جانب السيناريوهات المستقبلية على الهوية الإفريقية لمصر.

أولا: أبعاد حركة الأفروسنتريك

 تصاعدت مؤخرا النبرة الهجومية ضد الحضارة المصرية القديمة بقيادة “الأفروسنتريك”، التي سعت جاهدة إلى تزييف الحضارة المصرية القديمة وإثبات اغتصاب المصريين لأرض “كيميت”. فلم تسلم أي حضارة قديمة من محاولات السرقة والتزوير، بما في ذلك الحضارة المصرية القديمة التي تشهد هجمة شرسة من أصحاب البشرة السوداء، الذين ينتمون إلى ما يعرف باسم (المركزية الأفريقية) في محاولة لإثبات أحقيتهم في أجدادهم الفراعنة وبالتبعية آثارهم وأمجادهم.

وقد أبدى أكاديميون مصريون متخصصون في الآثار والأنثروبولوجي رفضهم الأفكار المطروحة حول الأصل الزنجي لمصر القديمة، مشددين على أن مصر الحديثة خليط من قوميات وحضارات عدة، منها أيضا العرب والأتراك واليونان والرومان وغيرهم. وتؤكد أدبيات مصرية أن المصريين القدماء تتبعوا مسار النيل ومنابعه، وأقاموا ممالك في بلاد النوبة، وتعددت رحلاتهم التي نظموا في سبيلها طرق الاتصال البرية والنيلية مع أفريقيا.

وبشكل عام، “الأفروسينتريك” هي حركة عالمية تتمحور حول التعصب العرقي لأصحاب البشرة السوداء، حيث ظهرت في البداية بدعوى الإعلاء من شأن الثقافة الأفريقية وحمايتها من التزوير، اعتقادا من أتباعها بأن هناك من عبث بسرد التاريخ العالمي ما نتج عنه تهميشهم. وبالفعل، بدأوا في البحث عن أي صلة تربطهم بالحضارات القديمة ونسب كل إنجاز بشري في أفريقيا لمن ينحدرون من أصول أفريقية ويتمتعون بالبشرة السمراء فقط لا غير. وحاليا من أهم أهدافهم القضاء على الجنس الأبيض في أفريقيا، خصوصا الأمازيغ والناطقين بالعربية والأفريكناز (الأوروبيون في جنوب أفريقيا).

وتتلخص رؤية ‏‎المركزية الأفريقية للحضارة الفرعونية في اعتقادهم أن ملوك كيميت (مصر القديمة) والشعب المصري آنذاك ينحدرون من أصول أفريقية تحديدًا “كوش”. فمثلا يزعمون أن ملوك وملكات الفراعنة ذو ملامح أفريقية وبشرة سوداء، مثل الملكة تي زوجة امنحتب الثالث في الأسرة الـ١٨، وإختاتون ونفرتيتي وتوت عنخ آمون والملك سنوسرت وغيرهم. هم يرون أيضا أن المصريين الحاليين لا علاقة لهم بالمصريين القدماء، لأن المصري القديم هاجر للجنوب تدريجيًا بعد دخول العرب إلى مصر ومن قبلهم الرومان، وفقا لرؤيتهم. وترى الأفروسينتريك أن من ينتمي لمصر حاليا هم خليط من جنسيات كثيرة لا تمت بصلة للعرق المصري القديم، بل ويصفون السكان الحاليين بأنهم “عرب غزو مصر واستوطنوها”.

كما يزعم أعضاء “الأفروسينترك” أن علماء “علم المصريات” يلونون المقابر حاليا باللون الأبيض بهدف تزوير التاريخ، فضلا عن ادعائهم بأن علماء المصريات يكسرون أنوف التماثيل الفرعونية لإخفاء ملامح الأنف الأفريقي، وهذا كله محض هراء. بل وصل الأمر للساحة القضاء، إذ رفع أعضاء الحملة قضايا ضد مصر لمنعها من التنقيب عن الآثار بدعوى أنها ملكهم.

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ أن بدأ أعضاء الأفروسنتريك في نشر رؤيتهم في أوروبا وأمريكا، تشكلت حالة عداء تجاه كل ما هو مصري لأنهم أصبحوا يرونه “غاز لوطنهم الأم”، لذا بدأت تظهر عنصرية ضد المصريين فضلا عن حالات اعتداء عليهم.

ومؤخرا تسعى “المركزية الأفريقية” للترويج لأفكارها من مصر، مثلا حاولت تدشين مؤتمر في أسوان خلال فبراير 2022 بهدف نشر خرافاتهم والتنديد بحقوقهم في الدولة المصرية. لكن تم وقف المؤتمر بفضل جهود “وعي مصر” والشباب المصري الذي تحرك للدفاع عن قوميته ونجح في جمع آلاف التوقيعات وتدشين هاشتاج “#وقف_مؤتمر_أسوان”، ما دفعهم للتراجع عن إقامة المؤتمر في مصر. وآخر محاولاتهم ما أعلنوا عنه بشأن إقامة حفل للمغني كيڤين هارت في القاهرة خلال فبراير 2023، وتم تدشين هاشتاج “#إلغاء حفل كيڤين هارت” الذي تفاعل معه آلاف المصريين، وتم توضيح خطورة هذه الخطوة وعنصريتهم تجاه شعب مصر وأهمية إلغاء الحفل.

ثانيا: مباديء عمل منظمات الأفروسنتريك

حركة الأفروسنتريك هي حركة فكرية وسياسية تهدف إلى إعادة تقدير وتقويم الهوية والإسهامات الإفريقية في تاريخ البشرية، تنطلق هذه الحركة من انتقاد للنظرة الغربية التي تستهين بالحضارات الإفريقية وتشارك في مؤامرة لإخفاء دورها في التطور الإنساني.

تسعى حركة الأفروسنتريك إلى إبراز التاريخ والثقافة والعلوم والفنون والدين والأخلاق والسياسة الإفريقية كجزء لا يتجزأ من التراث الإنساني، وإلى تعزيز الوحدة والتضامن بين الشعوب الإفريقية والأفارقة في المهجر.

تعود أصول حركة الأفروسنتريك إلى بداية القرن العشرين، عندما بدأ عدد من المثقفين والنشطاء من أصل إفريقي في أمريكا وأوروبا في التحدث عن أهمية التاريخ والثقافة الإفريقية، والتأثيرات المتبادلة بين إفريقيا وبقية العالم.. من بين هؤلاء المثقفين، يمكن ذكر ماركوس غارفي، المؤسس لحركة “عودوا إلى إفريقيا”، وو.إ.ب دو بوا، المؤسس لـ”جمعية بان إفريقية”، وجورج جامس، المؤلف لـ”تاريخ سُلِب”، وشِخْصَانْ دِیُوْپ، المؤلف لـ”الوحدة الثقافية لإفريقيا”.

شهدت حركة الأفروسنتريك ازدهارًا كبيرًا، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مع ظهور حركات التحرير في إفريقيا والانضمام إلى مجموعة من المثقفين والأكاديميين في أوروبا وأمريكا.. من بين هؤلاء المثقفين، يمكن ذكر مولافى كیتى أسانتى، المؤسس لـ”معهد دراسات الأفروسنترية”، وشِکْلَانْ جَیْهِزْ، المؤلف لـ”الجذور الإفريقي”.

تقوم حركة الأفروسنتريك على مجموعة من المبادئ والمفاهيم التي تحدد رؤيتها وأهدافها.. من بين هذه المبادئ، يمكن ذكر:

  • الأفروسنترية: هي موقف فكري وعاطفي يضع إفريقيا والإفريقي في مركز الاهتمام والتقدير، وينظر إلى العالم من منظور إفريقي، ويعد الإفريقي فاعلًا وليس متلقيًا في التاريخ والثقافة.
  • الأفروصلة: هي مفهوم يشير إلى الارتباط والانتماء بين الإفريقي والأفارقة في المهجر، والتضامن والتعاون بينهم في مواجهة التحديات المشتركة، والسعي إلى تحقيق الوحدة والتكامل بينهم على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي.
  • الأفروصورة: هي مفهوم يشير إلى الصورة الذاتية للإفريقي والأفارقة في المهجر، والتي تعبر عن هوية وكرامة وثقة وإبداع إفريقية، وتستند إلى تاريخ وثقافة وعلوم وفنون ودين وأخلاق إفريقية.
  • الأفروطلب: هي مفهوم يشير إلى المطالبات والحقوق التي ينادي بها الإفريقي والأفارقة في المهجر، التي تشمل: الاستقلال والسيادة على أرضهم، والتعويض عن الظلم التاريخي الذي تعرضوا له، والاعتراف بدورهم في التاريخ الإنساني، والحصول على فرص عادلة في التعليم والصحة والعمل والثروة.
  • الأفروسنتريزم أو الأفروسنتريك: وتسمى أيضاً الحركة المركزية الأفريقية، وتأسست على يد الناشط الأمريكي من أصل إفريقي “موليفي أسانتي” في فترة الثمانينيات وفق الموسوعة البريطانية Britannica . وتسعى هذه الحركة إلى “تسليط الضوء على الهوية والمساهمات للثقافات الإفريقية في تاريخ العالم”. وتنشط في الولايات المتحدة وفي بعض الدول الأوروبية وبين الجماعات ذات الأصول الإفريقية. ومن بين النظريات التي يروج لها مؤيدو الحركة “أن أصل الحضارة المصرية إفريقي فقط”.

ثالثا: مقولات الحركة وتفنيدها

وفقًا للأفروسنتريزم، فقد بدأ التاريخ والثقافة الأفريقية في مصر القديمة التي كانت مهد الحضارة العالمية حتى سُرقت أفكارها وتقنياتها وحجب الأوروبيون سجلها الحافل بالإنجازات. وهم يجادلون بأن الاهتمام المتجدد بهذه الثقافة يمكن أن يفيد الأمريكيين من أصل أفريقي بتذكيرهم بأن ثقافتهم الخاصة، التي قلل الأمريكيون من أصل أوروبي من قيمتها، لها تراث عريق وقديم. “لا يوجد أي دليل على هذه المزاعم إطلاقا” ، فهم يستندون في مزاعمهم إلى حكم كوش لمصر في العصر المتأخر، في الأسرة الخامسة والعشرين، لكنه حكم لفترة قصيرة جدا وبالتالي لا يوجد أي دليل على أن أصل المصريين عنصر أسود نهائي.

وقد أبدى أكاديميون مصريون متخصصون في الآثار والأنثروبولوجي رفضهم الأفكار المطروحة حول الأصل الزنجي لمصر القديمة، مشددين على أن مصر الحديثة خليط من قوميات وحضارات عدة، منها أيضا العرب والأتراك واليونان والرومان وغيرهم.

وردا على حديث موليفي أسانتي، المنظّر الأول للحركة، بأن الهجرات القديمة كانت من الشمال إلى الجنوب، تؤكد أدبيات مصرية على العكس، مستشهدة بأن المصريين القدماء تتبعوا مسار النيل ومنابعه، وأقاموا ممالك في بلاد النوبة، وتعددت رحلاتهم التي نظموا في سبيلها طرق الاتصال البرية والنيلية مع أفريقيا.

إجمالا، يمكن القول إن “الأفروسنتريك” تيار يخوض مواجهة على جبهتين، الأولى مع الفكر الغربي التقليدي، الذي يتهمه بالسطو على “الحضارة المصرية القديمة”، والثانية مع مصر التي نسب كل حضارتها الفرعونية إلى السود، مما دعا البعض -خاصة داخل مصر- إلى التحذير من أفكارها، في مقابل مبادرات تشدد على أن المصالح المصرية تقتضي بالضرورة البحث عن انطلاقة جديدة مع الأفارقة تبدأ بتغيير المدركات السلبية بين الطرفين.

وتجدر الإشارة إلى وجود آلاف المواقع عبر الإنترنت تتبنى أيديولوجية “المركزية الأفريقية”، ومن أشهرها موقعا Pinterest وReddit حيث تنشر عبرها صورا غير حقيقية عن رموز الحضارة المصرية. على سبيل المثال، يتم تلوين ملوك أو آثار مصر الشهيرة باللون الأسود باعتبار أن من دشن هذه الحضارة هم الأفارقة السود فقط وهذا غير حقيقي. فرؤية ‏‎المركزية الأفريقية للحضارة الفرعونية تتلخص في الاعتقاد بأن المصريين الحاليين لا علاقة لهم بالمصريين القدماء، لأن المصري القديم هاجر للجنوب تدريجيًا بعد دخول العرب إلى مصر ومن قبلهم الرومان، وفقا لرؤيتهم.

ومنذ بدأ أعضاء الأفروسينتريك في نشر رؤيتهم في أوروبا وأمريكا تشكلت حالة عداء تجاه كل ما هو مصري لأنهم أصبحوا يرونه “غاز لوطنهم الأم”، لذا بدأت تظهر عنصرية ضد المصريين فضلا عن حالات اعتداء عليهم.

وهذه بعض أقوال الأثريين المعروفين في هذا الإطار:

– أقر العالم ستيفن هاو، أستاذ تاريخ وثقافات الاستعمار في جامعة Bristol، بأن المصريين الحاليين هم أحفاد المصريين القدماء، وأن الانفتاح العربي على مصر تأثر بالعرق المصري وليس العكس.

– العالم ستيفين كون، عالم الأنثروپولوچيا الطبيعية، أورد في كتابه “أعراق أوروبا”: “لا بد أن تظل مصر القديمة أبرز مثال معروف فى التاريخ وحتى الآن لمنطقة معزولة طبيعيا أتيح فيها لأنواع الجنسية المحلية الأصيلة أن تمضي في طريقها لعدة آلاف من السنين دون أن تتاثر إطلاقًا باتصالات أجنبية”.

– العالم والباحث الآثرى المعروف برودريك قال هو الآخر في كتابه “شجرة التاريخ البشري”: “من الواضح طوال الستة آلاف سنة الأخيرة أو يزيد أنه لم يكن هناك أي تغيير ملحوظ في مظهر عموم المصريين”.

– أكد عالم الأنثروبولوجى وخبير علم التشريح أرثر كيث، في كتابه “نظرية جديدة عن التطور البشري”، الاستمرار الجينى للمصريين قائلا: “الفلاحون الذين نراهم يؤلفون جسم الأمة اليوم هم النسل المباشر لفلاحي سنة ٣٣٠٠ قبل الميلاد”.

– أيضا كيث يقول: “المصريون ليسوا فقط أمة، أقدم أمة سياسية في التاريخ، ولكنهم أيضا جنس بكل معنى الكلمة، ولكن ليس هناك شيء اسمه النقاوة الجنسية عمومًا ومهما كان الشعب منعزلا أو معزولا سنجده مختلطا بدرجة أو بأخرى، وإن كان النمط الجنسي المصري قد امتاز بالثبات لا شك”.

– العالم المصري سليمان حزين انتهى في كتاب “تاريخ الحضارة المصرية: العصر الفرعوني” لنفس النتائج حيث قال: “إن القبائل العربية التي نزحت في العهد العربي إلى وادي النيل الأدنى لم تؤدي إلى حدوث أي تغيير في تكوين المصريين العام”.

– وفي كتاب “القبائل العربية في مصر في القرون الثلاثة الأولى للهجرة”، يقول الدكتور عبدالله خورشيد البري: “يرجع عدم تغير تكوين المصريين العام بقلة عدد العرب الوافدين بالنسبة لمجموع الشعب المصري، وهذه الظاهرة نلاحظها في جميع مراحل تاريخ مصر، فقد توافد على المصريين كثير من الأجناس المختلفة امتزجوا بالمصريين امتزاجا دمويا دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير خصائص المصريين الجنسية، لأن هؤلاء الوافدين كانوا يفلحون فقط في تجديد دماء المصريين دون تغييرها، وكان ذلك أحد عوامل احتفاظ المصريين بحيويتهم عبر العصور.

رابعا: الآثار الاقتصادية على مصر

يلعب المكون الاقتصادي تحدي أمام الهوية الإفريقية لمصر. فهناك عوامل اقتصادية أدت إلى تعميق الهوة في هوية مصر الإفريقية، من بينها ظهور النفط في دول الخليج العربي؛ حيث جاء البترول في الدول العربية ليزيد التبادل والهجرة والسياحة والتفاعل بين مصر والعالم العربي عن ذى قبل و أكثر من أى وقت مضى، فقد أخرج البترول الجزيرة العربية من عزلتها التي فرضتها عليها الصحراء والفقر.

وفي الوقت ذاته، ساهمت العمالة المصرية التي بدورها كانت أكبر عامل تحضر وتنمية كل الجزيرة العربية في ازدياد التقارب العربي. ولأول مرة خرجت الهجرة البشرية من مصر ولأول مرة خرجت السياحة من الجزيرة العربية واستقبلت مصر أكبر تيار من السياحة العربية الصيفية سواء من دول الخليج لاسيما من السعودية. فى حين مثل السياح الأفارقة حوالى 3 % فقط من إجمالى السياح إلى مصر وأحتل السائح المصري إلى جنوب إفريقيا المرتبة 32 من إجمالى 35 دولة.

فى المقابل فإن حجم ووزن الهجرة المصرية المؤقتة أو العاملة في الدول العربية أكبر، حيث يترتب على التوجه إلى الهجرة تقليل الضغط السكاني في مصر في الخمسينيات دعما للتوجه العربي فضلا عن التحويلات النقدية من المهاجرين.

استمرت مصر في مجال التجارة الخارجية استيرادا كما أصيبت بالانكماش والتضاؤل نتيجة لظهور أسواق إفريقية مفتوحة أمام المنافسة وغياب استثمارات مصرية في المصادر الطبيعية والمواد الأولية.

خامسا: السيناريوهات المستقبلية على الهوية الإفريقية لمصر

  • السيناريو الاتجاهي الخطي: يفترض استمرار حالة عدم الإدراك لمصر للهوية الإفريقية على قرينة استمرار المتغيرات التي تتحكم في الإدراك المصري للهوية الإفريقية وأهم هذه المتغيرات ما يعنى عدم تقبل المصريين نفسيا الارتباط بالزنوج.
  • السيناريو الاصلاحي التفاؤلي: يركز هذا السيناريو على حدوث تغييرات وإصلاحات في إدراك المصريين للهوية الإفريقية، بمعنى حدوث ترتيب جديد في اتجاه الإدراك المصري للهوية الإفريقية بما يسمح بتحسين مسيرة العلاقات المصرية الإفريقية. فضلا عن حدوث تقارب بين الهويتين العربية والإفريقية وأن يستقر هذا الموقف، بمعنى وجود خط وصل بين إفريقيا والعرب من خلال إعادة إحياء العلاقات العربية الإفريقية. بمعنى آخر عدم وجود تعارض وتصارع بين دوائر الانتماء المتعددة، فالمصري هو فرعوني وعربي وافريقي واسلامي وشرق أوسطي، فكلها دوائر انتماء متحاضنة غير متنافية، وهذا الأمر رهن قدرة القيادة السياسية في مصر على إدارة هذا الموقف.
  • السيناريو التحولي التشاؤمي: يعنى أن تتعرض الهوية الإفريقية لمصر لمخاطر وتهديدات وتحديات عديدة، يترتب عليها حدوث أزمات في العلاقات المصرية الإفريقية.

سادسا: جهود الاتحاد الأفريقي من خلال أجندة 2063

يحاول الاتحاد الإفريقي منذ تأسيسه البحث عن أنسب السبل التي يمكن من خلالها تحقيق التنمية والوحدة الأفريقية، ويبدو أن أجندته التي تحمل عنوان “أجندة الاتحاد الأفريقي 2063: أفريقيا التي نريدها”، أحد أهم تلك الأدوات التي يحاول من خلالها تحقيق هدفي التنمية والوحدة، خاصة مع حجم الاهتمام الرسمي والإعلامي والشعبي بهذه الأجندة، وسعي كافة دول القارة لتوفير الدعم اللازم لتحقيق أهدافها التي تم وضعها لتلبية طموحات الشعوب الأفريقية.

ويبدو أن البحث عن الهوية الأفريقية بات من الأهداف الأساسية لهذه الأجندة فقد تم وضع هدفين من بين أهداف الأجندة السبعة لتحقيق أسس الهوية القارية، وأكدت الأطر المرجعية لهذه الأجندة على أهمية الرؤى التاريخية للهوية الأفريقية، وأنها تستلهم روح رؤى الجامعة الأفريقية، والبحث عن وحدة القارة في اختياراتها الفعلية للأدوات التنفيذية لتلك الأجندة الإطارية القارية.

فقد تم النص في الهدف الثاني في هذه الأجندة على أن تسعى لأن تكون أفريقيا قارة متكاملة ومتحدة سياسياً ومعتمدة على المثل العليا للوحدة الأفريقية الشاملة ورؤية النهضة الأفريقية، ذلك من خلال استلهام روح منظمة الوحدة الأفريقية المبنية على روح التحرير، وضرورة اعتماد الشعوب الأفريقية على الذات (ترك التبعية)، والسعي لأفريقيا متحدة، والاهتمام بتوفير البنية التحتية المتكاملة، وأن يكون هناك صلات حيوية مع المهجر، وأهمية إحياء مظاهر التضامن ووحدة الهدف، ودور رئيسي للمؤسسات القارية الفاعلة التي تسهل الوحدة، والسعي لحكومة ومؤسسات قارية، وهو ما سيدعم الإحساس بالسيادة المستقلة، لذلك تؤكد الأجندة على أهمية حرية تنقل الأفراد والسلع والبضائع، وأهمية الاقتصاد الرقمي، وسبل تدعيم التجارة البينية والتكامل الاقتصادي، خاصة في الاستثمارات والسياحة.

ونص الهدف الخامس من أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 على أن الأجندة تسعى لأن تصبح أفريقيا قارة ذات هوية ثقافية قوية وتراث وقيم وأخلاقيات مشتركة، ذلك من خلال العمل على ترسيخ مدرك شعبي يؤكد على ضرورة الوحدة الأفريقية، ومحورية التاريخ والمصير والهوية والتراث المشترك، وهو ما يجب أن يتم في ضوء احترام التعددية والاختلاف، وضرورة العمل على التأكيد على أن التنوع مصدر ثروة وثراء، وذلك يجب أن يتم في ضوء تدريس قيم الوحدة الأفريقية، والعمل على تعزيز الأصول الأفريقية من خلال السينما والموسيقى والمسرح والآداب، والاهتمام بالترابط مع أبناء الدياسبورا (الشتات)، وذلك من خلال التمسك بالقيم الأفريقية التي تعطى قيمة لدور الأسرة، والمجتمع، وتؤكد على أهمية العمل الجاد، والاحترام المتبادل، والتماسك الاجتماعي، وهو ما يتطلب العمل الجماعي على استعادة ما نهب من الثروات والتراث الأفريقي، وتكون الوحدة الأفريقية في قلب كافة الاستراتيجيات الفردية والوطنية والقارية.

التقدم المحرز على مستوى أهداف جميع محاور أجندة إفريقيا 2063 وفقا للأقاليم الفرعية

وتحقيق هذه الأهداف سيجعل أفريقيا لاعب وشريك عالمي قوي وذي نفوذ، وهو الهدف السابع لأجندة الاتحاد الأفريقي 2063، الذي يعتبر محصلة الأهداف والأحلام السابقة، حيث تطمح الأجندة أن تبرز القارة في الساحة الدولية كلاعب وفاعل قوي ومؤثر، وهو ما يتطلب التضامن الأفريقي، وأن تكون أفريقيا قوة سياسية واجتماعية واقتصادية واحدة تشارك بنشاط في الأمور والتطورات التي على الساحة العالمية كقائدة ورائدة في مجالات مقاومة الإرهاب، والقضاء على كافة أشكال التمييز، وأن تعمل على إصلاح الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية، وأن تسلك الطريق لإقامة شراكات تحاول من خلالها الاستفادة من مضامين ونتائج التحول الذي ستمر به القارة.

كما تؤكد الأجندة على أهمية أن يقود الحلم والتطلع الأفريقي هذه القارة، وأن تسعى دولها إلى إنهاء الحروب والنزاعات، وتحقيق التكامل القاري، وبناء حكم متجاوب وديمقراطي، وإنهاء تهميش القارة من خلال تنمية روابط الاعتماد المتبادل، والعمل على الاستفادة من دروس التنمية العالمية، ولكن ذلك في ضوء السعي لإنتاج منهج محوره أفريقيا، نهج تنموي مرتكز على الشعوب والمساواة بين الجنسين.

وهو ما يجعل هذه الأجندة بمثابة خطة أفريقية للتحول الذاتي، لذا لابد أن تكون المظلة التي تتحرك من خلالها كافة خطط التنمية، حتى على المستويات القطاعية والوطنية والإقليمية، وأهمية بناء مجتمع المعرفة الأفريقية، لذلك وجهت الأجندة نداء إلى كافة الأفارقة، داخل القارة وخارجها، من أجل العمل، في ضوء هذه الأجندة، حتى يتحقق التحول الاقتصادي، ونمو محاور التصنيع، ووضع أجندة إنتاجية للقارة، وضرورة توفير بنية تحتية مترابطة، تدعم الوحدة والتكتل الأفريقي، لذلك عملت على تبنى مجموعة من البرامج التكنولوجية، والزراعية، ومشروعات لترابط القارة من خلال بنية تحتية متكاملة، وضرورة الاهتمام بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعمل على إنشاء منطقة قارية للتجارة الحرة، وتعزيز دور الشباب، وتوحيد الصوت الأفريقي في المحافل الدولية، وتعزيز الديمقراطية التي محورها حقوق الإنسان، وتخفيض الاعتماد على المعونات، ودعم سبل الحوار والتكامل التي تدعم الاستقرار والأمن والتكامل.

سابعا: سبل مقترحة في ضوء خطة تنمية إفريقيا

تتطلب القدرة على تنفيذ أجندة 2063 وتحقيق النجاح لها عددا من عناصر التمكين الحاسمة للتحول في إفريقيا وهي شروط مسبقة لتحقيق النجاح، وتتمثل هذه العناصر فيما يلي:

1-التعبئة المستمرة للشعب الإفريقي وتحقيق التواصل والتوعية الفعالة، والحوار الاجتماعي المستدام والشامل بشأن أجندة 2063.

2-تعبئة الموارد الأفريقية لتمويل وتسريع عملية التحول، وتحقيق السلم والأمن وتطوير البنية التحتية والحكم الديمقراطي وتعزيز المؤسسات القارية.

3-بناء رؤية وقيادة مسئولة وخاضعة للمساءلة ومؤسسات ديمقراطية إنمائية من خلال آليات قادرة على التخطيط والتنفيذ والرصد والتقييم على جميع المستويات.

4-تنشيط قدرات التخطيط للتنمية الأفريقية وإعادة بناء الخدمات العامة في المجالين الوظيفي والمهني وتعزيز المؤسسات الإقليمية والقارية.

5-العمل على تغيير المواقف والعقليات لتعزيز القيم الأفريقية من خلال الاعتماد على الذات والتضامن والعمل الجاد والجماعي، والبناء على النجاحات الإفريقية وأفضل الممارسات لتشكيل النموذج الإفريقي للتحول والتنمية.

يرى واضعو الأجندة أنها تختلف عن المبادرات السابقة، وهذا يرجع إلى: إشراك المواطن الأفريقي ومؤسسات المجتمع المدني والتجمعات الإقليمية والمؤسسات الأكاديمية، أي إتباع أسلوب من أسفل إلى أعلى، فقد كانت هناك مشاورات مكثفة مع المواطنين الأفريقيين قبل وضع الأجندة؛ وهذا ما يعزز أهداف وخطوات تنفيذ المبادرة ومخرجاتها، وتعزيز وضع أجندة أفريقية للتحول الاجتماعي-الاقتصادي، فهذا العمل ليس عمل البيروقراطيين، بل أجندة مدفوعة بأصوات الشعوب الأفريقية التي تعكس إلى أفريقيا التي يريدونها.

وهناك مجموعة من العوامل لنجاح التنفيذ الفعال لهذه الأجندة ولعل من أبرزها ما يلي:

1- الالتزام السياسي من قبل قيادات الدول الإفريقية، والتخطيط الاستراتيجي الفعال لضمان التنسيق بين الخطط الوطنية والإقليمية والقارية وذلك على المدى الزمني القصير والمتوسط والطويل.

 2-تحقيق أهداف التنمية المستدامة في دول القارة.

 3-تطوير القدرة التنموية للدول وتقوية الجهاز الإداري والمؤسسات القائمة في الدولة، وتضمين مشاركة المواطنين في إطار هذه الأجندة مع التركيز على تمكين المرأة والشباب.

 4-تطبيق الإصلاحات العميقة والفعَّالة التي تشمل فض النزاعات، تخفيض الديون المتراكمة على دول القارة، تأسيس بِنَى تحتية قوية لتحقيق التنمية، إزالة خطر المجاعات التي تضرب القارة، تمكين الشباب من أجل تكوين قيادة مستقبلية واعية للقارة الإفريقية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى