تقاريردرايةصحة

ظاهرة الانتحار: أبرز المؤشرات العالمية واستراتيجية المواجهة

 

يُعد الانتحار آفة عالمية تُهدد الصحة العامة وتُخلف عواقب وخيمة على مختلف المستويات، الاجتماعية والاقتصادية والنفسية. وبات يشكل هاجسا مخيفا خاصة مع ازدياد معدلاته بين فئة الشباب، الذين يُمثلون قوام المجتمع وركيزة نهضته. فقد أصبح الانتحار السبب الرابع للوفاة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا، مما يُنذر بمستقبل غامض ومُهدد لازدهار الدول.

وتُشكل معدلات الوفيات المرتفعة الناتجة عن الانتحار عائقا أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، وتحديدًا الهدف الثالث الذي ينص على “خفض الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير المعدية بمقدار الثلث من خلال الوقاية والعلاج وتعزيز الصحة والسلامة العقليتين بحلول عام 2030”.

ونظرا لارتفاع معدلات الانتحار فى العالم بشكل غير مسبوق خاصة بعد  تفشى جائحة كورونا وما أعقبها من ضغوط اجتماعية واقتصادية، حرصت دول العالم على وضع خطة طموحة تستهدف خفض معدلات الانتحار العالمية بمقدار الثلث بحلول عام 2030 وإدراج ذلك ضمن مقاصد وأهداف خطط التنمية المستدامة .

وفى هذا الإطار، تتناول هذه الورقة البحثية ظاهرة الانتحار بشكل تفصيلى يعرض واقع المشكلة ومؤشرات الانتحار عالميا وجهود المؤسسات الدولية المعنية والدولة المصرية للقضاء على هذه الظاهرة فضلا عن تقديم عدد من التوصيات التى قد تسهم فى تغيير استراتيجيات التعامل مع ظاهرة الانتحار ومن ثم القضاء عليها من خلال عدد من المحاور وهى :

أولا : تعريف الانتحار وأنواعه

ثانيا : الفئات المعرضة لخطر الانتحار والطرق المستخدمة

ثالثا : مؤشرات ومعدلات الانتحار عالميا

رابعا : ظاهرة الانتحار فى مصر

خامسا : جهود الدولة المصرية للحد من حالات الانتحار

سادسا : التوصيات

أولا : تعريف الانتحار وأنواعه

يمكن تعريف الانتحار اصطلاحا بأنه قتـل الـنفس وهو يعنى قیـام الإنسـان بقتـل نفسـه بـوعي أو بـدون وعـي، أو الفعـل الـذي یتضـمن تسـبب الشـخص عمـداً فـي موت نفسه، بينما تعرف منظمة الصحة العالمية الانتحار بأنه فعل قتل المرء نفسه عمداً.

وغالبا ما ترتكب جريمة الانتحار بسبب اليأس أو لعدم القدرة على حل مشكلة تواجه الشخص فى حياته اليومية  أو اضـــطراب نفســي مثــل الاكتئــاب أو الهـــوس الاكتئـابي أو فصـام الشخصـیة أو إدمـان الكحـول أو تعـاطي المخـدرات.

 والانتحـار شـائع عنـد الرجال أكثر من النساء وغالباً ما تلعب عوامل الإجهاد مثـل الصـعوبات المالیـة أو المشـكلات فـي العلاقـات الاجتماعیـة دوراً فـي زیـادة نسـبة الانتحـار .

وفيما يتعلق بأنواع الانتحار فيوجد العديد من التصنيفات كان أهمها تصنيف العالم الفرنسي “إميل دوركهايم” حيث حصر فيه هذه الظاهرة في أربعة أنواع رئيسية وي على النحو التالي: 

1- الانتحار الأنانى :

 ينجم هذا النوع من الانتحار عن شعور الفرد بالانفصال عن المجتمع، ووجود مشـاكل خاصـة مثـل الانفصـال عـن حبیب أو موت شخص عزیز إلخ. فغالبا ما يعاني ضحايا هذا النوع من الانتحار من مشاعر الوحدة والعزلة وفقدان الهدف في الحياة.

2- الانتحار لإرضاء الغير:

وهو انتحار المرضى والأرامل والإرهابيين وغيرهم.

3- الانتحار بسبب انعدام السلطة فى المجتمع والدولة :

وذلك بسـبب الازمـــات المالیــــة والاقتصــــادیة والحـــروب التــــي تحـــدث شــــرخاً فـــي النظـــام الاجتمــــاعي.

4- الانتحار القدرى : 

وهـذا النـوع مـن الانتحـار يحدث بسـبب القمـع المفـــرط وانعـــدام الأمـــل بالمســــتقبل مثـــل الانتحــــار الجمـــاعي لـــبعض القبائـــل والمجموعــــات.

ثانيا: الفئات المعرضة لخطر الانتحار والطرق المستخدمة

تؤكد منظمة الصحة العالمية أن هناك ارتباطا وثيقا بين الإقدام على الانتحار والاضطرابات النفسية خاصة فى الدول التى تتمتع بالدخول المرتفعة لاسيما بين مدمنى الكحول ، إلا أنه قد يلجأ الأشخاص حال تعرضهم لبعض الأزمات خاصة المادية والاجتماعية كالتعرض للطلاق والآلام والأمراض المزمنة إلى التخلص من حياتهم .

كما أوضحت المنظمة الدولية أن هناك ثمة صلة قوية بين النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو فقد الأحبة والشعور بالعزلة بالسلوك الانتحاري ، وترتفع معدلات الانتحار كذلك بين الفئات الضعيفة التي تعاني من التمييز مثل اللاجئين والمهاجرين؛ والشعوب الأصلية؛ والسجناء إلا أنه أقوى عامل يزيد من احتمال الانتحار هو الإقدام على محاولة انتحار من قبل.

أكدت منظمة الصحة الدولية أه  نحو 20% من حالات الانتحار العالمية يعود سببها الى حالات التسمم بالمبيدات، ومعظمها يقع في المناطق الزراعية الريفية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل فضلا عن أساليب الانتحار الأخرى الشائعة كالشنق أو بإطلاق الأعيرة النارية.

ويعد الوصم والتمييز من أبرز العقبات التى تؤدى الى زيادة معدلات الانتحار إذ أن الأشخاص الذين يخططون للاقدام على الانتحار ولديهم مشكلات حقيقية لن يلجأوا إلى طلب المساعدة – خاصة فى المجتمعات التى ترى الإصابة بالأمراض النفسية نوعا من الوصم – وهو ما دعى منظمة الصحة العالمية إلى دعوة الحكومات والمؤسسات المعنية إلى اتباع دليل  “عش الحياة : دليل للتنفيذ من أجل الوقاية من الانتحار في البلدان “، والذى يستهدف الوقاية من الانتحار، بالتدخلات التالية التي ثبتت فعاليتها استنادا إلى الأدلة:

1- تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار (مثل مبيدات الآفات، والأسلحة النارية، وبعض الأدوية).

2- التواصل مع وسائل الإعلام لعرض مواد إعلامية مسؤولة بشأن الانتحار.

3- تعزيز مهارات الحياة الاجتماعية والعاطفية لدى المراهقين

4- التعرف مبكرا على الأفراد الذين يظهرون سلوكيات انتحارية وتقييم حالتهم وإدارتها ومتابعتها

وقد أكدت منظمة الصحة العالمية أنه يتعين أن تقترن هذه التدخلات بالركائز الأساسية التالية: تحليل الوضع، والتعاون بين القطاعات المتعددة، وإذكاء الوعي، وبناء القدرات، والتمويل،  والرقابة والرصد والتقييم، مشيرة إلى أن  جهود الوقاية من الانتحار تتطلب التنسيق والتعاون بين قطاعات متعددة من المجتمع، ومنها القطاع الصحي والقطاعات الأخرى مثل التعليم والعمل والزراعة وقطاع الأعمال، والعدل، والقانون، والدفاع، والسياسة، والإعلام.

ثالثا : مؤشرات ومعدلات الانتحار العالمية

يُواجه جمع بيانات دقيقة حول معدلات الانتحار على مستوى العالم تحدياتٍ جمة، وذلك لعدة أسباب: أبرزها الوصم والتمييز حيث يُقدم بعض الأفراد إلى إخفاء حالات الانتحار أو عدم الإبلاغ عنها خوفاً من اللوم أو التمييز، إلى جانب صعوبة رصد محاولات الانتحار مما يؤدي إلى نقص في البيانات حول معدلاتها الحقيقية.

وعلى الرغم من هذه التحديات، تُقدّم منظمة الصحة العالمية (WHO) أرقاماً تُشير إلى حجم مشكلة الانتحار على مستوى العالم، حيث تتفاوت النسب بين البلدان والأقاليم، كما تتفاوت بين الذكور والإناث.

وتُظهر بعض أبرز إحصائيات المنظمة ما يلي:

1- يُقدّر عدد الأشخاص الذين يموتون سنوياً بسبب الانتحار بـ 703 ألف شخص. بيد أن أرقام حالات محاولات الانتحار أكبر من ذلك بكثير.

2- أكثر من 79% من حالات الانتحار العالمية في عام 2019 حدثت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

3- جاء الانتحار في المرتبة الرابعة من الأسباب المؤدية للوفاة في فئة الشباب بين عمر 15 إلى 29 عاماً، بعد حوادث الطرق والسل والعنف بين الأشخاص.

4- 80 دولة فقط لديها بيانات جيدة عن تسجيل الأحوال المدنية يمكن استخدامها مباشرة لتقدير معدلات الانتحار.

5- عدد الذكور الذين يلقون حتفهم بسبب الانتحار يزيد بأكثر من مرتين عن عدد الإناث

(12.6 من كل 000 100 ذكرٍ مقارنةً بـ 5.4 من كل 000 100 أنثى).

6- تعدّ معدلات الانتحار بين الرجال أعلى عموماً في البلدان ذات الدخل المرتفع (16.5 من كل 000 100)

7- بالنسبة للإناث، فتُسجّل أعلى معدلات الانتحار في بلدان الشريحة الأدنى من الدخل المتوسط

(7.1 من كل 0000 100).

8- وجاءت معدلات الانتحار في أقاليم المنظمة لأفريقيا (11.2 لكل 000 100) وأوروبا (10.5 لكل 000 100) وجنوب شرق آسيا (10.2 لكل 000 100) أعلى من المتوسط العالمي (9 لكل 000 100) في عام 2019، فيما سُجل أدنى معدل للانتحار في إقليم شرق المتوسط (6.4 لكل 000 100).

9- سجّلت معدلات الانتحار انخفاضاً خلال العشرين سنة من عام 2000 إلى عام 2019، حيث تراجع معدلها العالمي بنسبة 36% وتراوحت نسبة الانخفاض من 17% في إقليم شرق المتوسط إلى 47% في إقليم أوروبا و 49% في إقليم غرب المحيط الهادئ ، غير أن معدلات الانتحار سجلت ارتفاعاً بنسبة 17% خلال الفترة نفسها في إقليم الأمريكتين.

10- التسمم بمبيدات الآفات يسبب 20% من جميع حالات الانتحار

11 – بالنسبة لبعض بلدان الجنوب الأفريقي وأوروبا الشرقية، فإن معدلات الانتحار المقدرة مرتفعة، حيث تتجاوز الوفيات السنوية 15 لكل 100 ألف شخص.

وفي الوقت نفسه، بالنسبة لبلدان أخرى في أوروبا وأمريكا الجنوبية وآسيا، فإن معدلات الانتحار المقدرة أقل، حيث تقل الوفيات السنوية عن 10 لكل 100 ألف شخص.

 

12- سجلت بعض الدول الكبرى أرقاما قياسية فى معدلات الانتحار وكان فى مقدمتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والبرازيل وكوريا الجنوبية وخاصة فى الفئة العمرية من 25:34 عاما

المصدر : منظمة الصحة العالمية

المصدر : منظمة الصحة العالمية

13- أوضحت منظمة الصحة العالمية أن الدول الأعلى فى معدلات الإنتحار فى العالم فى عام 2019 كانت الهند والصين والولايات المتحدة الأمريكية وباكستان ونيجيريا والبرازيل وبنجلاديش وروسيا والمكسيك.

المصدر : منظمة الصحة العالمية

14- أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن الدولة الوحيدة في أوروبا الغربية التي لديها معدل انتحار مرتفع بشكل استثنائي هي بلجيكا، التي تحتل المرتبة الحادية عشرة بمعدل 18.3 حالة انتحار لكل 100 ألف. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن بلجيكا لديها بعض القوانين الأكثر ليبرالية في العالم بشأن الانتحار بمساعدة الأطباء، والمعروف أيضًا باسم القتل الرحيم، والذي من المرجح أن يكون عاملاً في إحصاءاتها.

15- أكدت منظمة الصحة أنه ربما من المفاجئ أن العديد من الدول الأكثر اضطرابًا في العالم لديها معدلات انتحار منخفضة نسبيًا ، أفغانستان لديها 4.1 حالة انتحار لكل 100 ألف؛ العراق لديه 3.6، وسوريا 2.0 فقط. ليس من الواضح ما إذا كانت إحصائيات الانتحار في هذه البلدان تعكس حالات الانتحار المرتكبة بسبب مشاكل الصحة العقلية والأمراض المزمنة (التي تعد الأسباب الرئيسية للانتحار في معظم أنحاء العالم) أو تشمل حالات الانتحار المرتكبة كجزء من الصراعات المستمرة في هذه البلدان.

16- بحسب بيانات المنظمة الدولية فان الأردن وسوريا وفنزويلا وهندوراس والفلبين من أقل الدول فى أعداد المنتحرين.

على صعيد آخر أوضحت مؤشرات الرابطة الدولية لمنع الإنتحار ما يلى :

1- أكثر من نصف (58٪) من جميع الوفيات بسبب الانتحار تحدث قبل سن 50 عامًا.

2- محاولات الانتحار السابقة تعد أقوى عامل للوفاة بالانتحار.

3- يحدث الانتحار في جميع مناطق العالم، ومع ذلك، فإن أكثر من ثلاثة أرباع (77٪) حالات الانتحار العالمية في عام 2019 حدثت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

المصدر : الرابطة الدولية لمنع الإنتحار

4- ما يقرب من خمس (20٪) جميع حالات الانتحار هي نتيجة لتناول مبيدات الآفات، وخاصة في البيئات الزراعية الريفية ، كما يعد الشنق والأسلحة النارية من الطرق الشائعة للانتحار.

5- في حين أن المعدل العالمي للانتحار يظهر علامات الانخفاض ، فإن هذا ليس هو الحال في جميع البلدان وقد يكون مؤشرا على زيادة المراقبة أو الوصول إلى البيانات.

6- لا يزال الانتحار غير قانوني في أكثر من 20 دولة، في حين قد تتم معاقبة الأشخاص الذين ينخرطون في سلوك انتحاري في بعض البلدان ، بما في ذلك عقوبات قانونية تتراوح بين غرامة صغيرة أو عقوبة سجن قصيرة إلى السجن مدى الحياة.

المصدر : الرابطة الدولية لمنع الإنتحار

– وفى إحصاء أخير لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها‏ CDC، وهي مؤسَسة أمريكية رائدة في مجال الصحة العامة، تبين وجود ارتفاع غير مسبوق فى أعداد المنتحرين بالولايات المتحدة الأمريكية فى 2022 ، حيث أوضح المركز أن عدد الوفيات فى 2022 ازداد بشكل كبير مقارنة بعام 2021 حيث توفي 48,183 شخصًا بسبب الانتحار في عام 2021، و 49,449 في عام 2022، بزيادة قدرها 2.6%.

المصدر : مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC

رابعا: الانتحار فى مصر

تتميز الشخصية المصرية عبر تاريخها الطويل بالتدين، مما يلعب دورًا هامًا في تشكيل موقفها من الانتحار. ففي ظل الإيمان بالقضاء والقدر، غالباً ما يُنظر إلى الانتحار كرفضٍ للإرادة الإلهية، وبالتالي يُعدّ حلاً غير مقبولٍ لمواجهة المشكلات. وتُفضل الشخصية المصرية عادةً اتباع أساليب أخرى للتعامل مع الشدائد، تشمل التسليم بالقدر، والصبر على المكاره، والتكيف والمقاومة وأحيانا أخرى التحايل على الظروف الصعبة وتجاوز التحديات.

وفى دراسة أجراها المركز القومى للبحوث الإجتماعية والجنائية أوضحت أن أسباب الانتحار فى مصر كانت كالتالى :

  • الأسباب الاجتماعية : وتشمل الخلافات الأسرية، والضغوط الأسرية بعد الطلاق، والمعاملة السيئة من الأسرة، وخيانة الزوج، والعنف الزوجى والاعتداء على الزوجة بالضرب، ورفض تطليق الزوجة، والخلافات الزوجية، والتورط فى علاقة غير مشروعة، والتعرض للاغتصاب ونتج عنه حمل، ووجود علاقة عاطفية ورفض الأسرة زواج الفتاة، والفشل فى خطبة فتاة، وفسخ الخطبة.
  • الأسباب المرضية النفسية الحادة : وتشمل الإصابة بالإكتئاب، والشعور بالفقد بعد موت أحد الأصدقاء، والشعور بالفقد بعد وفاة الأب، والحزن الشديد بعد موت الأم.
  • الصعوبات التعليمية: والتى تتسبب فى شعور الأفراد بالفشل والاحباط وتعرضهم للتنمر ومشاكل نفسية أخرى تزيد من خطر الاقدام على الانتحار.
  • الأسباب الاقتصادية : وتشمل البطالة، والمرور بضائقة مالية، وتراكم الديون.
  • أسباب مركبة (اجتماعية واقتصادية وتعليمية) : وتشمل اليأس من الشفاء من مرض السرطان وارتفاع تكلفة العلاج، وخلافات زوجية وضائقة مالية، البطالة وفسخ الخطبة، وترك المدرسة، الرسوب فى الثانوية وتفضيل الأب للأخوة الآخرين.

أوضحت الدراسة أن بعض حالات الإنتحار كانت لأسباب مجهولة وغير معلومة مع ملاحظة أن بعض أسباب الانتحار تبدو بسيطة مثل الفشل فى الدراسة أو علاقة عاطفية، إلا أن السبب الحقيقى يكمن فى عدم الرضا عن الواقع الذى يعيشه الإنسان نتيجة تراكم الضغوط النفسية متعددة الأشكال، والحقيقة أن القاسم المشترك بين غالبية حالات الانتحار هو الشعور باليأس وفقدان الأمل.

أشارت الدراسة أيضا الى أن الأرقام غير الرسمية – والتى لا يمكن التعويل عليها – تؤكد ارتفاع معدلات الانتحار فى مصر خلال السنوات القليلة الماضية بينما لا توجد إحصاءات رسمية  معلنة عن الانتحار بمصر وهو ما يفسر محدودية تسجيل نسبة حالات الانتحار كما أنه وفقاً للثقافة الشائعة وصمة لأسرة المنتحر وتعمل الأسرة دائما على نفيها والتنصل منها.

– كذلك تجدر الإشارة الى أنه طبقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد بلغت أعداد المنتحرين في عام 2018، 89 شخصا، 66 من الذكور، و23 من الإناث، بينما قلت أعداد المنتحرين في عام 2019، حيث شهدت مصر 75 حالة انتحار مثبتة، 54 منها للرجال، و21 حالة انتحار من السيدات ،وقفزت أعداد المنتحرين في عام 2020 لتصبح 101 حالة انتحار، منهم 74 رجلا قرر إنهاء حياته، مقابل انتحار 27 سيدة ، فيما
أوضحت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أنه وعلى مدار السنوات الثلاث، كانت أكثر الفئات العمرية انتحارا هم الشباب، خاصة من هم في العقد الثاني والثالث من حياتهم.

– كذلك أظهرت بيانات دراسة أعدتها أمانة الصحة النفسية وعلاج الإدمان بوزارة الصحة ، أن نسبة 29.2% من طلاب المرحلة الثانوية يعانون من مشكلات نفسية، و 21.7% منهم يفكرون بالانتحار، فيما شهدت مصر 2584 حالة انتحار خلال عام 2021، وفقًا لإحصائية صادرة عن مكتب النائب العام

خامسا : جهود الدولة المصرية للحد من حالات الإنتحار

وضعت الدولة المصرية جودة حياة المصريين فى مقدمة أولوياتها ولذلك عمدت إلى إطلاق العديد من الحملات والمبادرات بهدف الحد من ارتفاع معدلات الإنتحار كان أهمها ما يلى :

1- أطلق الأزهر الشريف مبادرة “انت غال علينا” والتى تهدف إلى تقديم الدعم لنفسى للشباب ومساعدتهم على حل المشكلات ومواجهة التحديات التى تجعلهم يفكرون فى التخلص من حياتهم

2- إنشاء أول عيادة حكومية يتم فتحها لمواجهة مشكلة الإنتحار.

3- تدشين خط ساخن للتواصل مع المتخصصين للحصول على المساعدة أو المشورة حال التعرض إلى مشكلات وتحديات تؤدى الى أن يقدم الشخص على التخلص من حياته.

4- الإعلان عن الخط الساخن للدعم النفسى والطوارىء والإستشارات النفسية للأمانة العامة للصحة النفسية بوزراة الصحة والسكان لتلقى الإستفسارات والدعم النفسى ومساندة الراغبين فى الانتحار وهو رقم 08008880700 من أى خط أرضى.

  • دشن المجلس القومي للصحة النفسية خطا ساخنا لتلقي الاستفسارات النفسية وهو رقم 20818102 .
  • أطلق مركز الأزهر للفتاوى الإلكترونية عددًا من الحملات الإلكترونية التوعوية على صفحاته الرسمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتحذير من ظاهرة الانتحار، وتنمية الوازع الديني لدى الشباب والنشء، والتحذير من الألعاب الإلكترونية التي تؤدي للانتحار مثل الحوت الأزرق وغيرها من الألعاب المدمرة.

سادسا : التوصيات

بالطبع يمكن بذل المزيد من الجهود من أجل مواجهة ظاهرة الإنتحار فى مصر والتى يمكن إجمالها فى الآتى :

1- وضع استراتيجية قومية على مستوى مؤسسات الدولة المعنية لمواجهة الإنتحار.

2- تدشين حملة قومية من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعى حول خطورة الانتحار.

3- التوسع فى إنشاء المؤسسات العلاجية خاصة تلك المعنية بالتدخل النفسى والاجتماعى بهدف تحسين الصحة العقلية.

4- زيادة البرامج العلاجية الخاصة بالاضطرابات الشخصية والأمراض النفسية.

5- زيادة التوعية بطبيعة الأمراض النفسية وخطورتها على صحة الأفراد وخطورة الوصمة الإجتماعية التى قد تكون عائقا أمام المريض لطلب المساعدة والعلاج.

6- توفير قاعدة بيانات دقيقة ومفصلة حول أعداد المنتحرين ودوافعهم بهدف وضع الإجراءات اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة.

7- زيادة عدد البحوث الميدانية والعلمية التى تتناول ظاهرة الانتحار ودوافعها للوقوف على أسباب الظاهرة وعلاجها.

8- العمل على نشر ثقافة الأمل والتفاؤل خاصة من خلال الأعمال الدرامية، وتوجيه المؤسسات الدينية الى نشر ثقافة حب الحياة وتقبل الآخر مع تقوية الوازع الدينى لدى الشباب ورفع الوعى لديه بأن الانتحار يعد من الكبائر.

9-العمل على رفع الوعى لدى الأباء والأمهات بأهمية متابعة سلوك الأبناء وهو ما يتيح الاكتشاف المبكر لأى من علامات أو مؤشرات لجوء الإبن للانتحار.

المصادر :

1- محمد عبد المنعم ، العوامل الاجتماعية المؤدية للإنتحار ، دراسة وصفية تحليلية فى تفسير الإنتحار وأسبابه وسبل الوقاية والعلاج ، 2021

2- د.حنان أبو سكين (مدرس العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الإجتماعية والجنائية) ، حالات الانتحار فى مصر : قراءة فى مؤشر الخطر ، 2018

3- الموقع الرسمى لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها

https://www.cdc.gov/suicide/suicide-data-statistics.html

4- الموقع الرسمى للرابطة الدولية لمنع الإنتحار

https://www.iasp.info/wspd/references/

5-الموقع الرسمى للأزهر الشريف

6-الموقع الرسمى لمنظمة الأمم المتحدة

7- الموقع الرسمى لمنظمة الصحة العالمية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى