العمل عن بعد .. المفهوم ..المتطلبات..التوصيات
أحدثت جائحة كورونا تغيرات دولية جذرية في قيم المجتمعات وأفكارها، وتوجهات الحكومات والشركات؛ والتي كان من أبرزها ظهور العمل عن بُعد أو “العمل من المنزل” كبديل جديد لفكرة العمل التقليدي من مقرات المكاتب والشركات والهيئات الحكومية.
لقد فرضت جائحة كورونا واقعًا جديدًا على العالم تغيرت معه الرؤى حول طرق وأساليب العمل، ورغم أن فكرة العمل عن بُعد لم تكن جديدة وعرفتها الدول بشكلٍ محدود منذ سبعينيات القرن الماضي؛ إلا أنها أصبحت وقت انتشار جائحة كورونا الخيار المثالي في مواجهة الانهيار الاقتصادي المتوقع، نتيجة الإغلاق العام والكُلي الذي شهدته كافة دول العالم .
والحقيقة، أنه منذ انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتَغْيّر طبيعة النشاط الاقتصادي وإحلال الأجهزة وبعض التطبيقات الالكترونية كبديل لكثير من الوظائف التقليدية؛ أصبحت صورة العمل التقليدي محل نقاش، خاصة من خلال نتائج الأبحاث والتقديرات التي أشارت إلى ارتفاع إنتاجية الموظفين الذين يمارسون عملهم من المنزل، مقابل أقرانهم ممن يمارسون العمل المكتبي التقليدي. وبرز العمل عن بُعد كخيار هام يعيد التوازن إلى حياة الموظف الشخصية ويجعله أكثر احتكاكًا بأفراد أسرته.
أما على صعيد البُعد الإنساني والاجتماع؛ فقد كانت المرأة أبرز المستفيدين من خيار العمل عن بُعد وقت الجائحة، والتي حصلت على وقت أكبر لقضائها مع أسرتها ومراعاة احتياجات الأبناء مع الحصول على نفس مخرجات العمل – إن لم يكن أفضل – في حال ذهابها إلى العمل المكتبي يوميًا.
وانطلاقًا من أهمية مناقشة فكرة العمل عن بُعد كونها تمثل جزءًا كبيرًا من مستقبل العمل في العالم؛ يصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية ”دراية” ، هذه الورقة البحثية التي تتناول بشكل تفصيلي مفهوم العمل عن بُعد، ومزاياه وسلبياته ومجالاته وشروطه ومتطلباته وواقعه في مصر والعالم.
هذا ويمكن استخلاص عدد من التوصيات التي يمكن من خلالها بذل المزيد من الجهود من أجل التوسع في استخدام تقنيات العمل عن بُعد، والتي يمكن إجمالها في الآتي :
1- العمل على إعادة صياغة التخصصات المطلوبة التي يمكن من خلالها نقل أعداد الكثيرين من خريجي التخصصات -التي لا وظائف لها- إلى أعضاء فاعلة في تطبيقات العمل عن بُعد .
2- ضرورة إعداد دورات تأهيلية وتدريبية قبل وبعد الالتحاق بالعمل عن بُعد، حتى تتوافق العمالة الجيدة والمهارات التي تستطيع استخدام تقنيات العمل عن بُعد، وتطويعها للقيام بعملها من المنزل أو من أي مكان آخر.
3- مساعدة الدول كافة على زيادة التعبئة المالية اللازمة لإعداد البنية الأساسية والتحتية التي تضم شبكات المعلومات والإنترنت، والتي تمكّن العاملين عن بُعد من ممارسة عملهم بسهولة ويسر .
4- العمل من خلال الوزارة والهيئات المعنية على تحويل الهيكل التنظيمي البيروقراطي إلى هيكل أكثر مرونة يساعد على تمكين العاملين وإعطائهم حرية اتخاذ القرارات بشكل سريع وفاعل.
5- التوسع في تدريب وتأهيل القوى العاملة على تقنيات العمل عن بُعد، من خلال دورات قصيرة وطويلة الأمد تمكّنهم من التعامل مع أحدث المستجدات والتقنيات المتطورة في هذا المجال.
6- العمل على رفع الوعي لدى شباب الخريجين بأهمية العمل عن بُعد ودوره في خفض معدلات البطالة، خاصة من خلال وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي.
7- العمل على وضع تشريعات منظمة لخيارات العمل عن بُعد ومساواة العاملين عن بُعد بأقرانهم الذين يؤدون العمل في مواقع العمل التقليدية، مع ضرورة طرح صيغ لعقود العمل عن بُعد تساوي في المزايا عقود العمل النظامي.
8- زيادة التعاون بين الدولة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني فيما يتعلق بتبني سياسات تُحفّز العمل عن بُعد، سواءً على مستوى الأفراد أو جهات العمل أو المدراء أو المجتمع ككل.
9- زيادة برامج التدريب للعاملين عن بُعد المعنية بالمهارات الشخصية والجوانب السلوكية اللازمة لتبني أسلوب العمل عن بُعد، مثل اليقظة وكيفية إدارة الوقت ووضع الحدود بين العمل والحياة الشخصية .
10- توفير كافة الضمانات الاجتماعية والقانونية واستخدام العقود المكتوبة في حالة العمل عن بُعد، مع زيادة توعية العاملين من المنزل بحقوقهم.
11- التوسع في إنشاء رابطات العمال في المنزل، وأصحاب العمل وكذلك النقابات العمالية للعاملين عن بُعد ومنظمات أصحاب العمل الخاصة بهم.
……………………………………………………………..
المحور الأول: مفهوم العمل عن بُعد وشروطه:
تُعَرّف اتفاقية منظمة العمل الدولية، العمل من المنزل، على أنه “العمل الذي يؤديه شخص في منزله أو منزلها أو في أماكن أخرى يختارها أو تختارها، خلاف مكان صاحب العمل، مقابل أجر، ويؤدي إلى ناتج أو خدمة وفقًا لصاحب العمل بصرف النظر عن الجهة التي توفر المعدات أو المواد أو المدخلات الأخرى المستخدمة“، (الاتفاقية رقم 177 / المادة 1) ولا يشمل هذا التعريف الأشخاص الذين يتمتعون “بالدرجة اللازمة للاستقلالية والاستقلال الاقتصادي لاعتبارهم عمالاً مستقلين بمقتضى القوانين أو اللوائح الوطنية أو أحكام المحاكم”. علاوة على ذلك، فإن أولئك الذين يؤدون عملهم عرضيًا -كعمال في المنزل بدلاً عن أدائه في أماكن عملهم المعتادة- لا يُعتبرون عمالاً في المنزل في مفهوم هذه الاتفاقية.
والحقيقة أن الاهتمام بالعمل عن بُعد بدأ منذ سبعينيات القرن العشرين، عندما استخدم للإشارة إلى العمل من مسافات بعيدة عن المكتب أو مقر العمل. ويعد Niles 1975 هو أول من استخدم مصطلح العمل عن بُعد ” Tele communicating “، ليشير إلى العمل بعيدًا عن المكتب والتواصل مع العاملين فيه عبر الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو عن طريق الحاسب الشخصي.
فيما اختلفت الأدبيات حول مُسمّيات العمل عن بُعد من ناحية، وتعريفاته من ناحية أخرى؛ فالبعض يسميه العملTeleworking أو العمل من خلال شبكات الاتصالات، كذلك Networking أو العمل من مسافات بعيدة ، وWorking – a- distance or Remoting working or Work at home or Home working or Flexible working، وجميعها مصطلحات تشير إلى العمل عن بُعد ولكن بشكل تبادلي.
والحقيقة أنه من الصعب حصر المجالات والأنشطة التي يمكن القيام بها عن بُعد، لكن هناك صفات تميز الأعمال التي يمكن تنفيذها عن بُعد وهي:
– يمكن تنفيذها عبر أجهزة المعلومات والاتصالات.
– يغلب عليها الطابع الفكري وخاصة معالجة النصوص والمعلومات.
– أعمال محددة ومعروفة وأمكن تنفيذها من قبل.
– يمكن قياس الإنتاجية بسهولة.
– لا تحتاج في الغالب إلى إشراف متواصل.
المحور الثاني: مزايا وسلبيات العمل عن بُعد:
أ- المزايا: يمكن النظر إلى مزايا وسلبيات العمل عن بُعد، من خلال ثلاثة أبعاد: (الأول؛ يتعلق بالأفراد أو الموظفون، والثاني يتعلق بالمنشآت وجهات العمل، والثالث يتعلق بالمجتمع ككل).
أولاً: مزايا العمل عن بُعد للموظفين :
– التحكم في الوقت والمرونة وجدولة الأنشطة، وحرية إدارة الوقت ما بين احتياجات الموظف والعائلة.
– تجنب الروتين اليومي وضغوط العمل الناجمة عن صعوبات الانتقال من وإلى العمل أو تكاليف السفر لمقر العمل.
– العمل دون إملاءات أو أوامر من المدراء مع الابتعاد عن البنية الهرمية في العمل التقليدي.
– تخفيض المصروفات التي يتطلبها العمل التقليدي عادة كملابس العمل وتوفير مربية للأبناء.
– تجنب الإرهاق الذي تسببه ساعات العمل الطويلة والساعات المنقضية في التنقل.
– التوازن الأفضل بين العمل والحياة والوقت؛ فعدم التزام الموظف بدوام محدد يعطي الكثير من المرونة للموظف في التوفيق بين جوانب حياته المختلفة.
– زيادة ثقة الموظف بنفسه لعدم وجود مراقبة مباشرة ومستمرة على الموظف، كما أن اتخاذه بعض القرارات وحده تزيد من ثقته بنفسه.
– عدم احتكاك الموظف بشكل مستمر مع زملاء العمل يساعد على تقليل المشاكل التي تحدث في الوظائف التقليدية (الصراع التنظيمي).
– الاستقلالية التي تُوَلّد الإبداع والابتكار من ناحية، والاستقلالية في إدارة العمل وتنظيمه من ناحية أخرى.
– الترابط الأسري؛ حيث يزيد العمل من المنزل الوقت المخصص للأسرة.
– تأسيس معرض خاص بالعامل، حيث يتيح العمل عن بُعد للعاملين إنشاء معرض خاص للأعمال التي قاموا بأدائها من قبل؛ مما يسهم في الحصول على سيرة ذاتية مميزة تسهم في إيجاد وظيفة دائمة في المستقبل.
– يتمتع العاملون عن بُعد بحرية أكثر في اختيار الأعمال التي يقومون بتنفيذها، واختيار الأشخاص الذين يعملون معهم بدون التقيّد بأشخاص محددين .
– الحرية في الاختيار وعدم التقيد بطرف واحد؛ ففي العمل التقليدي يتقيّد الموظف بشركة معينة، لكن في حالة العمل عن بُعد يمكن أن يتعاقد العامل مع أكثر من شركة .
المصدر : بلومبرج (استطلاع رأي أُجري في مايو وشمل 1378 مواطنًا أمريكيًا)
وتجدر الإشارة إلى أنه وفقًا لايجابيات العمل عن بُعد بالنسبة للأفراد؛ فقد أبدى الكثيرون استعدادهم لاستقطاع جزءًا من رواتبهم مقابل البقاء في وظائفهم التي يمكن ممارستها من المنزل .
المصدر: بول فيتش
وكان الموظفون الأصغر سنًا، هم الأكثر ميلاً للعمل من المنزل مقارنة بأقرانهم من الموظفين الأكبر سنًا ..
المصدر : مسح ترتيبات واتجاهات العمل / العمل من المنزل
ثانيًا: مزايا العمل عن بُعد لجهات العمل:
– انخفاض الجهود والمصاريف الناجمة عن متابعة الموظفين لحضورهم وغيابهم.
– انخفاض الوقت الضائع في المكاتب التقليدية بين الاجتماعات والزيارات غير المثمرة، وتقديم التقارير عن العمل إلى المكتب المركزي.
– ارتفاع مستوى الجودة؛ لأن أغلب هذه الأعمال التي تُنَفّذ عن بُعد تتم من خلال وسائل تقنية يمكن مراجعتها وتحسينها ورفضها والتعديل عليها بأسهل وأقل التكاليف.
– الاستفادة من خبرات عديدة ومن قوة عمل جديدة ذات مهارات مرتفعة ومن مناطق مختلفة، سواء قريبة أو بعيدة بأقل التكاليف؛ حيث يتم تقديم الخدمة بدون الحضور والتواجد الجسدي، بالإضافة إلى الاستفادة من العمالة الأقل أجرًا أو الأكثر استعدادًا للعمل.
– تقليل نسبة الغياب والانقطاع عن العمل وما يترتب عليها من تأثيرات سلبية على حجم الإنتاج .
– يعد العمل عن بُعد خيارًا اقتصاديًا جيدًا؛ إذ يخفض استهلاك البنى التحتية، كتخفيض النفقات العامة للمنشأة؛ الناتجة عن انخفاض تكلفة استئجار المكاتب وتجهيزها ومصاريف الكهرباء وعقود الإيجار وغيرها .
– زيادة الإنتاجية وتحسينها نظرًا لتمتع العاملين عن بُعد بالحرية في اختيار الوقت والاستقلالية والمرونة.
– التقليل من دوران العمل والحفاظ على استمرارية الموظفين في العمل.
– تواجد الموظفين في مواقع قريبة من الفئات المستهدفة؛ أي في أماكن تواجد العملاء، وكذلك توفير خدمات للعملاء في غير أوقات العمل الرسمية .
ثالثًا: مزايا العمل عن بُعد للمجتمع ككل:
– تنمية الاقتصاد وزيادة فرص الاستثمار ومواجهة البطالة والحد من الفقر، وبالتالي منع حدوث اضطرابات العمال والاحتجاجات التي تَشِلّ الحركة الاقتصادية في بعض الدول بشكل كامل .
– تنشيط الأعمال الحرة المستقلة والصغيرة.
– إيجاد مجالات للعمل في المناطق المهمشة والمعزولة كالمناطق الريفية.
– حماية البيئة حيث يساعد التوجه نحو العمل عن بُعد في انخفاض التلوث البيئي وتوفير الطاقة.
– يساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والإقليمية للمناطق الريفية؛ مما يحد من الهجرة للمدن الرئيسية.
– يرسخ العمل عن بُعد لمفهوم التقييم وفقًا للإنتاجية؛ فحجم الإنتاجية وجودتها هو المعيار الذي سيحتكم إليه في تقييم الموظف وضمان بقائه في الوظيفة.
– يقدم فرصًا كبيرة للدول النامية لتدعيم موقفها التنافسي في الاقتصاد العالمي؛ حيث يسهم العمل عن بُعد في توليد فرص عمل جديدة.
– يساعد في خفض معدلات الهجرة من الريف إلى المدن .
– يتيح المزيد من اللامركزية في أداء الأنشطة والمهام.
– إشراك فئات المجتمع التي لا تتاح لهم فرص المشاركة الاقتصادية بشكل عادل، ويواجهون صعوبة في الانخراط في بيئة العمل التقليدية؛ نظرًا لظروفهم الصحية أو الاقتصادية أو الجغرافية مثل كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والسيدات.
ب- سلبيات العمل عن بُعد:
1-سلبيات العمل عن بُعد للأفراد:
– صعوبة عمل إجراءات السفر لخارج البلاد، أو فتح حساب بنكي خاص؛ بسبب عدم الانتساب إلى جهة عمل رسمية، وخصوصًا العمال عن بُعد في المنزل لحسابهم الخاص .
-القلق تجاه العائد المادي، والاستقرار الوظيفي؛ أي عدم ثبات العمل وبالتالي عدم ثبات الدخل.
– غياب سبل الحماية الاجتماعية، سواء تخص العائد أو إمكانية التسريح أو الطرد، أو تعويضات البطالة والتأمينات الاجتماعية.
– زيادة حجم التكاليف للفرد العامل عن بُعد؛ فضلاً عن خسارة المساندة التي كان يحصل عليها في العمل بالمقر الرئيس للشركة .
– إمكانية التعرض للمماطلة والتأخر في الحصول على المستحقات والأجور وعوائد العمل، وضعف تراكم رأس المال والعائد وثباته؛ وفي بعض الأحيان قد تمنح المرأة أجور ضعيفة تحت المستوى؛ خاصة للإناث العاملات من المنزل عن بُعد.
– العزلة الاجتماعية للعاملين عن بُعد، خصوصًا من هم في المراحل العمرية من (30:20) عامًا؛ حيث يكون العمل وسيلة مهمة لديهم للتواصل الاجتماعي.
– غياب الروح التنافسية بسبب عدم وجود تفاعل بشري؛ حيث يساعد العمل في المؤسسة على الحفاظ على الروح التنافسية أو تعزيز الإنتاجية.
– إهدار حقوق العمال عن بُعد، وذلك لغياب النقابات العمالية المدافعة عن حقوقهم.
– محدودية فرص التطوير الوظيفي للفرد العامل عن بُعد.
2- سلبيات العمل عن بُعد بالنسبة للشركات وجهات العمل:
– زيادة تكاليف وتبني وتنفيذ العمل عن بُعد واللازمة لإدارة هذا النظام وتشغيله، بالإضافة إلى تكاليف برامج تدريب العاملين عليه وصيانة المعدات وإحلالها.
– صعوبة الرقابة والتحكم والتوجيه الإداري للعامل عن بُعد.
-يؤثر نظام العمل عن بُعد على أمن وسرية وسلامة البيانات والمعلومات في تلك الشركات؛ نتيجة تداولها بين العاملين عن بُعد خارج مقار ومكاتب هذه الشركات.
– تقليل التفاعل الفوري العاجل للعاملين في مكان العمل عن بُعد، ومن ثم تفقد الشركات روح العمل الجماعي وروح الفريق؛ أي ظهور مشاكل في الإشراف والرقابة والتحكم والتوجيه الإداري للعاملين عن بُعد.
3- سلبيات العمل عن بُعد بالنسبة للمجتمع ككل :
– فتح المنافسة للعمالة الخارجية أمام العمالة المحلية؛ مما يزيد من صعوبة الحصول على وظائف أمام المواطنين المحليين .
– النظرة المجتمعية الدونية للعمل عن بُعد؛ حيث ينظر له البعض على أنه عمل إضافي مؤقت لا يمكن الاعتماد عليه في منح الاستقرار المالي والوظيفي.
– صعوبة معاملة المؤسسات التي تتبع أسلوب العمل عن بُعد ضريبيًا.
– يخفض العمل عن بُعد من الخدمات المباشرة للعميل.
– يمثل تحديًا لنقابات العمال؛ حيث يضعف العمل عن بُعد من نظم حماية التشغيل القائمة، ويعمل على إيجاد أشكال زائفة من الاستخدام الذاتي، كما يقلل من فرص الاتصال بين أعضاء الاتحاد والنقابة كما كان داخل جهات العمل التقليدية .
المحور الثالث: العمل عن بُعد وجائحة كورونا:
فرضت جائحة كورونا على العالم تغيرًا سريعًا وتحولاً إلى نظام العمل عن بُعد في أغلب مجالات الحياة، وبشكل خاص الأنظمة الإدارية والتعليمية، وقد تم تطبيق آلية العمل عن بُعد بنجاح كبير في 3 مجالات أساسية هي:
1- المجال الإداري: حيث أمكن تطبيق العمل عن بُعد في عقد اللقاءات وإجراء المشاورات بين الموظفين والمدراء في أغلب الشركات والجهات الحكومية، تم كذلك عقد اللجان من خلال تقنية الاجتماعات – زووم وغيرها من التطبيقات – بأقل تكلفة من حيث الوقت والجهد والمال .
2- المجال التعليمي: وهو النجاح الأكبر، حيث وفرت منصات التعليم الالكتروني في كل دول العالم، فرصًا تعليمية تكاد تكون متساوية مع سبل التعليم التقليدية، والتي تتطلب الحضور إلى المؤسسات التعليمية، كما أتاحت هذه التقنية مجالاً للاستفادة من الخبرات والكوادر الأكاديمية المتميزة في الجامعات الكبرى للتدريس ببعض المحافظات والمناطق النائية. كما مكنت تقنيات ومنصات التعليم الالكتروني الجامعات من عقد برامجها ودوراتها التعليمية والتدريبية عن بُعد بحضور أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب حسب طبيعة كل برنامج .
المصدر: المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية
– المجال المالي: يسهم العمل عن بُعد في توفير نفقات التشغيل والاستغناء عن العاملين في بعض الوظائف التي يمكن شغلها عن بُعد بتكلفة أقل؛ مما يعني توفير النفقات المالية وتوجيهها إلى مجالات أخرى.
وعلى الرغم من ذلك، فقد كان للجائحة تأثيرات سلبية كبيرة على سوق العمل؛ فوفقًا لتقرير مجلس الوزراء “اتجاهات وآفاق التشغيل محليًا وعالميًا”، فقد دفعت الجائحة 81 مليون شخص لترك العمل في جميع أنحاء العالم خلال عام 2020. كما أدت الجائحة أيضًا إلى تراجع متوسط ساعات العمل للعاملين بأجر بنحو 8.8% في عام 2020 مقارنة بالربع الرابع من عام 2019، أي ما يعادل 255 مليون وظيفة بدوام كامل، وهذا المعدل يعد أعلى بمقدار أربعة أمثال ما كان عليه الوضع خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2009.
بالإضافة إلى ذلك، فقد ارتفع معدل البطالة العالمي عام 2020 ليصل إلى 6.5%، مرتفعًا بنحو 1.1 نقطة مئوية مقارنة بعام 2019، وسجَّلت أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأوروبا وأمريكا الشمالية زيادات في معدّل البطالة بما لا يقل عن نقطتين مئويتين؛ وعليه فقد كان للجائحة تأثير كبير على سوق العمل العالمية؛ حيث أدت إلى تغيرات في اتجاهات وأنماط العمل.
أشار تقرير مجلس الوزراء إلى أنه وفقًا لمسح أجرته شركة جارتنر المتخصصة في إجراء الدراسات والاستطلاعات لمساعدة أصحاب الأعمال لإيجاد أفضل البدائل والحلول، فقد وجد أن:
– 48% من الموظفين يرغبون في العمل من المنزل على الأقل جزءًا من الوقت بعد انتهاء الجائحة، مقارنة بنحو 30% قبل حدوث الجائحة، بينما 32% من المنظمات تنوي تغيير العمل بدوام كامل إلى عمل مؤقت أو لمهمة محددة؛ توفيرًا للنفقات.
– 16% من المديرين وأصحاب العمل يعتمدون بشكل أكبر على الوسائل التكنولوجية في متابعة الموظفين.
لقد أعادت جائحة كورونا النظر، كذلك لأغلب العاملين حول العالم، حول كيفية الموازنة بين حياتهم الشخصية والمهنية وهو ما يتحقق بشكل كبير في العمل عن بُعد .
المصدر: تقرير القمة العالمية للحكومات 2023
ووفقًا لمسح أجرته منظمة العمل الدولية شمل 118 دولة تمثل 86% من إجمالي القوى العاملة في العالم؛ فإن 7.9% من القوى العاملة في العالم تعمل من المنزل بشكل دائم عقب انتهاء الجائحة.
على صعيد متصل، فقد أوضح تقرير مجلس الوزراء أنه على صعيد اتجاهات التشغيل، فهناك تسعة اتجاهات سادت خلال عام 2023 بحسب شركة جارتنر وهي:
- تزايُد التوجهات نحو تبني نظام العمل الهجين (المكتبي – عن بُعد).
- تزايُد الضغوط على المديرين بسبب الضغوط المزدوجة للعمل عن بُعد وتطور احتياجات الموظفين.
- تزايُد أعداد الأشخاص الذين يتقدمون لوظائف خارج مجال خبرتهم.
- تزايُد الاهتمام بالصحة النفسية للعاملين.
- تزايُد اهتمام المؤسسات بتحقيق المساواة والتنوع والشمول في أماكن العمل.
- المخاوف المرتبطة بخصوصية البيانات في ظل التوسع في استخدام التكنولوجيا.
- استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في عمليات التوظيف يواجه تحديات تنظيمية.
- تآكل المهارات الاجتماعية لدى الجيل (Z) كشف الفجوة في المهارات بين الأجيال.
- إيجاد طرق جديدة عبر التوظيف الهادئ لاقتناص المواهب المطلوبة.
المحور الرابع: المرأة والعمل عن بُعد:
تؤكد منظمة العمل الدولية أنه بالنسبة للعمال الذين يؤدون عملهم في منازلهم، فقد كان معظمهم من النساء ووفقًا لتقديرات المنظمة؛ عمل 147 مليون امرأة و113 مليون رجل من المنزل في عام 2019، وتمثل النساء 56 % من جميع العمال الذين يؤدون عملهم في منازلهم .
وتشير المنظمة الدولية إلى أن ميل النساء إلى العمل من المنزل نسبته 11.5% ، وهو أعلى بكثير من ميل الرجال ونسبته 5.6%؛ ولذلك ليس من المفاجئ أن يكون شكلاً من أشكال الإنتاج شديد التمييز بين الجنسين. ولأن النساء في جميع أنحاء العالم لازلن يتحمّلن عبء عمل الرعاية غير مدفوع الأجر؛ يلجأ البعض إلى العمل من المنزل كطريقة للجمع بين مسؤوليات الرعاية وفرص الدخل مدفوعة الأجر، حتى لو أن ذلك غالبًا ما يؤدي إلى إطالة يوم العمل.
ومع ذلك، فإن فرصة العمل من المنزل مرحب بها من قِبل النساء والرجال الذين يسعون إلى المرونة، وكذلك من قِبل العمال ذوي الإعاقة الذين قد يكون لديهم فرص أقل للعمل مدفوع الأجر .
المصدر: منظمة العمل الدولية
وتشير منظمة العمل الدولية إلى أن التقارير الواردة من العديد من البلدان التي كانت لديها إجراءات إغلاق بأمر من الحكومة لكبح انتشار فيروس كورونا؛ إلى أن حدوث العنف المنزلي قد تصاعد بشكل كبير. وبالنسبة للعديد من الناجيات من العنف المنزلي، يوفر العمل فترة راحة من عدم القدرة على التنبؤ بسوء المعاملة، ويمكن أن يكون هناك خطر مباشر داخل المنزل أكثر من خارجه، وهو ما تطلب إذكاء الوعي وتقديم الدعم والمساعدة للضحايا المحتملين، بالإضافة إلى تمكين جميع العمال من الاهتمام ببعضهم البعض ،واكتشاف علامات الإنذار المبكر بأن شيئًا ما قد يشير إلى حدوث إساءة أو عنف في منزل أحد زملائهم في العمل.
كما ينبغي للمؤسسات أن تتبادل المعلومات مع العمال حول مكان الإبلاغ وطلب المساعدة لمكافحة العنف المنزلي، بما في ذلك الخطوط الساخنة الوطنية والمحلية وخدمات المستجيبين المدربين، باستخدام كلمات رمزية خاصة يمكن للضحايا استخدامها للإشارة إلى الإساءة؛ وبالتالي إطلاق استجابات من قِبل السلطات المختصة .
ويمثل الحصول على الأجر المُجزي والمرونة في عدد ساعات وظروف العمل، أحد أهم دوافع النساء عند البحث عن عمل، وعادة ما تكون هذه المرونة متوافرة في الأعمال التي يمكن أداؤها عن بُعد، وهو ما أشارت إليه إحدى الدراسات التي أجريت في دول مجلس التعاون الخليجي .
المصدر: تقرير القمة العالمية للحكومات 2023
المحور الخامس: العمل عن بُعد في مصر:
لقد بذلت الدولة المصرية جهودًا كبيرةً لتحسين البنية التحتية التعليمية ورفع معدلات التشغيل في مصر بشكل عام والعمل على خفض معدلات البطالة؛ حيث تشير مؤشرات سوق العمل المحلية، إلى أنه على الرغم من تداعيات جائحة كورونا، فإن معدل البطالة في مصر استمر في الانخفاض ليصل إلى 7.4% عام 2021 مقارنة بـ 13.0% عام 2014، كما استمر عدد المشتغلين في الارتفاع ليصل إلى 27 مليونًا و200 ألف مشتغل عام 2021، مقارنة بـ 24 مليونًا و300 ألف مشتغل عام 2014.
كذلك جاءت مصر في المرتبة 58 من بين 141 دولة على مستوى العالم في المؤشر الفرعي الخاص بالإنتاجية والأجور بتقرير التنافسية العالمية لعام 2019؛ حيث حصلت مصر على 52.6 نقطة من أصل 100 نقطة.
كما بلغ معدل البطالة لدى الإناث 16% في عام 2021 مقارنة بـ 23.6% عام 2016؛ مما يعكس حرص الدولة المصرية على تعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة.
والحقيقة، أن دعم القطاع التعليمي لاسيما الجامعي يُعد أبرز جهود الدولة المصرية، فقد ألزمت المادة 21 من الدستور المصري الدولة على أن تلتزم بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي لا تقل عن 2% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًّا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. ولذلك، فقد شهد حجم الإنفاق العام على التعليم خلال السنوات الخمس الماضية قفزة؛ حيث ارتفع من 109.2 مليارات جنيه في العام المالي 2017/2018 ليصل إلى 192.7 مليار جنيه في موازنة العام المالي 2022/2023.
كما شهدت عدد من الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية في مصر، قفزة هائلة من 43 جامعة في العام الدراسي 2013/2014 إلى 68 جامعة في العام الدراسي 2021/2022، كما تم التوسع في إنشاء كليات الذكاء الاصطناعي لتصل إلى 10 كليات خلال العام الدراسي 2022/2023، و29 مدرسة تكنولوجية، بالإضافة إلى 8 مجمعات تكنولوجية تم إنشاؤها بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في إطار استراتيجية الدولة لتوطين ونشر ثقافة الإبداع والابتكار على مستوى الجمهورية.
وفي خضم هذه الجهود غير المسبوقة من قِبل الدولة المصرية لخفض معدلات البطالة ودعم الخريجين بالمهارات اللازمة لسوق العمل، يظهر العمل عن بُعد كخيار استراتيجي يمكنه أن يحقق العديد من المزايا للدولة والتي يمكن إجمالها في الآتي :
- خفض معدلات البطالة: تشير كافة البيانات الواردة عن خصائص ومعدلات البطالة فى مصر إلى ارتفاع البطالة بين الإناث عن الذكور بشكل لافت، وكذلك ارتفاعها بين فئة الشباب الحاصلين على مؤهلات عليا، فضلاً عن ارتفاعها فى الحضر مقارنة بالريف. وهنا يصبح العمل عن بُعد مدخلاً لاستيعاب بطالة الشباب والمتعلمين والريفيين وإيجاد مجالات عمل للفئات الضعيفة والمهمشة مثل كبار السن والمعاقين وسكان المناطق النائية والمناطق الريفية وخاصة في قرى صعيد مصر وريفها .
- دعم الموقف التنافسي الاقتصادي العالمي للدولة؛ حيث يسهم العمل عن بعد في توليد فرص عمل جديدة.
- خفض معدلات الهجرة من الريف إلى الحضر؛ حيث يوفر العمل عن بُعد إمكانية توليد الدخل محليًا عبر القنوات الإلكترونية، فضلاً عن خفض الازدحام المروري في المدن الحضرية خاصة القاهرة .
وهنا تجدر الإشارة إلى نتائج الدراسات التي أُجريت عن تجربة العمل عن بُعد في مصر، خاصة في وقت الجائحة، إلى أن العمل عن بُعد يمثل توجهًا مستقبليًا بصرف النظر عن ضغوط كورونا، وإنه يمكن الاستفادة من هذا العمل مستقبلا .
جهود الدولة المصرية في تأسيس قاعدة للعمل عن بُعد قبل وبعد جائحة كورونا:
لقد قدمت الدولة المصرية العديد من المبادرات لدعم وبناء قاعدة للعمل عن بُعد، قبل وبعد جائحة كورونا، كان أبرزها ما يلي :
- إطلاق مبادرة “حاسب لكل منزل” من خلال وزارة الاتصالات والمعلومات في نوفمبر عام 2002.
- إطلاق مبادرة شبكة المدارس الذكية، والتي بدأت عام 2003 بهدف إدخال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النظام التعليمي؛ لرفع جودة العملية التعليمية وتشجيع الطلبة والطالبات على الإبداع، وإكسابهم المهارات الحديثة التي يتطلبها سوق العمل.
- مشروعات القرى الذكية في 6 أكتوبر، ومشروعات وادي التكنولوجيا، وافتتاح مركز الحكومة الإلكترونية لتأهيل متخصصين في تقنية المعلومات والاتصالات، والعمل ببرنامج محو أمية الحاسوب والانترنت بالتعاون مع المجتمع المدني .
- إنشاء أول سوق إلكترونية للصناعة المصرية، وتأسيس أول شركة عربية للتجارة الإلكترونية من خلال الانترنت ومقرها مدينة القاهرة .
- طُرحت العديد من المنصات قيد التشغيل حالياً في مصر؛ حيث تسمح للباحثين عن عمل التواصل مع أصحاب العمل الراغبين في توظيف عمال عن بُعد، وكان في مقدمتها منصة com والتي من خلالها زادت عدد الوظائف الشاغرة للعمل عن بُعد بنسبة 124%.
- وضعت وزارة التربية والتعليم خطة عاجلة للتحول إلى التعليم عن بُعد ومتابعة تطبيقها؛ حيث طبقت الخطة في الفصل الدراسي الثاني للعام الجامعي 2019-2020 ، فشكلت لجانًا مركزية لوضع خطط لإدارة العمل عن بُعد، وهيأت المنصات التعليمية، كما شرعت في تدريب وتأهيل المدرسين وأعضاء هيئة التدريس للتحول للعمل عن بُعد، كما عقدت المجالس الجامعية في الكليات والأقسام عن بعد بالاعتماد على التطبيقات التقنية .
- اقترحت رؤية مصر 2030 بعض البرامج والمشاريع المتعلقة بالتكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل المشروع القومي للإنترنت عالي السرعة، وتحويل مصر إلى مركز رقمي عالمي .
- في 30 مايو 2020 وخلال جائحة كورونا، أعلنت هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ايتيدا) بدعم من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات مبادرة تدريب فريدة عبر الإنترنت لتوسيع نطاق التكنولوجيا لدى الشباب المصري، والتدريب عبارة عن منحة دراسية مدتها 18 شهرًا متاحة مجانًا لـ 100000 مصري، وذلك لمساعدتهم على إتقان إحدى المهارات التكنولوجية الأساسية للعمل عن بُعد والتفوق في المستقبل الرقمي.
……………………………………………………….
المراجع:
1- بحث “العمل عن بعد ومنظومة العمل : ملامح التغير …رؤية اجتماعية” / د.نشوى توفيق أحمد ثابت
مدرس علم الاجتماع – كلية الآداب – جامعة عين شمس .
2- تقرير منظمة العمل الدولية “العمل عن بعد خلال جائحة كوفيد -19 وما بعدها ” تقرير عملي 2020.
3- تقرير القمة العالمية للحكومات 2023 “مستقبل العمل : إلقاء الضوء على مجلس التعاون الخليجي “.
4-منظمة العمل الدولية / تقرير “العمل من المنزل من الخفاء إلى العمل اللائق ” / ملخص تنفيذي .
5- الموقع الرسمي لمنظمة العمل الدولية .
6- الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
7- تقرير “اتجاهات وآفاق التشغيل محليًا وعالميًا” الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء / مركز دعم واتخاذ القرار.
8- الموقع الرسمي لمؤسسة بلومبرج.