أوراق بحثيةمقالات

التحركات المصرية في منطقة القرن الإفريقي….. سبل التعاون ومواجهة التحديات

مع تصاعد التوترات والخلاف بين القاهرة وأديس أبابا إثر تحركات الأخيرة تجاه مصر والسودان والصومال، بثلاثة ملفات مرتبطة بـ«سد النهضة»، واتفاقية «عنتيبي»، وتوقيع اتفاقية مبدئية مع إقليم صومالي لاند الانفصالي بما يهدد ويمس من سيادة مقديشو. الأمر الذي دفع الدولة المصرية للتحرك بقوة وبشكل أكثر فاعلية في منطقة القرن الإفريقي من خلال دعم الدولة الصومالية ومساعدة الحكومة هناك على بسط سيادتها داخل أراضيها، خاصة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب من خلال توقيع الجانبين بروتوكول «تعاون عسكري (دفاعي) ، وإعلان القاهرة استعداد المشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بداية يناير 2025، فضلاً عن مد مقديشو بصفقة أسلحة، وعقد قمة ثلاثية جمعت بين رؤساء الدول الثلاثة (مصر والصومال وإريتريا).

ولم تقتصر التحركات المصرية على منطقة القرن الإفريقي فحسب وإنما شملت كذلك دول حوض النيل الجنوبي، بإطلاق مبادرات مصرية قوية لإعادة التأكيد على أن مصر تدعم التنمية، والمشروعات المائية لدول حوض النيل، بما في ذلك إقامة السدود طالما أنها توافقية، ولا تسبب الضرر لدولتي المصب مصر والسودان،وسط إصرار إثيوبيا على التخلي عن الاتفاقيات التاريخية لتقسيم مياه النيل، وفرض سياسة الأمر الواقع وعدم احترام حقوق مصر المائية من خلال إتمامها الملء الخامس لسد النهضة بوصول المياه في بحيرة السد إلى أكثر من 62 مليار متر مكعب من المياه، وبدء التشغيل التجاري للسد لتوليد الطاقة الكهرومائية. ، فضلاً عن إعلانها دخول اتفاقية «عنتيبي» حيز التنفيذ منتصف أكتوبر 2024 ما يدفع مصر للوقوف في خط الدفاع عن الاتفاقيات القديمة لتقسيم مياه النيل بين دول الحوض،  ومناهضةالاتفاقية عبر القانون، وكل أشكال الدبلوماسية الممكنة، فضلاً عن اضطرار مصر لدخول حلبة توازنات القوى الإقليمية.

وفي هذا السياق، يُصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” ورقة بحثية تسلط الضوء على: العلاقات المصرية الصومالية ومجالات التعاون بين الجانبين، التحركات المصرية في منطقة القرن الأفريقي، وكيف من شأنه أن يساهم في تعزيز الأمن القومي المصري، إلى جانب التحديات التي تواجه هذا التعاون.

وقد توصلت الورقة لعدد من النتائج الواجب أخذها في الاعتبار لضمان فاعلية واستمرارية الدور المصري أهمها:

• التأكيد على أهمية هذا الشكل المتسلسل المنظم من هذه التحركات والترتيبات الدبلوماسية المصرية خلال الفترة الأخيرة لما فيه من مردود استراتيجي إيجابي مرتقب لصالح استقرار وهدوء إقليم شرق إفريقيا وكذلك القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

• أهمية استمرار مصر في بناء القدرات الذاتية للصومال، لضمان أن يتمكن الصومال من الاعتماد على قواته الأمنية في مواجهة التحديات دون الحاجة إلى دعم خارجي

• أهمية نقل الخبرات المصرية وبصفة خاصة في مجال مكافحة الإرهاب للدول التي تعاني من ويلاته في منطقة القرن الإفريقي وغيرها من الأقاليم الافريقية من خلال زيادة برامج التدريب والدعم المصري لهذه المناطق.

• أهمية تعزيز التنسيق الاستخباراتي، وتوسيع برامج التدريب العسكري المقدمة من الدولة المصرية لدول القارة لتتضمن التقنيات الحديثة والمهارات التكنولوجية.

• ضرورة استمرار مصر في  ترسيخ دورها كفاعل رئيسي في القرن الأفريقي، والتأكيد على التزامها بحماية استقرار المنطقة عبر التعاون الإقليمي والدولي.

• أهمية إقامة جسور من التواصل والتعاون مع باقي دول منطقة القرن الإفريقي من خلال تفعيل مجالات وأطر للتعاون المستقبلي.

• أهمية العمل بأجندة شاملة واضحة وفعالة مع دول حوض النيل لضمان التزامها بأمن مصر المائي وبالاتفاقيات القانونية ذات الصلة.

• أهمية استمرار التعاون والتشاور المصري/ التركي في المنطقة بما يضمن تنسيق الجهود وفاعلية التحركات الحالية والمستقبلية.

• أهمية العمل على عقد تحالفات مثيلة للتحالف المصري/ التركي مع القوى الفاعلة في المنطقة لمواجهة أية تحركات من شأنها الإضرار بالمصالح المصرية.

……………………..

أولاً: العلاقات المصرية/ الصومالية:

تتميز العلاقات المصرية الصومالية بتعدد الروافد في إطار من المصالح المشتركة والأمن المتبادل، لتشمل جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعيةـ خاصة التعليمية والصحية والثقافية، والمجال العسكري أيضًا.

وهناك مواقف تاريخية مشرفة سياسية وعسكرية متبادلة لكلا البلدين تجاه الآخر في الأزمات الإقليمية والدولية، وقد شهدت العلاقات بين البلدين ازدهارًا وتناميًا منذ حقبة الستينيات وحتى انهيار نظام سياد برى، غير أن هذا ما لبث أن تراجع مع بدايات الحرب الأهلية والصراعات العشائرية في الصومال، وتبذل مصر جهودًا كبيرة من أجل تعزيز الاستقرار في الصومال والحفاظ على وحدته.

*تاريخ العلاقات بين مصر والصومال:

العلاقات بين مصر والصومال علاقات تاريخية بدأت منذ عهد الفراعنة، حيث أسهم البحر الأحمر في تسهيل التبادل التجاري بين السواحل الصومالية ومصر الفرعونية، مما جعل مصر إحدى بوابات التواصل بين شرق أفريقيا والعالم العربي. وفي العصر الحديث كانت مصر أول الدول التي اعترفت باستقلال الصومال عام 1960، وقدمت له دعمًا دبلوماسيًا عبر الأمم المتحدة والمنتديات الإقليمية، بهدف ترسيخ وجوده في الساحة الدولية ولا يزال يُذكر بكل تقدير اسم الشهيد المصري “كمال الدين صلاح”، مندوب الأمم المتحدة لدي الصومال الذي دفع حياته عام 1957 ثمنًا لجهوده من أجل حصول الصومال على استقلاله والحفاظ على وحدته.

في فترة الستينيات والسبعينيات، دعمت مصر تأسيس الجيش الوطني الصومالي، ووفرت تدريبًا عسكريًا واسعًا لضمان قدرته على تأمين البلاد الناشئة، في إطار سياسة مصرية لتعزيز التحالفات مع دول القارة الأفريقية. وعندما انضم الصومال إلى منظمة الوحدة الأفريقية عام 1974، لعبت مصر دورًا رئيسيًا في هذا المسار، انطلاقًا من رؤيتها لتوطيد التكامل الأفريقي ومجابهة النفوذ الأجنبي في المنطقة.

انهيار الدولة الصومالية: بداية تحديات جديدة

مع انهيار الحكومة المركزية في الصومال عام 1991، دخلت البلاد في مرحلة من الفوضى السياسية والأمنية، ما أدى إلى تصاعد نفوذ الميليشيات المحلية والحركات المسلحة. شكّل هذا الانهيار تهديدًا كبيرًا، ليس فقط للصومال، بل للأمن الإقليمي أيضًا، بما في ذلك الممرات المائية الاستراتيجية التي تعتمد عليها التجارة الدولية ومصر بشكل خاص. ونتيجة لذلك، اضطرت مصر إلى إعادة صياغة علاقاتها مع الأطراف الصومالية المختلفة بهدف المساهمة في إعادة بناء المؤسسات الحكومية والتوسط في النزاعات المحلية.

قبيل الحرب الأهلية في الصومال بذلت مصر جهدا كبيراً لمنع وقوع الحرب الأهلية، وشهدت القارة والسفارة المصرية في مقديشو عدة لقاءات واجتماعات بين المسؤولين في نظام” محمد سياد بري”، والجبهات المعارضة للحيلولة دون نشوب صراع مسلح، وإنهاء الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة بالطرق السلمية، وقد تمثل ذلك في المبادرة المصرية الإيطالية عام 1989، لكن نتيجة لتدخلات قوية من قبل بعض دول الجوار، لم تكلل تلك الجهود بالنجاح ودخل الصومال في أتون حرب أهلية راح ضحيتها الآلاف من المواطنين الأبرياء، وبعد اندلاع الحرب في عام 1991 لم تتوقف مصر عن محاولات وقف نزيف الدم وحماية التراب الصومالي، بل كانت حاضرة وبقوة في جميع الجهود الدولية للم شمل الصوماليين، ورفضت تقسيم الصومال أو الاعتراف بانفصال إقليم الشمال” صوماليلاند”، كما نظمت مصر عدداً من مؤتمرات المصالحة لإنهاء الاقتتال الداخلي في مقديشو وإحلال السلام في ربوع الصومال.

مع ظهور حركة الشباب كقوة إرهابية ذات نفوذ في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح لزامًا على مصر التركيز على تقديم الدعم الأمني واللوجستي للصومال. وقد جاء ذلك في إطار الجهود الإقليمية والدولية لإعادة بناء الدولة الصومالية، حيث شاركت مصر بشكل فعال في المفاوضات الدولية لتشكيل حكومة انتقالية في الصومال خلال عام 2004 هذه المشاركة المصرية عكست إصرارها على مواجهة التهديدات الأمنية التي باتت تمثل خطراً على منطقة القرن الأفريقي وعلى أمن البحر الأحمر.

كما تُعد مصر عضوًا فاعلاً في مجموعة الاقتصاد الدولية المعنية بالمشكلة الصومالية، وتحرص على المشاركة في كافة الاجتماعات التي تعقدها المجموعة، وقد كثفت مصر تحركاتها الدولية خلال السنوات الأخيرة لحشد الدعم للقضية الصومالية وحث القوى الدولية للمساهمة في إعادة بناء المؤسسات الوطنية الصومالية نظرًا للأهمية القصوى للصومال في تعزيز الأمن القومي المصري.

كذلك تشترك مصر في عضوية مجموعة الاتصال الدولية المعنية بمكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية حيث تولت رئاسة مجموعة العمل الرابعة المنبثقة عن مجموعة الاتصال وهي مجموعة تختص بدعم الجهود الدبلوماسية ونشر الوعي بشأن ظاهرة القرصنة.

ثانياً:مجالات التعاون والشراكة بين مصر والصومال:

تتميز مجالات التعاون والشراكة بين مصر والصومال بالتنوع، حيث تغطى مجموعة من الأبعاد الاستراتيجية والتنموية والأمن، فيما يلي نوضح هذه المجالات:

1-التعاون السياسي : تدعم مصر الجهود السياسية في الصومال لتحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية، بما في ذلك دعم المبادرات السلمية والجهود الدبلوماسية في المحافل الدولية.

2– التعاون التنموي: تقدم مصر مساعدات إنسانية للصومال تشمل الغذاء والدواء والمعدات الطبية لمساعدة المتضررين من النزاعات والكوارث الطبيعية، كما تشمل المشاريع التنموية في مجال التعليم والصحة والبنية التحتية، مثل بناء المدارس والمستشفيات وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي.

3-التعاون الاقتصادي: شهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر والصومال نمواً مطرداً في السنوات الأخيرة؛ مدعومة بوجود إرادة سياسية قوية وسعي جاد لوضع خطط مستقبلیة وفتح أبواب جدیدة للتعاون في مجالات متعددة، فقد أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع قيمة التبادل التجارى بين مصر والصومال حيث بلغ 59 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2024 مقابل 31 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2023 بنسبة ارتفاع قدرها 88%.

4-التعاون الثقافي والبرامج التعليمية: تقدم مصر منحاً دراسية للطلاب الصوماليين للدراسة في الجامعات المصرية في مختلف التخصصات، مما يعزز التبادل الأكاديمي والثقافي، كما تقدم برامج تدريبية في مجالات متنوعة مثل الإدارة والتكنولوجيا والفنون، كما تهدف إلى تعزيز المهارات والقدرات لدى الشباب الصومالي، كما تعمل على تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية مثل المعارض الفنية والمهرجانات التي تتيح للأفراد من كلا البلدين التعرف على الفنون والتراث الثقافي بما يعزز التقدير المتبادل للفنون والتراث الثقافي.

وفي يناير 2024م تم توقيع، مذكرة تفاهم بين “وزارة الثقافة” المصرية، ووزارة “الإعلام والثقافة والسياحة” بحكومة جمهورية الصومال الفيدرالية؛ وذلك لتعزيز التعاون الثقافي المشترك بين البلدين. ووقع مذكرة التفاهم كلا من الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة، وداؤود أويس جامع، وزير “الإعلام والثقافة والسياحة” بجمهورية الصومال الفيدرالية.

وتعمل مصر أيضاً على تنظيم ورش عمل ومحاضرات ثقافية تهدف إلى تبادل المعرفة حول  التراث والتاريح والثقافة في كل من مصر والصومال، كما تعمل على تبادل الكتب والمصادر الثقافية بين المكتبات والجامعات في البلدين لتعزيز الدراسات والأبحاث الثقافية.

5-التعاون في مجال الطاقة:هناك اهتمام بالتعاون في مجالات الطاقة بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة وتحسين البنية التحتية للطاقة في الصومال، حيث تستهدف القاهرة كسر حالة السيطرة التي تمارسها إثيوبيا على دول القرن الإفريقي في مجال الطاقة، وبصورة خاصة مع جيبوتي والصومال، في ظل إقحام أديس أبابا ملف أرض الصومال والتعاون الإيجابي بين القاهرة ومقديشو في المجالات المختلفة، ونظراً للمساعي التركية أيضاً لاختراق المجال الحيوي لمنطقة القرن الإفريقي خاصة الصومال التي تسعى فرض سيطرتها على مصادر الطاقة، مما يؤثر على الأمن القومي لمصر، ويعتبر ملف الطاقة أحد ملفات التعاون المشترك بين الصومال ومصر، ويتمثل في تكثيف التنسيق المشترك بين الجانبين في مجالات مصادر الطاقة وعلى رأسها النفط والغاز، وهو ما أبداه وزير الخارجية الصومالي خلال المقابلة التي أجراها أثناء زيارته إلى القاهرة، خاصة في ظل توجه الصومال إلى مزيد من الاكتشافات النفطية وكذلك المتعلقة بالغاز.

6-التعاون في مجال الأمن المائي: تقع مصر والصومال في مناطق ذات صلة بنهر النيل والموارد المائية الإقليمية الأخرى، يسهم التعاون في هذا المجال في تعزيز الأمن المائي على مستوى الإقليم، كما تساهم مصر في تقديم الدعم الفني والتمويلي للصومال لتنفيذ مشاريع مثل بناء السدود، وتحسين أنظمة الري، وتطوير البنية التحتية للمياه، كما أن التعاون في مجال البحث العلمي والتدريب الفني في إدارة المياه يمكن أن يعزز قدرة الصومال على مواجهة التحديات المتعلقة بالمناخ، ويمكن مصر من توفير البرامج التدريبية والدراسات حول استراتيجيات إدارة المياه.

يُذكر أنه في مطلع نوفمبر 2024 أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، دخول اتفاقية «عنتيبي» حيز التنفيذ، بعد تصديق 6 دول عليها، هي: إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وجنوب السودان.

وتُعارض مصر ومعها السودان الاتفاقية، ويتمسّكان باتفاقات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تُقرّ 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان، ويرفضان أي مشروع مائي بمجرى النيل يُلحق أضراراً بالأمن المائي.

وسبق أن أكّدت مصر والسودان أن اتفاقية «عنتيبي» غير مُلزِمة لأي منهما؛ لمخالفتها مبادئ القانون الدولي، وجدّدت الدولتان، خلال اجتماع للهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل، في 11 أكتوبر 2024، على “ضرورة استعادة مبادرة حوض النيل (التي تأسست عام 1999)، بوصفها الطريقَ الأمثل والأشمل للتوافق والتعاون بين دول النهر”.

وتعتمد مصر على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات وزارة الري المصرية.

7-التعاون العسكري:لا شك أن التعاون العسكري بين مصر والصومال يمثل جزءًا هامًا من تعزيز الأمن الإقليمي وبسط النفوذ المصري في منطقة القرن الأفريقي، حيث تشكل هذه المنطقة نقطة استراتيجية بالغة الأهمية على مستوى الأمن الدولي والإقليمي، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة مثل الإرهاب والقرصنة البحرية والهجرة غير الشرعية. وفي هذا السياق، تسعى مصر من خلال دعم قدرات الجيش الصومالي وتعزيز التنسيق الأمني مع الصومال إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة وضمان المصالح المصرية.

وتعتبر الشراكة العسكرية بين البلدين انعكاسًا لاستراتيجية مصر في دعم الدول الأفريقية وبناء جسور التعاون الأمني، بما يساهم في حماية الممرات البحرية الدولية في خليج عدن والبحر الأحمر. كما يشكل هذا التعاون خطوة نحو تعزيز قدرات الصومال في مواجهة التهديدات الأمنية الداخلية والإقليمية، بما في ذلك الجماعات المسلحة المتطرفة والأنشطة غير القانونية التي تهدد الأمن القومي للدول المجاورة.

منذ استقلال الصومال في الستينيات من القرن العشرين، كانت مصر من أوائل الدول التي دعمت الصومال سياسيًا وعسكريًا، وخاصةً من خلال توفير الدعم اللوجستي والتدريب العسكري للقوات الصومالية. في العقود الأخيرة، تفاقمت الأزمات الأمنية في الصومال، وخاصةً بعد تفكك الحكومة المركزية في التسعينيات وصعود الحركات الإرهابية مثل “حركة الشباب”. ولذلك، سعت مصر لتعزيز تعاونها العسكري مع الصومال كجزء من استراتيجيتها لتحقيق الاستقرار في القرن الأفريقي، والتصدي للتهديدات الأمنية التي تهدد المنطقة بأسرها.

ومع إعلان تشكيل حكومة مركزية صومالية جديدة عام 2012، أطلقت مصر مرحلة جديدة من التعاون السياسي والعسكري مع الصومال. كان الهدف من هذا التعاون تعزيز قدرات الجيش الصومالي ليتمكن من مواجهة حركة الشباب التي تسيطر على مناطق واسعة في البلاد، وتحد من جهود الاستقرار. وقد تركزت الجهود المصرية على توفير برامج تدريبية مكثفة للضباط الصوماليين، ودعمهم بخبرات استخباراتية وتقنية وتبادل المعلومات في مجال مكافحة الإرهاب. كما تعمل مصر والصومال على تعزيز الجهود لمكافحة القرصنة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، بما في ذلك تنسيق العمليات البحرية وتبادل المعلومات.

ثالثاً: التحركات المصرية في منطقة القرن الأفريقي:

تعاني منطقة القرن الأفريقي من العديد من التحديات الأمنية المعقدة. من أبرز هذه التحديات انتشار الإرهاب، حيث تمثل “حركة الشباب” في الصومال أحد أخطر التهديدات للأمن في المنطقة. هذه الجماعة المتطرفة تسيطر على أجزاء من الصومال وتشكل تهديدًا دائمًا للدولة والمواطنين. بالإضافة إلى ذلك، فإن مشكلة القرصنة في البحر الأحمر وخليج عدن تعزز من أهمية التعاون الأمني في المنطقة. هناك أيضًا تحديات متعلقة بالنزاعات الحدودية والنزاعات على الموارد الطبيعية مثل المياه، خاصةً في ظل توترات بشأن سد النهضة الإثيوبي وتأثيره على تدفق مياه نهر النيل إلى مصر. ولم تكتفِ القاهرة بتقوية العلاقات مع الصومال، بينما عززت التعاون مع الخرطوم وجوبا ونيروبي، وأيضاً إريتريا عبر زيارات متبادلة رفيعة المستوى اختتمت الخميس، بزيارة الرئيس المصري إلى أسمرة، وعقد قمة ثلاثية شملت الصومال، وصفتها وسائل إعلام عربية ودولية بـ”التحالف الجديد” مع إعلان الدول الثلاث تشكيل لجنة ثلاثية لتعزيز التعاون والتنمية.

وجغرافياً تضم منطقة القرن الأفريقي 4 دول هي «الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا»، ومن زوايا سياسية واقتصادية يمكن أن تتسع لتشمل كينيا وأوغندا والسودان وجنوب السودان، وأهميتها ليست وليدة اليوم، فقد كانت محط أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة، منذ العصور القديمة، كونها المنطقة الأكثر استراتيجية في التجارة البحرية العالمية، وأخيراً باتت نقطة جذب وتركيز واهتمام من لدن أطراف دولية وإقليمية عديدة.

وينشط في منطقة القرن الأفريقي عدد من اللاعبين الخارجيين، منها القوى الدولية الغربية (مثل المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا)، بالإضافة إلى الإقليمية (مثل تركيا)، والآسيوية(مثل اليابان والصين)، وأيضاً الولايات المتحدة، بخلاف مؤثرين إقليميين من مجموعة شرق أفريقيا، كإثيوبيا، وتضاف لهما مصر بعد استعادة دورها الأفريقي.

وفي هذا السياق، فقد سعت القاهرة إلى توثيق علاقاتها الإستراتيجية في ظل طموحاتها الدائمة بإنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي وبالفعل شهد عام 2021، أول زيارة رسمية لرئيس مصري منذ استقلالها عام 1977، وخلال يوليو2024 زار وزير الخارجية المصري جيبوتي ليعلن عن تدشين خط طيران مباشر بين البلدين.

إلا انه من الجدير بالذكر إلى أنه ووفقا للسياسية الجيبوتية –  إمساك العصا من المنتصف، فقد استطاعت أن  تحتضن -في وقت واحد- قاعدة عسكرية أمريكية وأخرى صينية، وبينما تواصل جيبوتي مباحثاتها مع القاهرة، اقترحت مَنح إثيوبيا حق الوصول الحصري إلى أحد موانئها، بحسب تصريح وزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف.

وفي 14 أغسطس2024، وقعت مصر والصومال بروتوكولاً للتعاون العسكري المشترك بحضور الرئيسين عبدالفتاح السيسي وحسن شيخ أحمد، خلال زيارة الأخير لمصر، يتضمن السماح لمصر بنشر نحو خمسة آلاف عنصر من جيشها في الأراضي الصومالية. وقد يكون لهذه الخطوة أهميتها نظراً لانتهاء مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومـال “أتيمس” بنهاية عام 2024.

كما تتأتى تلك الخطوة حفاظًا على أمن الصومال وسيادة أراضيه خاصة بعد التحركات الإثيوبية الأخيرة في يناير 2024، بتوقيع رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” ورئيس أرض الصومال “موسى بيهي عبدي”، مذكرة تفاهم تقضي بأن تَمنح أرض الصومال ـ(إقليم انفصالي غير معترف باستقلاله دوليا) إثيوبيا حق الوصول إلى 20 كم من سواحلها وبناء قاعدة بحرية عسكرية عبر استئجار قطعة أرض لمدة 50 عاما، مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة ذات سيادة، ومنح حكومتها حصة من ملكية الخطوط الجوية الإثيوبية.

وبالفعل، قامت القاهرة بإرسال شحنتي أسلحة إلى الحكومة الصومالية في مقديشو في سبتمبر2024، وهو الأمر الذي قوبل بتصعيد إثيوبي تمثل بإرسال أسلحة من إثيوبيا إلى إقليم بونتلاند الصومالي ذي النزعة الاستقلالية. وكخطوة استباقية لتعطيل وصول أي قوات مصرية، سيطرت القوات الإثيوبية على ثلاثة مطارات في إقليم “غيدو” جنوب الصومال.

وبعد إرسالها صفقة أسلحة لإقليم بونتلاند، وفي ضرلة غير متوقعةـ أعلن رئيس الإقليم سعيد دني عن رغبته في الحوار مع الحكومة الصومالية لتجنب الانفصال، وإجراء مناقشات مفتوحة حول الوضع في الصومال، بطريقة شفافة وحل الخلافات مع الحكومة الفيدرالية/ وتقريب وجهات النظر فيما يتعلق بالعملية السياسة والانتخابات والعشائر محذرا من أن الصومال على وشك التفكك إذا لم تحل تلك الإشكاليات.

وفي 10 أكتوبر2024، وصل الرئيس السيسي إلى العاصمة الإريترية أسمرة حيث عقد قمة ثلاثية مع الرئيس الإريتري إسياس أفورقي والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود. جاء اللقاء، الذي ناقش عدة قضايا من بينها التعاون الأمني في البحر الأحمر، كخطوة لافتة حملت الكثير من الرسائل الدبلوماسية الضمنية لإثيوبيا. بدورها، ردت أديس أبابا في الـ 13 من نفس الشهر بتفعيل اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل (التي تُعرف أيضاً باتفاقية عنتيبي) من طرف واحد، وهي الاتفاقية التي تسعى من خلالها أثيوبيا إلى مراجعة التوزيع القائم لِحصص مياه نهر النيل وتعارضها دولتي المصب (مصر والسودان).

*مصر وسياسة بناء الأحلاف:

سعت مصر ومن خلال تبني سياسة بناء الأحلاف إلى التحالف مع تركيا والتي كانت لها تحركات استباقية في المنطقة بمزيج من الاستراتيجيات الديبلوماسية والسياسية والعسكرية، ففي شهر فبراير 2024، وقعت تركيا والصومال اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين، وفي الشهر نفسه وقعت ثلاث اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع جيبوتي. بالتزامن مع ذلك، حاولت أنقرة التوسط بين الصومال وإثيوبيا لكن الجهود لم تؤت ثمارها.

الواقع أن وجود حليف قوي في القرن الإفريقي  بجانب مصر من شأنه أن يُعزز جهودها الرامية إلى إنشاء محور يضم اريتريا وجيبوتي والصومال، لاحتواء النفوذ الإثيوبي المتنامي في الإقليم وتعزيز حضور القاهرة الجيوسياسي جنوب البحر الأحمر، بما يحقق غاية القاهرة بحماية أمنها القومي وتطويق أديس أبابا التي تمثل تهديداً مباشراً لمصالح مصر – سواء المتصلة بنهر النيل أو البحر الأحمر.

وبموجب الاتفاق بين تركيا والصومال، ستوفر تركيا التدريب والمعدات للبحرية الصومالية حتى تتمكن من حماية مياهها الإقليمية بشكل أفضل من التهديدات مثل الإرهاب والقرصنة و”التدخل الأجنبي”، فضلًا عن إجراء مناورات وتدريبات عسكرية بحرية وجوية وبرية.

كما تقضي الاتفاقية ببناء تركيا سفنًا عسكرية وبيعها للصومال، وسيكون للقوات البحرية التركية الحق الكامل في استخدام الموانئ البحرية الصومالية الحالية، وإنشاء موانئ وقواعد عسكرية بحرية جديدة، فضلًا عن إنشاء قواعد عسكرية تركية وأخرى مشتركة في مقديشو التي ستتكفل بفتح أجوائها للاستخدام المدني والعسكري التركي.

رابعاً: التحديات المستقبلية للتحركات المصرية في منطقة القرن الإفريقي:

لايزال يشكل الإرهاب والتمرد وعدم الاستقرار الساسي أحد المعوقات الرئيسية في منطقة القرن الإفريقي وهو مايلقي على الدولة المصرية ضرورة التحرك مع تلك الحكومات لتعزيز الاستقرار الأمني والسياسي بما يضمن تحقيق الاستقرار التنموي والاقتصادي.

كما أن مواجهة نفوذ القوى الطامعة لتقويض النفوذ المصري يبقى تحديًا مستقبلياً هاماً خاصة وأن بعضها سيهدد الأمن القومي المصري خاصة بعد وجود أنباء عن احتمالية تأسيس تحالف  بين إسرائيل وأرض الصومال وهو ما كشف عنه موقع “ميدل إيست مونيتور” في الخامس عشر من أكتوبر 2024، بأن هناك نوايا إسرائيلية لإنشاء قاعدة عسكرية في إقليم أرض الصومال، ورداً على التهديد الإيراني للمصالح الإسرائيلية من خلال المواجهات غير المباشرة مع الحوثيين بعد عملية طوفان الأقصى.

ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل تدعم  الصفقةالاثيوبية مع أرض الصومال، وهو ما اتضح من خلال تصريح سفير إثيوبيا لدى إسرائيل يناير 2024، فقد أوضح أن المسئولين الإسرائيليين أظهروا لفتة إيجابية لتطلع إثيوبيا للوصول المباشر إلى البحر الأحمر وخليج عدن، كما أشار السفير الإثيوبي لدى إسرائيل أن الحكومة الإسرائيلية تتوقع حصول إثيوبيا على قاعدة عسكرية كخطوة جيدة لتحقيق الاستقرار في المنطقة المضطربة ولا تعارض صفقة الميناء التي أبرمتها الأخيرة مع أرض الصومال.

ومما لاشك فيه أنه هذا التقارب من شأنه أن يؤدي إلى تزايد الهجمات الإرهابية من جانب حركة الشباب الإرهابية، التي سترفض الوجود الإسرائيلي، وستعمل على حشد وتعبئة المزيد من المقاتلين لشن هجمات إرهابية من خلال استغلال مشاعر العداء تجاه إثيوبيا. وهناك احتمالية في أن تستفيد حركة الشباب من الاتفاق لحشد وتجنيد المزيد من المقاتلين، لشن “حرب دينية” ضد إسرائيل، وهو ما سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. علاوة على ذلك، هناك توقعات بأن تتحالف حركة الشباب الصومالية مع جماعة الحوثيين، وأن يكون هناك تنسيق في المجالات الأمنية والاستخباراتية، لتهديد المصالح الإسرائيلية في المنطقة، إلى جانب توسيع عملياتهم البحرية ضد خطوط الملاحة الدولية، وهو ما يُشكل تهديدًا للأمن البحري والتجارة الدولية.

 

المراجع

• قمة مصر والصومال وإريتريا تدعم السلم والأمن في إفريقيا. جريدة الدستور.   https://www.dostor.org

• التبادل التجاري بين مصر والصومال ينمو إلى 88% في الربع الأول من عام 2024- المصري اليوم     https://www.almasryalyoum.com

• مصر توسع تعاونها السياسي والعسكري مع الصومال: التركيز على الأمن البحري ومكافحة الإرهاب- العين    https://www.al-ain.com

• زيارة السيسي إلى الصومال وإريتريا تعزز دور مصر في تأمين الطرق البحرية- العين الإخبارية https://www.al-ain.com

• التدخل العسكري المصري في القرن الإفريقي وأثره على  استقرار المنطقة- العربية   https://www.alarabiya.net

• مصر وإريتريا والصومال تحالف ضد الأطماع- العربيةhttps://www.alarabiya.net

• دور مصر في الصومال بعد الصراع…إعادة بناء والتعاون البحري- جريدة الدستور  https://www.dostor.org

• نتائج القمة الثلاثية بين مصر والصومال وإريتريا: تحديات الأمن الإقليمي وتعزيز الأمن البحري- جريدة الدستور  https://www.dostor.org

• المبادرة المصرية لتعزيز اللوجيستيات والتجارة مع الصومال- ودعم الاستثمار بين الجانبين- جريدة  الدستور   https://www.dostor.org

• Al-Sharq Al-Awsat. (2024). كيف يؤثر التعاون المصري – الصومالي – الإريتري في توازن القوى بـ«القرن الأفريقي»؟ جريدة الشرق الأوسط  https://aawsat.com

• تاريخ العلاقات العسكرية الاستراتيجية بين مصر والصومال- منتدى دراية للأبحاث والدرساسات الاستراتيجية    https://www.daraya.net

• Abdel-Wahed, M. (2024). اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال.. تعزيز لنفوذ مصر في القرن الأفريقي لحماية الأمن القومي ومواجهة “الأطماع”. وكالة أنباء العالم العربي.   https://awp.net

• التحركات المصرية في القرن الأفريقي- مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية

 https://sanaacenter.org/ar/the-yemen-review/july-sept-/23638

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى