أوراق بحثيةالإصداراتغير مصنفمقالات

الحرب الروسية/الأوكرانية…إلى أين

شهد تاريخ 24 فبراير 2022 هجوماً روسياً شاملاً على الأراضي الأوكرانية بهدف ماوصفه الرئيس الروسي آنذاك بأنه بهدف “نزع النازية” من أوكرانيا، ومع حلول نوفمبر 2022 تحولت الحرب إلى مواجهات بين الجانبين، وبعد مرور 3 سنوات على الحرب يمكن القول أن روسيا تسيطر على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية أي مايعادل 112 ألف كم2 أهمها مدينة ماريوبول الاستراتيجية وباخموت. وفي أغسطس 2024استولت أوكرانيا على نحو 1100 كم2 في مدينة كورسك الروسية . أما على صعيد الخسائر البشرية فقد أكدت صحيفة “ميديازونا” الروسية المستقلة أنها وصلت خلال 3 سنوات نحو 165 ألف قتيل روسي وتقدر صحيفة نيويورك تايمز القتلى في صفوف القوات الأوكرانية بنحو 100 ألف قتيل وهي أرقام تنافي المعلن من الجانب الأوكراني بسقوط نحو 48 الف قتيل و300ألف جريح. ويأتي ذلك وسط نزوح 10 مليون مواطن أوكراني داخلياً أو خارجياً.

وفي السياق عاليه ، ولتسليط الضوء على مختلف جوانب الأزمة، يصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية”دراية” ورقة بحثية تتناول مختلف جوانب الأزمة “سياسياً واقتصاديًا، وعسكريًا والمفاوضات الجارية لإنهاء الأزمة، وسر الاهتمام الأمريكي بحل الأزمة وصفقة المعادن النادرة، والموقف الأوروبي من التحركات الأمريكية الأخيرة حيال الأزمة وأخيراً المسارات المتوقعة لحل الأزمة”.

وقد توصلت الورقة لعدد من النتائج على النحو التالي:

  • من المتوقع حال التوصل لاتفاق لإنهاء الحرب أن تكون أوكرانيا بلد محايد وهو الشرط الذي فرضته روسيا كأساس لإنهاء الصراع .
  • من غير المتوقع أن تعود الأراضي التي استولت عليها روسيا في 2022 (لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوروجيا) إلى أوكرانيا كونها أصبحت روسية وبموجب الدستور لايحق ولا حتى للرئيس التفاوض عليها.
  • قد تكون أية مفاوضات لتبادل الأراضي لاستعادة روسيا لأية أراضي تسيطر عليها أوكرانيا – حال عدم النجاح في ضمها عسكرياً–من خلال مبادلتها مع ريف خاركوف شمال أوكرانيا والتي توسعت فيه روسيا من 45 إلى 50 ألف كم2.
  • لايزال الصراع يواجه المزيد من العقبات والصعاب لتنفيذ أية حلول نظراُ لما يترتب عليه من تعقيدات وصعوبات لوجيستية .
  • أن اهتمام ترامب بالوصول لقبول أوكرانيا بالتوقيع على اتفاقية المعادن النادرة يمثل أولوية لديه عن إنهاء القتال.
  • سيحاول ترامب بعد التوقيع على اتفاقية المعادن النادرة مساومة أوكرانيا والضغط عليها للوصول الى اتفاقية تسمح للولايات المتحدة بالسيطرة على محطات الطاقة النووية الأوكرانية او حتى ملكيتها.
  • على أوروبا بذل المزيد من الجهود وحشد الأموال اللازمة لضمان أمنها والدفاع عن نفسها.
  • على دول القارة الأوروبية فتح بابًا للحوار مع روسيا حول مخاوف الجانبين وكيفية تجنبها والخروج من حالة الصراع الجارية إلى مرحلة بناء السلام.
  • على اوكرانيا والغرب إدراك حقيقة عدم واقعية العودة للوضع الذي كان عليه عام 2014 .
  • على أوروبا وروسيا توفير الضمانات الأمنية لبعضهما البعض لضمان عدم توسع روسيا مستقبلاً و عدم استخدام دول جوار روسيا كمهدد للأمن القومي الروسي.

………………………………………………………………………

أولاً:الأزمة…مقدماتها وتطوراتها:

لم تكن الخلافات والعلاقات المتوترة بين روسيا وأوكرانيا بالجديدة فلطالما ظلً التوتر هو سيد الموقف على مدار التاريخ. فمنذ انفصال أوكرانيا بالإضافة إلى بيلاروسيا عن الاتحاد السوفيتي في 1991 حاولت موسكو السيطرة على هذه الدول من خلال تأسيس رابطة للدول المستقلة وحاولت استمالة الولاء الأوكراني من خلال إمداد البلاد بشحنات من الغاز الرخيص ولكن ذلك لم ينجح. كون أوكرانيا كانت دوماً متطلعة للغرب وذلك على عكس بيلاروسيا. ومع انشغال روسيا بحربها في الشيشان عام 1997 ومعاناة اقتصادها اعترفت البلاد فيما يسمى بـ”العقد الكبير” بحدود أوكرانيا بما فيها شبه جزيرة القرم والتي تقطنهاغالبية ناطقة بالروسية .

إلا أنه ومع وصول الرئيس بوتين للحكم والذي أخذ على عاتقه محاولة إعادة روسيا للمشهد السياسي كقوة عظمى بدأت أول أزمة دبلوماسية كبيرة بين الجانبين في عام 2003 بعدما قررت موسكو بناء سد على مضيق كريتش باتجاه جزيرة “كوسا توسلا” الأوكرانية ، الأمر الذي اعتبرته كييف محاولة إعادة ترسيم للحدود وفي محاولة لاحتواء الأزمة تم وقف بناء السد.

إلا أن التدخلات الروسية في محاولة لتشكيل المشهد السياسي في البلاد لم تنتهي فحاولت دعم المرشح لانتخابات الرئاسة فكتور يانوكوفيتش في انتخابات 2004، إلا أن الثورة البرتقالية والتي كانت ضمن الثورات الملونة التي ضربت دول أوروبا الشرقية – مدعومة من الغرب – حالت دون ذلك ووصل المرشح المدعوم من الغرب فيكتور يوشتشينكو وخلال فترة رئاسته استمر التوتر في العلاقات بين الجانبين، حتى أن روسيا قد قطعت إمداد الغاز عن البلاد مابين عامي 2006 و2009 ، فضلاً عن قطع امدادات الغاز المارة بالأراضي الأوكرانية لحرمانها من رسوم العبور.

ولطالما ظل موضوع انضمام أوكرانيا لحلف الناتو موضع خلاف، ففي العام 2008 حاول الرئيس الأمريكي حينها جورج دبليو بوش ضم أوكرانيا وجورجيا للناتو، إلا أن كل من ألمانيا وفرنسا رفضتا كما أكدت موسكو انها لن تقبل بالاستقلال التام لأوكرانيا. وحاولت أوكرانيا من جديد الحصول على الدعم الأوروبي من خلال توقيع اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي صيف عام 2013 لتمارس معها موسكو ضغوطاً اقتصادية كبيرة على كييف وعلى الواردات إليها وحينها حاول الرئيس الأوكراني يانكوفيتش – حليف روسيا والذي فاز بالانتخابات عام  2010 إيقاف تنفيذ المعاهدة  لتندلع الاحتجاجات التي أفضت بهروبه الى موسكو في فبراير 2014.

يُذكر أن روسيا قد أبرمت في عهده صفقة تسعير للغاز مقابل تمديد عقد إيجار البحرية الروسية في ميناء أوكراني على البحر الأسود بالتزامن مع وقفه لمحادثات التجارة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، مما أدى لاندلاع الاحتجاجات التي قادتها حركة ” يورو مايدن”مما أسفر عن تصويت البرمان بعزله وإصدار الحكومة المؤقتة مذكرة توقيف بحقه مما دفعه للهروب إلى موسكو ووصف روسيا قرار العزل بالانقلاب.

ورداً على ذلك  أعلنت روسيا بسط سيطرتها على شبه جزيرة القرم مارس 2014 وانتشرت قوات عسكرية روسية وغير عسكرية التواجد في منطقة الدونباس الغنية بالفحم شرق أوكرانيا، وأُجري استفتاء شعبي صوت فيه أكثر من95% من سكانها لصالح الانضمام إلى روسيا وتلا ذلك توقيع موسكو معاهدة مع زعماء القرم لضم شبه الجزيرة رسمياً.

وفي إبريل من ذات العام سيطر انفصاليون على منطقة دونباس شرقي أوكرانيا  فيما أعلنت كل من جمهورتي دونيتسك ولوجانسك الانفصال والحكم الذاتي واعتبارهما جمهوريتين شعبيتين يترأسهما الروس وبعد انتهاء الانتخابات الرئاسية  الأوكرانية في2014  أعلنت كييف عن عملية عسكرية أطلقت عليها” حربا على الارهاب” .

ومع استمرار التوترات والخوف في دخول في حرب مستعرة بين الجانبين تم الجمع بين الجانبين على طاولة المفاوضات لأول مرة بين الرئيس بوتين وبوروشينكو بوساطة ألمانية وفرنسية على هامش الاحتفال بمرور سبعين عاماً على الإنزال على شواطئ نورماندي في إطار مايعرف بصيغ نورماندي. ورغم الاتفاق ظلت المناوشات وحروب الوكالة قائمة بين الجانبين ومع توالي هزيمة القوات الأوكرانية تم إجبار أوكرانيا على التوقيع على مايعرف باتفاقية مينسك ” مينسك 2″ والتي شكلت حجر الأساس لمحاولات إحلال السلام .

وتزامن مع ذلك توقيع أوكرانيا لاتفاقيات تجارة حرة مع كندا في 2016 والاتحاد الأوروبي في 2017 سمحت بفتح أسواق للتجارة الحرة وتبادل السلع والخدمات والسفر مع إعفاء الأوكرانيين من تأشيرة دخول لدول الاتحاد.

الا أن هذا التوتر عاد من جديد مع تولي الرئيس المنتهي ولايته فولديمير زيلينسكي الحكم عام 2019 ومطالبته الرئيس الأمريكي جو بايدن بدعم أوكرانيا للانضمم لحلف الناتو وإمدادها بالمساعدات العسكرية ، وتزامن مع ذلك تحركاته بفرض عقوبات على حركات المعارضة المدعومة من روسيا،  لتبدأ موسكو بعدها في التحرك خاصة وأنها رأت أنه غير ملتزم ببنود اتفاقية مينسك .

ليكون عام 2022 عامًا لم تشهد أوروبا من حينها هدوءاً. حين بدأت موسكو بالحشد على الحدود وتدريب قواتها ، وفي يناير 2022 حركت موسكو قواتها لشمال أوكرانيا بدعوى إجراء مناورات مشتركة مع بيلاروسيا  وفي  فبراير أعلنت الولايات المتحدة نشر ألفي جندي في بولندا وألمانيا وألف جندي إضافي في رومانيا، كما وضع حلف شمال الأطلسي قواته في حالة تأهب، وعزز وجوده العسكري في أوروبا الشرقية عن طريق الدفع بمزيد من السفن والطائرات المقاتلة، في وقت دعت فيه عدة دول مواطنيها إلى مغادرة الأراضي الأوكرانية، كما أن عدداً من هذه الدول سحبت بعثاتها الدبلوماسية من كييف بعد ورود تقارير تفيد باقتراب الغزو الروسي.

وفي حين رفضت موسكو التقارير الغربية استمر الدعم الغربي الأمريكي لكييف بإرسال  الولايات المتحدة 3 آلاف جندي إضافي إلى بولندا للانضمام إلى 1700 جندي هناك. ومع استمرار لغة التصعيد والتهديد الغربية أعلن الرئيس الروسي في فبراير 2022 الاعتراف بـ”جمهوريتي” دونيتسك ولوغانسك”، مما دفع بايدن وبعض الدول الغربية إلى فرض جملة من العقوبات على روسيا وفي 24 من الشهر ذاته أعلن بوتين بدء عملية عسكري في اوكرانيا داعياً الجنود الأوكران لإلقاء أسلحتهم والذهاب إلى ديارهم . وبالفعل سيطرت روسيا على مناطق شاسعة من مقاطعة خيرسون واقتربت من السيطرة على خاركيف إحدى أكبر المدن شمال شرق البلاد بل ووصلت في مارس للعاصمة كييف قبل أن تنسحب منها أواخر مارس 2022.

وفي مايو 2022 أعلنت موسكو سيطرتها الكاملة على مدينة ماريوبول التي تتمتع بأهمية اقتصادية وعسكرية، وفي الشهر ذاته تمكنت القوات الموالية لموسكو من السيطرة على مدينة ليمان، التي تعد مركزاً لنشاط السكك الحديدية في منطقة دونيتسك.

ومع احتدام المعارك تبادل الطرفان مرات عدة الاتهامات بقصف محطة زاباروجيا النووية جنوب أوكرانيا وسط تحذيرات دولية من كارثة نووية محتملة .

ومع تزايد المساعات الأمريكية والغربية تمكنت كييف من إحراز بعض التقدم الميداني وشن هجوم على أسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم وإحراز تقدم في بعض المدن الواقعة تحت السيطرة الروسية مما دفع موسكو لزيادة أعداد القوات الروسية بنسبة 10%.

ووصلت قيمة المساعدات التي تلقتها أوكرانيا منذ بداية الحرب إلى 267 مليار يورو، بحسب بيانات من معهد كيل الألماني للاقتصاد العالمي. وكانت الولايات المتحدة على رأس قائمة أكبر المانحين، بإجمالي مساعدات بلغت قيمتها 114 مليار يورو، تليها دول الاتحاد الأوروبي بنحو 49 مليار يورو، وألمانيا بحوالي 17 مليار يورو.

 

ثانياً: الاستمرار في الحرب وفرض عقوبات:

تزامنت الحرب باتخاذ الطرفان عدداً من القرارات التصعيدية ، ففي حين أعلن الاتحاد الأوروبي فرض حزمة عقوبات على روسيا وتجميد الأصول الروسية بل ومصادرتها، أعلنت الولايات المتحدة فرض حظر على الغاز والنفط الروسي و أعلن الاتحاد الأوروبي خفض وارداته من النفط الروسي بنسبة 90 % لترد روسيا بوقف  إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب (غازبروم 1 )بحجة الصيانة مما تسبب في ارتفاع قياسي في أسعار الغاز في أوروبا، وتوالى الدعم الغربي من خلال تخصيص الولايات المتحدة لحزمة مساعدات وصلت حتى اليوم لنحو 350 مليار دولار في حين تعهدت دول مجموعة السبع بتقديم 19 مليار دولار. وفي  أواخر يناير 2023 دخلت الحرب منعطفاً جديداً بإعلان دول غربية إرسال دبابات إلى أوكرانيا، وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة التي أعلنت نيتها إرسال العشرات من دبابات “أبرامز”، إضافة لموافقة ألمانيا على إرسال دبابات “ليوبارد”، وصولاً لبريطانيا التي كانت السباقة في إعلان إرسال دباباتها الحديثة من طراز “تشالنجر”. وقد نددت الخارجية الروسية بقرار برلين والولايات المتحدة تسليم دبابات إلى كييف، معتبرة “أنه قرار خطير للغاية من شأنه أن يرفع النزاع إلى مستوى جديد من المواجهة”، متهمة الغربيين باتباع منطق “التصعيد الدائم”. وبعد قرار الغرب تزويد أوكرانيا بدبابات قتالية ثقيلة، بدأت كييف تطالب بأسلحة هجومية مثل طائرات مقاتلة وغواصات.

 أصول روسيا المجمدة:

أحد الملفات المهمة والتي تؤكد روسيا دوماً بأنها لن تستغني عنها هي أصولها المجمدة لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي،  ففي فبراير 2022 جمد تحالف عدد من الدول جميعها أعضاء في مجموعة السبع نحو 300 مليار دولار من الأصول الروسية، ويُحتفظ بنحو 200 مليار يورو لدى شركة يورو كلير وهي شركة مقاصة للأوراق المالية في بلجيكا.

ويأتي هذا بخلاف مايقرب من 2000 فرد وشركة روسية تخضع للعقوبات الأوروبية والأمريكية والأسترالية وكندا وأعضاء أخرون بإجمالي قيمة نحو  58 مليار دولار اعتباراً من أوائل العام 2023. ونظرا لكون هذا المبلغ لايمكن مصادرته إلا بوجود أدلة قانونية تدل على استخدامه كعائدات او أدوات للجريمة، فالحديث الأكبر على الأصول المملوكة للدولة الروسية .

مالمقصود بالتجميد؟

الواقع أن تجميد الأصول الروسية يعني أن روسيا لاتستطيع استخدامها بما في ذلك بيعها لكنها تبقى مالكة لها، وفي حال تم استخدام هذه الأصول لصالح أوكرانيا تحت مسمى” التجميد بغرض الاستيلاء” فيجب  بحث الآلية اللازمة لكيفية إنفاق هذه المبالغ سواء أصل رأس المال أوالفوائد، من خلال إنشاء صندوق تعويضات دولية مع إمكانية تعدد طرق التوزيع.

ويجب التفرقة بين المصطلحات فبينما يشير مصطلحي “المصادرة والتجميد” الاستيلاء على الأصول يدل مصطلحي “التحويل وإعادة الاستخدام” إلى إمكانية إتاحتها لصالح أوكرانيا.

وترى الدول الأوروبية أن تلك الأموال يجب أن تخصص لتعويض أوكرانيا عن الأضرار الناتجة عن الحرب.

وبينما تمنع حصانة الدول من الاستيلاء على ممتلكاتها،إلا أنه ووفقاً لقانون مسؤولية الدول فقديُسمح للدول باتخاذ تدابير مضادة رداً على أي خرق للقانون الدولي أملاً في استعادة حالة الامتثال للقانون الدولي بين الأطراف وأن تكون متناسبة وغير عقابية.

ونظراً لوجود خلافات قانونية بين المشرعين القانونيين حول مدى قانونية هذه الإجراءات واستمرار إجراءات التجميد، خاصة وأن “تجميد” الأصول لا يعني سوى توجيه الوسطاء الماليين الغربيين لتجنب أي معاملات معها – مما يجعل هذه الأصول، عمليًا، غير قابلة للمساس – دون التدخل رسميًا في حقوق ملكية مالكها على الإطلاق.

ينص قانون للمجلس الأوروبي على أن الهدف من أية عملية تجميد للأصول المالية هو “منع أي تحويل لهذه الأصول إلى جهة ما أو تغيير طبيعتها ومكوناتها أواستخدامها للتقليص من قيمتها أو تغيير هوية مالكها والمكان الذي تتواجد فيه”. وبناءً على ذلك،فإن ما تقوم به دول الاتحاد الأوروبي اليوم هو استغلال الأرباح الناتجة عن هذه الأصول واستخدامها لمساعدة أوكرانيا في حربها وبلغت فائدة الأرباح في 2020 حوالي 4,5 مليار يورو يتم صرفها لصالح أوكرانيا، بما يتماشى مع مقترحات “التجميد بغرض الاستيلاء” الأصلية. وهناك خيار آخر يتم- بحثه-يتمثل في الحفاظ على رأس المال مع السعي إلى استثماره وإدارته بشكل أكثر فعالية لتوليد تدفق أكبر من الإيرادات لصالح أوكرانيا، على غرار صندوق الوقف. أما أقل الخيارات طموحًا، فيتمثل في تحقيق نفس العوائد السابقة، والحفاظ على الأصول القائمة لتسهيل منح أية قروض يتم التوافق بشأنها مستقبلاً.

إضافة لذلك فهناك اعتبارات اقتصادية وسياسية وخاصة مايرتبط بثقة المستثمرين في الاستثمار لدى دول الاتحاد والخوف من مصادرة الأصول حال وجود نزاع مع دولهم.

في حين ترى يوروكلير بأن هذه الأموال، أو جزءًا كبيرًا منها، يجب أن تبقى في حوزتها كاحتياطي استراتيجي لتغطية تكاليف التقاضي في حال رفعت روسيا دعوى قضائية ضدها. وفي عام 2024، اعتمد الاتحاد الأوروبي قواعد تُلزم يوروكلير بفصل الأرباح الاستثنائية في تقاريرها المالية والامتناع عن توزيعها على مساهميها (ومن المثير للدهشة أن من بين المساهمين صندوق الثروة السيادية الصيني). في غضون ذلك، تفرض بلجيكا ضريبة دخل على الشركات بنسبة 25% على هذه الأرباح. وقد تقاسمت بلجيكا بعضًا من هذه الإيرادات الضريبية، وليس كلها، مع أوكرانيا.

هذا وتجدر الاشارة إلى أن نسبة كبيرة من مبلغ 200 مليار يورو لدى شركة يورو كلير يمثل حسابات مصرفية وأوراقًا مالية تحتفظ بها يوروكلير بالعملات الأجنبية، على سبيل المثال 21.8 مليار دولار كندي و5.8 مليار دولار أسترالي. ويبدو من المرجح أن يوروكلير تحتفظ بهذه الأموال لصالح البنك المركزي الروسي في بنوك الدول المعنية. هذا بالإضافة إلى مبالغ أصغر بكثير تحتفظ بها روسيا في تلك الولايات القضائية مباشرةً، دون تدخل يوروكلير.

وقد توصل الاتحاد الأوروبي إلى إجماع على استخدام فوائد الأصول الروسية المجمدة لصالح أوكرانيا. وقد تم بالفعل تحويل بعض الأموال المُحصلة إلى أوكرانيا. وقبل ذلك، كانت المفوضية الأوروبية وافقت على اقتراح لاستخدام عائدات الأموال الروسية المجمدة لتقديم المساعدة إلى كييف، ينص على تحويل 90% من إيرادات الأصول الروسية لشراء قذائف لأوكرانيا وتحويل 10% إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي للدعم اللاحق لأوكرانيا.

وردأ على ذلك وقع الرئيس الروسي بوتين  في وقت سابق من العام 2024 مرسوماً يسمح لموسكو والشركات الروسية بتعويض الأضرار التي لحقت بها على حساب الأصول الأميركية في روسيا.الا أنه ونظراً لأن الجانبين الأمريكي والروسي لاتربطهما علاقات مالية كبيرة كالاتحاد الأوروبي فلن تساهم تلك الأصول في تعويض الأضرار التي لحقت بها على حساب الأصول الأميركية في روسيا.

يذكر أن مبلغ المساعدة الذي خصص من العائدات الروسية 1.5ملياريورو- عبر الشريحة الأولى – ضئيل مقارنةً بما تحتاجه أوكرانيا. لذلك، فقد وافقت مجموعة الدول السبع الكبرى في عام 2024 على إصدار قرض بقيمة 50 مليار دولار لمصلحة أوكرانيا، مدعوماًبتدفق الإيرادات المتأتية من الأصول الروسية المجمدة على مدى السنوات العشر المقبلة. ومع ذلك، لم يُصدر القرض بعد. ومن أهمّ العوائق أمام نجاحه ضرورة بقاء الأصول الحكومية الروسية مجمدة على المدى الطويل. ولا يُمكن ضمان ذلك، إذ يجب تمديد عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا بإجماع جميع الدول الأعضاء كل ستة أشهر. ومن المقرر أن يتم التمديد التالي في أو قبل 31 يوليو 2025، مع وجود احتمال من أن تُعرقله المجر أو سلوفاكيا، لا سيما في ضوء التقارب بين ترامب وبوتين.

وبعد القرارات الأوروبية باستثمار الأموال الروسية وتخصيص عائداتها لمساعدة أوكرانيا تم وقف أنشطة عدد من الشركات الأوروبية العاملة في مجال النفط والغاز وعدد من المشاريع الأخرى على الأراضي الروسية .

كمايمكن لشركات مثل غازبروم وروس أتوم الروسيتين الاستفادة من قرار الرئيس الروسي- بمصادرة أصول الشركات الغربية العاملة في مجال النفط والغاز، فمثلاً تمتلك توتال الفرنسية ما يقرب من 20% من الأسهم في عملاق الطاقة الروسي نوفاتيك، وتمتلك شركة بريتيش بتروليوم ما يقرب من 20% في روسنفت الروسية، علاوة على وجود أسهم أجنبية في غازبروم الروسية.

وبالفعل تم تجميد الأموال التي كانت مستحقة عند دفع أرباح الأسهم للأجانب في حسابات خاصة، والتي يمكن كذلك توزيعها كتعويض عن الأضرار.

كما لوّحت موسكو بإمكانية مصادرتها أصولاً لدول غربية بقيمة 288 مليار دولار، وفعلياً فقد صادرت أصول وحسابات وممتلكات لبنوك ألمانية “دويتشه بنك” و”كومرتس بنك” بروسيا في إطار دعوى قضائية وكذلك يونيكريدت الايطالية وبنوكاً أخرى، في إطار فسخ عقود للغاز ومشاريع استثمارية بين الجانبين.

كما أن المستثمرين الروس في غالبيتهم أصبحوا يستثمرون في دول أخرى مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة، ويودعون أصولهم المالية في بنوك هذه الدول. نفس الأمر بالنسبة للسياح الروس الذين غيروا كثيراً من وجهاتهم الترفيهية بعدما كانوا يأتون أفواجاً إلى  فرنسا وإيطاليا.

الواقع أن استخدام وتوظيف الأصول الروسية يعود  إلى أعضاء الاتحاد الأوروبي، بمعنى الدول المكونة لهذا الاتحاد. فمجلس الاتحاد الأوروبي الذي يضم في صفوفه وزراء المالية لكل دولة هو الذي سيقرر مصير الأصول الروسية. ولكي يتم استخدام هذه الأصول أو منحها لأوكرانيا لكي تشتري أسلحة، فعلى وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي أن يصوتوا بالغالبية العظمى لصالح هذا القرار. إلا أن ثمة بعض الدول قد تعارض القرار، وفي مقدمتها المجر.

كما أن هناك العديد من الدول التي لاتروق لها فكرة المصادرة بدءاً بفرنسا التي تخشى أن تكون هذه الخطوة بمثابة رسالة سلبية تجاه المستثمرين الأجانب الذين قد يخشون وضع أموالهم في البنوك الفرنسية. نفس الشيء بالنسبة لإيطاليا وألمانيا اللتين تعارضان هذا المشروع، وذلك خلافاً لبولندا وهولندا.

ثالثاً:خسائر جراء حرب مستعرة:

تلك الحرب الي امتدت نيرانها لتعصف بالاقتصاد العالمي بل وأسفرت عن أزمات سياسية وخلافات طاحنة داخل أروقة حلف الناتو  حول سبل دعم أوكرانيا، فضلاً عن خسائر بشرية قدرت بنحو 240 ألف مابين مدني وعسكري من كلا الطرفين وخسائر مادية قدرت بنحو 70% من مخزون روسيا من الصواريخ الصالحة للأهداف البرية و60% من دباباتها القتالية و20% من مدفعيتها ، مقابل خسارة أوكرانيا نحو 400 دبابة وأكثر من 1500 مركبة قتالية حسب تقرير موقع “أوريكس” المعني بشؤون الدفاع.

وعلى الصعيد الاقتصادي فقدت كييف نحو 40% من ناتجها المحلي الإجمالي حيث تراجعت صادراتها من  الحبوب الدعامة الرئيسية لاقتصادها من 106 مليون إلى 33 مليون طن فقط عام 2023.

ورغم امتلاكها لاحتياطات من الغاز الطبيعي  إلا أنه ونتيجة للحرب وماتسببت به من اتلاف منشآت الانتاج شرق البلاد، تخطط أوكرانيا استيراد ما يصل إلى 6.3 مليار متر مكعب من الغازلسد احتياجاتها في موسم الشتاء 2025 – 2026 خاصة وانها اضطرت إلى زيادة السحب من مخزون الغاز وزادت من وارداتها في الشتاء والربيع. وسيكلف هذا البلاد ما يصل إلى ثلاثة مليارات دولار، لكن الأموال المتاحة حالياً كافية لشراء 0.4 مليار متر مكعب فقط، وستحتاج شركة “نفتو غاز” والحكومة إلى إيجاد أموال كبيرة لسد الفجوة.

أما روسيا فالواضع الاقتصادي أفضل حيث سجلت نمواُ بنسبة 4.1%عام 2024 رغم الضغوطات والعقوبات الأوروبية، بعد أن أعادت تنظيم أنشطتها حول اقتصاد الحرب، حيث بلغ إنفاقها الدفاعي 8.7% من ناتجها المحلي الإجمالي. ومع ذلك، أدت العقوبات الدولية إلى ارتفاع التضخم، وارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة 22.1% خلال عام واحد.

وبينما تؤكد أرقام البنك الدولي أن الاقتصاد الروسي تراجع في العام الأول للحرب، لكنه تعافى في العامين التاليين، تقول وزارة الخزانة الأميركية إن العقوبات على روسيا دفعت إلى تسجيل تراجع بنسبة 5% من النمو الاقتصادي الذي كان من الممكن تحقيقه في روسيا. كما تلقت موسكو عدة ضربات من أوروبا والولايات المتحدة عنوانها الرئيسي العقوبات، 16 ألفا و500 عقوبة فرضتها دول مختلفة على روسيا خلال السنوات الثلاث الماضية، هدفت بشكل أساسي إلى تقويض الاقتصاد الروسي والأموال الروسية في الخارج.

وفي التكلفة المباشرة، قال مسؤول كبير بوزارة الدفاع الأميركية إن روسيا أنفقت أكثر من 200 مليار دولار بشكل مباشر على الجيش لتنفيذ عمليات في أوكرانيا، وإن موسكو خسرت أكثر من 10 مليارات دولار بسبب إلغاء صفقات أسلحة أو تأجيلها.

أما إعادة إعمار ما دمرته الحرب، فقدرت الحكومة الأوكرانية والبنك الدولي التكلفة الإجمالية لإعادة الإعمار والتعافي بأكثر من 480 مليار دولار.وبلغت تكلفة الحرب على أوكرانيا خلال 3 سنوات حوالي 820 مليار دولار.

أما الطرف الثالث المتضرر من هذه الحرب فهم الأوروبيون، حيث أدت الحرب إلى نزوح ملايين الأوكرانيين، مما شكّل عبئًا على الدول الأوروبية المجاورة، فقد استقبلت بولندا وألمانيا وجمهورية التشيك أعداداً كبيرة من اللاجئين الأوكرانيين، مما تطلب موارد إضافية لتوفير المأوى والرعاية الصحية والتعليم.

كما أدت الحرب إلى إفلاس شركات وارتفاع أسعار المواد الغذائية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا بسبب اعتمادها على الغاز الروسي.

وتُقدر بعض الدراسات خسائر الاقتصاد الأوروبي بحوالي تريليون و600 مليار دولار بسبب هذه الحرب، ويشمل ذلك الآثار المباشرة مثل العقوبات، وكذلك الآثار غير المباشرة مثل زيادة الإنفاق العسكري وتكاليف رعاية اللاجئين.

ولأن أوكرانيا هي أحد أهم موردي القمح بالعالم، فقد توقف وصول القمح إلى دول كثيرة، فارتفعت أسعاره 60% في العام الأول للحرب، وانخفض المخزون العالمي 6% في دول تعتمد على القمح الأوكراني مثل الشرق الأوسط وأفريقيا.

فالواقع أن أوكرانيا تزخر بالموارد الطبيعية التي جعلت ترامب يضعها ضمن أهدافه الأولى حتى قبل توليه منصب الرئاسة وهو مانوضحه تالياً.

رابعاً: أوكرانيا…والصراع على الثروات الطبيعية

بحسب التقديرات فإن أوكرانيا تمتلك 5 % من إجمالي”المواد الخام الحيوية” في العالم، ومنها:19مليون طن من الاحتياطيات المؤكدة من الغرافيت، والتي تستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية. كما أنها تستحوذ بمفردها على ثلث جميع رواسب الليثيوم الموجودة في أوروبا، وهي المكون الرئيسي في صناعة البطاريات الحالية.

وقبل أن يبدأ الغزو الروسي الكامل قبل ثلاث سنوات، كانت أوكرانيا مسؤولة أيضا عن 7 % من إنتاج التيتانيوم في جميع أنحاء العالم، ويستخدم في الصناعات الحديثة وبناء كل شيء تقريباً من الطائرات إلى محطات الطاقة.

كما تحتوي الأراضي الأوكرانية أيضا على رواسب كبيرة من المعادن النادرة، وهي مجموعة من 17 عنصراً تستخدم لإنتاج الأسلحة وتوربينات طواحين الهواء والإلكترونيات وغيرها من المنتجات الحيوية في العالم الحديث.

ومع ذلك، فقد استولت روسيا على بعض الرواسب المعدنية. ووفقا ليوليا سفيريدينكو، وزيرة الاقتصاد الأوكرانية، فإن هناك موارد بقيمة 350 مليار دولار، لا تزال في الأراضي التي تحتلها روسيا.

ويمكن القول أن “أوكرانيا تمتلك أول احتياطي أوروبي من خامات اليورانيوم، والثاني من خامات التيتانيوم وعاشر احتياطي عالمي من هذه المادة، وثاني احتياطي عالمي من خامات المنغنيز (2.3 مليار طن، أو 12 بالمئة من الاحتياطيات العالمية)، وكذا ثاني احتياطي عالمي من خام الحديد (30 مليار طن)، وثاني احتياطي خام الزئبق الأوروبي. إلى جانب ذلك، فهي تمتلك أيضا ثالث احتياطي أوروبي من الغاز الصخري (22 مليار متر مكعب)، وسابع أكبر احتياطي فحم بالعالم (33.9 مليار طن).

كما أن أوكرانيا بلد زراعي وتستطيع تلبية احتياجات لنحو 600 مليون شخص، حيث يوجد بها أكبر مساحة من الأراضي الصالحة للزراعة في أوروبا، وثالث أكبر مساحة من الأرض السوداء(chornozem) بالعالم(25 %). كما أنها المُصّدر الأول لزيت عباد الشمس في العالم، وهي ثاني منتج للشعير ورابع مصدر عالمي، وثالث منتج للذرة في العالم ورابع مصدّر، وهي رابع منتج عالمي للبطاطا، وخامس منتج عالمي للجاودار. وهي أيضا تحتل المركز الخامس عالميا في إنتاج وتربية النحل والعسل والشمع وغذاء ملكات النحل وحبوب اللقاح والبروبوليس وسم النحل.وأوكرانيا هي ثامن مصدر للقمح في العالم، وتاسع منتج عالمي لبيض الدجاج، وأكبر مصدّر للجبن في العالم”.

وتستحوذ أوكرانيا على ما يعادل 18 بالمئة من حصة الشحنات العالمية من القمح. في المقابل، صنّفت أوكرانيا كسادس أكبر مُصدر للقمح في 2021، حيث بلغت صادراتها 20 مليون طن من القمح والميسلين وبلغت حصتها من السوق العالمي نسبة 10 بالمئة. كما برزت أوكرانيا وروسيا في ساحة التجارة العالمية للذرة والشعير وبذور اللفت، وأكثر من ذلك في قطاع زيت عباد الشمس، حيث بلغت قواعد إنتاجهما الكبيرة من سوق الصادرات العالمية ما يقرب 63 بالمئة.

كما أن أوكرانيا بلد صناعي حيث إنها أول منتج أوروبي للأمونيا. وبها ثاني أكبر شبكة خطوط أنابيب غاز في أوروبا والرابعة في العالم (142.5 مليار متر مكعب من سعة إنتاج الغاز في الاتحاد الأوروبي). وهي تمتلك ثالث أكبر أسطول نووي في أوروبا والثامن في العالم، وثالث أطول شبكة سكك حديدية في أوروبا و11 عالميا (21700 كم). وأوكرانيا هي ثالث منتج عالمي لأجهزة تحديد المواقع ومعدات التتبع (بعد الولايات المتحدة وفرنسا)، ورابع أكبر مصدّر للتوربينات لمحطات الطاقة النووية، ورابع مصنّع في العالم لقاذفات الصواريخ، والمصدّر الثامن في العالم للخامات والمركزات المعدنية، والمصدّر التاسع عالميا في صناعة السلاح، والعاشرة عالميا في إنتاج الصلب.

وبعد استعراض الأرقام السابقة يتضح أن الصراع في أوكرانيا لم يكن ذو طبيعة جيوسياسي فقط وإنما يشوبه الطبيعة الاقتصادية، خاصة وأن البلاد تتمتع بالمواد الطبيعية واحتياطيات أولية هائلة من المعادن والنفط والغاز فضلاً عن الثروات الزراعية والصناعية التي جعلتها مصدر جاذب للشركات الأجنبية بما فيها الأمريكية كما ترى أوروبا أنه لايجب ترك الساحة أمام روسيا للفوز بتلك الثروات وحدها.

وعليه فإن للغرب مطامع أكثر في الثروات الأوكرانية في ظل ماتمتع به البلاد من أراضي خصبة ومصادر للمياه العذبة وعمالة غير مكلفة، فضلاً عن محاولة التخلص من الاحتواء الروسي الكبيرعلى سوق القمح والحبوب ففي هذا القطاع من بين أكبر سبعة مصدرين، شكلت روسيا مجتمعة 79 % من التجارة الدولية في 2021، وهي تحتل المرتبة الأولى.

ولكن لايمكن القول أن حرب روسيا على أوكرانيا كان لها ذات الأسباب خاصة وأنها أيضا تزخر بالثروات الطبيعية، إلا أن إخلال الغرب معها في الاتفاقيات المتعلقة بعدم التواجد في شرق أوروبا وصمت الغرب على قصف مستمر لمدة ثماني سنوات من طرف الجيش الأوكراني لمناطق دونيتسك ودونباس اللتين يشكل العرق السلافي-الروسي المكون الرئيسي لجل سكانهما. ثم يظهر في المشهد قبل 2014 توجه القيادات الأوكرانية لدعوة حلف الناتو للتمركز في المناطق البحرية في القرم وما حولها بما يتسبب في إغلاق الممرات البحرية الضيقة أمام الأسطول البحري الروسي، ثم دعوة الشركات الغربية للتنقيب عن النفط والغاز في هذه المناطق بدون مراعاة للجوانب الأمنية مع الجانب الروسي وتجاهل التنسيق معها كلها سكلت مجتمعة أسباباً للتحرك الروسي منذ 3 سنوات وحتى اليوم.

وعلى صعيد آخر، لابد من الاشارة إلى أن الولايات المتحدة تتمتع بحصة في الثروة الزراعية الأوكرانية، فالشركات الأمريكية تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الأوكرانية عبر صناديق استثمار، فشركات “Cargill” و”DuPont” و”Monsanto” وهي شركات ألمانية وأسترالية رسمياً لكنها أمريكية في الأساس، من بين أبرز مالكي الأراضي الزراعية الأوكرانية.

ووفقا لعدد من الاحصائيات فالشركات الأمريكية الثلاث الكبرى متعددة الجنسيات تملك معاً أكثر من 1.7 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة في أوكرانيا. ومنذ دخول القانون الجديد بشأن بيع الأراضي الزراعية حيز التنفيذ في 1 يوليو 2021، استحوذت تلك الشركات التي يمولها رأس المال الأمريكي على العديد من الأراضي الصالحة للزراعة في أوكرانيا.

ورغم نفي أوكرانيا تملك هذه الشركات للأراضي وأنه وفقاً للتشريعات يتم تأجير تلك الأراضي ويحظر تملكها.

يُذكر أنه وقبل اندلاع الحرب، كانت أوكرانيا تنتج 46 % من إجمالي محصول زيت عباد الشمس على مستوى العالم، و9 % من القمح، و17 % من الشعير، و12 % من الذرة، وفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية.إلا أنه ونتيجة للحرب وارتفاع اسعار الوقود والأسمدة وقصف بعض الأراضي فقد انخفضت النسبة للمحاصيل 40% للقمح و30% للذرة.

كما سيطرت روسيا على المقاطعات الغنية بالنفط وأوقفت المشاريع الغربية فيها  كما سبق وحدث في شبه جزيرة القرم بعد أن استولت روسيا عليها فقد تم وقف كافة المشاريع التي حصلت عليها شركات إكسون موبيل” و”Shell شل” و”Chevron شيفرون” في 2012 ، فضلا عن وقف تنفيذ اتفاقية أخرى مع شركة الكهرباء الفرنسية EDF وشركة ENI إيني الإيطالية لاستغلال الهيدروكربونات بشرق شبه جزيرة القرم لإنتاج 3 ملايين طن من النفط سنوياُ.

خامساً: لماذا تريد الولايات المتحدة توقيع اتفاق للسلام وإنهاء الحرب؟

الواقع انه بجانب سياسة ترامب التي تفضي إلى إنهاء الحروب وعدم صرف أموال دافعي الضرائب الأمريكيين على تمويل للخارج لشراء الأسلحة؛ فإن الولايات المتحدة كذلك طامحة فيما تمتلكه أوكرانيا من ثروات معدنية – تمت الاشارة إليها- خاصة وأن المعادن الحيوية التي تمتلكها أوكرانيا تلعب دور هام في الاقتصاد التكنولوجي في العصر الحديث فهي أساس للطاقة المتجددة والتطبيقات العسكرية والبنية التحتية الصناعية، فضلاً عن لعب دور استراتيجي متزايد في الجغرافيا السياسية والاقتصاد الجغرافي ، وبما أن الولايات المتحدة إحدى الدول الرائدة في تلك الصناعات فهي تحاول تقليل اعتمادعا على الصين والتي تستحوذ على نحو 75% من رواسب المعادن النادرة في العالم خاصة وأنه في ظل الحرب التجارية القائمة بين البلدين قيدت الصين بعض الصادرات من بعض المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة.

وعليه يمارس ترامب ضغوطا وتصعيداً كبيراً إزاء أوكرانيا حيث أدخلت بعض التغييرات على الاتفاق المبدئي للمعادن النادرة طالبت فيها إنشاء مجلس بين الولايات المتحدة وأوكرانيا للإشراف على صندوق استثماري مشترك يتم عبره توزيع عائدات مشاريع النفط والغاز والمعادن بين البلدين، على أن  تعيّن واشنطن 3 من أصل 5 أعضاء في المجلس، ما يمنحها حق النقض “الفيتو” الكامل على قرارات الصندوق. كما نصت على تخصيص 50% من أرباح تلك الموارد لصندوق مشترك، إلا أنه لم يتم التوقيع عقب مشادة كلامية بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض وإن أعلنت الولايات المتحدة في 19 إبريل 2025 عن توقيع مذكرة نوايا تمهيدا لتوقيع اتفاق النعادن النادرة.

وبموجب الاقتراح الجديد، فإن المشاريع التي يغطيها الصندوق تشمل تلك التي تنفذها الحكومة الأوكرانية، وكذلك الشركات المعتمدة من قبل كييف أو المؤسسات المملوكة للدولة، كما يشمل البنية التحتية المتعلقة باستغلال الموارد الطبيعية، مثل الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب والموانئ ومنشآت المعالجة.

وينص المقترح على تحويل العائدات مباشرة إلى عملات أجنبية وإرسالها إلى الخارج، بينما ستكون أوكرانيا ملزمة بتقديم تعويضات في حال حدوث تأخيرات أو نزاعات.

كما ستحصل الولايات المتحدة على حصتها من العائدات قبل أوكرانيا، مع إضافة علاوة بنسبة 4%، وستحتفظ بحقوق أولوية في مشاريع البنية التحتية، إضافة إلى “الفيتو” على بيع الموارد إلى أطراف ثالثة.

سادساً: مفاوضات السلام…لاتزال تراوح مكانها

كانت الولايات المتحدة وخلال المفاوضات التي استضافتها مدينة جدة السعودية  خلال شهر مارس 2024 قد اقترحت هدنة مؤقتة لمدة 30 يوماً قابلة للتجديد لوقف إطلاق النار وتضمن الاقتراح تبادل أسرى الحرب وإطلاق سراح المعتقلين المدنيين وعودة الأطفال الأوكرانيين المنقولين قسراً. وذلك بدون التطرق إلى العقوبات على روسيا أو تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، وإن أشار إلى مشاركة الحلفاء الأوروبيين في عملية السلام. وبينما مثلت المفاوضات حجراً حرك المياه الراكدة بين واشنطن وكييف بعد اللقاء الذي جمع بن ترامب وزيلينسكي وكان أقل ماوصف به بأنه خلى من معايير الدبلوماسية الذي أعلنت معه واشنطن وقف التبادل الاستخبراتي بين البلدين ووقف عمليات نقل الأسلحة. إلا أن موافقة كييف على التفاوض مع روسيا وبحث خيارات السلام تم استئناف تدفق الأسلحة الأمريكية  البالغ قيمتها نحو 2 مليار دولار واستئناف التعاون الاستخباراتي بين الجانبين .

كما  تصمنت الهدنة المؤقتة اتفاق الجانبان على استئناف العمل بمبادرة البحر الأسود وضمان أمن الملاحة وعدم استخدام القوة ضد السفن التجارية أو استخدامها للأغراض العسكرية. كما تلتزم واشنطن بتسهيل عودة صادرات روسيا الزراعية والأسمدة للسوق العالمي وخفض تكلفة تأمين الشحن البحري وبعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ يتم رفع القيود والعقوبات المفروضة على مصرف الزراعة الروسي والمصارف الروسية الأخرى المعنية بتجارة الأسماك والأسمدة واستعادة نظام سويفت وضمان وقف استهداف البنية التحتية للطاقة الروسية والأوكرانية لمدة 30 يوماً..

وجاء رد الرئيس الروسي قبل موافقته على أي هدنة على “أن أي هدنة يجب أن تكون بداية لوقف دائم لإطلاق النار وإنهاء للنزاع” . كما أكد على قبول وقف إطلاق النار من حيث المبدأ إلا أن هناك حاجة لمناقشة عدد من القضايا قبل الالتزام بهدنة محدداً إياها في 3 نقاط رئيسية:

  1. مصير القوات الأوكرانية في كورسك: ففي أغسطس 2023، شن الجيش الأوكراني توغلاً مفاجئا في منطقة كورسك الروسية، واستولى على أراض. وعلى الرغم من استعادة روسيا لمعظم هذه الأراضي، لا تزال القوات الأوكرانية موجودة في المنطقة. وفي هذا السياق، تساءل بوتين: “هل سيخرج جميع الموجودين هناك دون قتال؟ أو هل ستأمرهم القيادة الأوكرانية بإلقاء السلاح والاستسلام؟”. يُذكر أنه في 20 إبريل 2025 أعلن رئيس الأركان الروسي عن استعادة  99% من أراضي منطقة كورسك التي سيطرت عليها أوكرانيا وبعد طرد القوات الأوكرانية من قرية أوليشينا الحدودية الصغيرة، لم يعد أمام الجيش الروسي سوى قرية أخيرة، وهي قرية جورنال لاستكمال استعادة السيطرة على منطقة كورسك.
  2. إعادة تجميع القوات الأوكرانية: أشار بوتين إلى أن وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا قد تستغله أوكرانيا لحشد قوات جديدة وتلقي أسلحة إضافية. وقال “كيف يمكننا وكيف سنضمن عدم حدوث شيء من هذا القبيل؟ كيف سيتم تنظيم السيطرة؟”.
  3. آلية مراقبة وقف إطلاق النار: تساءل بوتين عن كيفية مراقبة وقف إطلاق النار ومن سيضمن التزام الطرفين بالاتفاق. وقال “من سيصدر الأوامر بوقف الأعمال العدائية؟ ومن الذي سيحدد أين ومن الذي انتهك اتفاق وقف إطلاق النار المحتمل على مسافة ألفي كيلومتر؟”.

استمرار الحرب..واقتراح هدنة روسية:

رغم الجهود الأمريكية للتوصل لاتفاق سلام بين الجانبين ورغم وجود هدنة مؤقتة لمدة 30 يومًا إلا أن وقف اطلاق النار لم ينفذ على أرض الواقع، حيث يوجه الطرفان ضربات لمحطات الطاقة فضلاً عن إسقاط طائرات مسيرة وتوجيه ضربات روسيا استهدفت قلب مدينة سومي أوقعت 131 شخصا بين قتيل وجريح ردًا على استهداف منشآت الطاقة الروسية في تقدّم روسي في هذا الجزء من شمال شرقي أوكرانيا، الذي أُجبرت على الانسحاب منه في ربيع 2022. وأعلن قائد الجيش الأوكراني أولكساندر سي، أن الروس باشروا شن هجمات في منطقتي سومي وخاركيف (شمالي شرق) لإقامة «مناطق عازلة» ومنع مزيد من التوغلات الأوكرانية.

وبينما تستمر الحرب صرح ترامب مؤخراً بأنه مستعد “للتخلي” عن التوسط في اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا إذا لم يتمكن الجانبان من التوصل إلى اتفاق بشكل “سريع”، مكررًا تحذير وزير الخارجية الذي هدد بالتخلي عن الوساطة إذا لم يكن من الممكن التوصل إلى اتفاق في غضون أيام وقد وجدت أنباء عن. أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مستعدة للاعتراف بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم كجزء من مقترح أمريكي لإنهاء الحرب مع أوكرانيا/ كما تم إطلاع الأوروبيين والأوكرانيين على إطار العمل في باريس وأن هناك بنودا من إطار العمل لا تزال بحاجة إلى استكمال، وأن الولايات المتحدة تخطط للعمل مع الأوروبيين والأوكرانيين على ذلك خلال الأسوع الاخير من ابريل في لندن.

كان الرئيس بوتين قد أعلن عن هدنة لمدة 30 ساعةبمناسبة عيد الفصح ورغم إعراب أوكرانيا بالتزامها بالهدنة ومطالبتها بتمديدها قامت  بقصف مدينة غورلوفكا إلا أن قوات نظام كييف في جمهورية دونيتسك الشعبية، صباح عيد الفصح رغم الهدنة.

تقييم المفاوضات:

رغم أنه تم الاتفاق على تشكيل فريقي التفاوض ومع استمرار التنسيق بين كييف وواشنطن بشأن كيفية دعم أوكرانيا، ولكن ذلك التفاوض لن يشمل الموافقة التي طالما أرادها زيلينسكي بالحصول على العضوية في حلف الناتو خاصة بعد رفض ترامب لهذا المطلب .كما أن الولايات المتحدة لم تبدي موافقة أو رفض على طلب كل من بريطانيا وفرنسا بنشر قوات حفظ سلام أوروبية بأوكرانيا خاصة بعد رفض روسيا هذا المقترح، في حين يرى ترامب أن توقيت صفقة المعادن من شأنها أن تردع روسيا من غزوها مستقبلاً لان الشركات الأمريكية ستكون موجودة على الرض ولكن الواقع يؤكد أن هذا الوجود لم يمنع وسيا من الحرب خلال الاعوام 2014 او 2022.

لطالما شعر الرئيس الأمريكي بأنه يستطيع من خلال شخصيته ودبلوماسيته المنفردة إنهاء أي صراع بما فيها الصراع الروسي الأوكراني فلطالما صرح خلال حملة ترشحه بأنه يستطيع إنهاء الحرب خلال يم واحد إلا أنه وبعد وصوله للرئاسة ومرور أكثر من شهرين على تنصيبه لم ينجح ترامب حتى في تأمين وقف اطلاق نار مؤقت وفوري لمدة 30 يوماً وكل ماتمكن من الحصول عليه هو وعد الرئيس الروسي بإنهاء الهجمات الروسية على منشآت الطاقة الأوكرانية، وهو التزام اتهمت أوكرانيا الرئيس الروسي بنقضه بعد ساعات من المحادثات. فضلاً عن وجود عقبات تتعلق بالتفريق بين منشات الطاقة والبنية الحتية المدنية الأخرى وهو ماسيحتاج من الخبراء الفنيين إعداد قوائم بحطات الطاقة المحتملة بما فيها النووية او غيرها.

والواقع أن ذلك لايعود فقط الى شخصية ترامب بل حتى لوجودخطط لدى الرئيس الروسي الذي أكد انه لاينوي التسرع بعد شهر كامل من المحادثات مع نظيره الأمريكي حيث يرفض بوتين بشكل قاطع استراتيجية الولايات المتحدة ذات المرحلتين، المتمثلة في السعي إلى وقف إطلاق نار مؤقت قبل الحديث عن تسوية طويلة الأجل. وبدلاً من ذلك، قال إن أي محادثات يجب أن تتناول ما يراه “الأسباب الجذرية للحرب”، أي مخاوفه من توسع حلف الناتو ووجود أوكرانيا كدولة ذات سيادة يُشكلان تهديداً لأمن روسيا.

بالاضافة الى ذلك ربما أخطأت الولايات المتحدة بالتعويل على أوكرانيا لإنهاء النزاع بل وأكدت أن الرئيس الأوكراني يمثل عقبة كبيرة أمام تحقيق السلام .

ومؤخرا أعلن ترامب عن أمله في التوصل لاتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا ،  ويأتي ذلك بعد الإعلان والمقترح الذي دعا إليه الرئيس بوتين من إنشاء إدارة موقتة برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وبالتعاون مع الدول الأوروبية، وبالطبع مع الشركاء والأصدقاء، مناقشة إمكانية إدارة مؤقتة لأوكرانيا، بهدف إجراء انتخابات ديمقراطية، وإيصال حكومة كفء تحظى بثقة الشعب.

ومن الملفت كثيراً الأخذ في الاعتبار لما صرح به كيت كيلوغ المبعوث الخاص للرئيس ترامب حول مستقبل المناطق الأوكرانية الخاضعة تحت السيطرة الروسية وبينما شبه الوضع بما كانت عليه برلين بعد الحرب العالمية الثانية حينما تم تقسيمها، أعاد وأوضح  أن القوات البريطانية والفرنسية يمكن أن تكون بمثابة «قوة طمأنة» غرب نهر دنيبرو الذي يفصل أجزاء من شمال وشرق أوكرانيا قبل أن يصب في البحر الأسود في الجنوب. وأضاف أن القوات الروسية يمكن أن تبقى في الأجزاء الشرقية التي تحتلها بالفعل، بمنطقة منزوعة السلاح وبقوات أوكرانية.

ورغم ذلك، هناك اختلافات واضحة بين اقتراحه وتقسيم برلين وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. فبينما استسلمت ألمانيا للجيوش الغازية، ستدعو أوكرانيا، بموجب اقتراح كيلوغ، حلفاءها إلى أراضيها الغربية، من دون التنازل عن المزيد من الأراضي لروسيا.

سابعاً:تحرك أوروبي:

كانت البداية مع إعلان بريطانيا عن مشاركة أكثر من 30 دولة  في إطار مايعرف بـ”تحالف الراغبين” بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا بهدف تعزيز القدرات العسكرية الأوكرانية وإن كانت بدوافع مختلفة لكل دولة عن الأخرى، فبينما تسعى دول أوروبا الغربية بنشر قوات حفظ سلام في أوكرانيا وبناء قاعدة عسكرية قريبة من روسيا وجمع معلومات استخباراتية عن تحركات الجيش الروسي وتدريب القوات الأوركانية بهدف إعادة تنظيم صفوفها وشن هجمات على القوات الروسية التي تسير على الأقاليم الشمالية والشرقية، تسعى دول أوروبا الشرقية إلى حماية نفسها من أي تمدد روسي محتمل .

والواقع أنه بينما ترفض روسيا هذا المقترح تحاول أوروبا إيجاد مكان لها على طاولة المفاوضات المستقبلية وضمان تحقيق أية مكاسب سياسية واقتصادية واستراتيجية في أي مفاوضات للسلام.

وكان من أبرز الخلافات بين الموقف الأمريكي والأوروبي هي محاولة أوروبا فرض مزيد من العقوبات على روسيا والبحث في التصرف في أصول روسيا المجمدة وهو مايتخالف مع دعوة واشنطن بتخفيف العقوبات على موسكو حال قبولها بمقترح وقف إطلاق النار.

لقد خلق التحرك الأمريكي حيال روسيا حالة من الاحساس الأوروبي بضرورة البحث عن بديل لمنظومة الأمن خاصة وأن تلك المنظومة معتمدة على الولايات المتحدة منذ العام 1945 ، وذلك في ضوء مايتبناه ترامب من سياسة متشددة تجاه الأوروبيين في حلف الناتوفيما يتعلق بالانفاق الدفاعي مطالباً بزيادة إنفاقهم والتخفيف عن واشنطن حمل عبء المظلة الأمنية الغربية.

وعليه فقد أعلنت المفوضية الاوروبية عن خطة لإعادة تسليح أوروبا تهدف إلى رصد وحشد ماقيمته 800 مليار يورو للدفاع عن دول القارة، وكذا تقديم مساعدات فورية لأوكرانيا ووصفت المفوضية التهديد أنه لامثيل له وأن مستقبل أوروبا الآمنة المزدهرة على المحك.

وتقوم خطة إعادة تسليح أوروبا على خمس أجزاء، وتعتمد الركيزة الأولى لها بشكل أساسي على “الإنفاق الوطني لكل دولة عضو”، وهو ما تريد المفوضية الأوروبية تسهيله، عبر تفعيل بند الهروب من “ميثاق الاستقرار والنمو” للاتحاد الأوروبي، الذي ينص على أن تلتزم الدول الأعضاء بالحفاظ على عجز الميزانية العامة بحيث لا يتجاوز 3 % من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقاً لهذا البند فالدول الـ27 ستكون قادرة على تخصيص 1.5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري كل عام، لمدة أربع سنوات، دون أن تكون عرضة لأخذ هذه الزيادة في الاعتبار عند احتساب العجز المفرط للميزانية. وقالت المفوضية إن هذا الأمرسيمكّن الدول الأعضاء من زيادة إنفاقها، إلى مبلغ إجمالي قدره 650 مليار يورو على مدى أربع سنوات.

وتنص الركيزة الثانية على “توفير نحو 150 مليار يورو، في شكل قروض للدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لشراء الأسلحة أو للاستثمارات المشتركة”.

والجزء الثالث يتضمن “استخدام أموال المساعدات للمناطق الأكثر حرماناً في الاتحاد الأوروبي، والتي تسمى “صناديق التماسك”، لتمويل مشاريع الدفاع”.

أما الجزء الرابع يتضمن “تسهيل استخدام البنك الأوروبي للاستثمار لتمويل مشاريع الدفاع”.

والجزء الخامس والأخير، هو “حشد المزيد من الجهات في القطاع الخاص لتمويل المشاريع الدفاعية في أوروبا”.

عقبات الخطة:

ورغم الحاجة الأوروبية لتنفيذ تلك الخطة إلا أنها لاتزال تواجه عدد من العقبات تتعلق بنهج رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان الرافض لتقديم دعم عسكري لأوكرانيا بالأساس، حيث يرى ضرورة حل النزاع مع روسيا بالتفاوض .

أما على الصعيد الاقتصادي فلم توضح الخطة كيفية الحصول على الأموال الجديدة المطلوبة لإعادة تسليح القارة، ولا بكيفية تحقيق المبلغ المطلوب 800 مليار يورو. أما فيما يخص الجزء المتعلق بالاقتراض المشترك لمبلغ قديصل إلى 150 مليار يورو للدفاع،  فتشترط المفوضية ان تشري الدول الاسلحة بهذه الاموال بشكل مشترك ماقد يثير الخلافات بين الدول الأعضاء التي سيتعين عليها أن تحدد نوع الأسلحة التي تشتريها ومن أي شركات.

أما فيما يتعلق بالجزء الخاص بالحصول على الدعم من البنك الأوروبي فالعقبة أن البنك لايملك حالياً ترخيصاً بتمويل مشاريع مرتبطة مباشرة بقطاع الدفاع، لكن رئيسته، ناديا كالفينو، دعت إلى توسيع الاستثمارات المؤهلة لهذه الغاية.ولكن من الجدير الإشارة  إن الاستثمارات في “معدات للقطاع العسكري أو الأمني” ستكون ممكنة، لكن ليس في مشاريع تتصل بـ”الذخيرة أو الأسلحة”.

وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، استعداد بلاده لإرسال قوات إلى أوكرانيا ضمن قوة حفظ سلام، بينما ناقش الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إمكانية السماح باستخدام الأسلحة النووية الفرنسية كمظلة أمان أوروبية. ودعا فريدريش ميرز، المستشار الألماني القادم المحتمل، بجرأة إلى إيجاد بدائل لحلف الناتو، وربما بناء قدرات دفاعية أوروبية مستقلة.

ثامناُ: المتوقع حال انتهاء الحرب

تسيطر موسكو على نحو 80% من الأراضي الأوكرانية-التي ضمتها منذالحرب-والمعترف بها دولياً بما يشمل شبه جزيرة القرم، بالإضافة للأراضي التي ضمتها روسيا في استفتاءات شعبية أجرتها عام 2022 في مقطعتي لوجانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا – لاتسيطر عليها بالكامل- فمن المتوقع أن تظل  تحت السيطرة الروسية .

 

يذكر أن الرئيس الأمركي ترامب قد أعلن عن اقتراب عقد لقاء مع الرئيس بوتين لتسوية الخلافات وعقد اتفاق للسلام واعتبار أنه من غير العملي منح أوكرانيا العضوية في الناتو، خاصة وأن تلك النقطة كانت أحد مسببات الحرب وأن أوكرانيا بحاجة لانتخابات رئاسية جديدة، بل كما نوه لأن الولايات المتحدة لن تستمر في إنفاق المليارات لدعم الحرب في بلد قد يصبح جزءاً من روسيا يوماً ما،  بل وطالب كييف بسداد فاتورة تلك المساعدات بما قيمته 500 مليار دولار من المعادن النادرة المستخدمة في صناعة الالكترونيات.

الواقع أن نقص العامل البشري لدى أوكرانيا اصبح حاسماً وعاملاً هاماً لإنهاء المعركة اليوم وسط تناقص العتاد البشري وإدراك حلف الناتو ودول أوروبا أن اية إمدادت بالسلاح لن تغير المعادلة كثيراً في ظل هذا النقص الذي يعود بالأساس إلى عملية “كورسك ” والتغلغل الأوكراني داخل الأراضي الروسية، والتي أدت وحدها لخسائر بشرية في صفوف الأوكرانيين مابين 50 إلى 60 ألف قتيل،  فضلاً عن أن وصول روسيا الى مدينة باكروفسك قد تعني أن أوكرانيا ستكون مفتوحة بالكامل أمام روسيا وقد تؤدي أي معارك إضافية إلى انهيار كامل للجيش الأوكراني أو استسلامه مما يعني أن استمرار أوكرانيا في الحرب ليس في مصلحتها.

وعليه ومما سبق يمكن القول أن مصير الحرب قد يتضمن إحدى المسارات الثلاث:

  • المسار الأول: نهاية توافقية، تبقى روسيا في الأراضي الأوكرانية التي دخلتها وقد تقبل روسيا بمبادلة اراضي استولت عليها مؤخرا من أجل انسحاب أوكرانيا من أية أراضي روسية تحت سيطرتها ، ولكن لن تحصل أوكرانيا على عضوية الناتو ولكن قد تحاول أوروبا بإقناع واشنطن للاستمرار في دعم أوكرانيا والاستمرار في تعزيز دفاعات أوروبا على الجبهة الشرقية . ولكن ترى بعض المؤسسات الدفاعية ان انتصار روسيا سيكلف الولايات المتحدة 8 مليار دولار لزيادة الانفاق الدفاعي على مدى خمس سنوات .
  • اما المسار الثاني: المسار الأكثر مثالية لكييف، فيعتمد على إبرام اتفاق سلام بين الجانبين وتتعهد أوروبا والولايات المتحدة بالتدخل العسكري حال حدوث انتهاك للاتفاق ، ولكن كييف لاتثق بروسيا ولأجل ذلك فيرى الخبراء أهمية الحصول على ضمانات باستمرار الدعم الأوروبي لكييف والمساعدة على إصلاح الجيش الأوكراني وتعزيز دفاعاته وعدم تخفيف العقوبات المفروضة على موسكو بسبب الحرب، مع الابقاء على فكرة الانضمام للناتو يتم طرحها لاحقا ًبعد مدة زمنية لاتقل عن 10 سنوات.
  • المسار الثالث: وهو الإكثر قبولا لدى روسيا ويوصف بأنه كالكابوس بالنسبة لزلينسكي، والذي تمت الإشارة إليه مادعا إليه الرئيس بوتين من إنشاء إدارة موقتة برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وبالتعاون مع الدول الأوروبية، مناقشة إمكانية إدارة مؤقتة لأوكرانيا، بهدف إجراء انتخابات ديمقراطية، وإيصال حكومة كفء تحظى بثقة الشعب. وتبقى روسيا في الأراضي الأوكرانية التي دخلتها،وسط وجود مؤشرات على عدم رغبة ترامب في استمرار الحرب وفي حال عدم قبول كييف بمخططات واشنطن فقد تقطع المساعدات العسكرية والمالية عن كييف كما حدث مسبقاً، خاصة وأن واشنطن تريد استبعاد أوروبا من المفاوضات وهو مابرز جلياً في مفاوضات جدة من غياب الطرف الأوروبي، ورغبة ترامب وإعلانه عن ضرورة تقديم كييف لتنازلات اقتصادية والوصول للمعادن الأوكرانية النادرة ماقد يهدد الأمن الصناعي والتكنولوجي الأوروبي وقد يهدد بإعادة تشكيل التحالف الأوروبي مع الولايات المتحدة.

 

المراجع

*الحرب الأوكرانية بالأرقام: حصيلة ثلاث سنوات من الغزو الروسي

https://www.mc-doualiya.com/%

 

*أسباب الحرب بين روسيا وأوكرانيا .. جذور الصراع وتطوراته

 

https://gate.ahram.org.eg/News/3420508.aspx

 

 *3 سنوات من الحرب الروسية على أوكرانيا.. ماذا خسر العالم؟

https://www.ajnet.me/news/2025/2/25/3

*الحرب الروسية الأوكرانية.. مواجهة خمد فتيلها عقدين وأشعلها مجددا التقارب الأوكراني الغربي

https://www.ajnet.me/encyclopedia/2023/2/20/%

*مصادرة الأصول الروسية: صراع دول الاتحاد الأوروبي بين دعم أوكرانيا وحماية الاستثمارات

https://www.france24.com/ar/%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88

*Frozen Russian State Assets

*ما شروط بوتين لوقف إطلاق النار في أوكرانيا؟

 

https://www.ajnet.me/news/2025/3/15/%

*أوكرانيا… حرب من أجل الثروات الطبيعية؟

https://www.france24.com/ar

*واشنطن وكييف تتفقان على شروط صفقة المعادن النادرة، ماذا تمتلك أوكرانيا منها؟

https://www.bbc.com/arabic/articles/cx2gjxwenlro

 

*السلام المفقود: ما هي التحديات التي تعرقل تحقيق سلام دائم بين أوكرانيا وروسيا؟

https://www.bbc.com/arabic/articles/cp8y5ymqdpgo

*ما هي خطة “إعادة تسليح أوروبا” والعقبات التي قد تواجهها؟

https://www.bbc.com/arabic/articles/ckg1e2r7gn8o

*لماذا يواجه ترامب صعوبة بوقف إطلاق النار في أوكرانيا؟

https://www.bbc.com/arabic/articles/c4g0jv95ndvo

*رغم توضيحه اقتراح «تقسيم» أوكرانيا… كيلوغ يثير شكوك الأوكرانيين والأوروبيين

https://aawsat.com/%D8%A7%

*كيف سيكون شكل خارطة أوكرانيا “الجديدة” في حال وقف الحرب مع روسيا؟

https://www.france24.com/ar

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى