المركز الاعلامىمقالات

طبيعة العقل الخائن ..!

بقلم: د. صلاح هاشم

إن معركة إيران مع الكيان الصهيوني  اللقيط والتى أحرص على وصفها  دائماً بأنها مجرد اشتباك عسكري مُسلح، أو معركة معروف نهايتها قبل البدء فيها، ولم ترق بعدُ إلى أن تكون حرباً. فالحروب دائماً نهايتها مفتوحة، وتفاصيلها غامضة، ومدتها أطول، وأطرافها في عناد دائم ، ولم يصل الطرفان إلى الحرب إلا بعد سلسلة من المفاوضات والمساومات الفاشلة، فعادة ما تكون الحروب هي الخيار الأخير للصراع؛ ومن ثم فتوقفها عادة ما يكون صعباً وليس من خلال مفتاح خفي يضغط عليه ” ترامب ” فتتوقف المعركة، أو حين يقول مخرج الفيلم ” فركش ” ينتهي المشهد ويعود الأطراف إلى مكانهم في سلام وكأن لا شيء كان بينهم ..!

ورغم اهتمام المتابعون والمحللون السياسيون بطبيعة المعركة ومن المهزوم والمنتصر .. كان اهتمامي مختلف. وذهب فضولي البحثي إلى ما هو أبعد، وانصب تركيزي على محورين أحدهما يتعلق بالبناء النفسي لسكان ومواطني الكيان اللقيط، والأخر يتعلق بطبيعة العقل الخائن وكيف تشكل ورب في الحضن الفارسي المتدين بعض الشيء.

تساءلت عن البناء النفسي لأبناء ” الكيان اللقيط” اللعين ولم أتحدث عن  عقلياتهم لأنها لم تختلف كثيراً في تصوري عن عقلية الإرهابيين والقتلة. كما أذهلني عدد العملاء والجواسيس والخونة في الصف الإيراني والذين تجاوز، من تم ضبطهم حتى الآن، حوالي 200 جاسوس أو عميل للموساد الإسرائيلي.  وبالطبع هناك كثيرون لم يتم اكتشافهم بعد .. !

لقد أذهلني كل ذلك وأيقظ شغف البحث بداخلي ودفعني بقوة إلى التساؤل حول طبيعة العقل الخائن، وكيف تكونت، كيف تحول  الفرد من مواطن شريف الى جاسوس أو عميل لصالح العدو ؟ كما تساءلت عن طبيعة المحيط الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي أفرز كل هؤلاء الخونة. و هل هناك علاقة بين الخيانة والعمالة ونظم الحكم والظروف الاقتصادية الطاحنة كما فسرها البعض ؟ وما علاقة الخيانة والانتماء بقوة العقيدة ؟ واذا كانت العلاقة بين الانتماء والعقيدية علاقة طردية ؛فلماذا كل هذه الأعداد من الخونة في دولة معروف عنها بالتدين، ولماذا لم نجد من يناظر تلك الأعداد الخائنة  بين سكان وجنود وقادة الكيان اللقيط ؟!

أسئلة كثيرة في خاطري تبحث عن إجابة وتحتاج إلى دراسات متعمقة ، لكن الثابت في كل الحالات أن الخائن منزوع العاطفة .. فالانتماء عادة  يرتبط بالعاطفة اكثر من  ارتباطه بالمنطق ..والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما الذي نزع عاطفة الانتماء من قلوب الخونة. وشكل باحتراف عقلياتهم الخائنة ..؟! ما الأدوات والمغريات التي تجعل المواطن يكره خبز أُمه، وينسى رائحة الذكريات ، ويتحرر من حب الوطن الذى نما على خير أرضهـ واستظل بسمائه الحانية ..؟!

ربما حاول عالم النفس الشهير ” أدلَّر ” أن يجيب على هذا التساؤل حين ربط بين الانتماء والمتعة والانتماء والشعور بالقوة ..أي أن الفرد  عادة ما ينتمي إلى المكان الذي يستمتع بالوجود فيه والذي يشعر فيه بالقوة . وربما تكون وجهة نظر ه منطقية بعض الشيء. لكن الواقع قد يثبت غير ذلك؛ والدليل أن رغم عمليات التدمير الشاملة التى يمارسها جنود الكيان اللقيط يومياً  ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، فلايزال المواطنون في غزة  متمسكون بالأرض، حريصون على البقاء  في الوطن بنفس حرصهم على بقاء الوطن.  ..فالوطن هنا ليس أرضاً وإنما عاطفة جياشة  شكلتها الأيام والمواقف والمِحَن، لا يمكن انتزاعها  من القلوب ولو بالدم  ..!

 فحين تشاهد برجاً سكنياً عملاقاً في شوارعنا المصرية الحديثة وبجواره ” كوخاً”  بسيطاً جدا تسكنه أسرة بسيطة  جداً ، رفض أفرادها بيع الكوخ  أو تركه رغم  كل المغريات والضغوط والمساومات فلا تسأل عن المنطق، اسأل فقط عن الانتماء، الذي  لا علاقة له بالمتعة ولا بالقوة .. فربما تصف هذه الأسرة من أول وهلة بالغباء لكن لو جالستهم لتعلمت منهم المعنى الحقيقي للانتماء .. وتأكدت أن  الظروف الاقتصادية الطاحنة ليست سبباً أبداً للعمالة والخيانة وضعف الإنتماء، وإنما هو غياب العاطفة التي تبددت في وسائل الاعلام والمناهج التعلمية والتربية الأسرية والرأسمالية المتوحشة..! فمع الانتماء تتحول تلك الظروف إلى دافع لمزيد من العمل والكفاح من أجل وطن يشعر فيه المواطنون بالمتعة والفخر معاً ..!

إذن الخيانة ليس حدثاً طارئ وإنما أسلوب تربية يبدأ من الأسرة ويدعمه التعليم والثقافة والإعلام والعقيدة ..وحديثنا عن الخيانة لا يختلف عن حديثنا عن الانتماء؛ فالروافد واحدة، والاختلاف فقط في طريقة الاستخدام وطبيعة المحتوى ..

وعلى الجانب الأخر تساءلت عن طبيعة سكان الكيان اللقيط، الذين يقضون نصف أيامهم داخل ملاجئ، فما هى طبيعة بناءاتهم النفسية ..لماذا يقبلون العيش في هذا الكيان غير الآمن .. ؟! ٧٨ عام تقريباً وتحديات العيش في هذا المجتمع اللقيط تزيد ..لا حياة في هذا المجتمع بالمعنى الدقيق ..مجتمع يشعر فيه  سكانه دائماً بأنهم كقشة في مهبِ الريح ..!

لماذا لا يرحلون عن هذا المجتمع الكئيب، الذي تتردد فيه كلمات الموت والقتل والدمار والقصف والحرب والخطف والأسر أكثر من كلمات الحياة، خاصة وأنهم يعلمون جيداً بأنهم يعيشون على أرض محتلة، ويقتاتون على دماء الأطفال الأبرياء والعَجَزة .. ؟ !فهل يحلم سكان هذا الكيان اللقيط الغاشم بيوم يموت فيه الموت، وتدب فيه روح الحياة من جديد ..؟!

هل أخبرتهم كتبهم السماوية بذلك ، من أوحى لهم بأن الحياة الآمنة تُولد في أتون الحرب والدمار..؟! هل فعلا لا يفكر سكان هذا الكيان اللقيط في الرحيل ، وكم مرة راودتهم أفكار الرحيل والابتعاد في اليوم والساعة والحدث ..؟!

وفي ضوء هذه التساؤلات أعتقد أن الأزمة تكمن في أنهم حين يفكرون في الرحيل يفكرون أيضاً إلى أين يذهبون، فهم على علم كامل بل ويقين بأن كل أبواب الدنيا مغلقة دونهم ..وأنه لا يوجد مجتمع واحد بوسعه أن يحتمل كل تلك الشرور المتأصلة في هذا الكيان الغاشم .. لا يوجد مجتمع واحد يحتمل كل ذلك الجحيم الذي تخلفه خطواتهم البطيئة والثقيلة على العقل والقلب معاً.. !

فهذا الشعب إن جاز لي أن أسميه شعباً لا يحتاج فقط إلى جيوش فولاذية تحميه أو تحارب من أجل حلمه غير المشروع ووجوده غير المرغوب، بقدر حاجته إلى كتائب من المحللين الاجتماعيين و الأطباء النفسيين يفسرون لنا  أسرار بقاء هؤلاء المواطنين في هذا الكيان اللقيط ،يفسرون لنا لماذا هؤلاء لا يرحلون .. يفسرون ويشخصون ويعالجون تلك الأوهام التي تتمدد في عقولهم المريضة.. ويتمدد في قلوبهم الكُره كما يتمدد ثعبان في الرمل .

ويخبروننا عن طبيعة تلك البناءات النفسية لسكان هذا الكيان اللقيط، وهل هي بناءات هشة أم أنها صلبة كما يدعون ..لماذا يقبلون العيش في مجتمع تتكدس فيه أرصدة الوجع والدمار والفقد والخراب ..لماذا لا يرحلون تاركين لشعوبنا خلف خطواتهم الغاشمة الحياة والأمن والسلام  ..؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى