كتب : عادل بدر
ألقت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي -أثناء فعالية إطلاق تقرير التنمية البشرية مصر2021؛ الصادر عن الأمم المتحدة- الضوء على ضرورة رصد العدد الفعلي للاجئين الذين يعيشون في مصر حاليًّا”؛ حيث إنهم يعيشون كالمصريين، ولا تمييز بينهم وبيننا، ويتعلمون في مدارسنا وجامعاتنا مجانًا؛ فمصر هي الدولة الوحيدة التي ليس لديها مخيمات للاجئين؛ فهم يعيشون ضمن المجتمع المصري، ويحصلون على الخدمات الأساسية من الدولة؛ فلهم حق التعليم بالتساوي مع المواطن المصري حتى نهاية المرحلة الجامعية، وكذلك الأمر في مجال الصحة، وهم يتمتعون بحرية التنقل والإقامة والعمل؛ كل هذا يجعل الدولة المصرية مسئولة عن تقديم الخدمات والمرافق لقطاع كبير منهم.
وتقدم هذه الورقة البحثية استعراضًا للسياق العام لأوضاع اللاجئين في مصر، مع التركيز على الحالة السورية كنموذج حالة؛ وذلك على النحو التالي:
اللاجئ هو: كل شخص يوجد خارج بلد جنسيته؛ نتيجة أحداث، أو بسبب خوف -له ما يبرره- من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، أو بسبب آرائه السياسية، ولا يستطيع، أو لا يريد -بسبب ذلك الخوف- أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية، ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق؛ نتيجة مثل تلك الأحداث، ولا يستطيع، أو لا يريد -بسبب ذلك الخوف- أن يعود إلى ذلك البلد.
ستة ملايين لاجئ في مصر:
أدى تجدد الصراعات، وانعدام الاستقرار السياسي والاضطرابات في كل من شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، وفي العراق واليمن؛ إلى دفع آلاف الأشخاص إلى اللجوء إلى مصر؛ حيث تستضيف مصر ما يقارب ستة ملايين لاجئ؛ منهم أربعة ملايين سوداني، ومليون ليبي، ومليون سوري،()، و يعيش اللاجئون وطالبو اللجوء في بيئة حضرية في مصر، ويتركزون إلى حد كبير في القاهرة الكبرى والإسكندرية ودمياط، وفي عدة مدن في الساحل الشمالي.
يعتمد عدد كبير من اللاجئين وطالبي اللجوء على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وأشارت بيانات المفوضية السامية لشئون اللاجئين إلى أن مصر لم يخرج منها أي مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين إلى أوروبا منذ عام 2016″؛ وأن هذا نجاح اعترفت به أوروبا، ومن ثم بدأت في التعاون مع مصر في هذا المجال لتقديم الدعم اللازم لها لمواصلة جهودها.
وقد ازدادت أعدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في مصر بنسبة 24%، وتتحمل الحكومة المصرية تكاليف كافة البرامج والخدمات المقدمة لأكثر من ربع مليون لاجئ لمساعدتهم وحمايتهم؛ أكثر من نصف هؤلاء من السوريين، إضافة إلى آخرين من السودان ومن إثيوبيا ومن إريتريا ومن جنوب السودان ومن اليمن، كما أن نسبة 40% منهم من الأطفال غير المرافقين، المنفصلين عن عائلاتهم.
و يذكر أن التمويل المخصص للمفوضية -البالغ 104 ملايين دولار سنوي- لدعم وحماية اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر؛ لم يصل منه سوى 4% فقط(). خلال عام 2019.
وتتسبب الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين -إضافة إلى نقص التمويل- في تحمل الدولة المصرية لكافة التكاليف الخاصة بالرعاية الصحية والتعليمية؛ مما دفع مسئولين بالمفوضية إلى التحذير من أن عدم توفر التمويل في الوقت المناسب؛ قد يتسبب في وقف أنشطة الحماية الأساسية الموجهة للاجئين وطالبي اللجوء في مصر.
الحالة السورية نموذج للعيش المشترك:
منذ عام ٢٠١٢؛ بدأ السوريون الفارون من أراضيهم -نتيجة الأزمة في بلادهم- في طلب اللجوء إلى مصر، وفي عام 2017 قدرت الحكومة المصرية عدد السوريين في مصر بنحو550 ألف لاجئ بنسبة 10% من اللاجئين السوريين في باقي الدول( )، وهناك حوالي 44 ألف طالب سوري سجلوا في مرحلة التعليم قبل الجامعي في العام الدراسي 2017/2018، علاوة على ذلك تم تقديم الرعاية الصحية الأساسية لحوالي 20 ألف طفل سوري، وبلغت قيمة الدعم المصري للخدمات الصحية حوالي 150 مليون دولار سنويًّا.
يتوزع السوريون جغرافيًّا في مصر بشكل مكثف في محافظة الجيزة، تليها محافظة القاهرة، ثم محافظات الإسكندرية ودمياط والشرقية، وبشكل أقل في القليوبية والمنوفية وطنطا والإسماعيلية ومرسى مطروح والغردقة؛ بحكم قرب هذه المحافظات من المناطق الصناعية والسياحية والموانئ التجارية، والأسواق التجارية، ومراكز الخدمات.
وتشير بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في مصر إلى وصول عدد السوريين المسجلين لديها إلى 137ألف لاجئ عام 2019؛ بينهم 42.741 ألف أسرة؛ منهم 48,4% من الإناث، و51,6% من الذكور، و32% منهم أطفال تحت سن السابعة عشرة.
الخلاصة: أدى غياب آلية فاعلة لرصد أعداد اللاجئين في مصر؛ إلى غياب الأرقام الصحيحة عن حجم وجود اللاجئين في مصر؛ بالرغم من أن مصر هي الدولة الوحيد التي يتم فيها دمج اللاجئين في المجتمعات المحلية، ويستمتعون بالحماية والرعاية التعليمية والصحية؛ ومع ذلك فإن حجم الدعم الدولي مازال منخفضًا بشكل كبير، ولا يغطي سوى القليل من التزامات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في مصر ؛ مما وضع كافة الأعباء على كاهل الحكومة المصرية.
ولم تحصل مصر سوى على 10% فقط من متطلباتها من المجتمع الدولي؛ مما يؤكد تحمل مصر نسبة 90% من دعم اللاجئين؛ في الوقت الذي تتخذ فيه بعض الدول المانحة معايير مزدوجة عند التعامل مع الدول المستضيفة للاجئين؛ ومع هذا فإن مصر ملتزمة بتنفيذ القانون الدولي، بمقتضى كل من قواعده العرفية، واتفاقية سنة 1951 بشأن وضع اللاجئين، وبروتوكولها الملحق الصادر في سنة 1967، واتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لسنة 1969 بشأن المشكلات الخاصة باللاجئين في أفريقيا.