دراسة حديثه لـ”د راية” حول تاثيرات كورونا على سوق العمل في مصر
انطلاقا من الدور الهام الذي يقوم به المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامه ودراسات التنمية في رصد ومتابعة وتحليل الآثار الاجتماعية والاقتصادية والتنموية الناتجة عن المتغيرات والأوضاع الاقتصادية لاسيما تلك المرتبطة بجائحة فيروس كورونا وما نتج عنها من تداعيات، أجرى المنتدى دراسة حديثة تناول فيها بالرصد والتحليل تداعيات فيروس كورونا على سوق العمل في مصر، حيث أشارت الدراسة إلى أنه ومع انتشار فيروس كورونا بشكل كبير فقد اتخذت الحكومة إجراءات سريعه للحد من انتشاره، والتى أدت إلى تداعيات اقتصادية ومعيشية هائلة أسفرت عن انخفاض حاد في دخول الكثير من الشرائح والفئات، شملت حتى الموظفين الحكوميين على الرغم من أنهم الأقل تضررًا. لكن في المقابل اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات لمواجهة انتشار الفيروس وللتخفيف من حدة تداعيات قرارات الإغلاق.
وفقًا للتقرير الحكومي المقدم إلى البرلمان في نوفمبر عام 2020، فإن من بين أبرز القرارات التي اتخذتها الحكومة للتصدي للتداعيات المعيشية كان تقديم إعانات مالية مباشرة للعمالة الموسمية والمؤقتة؛ حيث بلغت تكلفة الخدمات والإعانات المقدمة من وزارة التضامن الاجتماعي والجمعيات والمؤسسات الأهلية نحو 1.7 مليار جنيه، واستفاد منها نحو 64 مليون مواطن، كما جرى ضم ١٤٢ ألف أسرة جديدة من الفئات الأولى بالرعاية لبرنامج “تكافل وكرامة”.
ومن بين القرارات الأخرى زيادة أجور العاملين في القطاع الحكومي خلال موازنة العام المالي 2020-2021، مع تخصيص 2.8 مليار جنيه لزيادة بدل المهن الطبية بنسبة 75%، وزيادة حد الإعفاء الضريبي من 8 آلاف إلى 15 ألف جنيه، وإعفاء المشروعات الاستثمارية المُقامة بنظام حق الانتفاع داخل مراكز الشباب من دفع القيم الإيجارية لحين عودة الأنشطة.
لكن تلك الإجراءات لم تؤد إلا إلى التخفيف فقط من التداعيات؛ فلم تمحُ كل الآثار، إلى جانب أن تلك الإجراءات ساعدت فئات معينة من المواطنين، بينما عجزت فئات أخرى عن تحقيق الاستفادة المأمولة منها، كما بدت غير كافية في بعض الجوانب. وفيما يلي قراءة في مجموعة من النتائج النهائية للدراسة يتضح فيها الآثار المعيشية والاقتصادية والصحية الناجمة عن انتشار الفيروس وإجراءات الحد من تفشيه.
أولًا: “الأمان الوظيفي” يترنح.. الدخل يتراجع والوظيفة ليست مضمونة
كشفت الدراسة التى أجراها المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية عن أن حالة عامة من تراجع الدخل ضربت المجتمع المصري دون أن تميز بين الموظفين الحكوميين، أو موظفي القطاع الخاص، أو أصحاب المشروعات جراء الإغلاق الرامي إلى منع انتشار فيروس كورونا. وقد ترافقت هذه الحالة مع حالة أخرى من عدم الإحساس بالأمان الوظيفي لدى موظفي القطاع الخاص؛ حيث ساد شعور لدى الموظف بأنه من الممكن أن يخسر وظيفته؛ فعلى سبيل المثال:
- قال 70% من العمالة الحرة والمؤقتة والموسمية قالوا إن دخلهم إما تقلص أو تقلص بشدة بسبب انتشار فيروس كورونا، وإجراءات إغلاق الوقاية منه؛ حيث قال 40% إنه تأثر سلبًا، بينما قال 30% إنه تأثر سلبًا بشدة. ومن بين التعليقات التي وردت على لسان أحد ممتهني العمل الحر “لولا إن الشغل بييجي على اسمي من ناس عارفينّي شخصيًّا، كان زماني قاعد بعدّ اللمبات ف نجفة الصالون!”.
- ذكر 66.8 من موظفي القطاع الخاص أن الدخل تراجع خلال فترة الإغلاق وبسبب مسألة انتشار فيروس كورونا بشكل عام. وكان من بين التعليقات: “والله مش عارف الواحد بيكفي مصاريف الأكل إزاي.. ده رزق العيال” في تعليق على انخفاض الدخل لدرجة بات معها توفير الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب أمرًا غير مضمون.
- شعر 85% من موظفي القطاع الخاص بأنهم من الممكن أن يفقدوا وظائفهم جراء تراجع الوضع الاقتصادي نتيجة انتشار فيروس كورونا والإغلاق الرامي إلى الحد من انتشاره. وأرجعت نسبة 90% منهم هذا الشعور إلى إجراءات اتخذتها المؤسسات التي يعملون بها، وليس إلى شعور شخصي منهم.
- احتاج 35.7% من موظفي القطاع الخاص إلى وظائف أخرى، لكنهم لم يجدوا، بينما قال 14% إنه كانت لديهم وظيفة إضافية، لكنهم خسروها.
ثانيًا: تراجع حجم العمل داخل المؤسسات… والتوقف يضرب أكثر من ثلث المؤسسات
كشفت الدراسة عن أن الأضرار التي لحقت بسوق العمل وقطاع الأعمال بشكل عام في مصر كانت حادة للغاية جراء انتشار فيروس كورونا، وإجراءات الإغلاق. من بين أوجه تأثر المؤسسات سلبًا جراء ذلك الإغلاق:
- توقف بعض المؤسسات عن العمل جزئيًّا أو كليًّا؛ فقد أوضح 37.8 من موظفي القطاع الخاص أن مؤسساتهم قد توقفت عن العمل خلال فترة الإغلاق جزئيًّا أو كليًّا، فيما تراجع حجم العمل في 50% من مؤسسات القطاع الخاص وفقًا لموظفي تلك المؤسسات؛ فقال أحد أصحاب المؤسسات المتوسطة العاملة في القطاع الثقافي: “الشغل عزيز جدًّا اليومين دول”.
- تأثر سلاسل التوريد والتوزيع سلبًا بدرجات متفاوتة وصلت إلى مستوى التأثر السلبي الحاد عند 60% من أصحاب المشروعات.
- تأثرت أرباح المؤسسات المختلفة بشكل حاد؛ فقد ذكر 65% من أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة أن الأرباح تأثرت سلبًا بسبب إغلاق فيروس كورونا؛ وهو الأمر المنطقي الناجم عن تضرر سلاسل التوريد والتوزيع، وتراجع حجم العمل بشكل عام. وقد لخص أحد أفراد العينة من أصحاب المكاتب العقارية (سمسار عقاري) هذه النقطة بقوله: “الناس بتلحس التراب، ويا عالم اللي جاي شكله إيه!”.
ثالثًا: المستقبل… غموض أو ربما تشاؤم
تسود حالة من الغموض بالنسبة لموظفي القطاع الخاص والعمالة الحرة والمؤقتة والموسمية وكذلك أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فيما يتعلق بما هو قادم في سوق العمل وقطاع الأعمال. يرجع ذلك إلى التباين في مستويات انتشار فيروس كورونا داخل البلاد، وعلى مستوى العالم؛ ففي بعض الأوقات ينحسر انتشار الفيروس قبل أن يعود ليضرب ثانيةً في شكل موجة جديدة؛ مما يؤدي إلى ارتباك في إجراءات التعامل مع الأزمة.
- أجمعت الفئات الثلاثة المذكورة بنسب تفوق الـ90% على أن الوضع، وإن تحسن بعد رفع الكثير من إجراءات الإغلاق، لا يزال هشًّا، وغير مستقر، ومن الصعب الشعور بالتفاؤل إزاء ما هو قادم؛ لأن الفيروس لا يزال موجودًا. ومن بين التعليقات التي وردت على لسان إحدى المدرسات “كل يوم الصبح نقوم واحنا مش عارفين الوزير حيقفل المدارس ولا يفتحها” في قول موجز معبر عن حالة عدم اليقين.
رابعًا: مشكلات صحية… الاكتئاب… والسمنة… ومشكلات أخرى
وتؤكد الدراسة ان التراجع الحاد في الحالة المعيشية والوضع الاقتصادي إلى جانب القيود على التنقل أدى إلى الكثير من المشكلات الصحية لدى الموظفين على اختلاف مجالات عملهم أو قطاعاتها؛ حيث لم تقتصر المشكلات الصحية على قطاع دون آخر أو على وظيفة دون أخرى.
- ذكر 60% من موظفي الحكومة أنهم عانوا من مشكلات صحية تراوحت بين الحادة والطفيفة. وذكرت نسبة 90% أن المشكلات المتعلقة بقلة الحركة كانت في مقدمة تلك الأزمات الصحية التي عانوها، وعلى رأسها السمنة.
- ذكر 80% من موظفي القطاع الخاص والقطاعات الحرة والموسمية عانوا من مشكلات صحية،، وذكر 50% من أصحاب المؤسسات أن الموظفين في المؤسسات التي يملكونها عانوا من مشكلات صحية. وجاءت مشكلة الاكئتاب على رأس القائمة بـ90%، تلتها مشكلة السمنة بـ80% إلى جانب أعراض بدنية غير معلومة السبب لكن كان مردها إلى الحالة النفسية المضطربة. وفي تعليق على ذلك قالت إحدى موظفات القطاع الخاص: “إللي بيموت في كورونا مبيموتش من الفيروس بس.. ممكن يكون بيموت من حرقة الدم”.
- كانت هناك زيادة المشكلات الأسرية نتيجة لطول أمد بقاء أفراد الأسرة سويًّا في حالة من الاكتئاب، والتوتر، والقلق؛ وهو ما انتقل من الكبار إلى الصغار خاصة في الأسر ذات الوعي بأضرار فيروس كورونا، والتي لم تكن تسمح لأفرادها بالخروج إلا للضرورات.
توصيات الدراسة
بعد الاطلاع على التحليل البياني لأهم النتائج النهائية للدراسة، وذكر بعض دلالاتها، فيما يلي مجموعة من التوصيات التي خرجت بها دراسة المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية من واقع ذلك التحليل واستقراء تلك الدلالات:
- صياغة استراتيجية شاملة للتعامل مع فيروس كورونا تستند إلى إجراءات متسقة بعيدة المدى وليست إجراءات مفاجئة أو غير مدروسة تضر بالقطاعات الاقتصادية المختلفة، وبالعمالة في تلك القطاعات؛ فعلى سبيل المثال جاءت إجراءات الإغلاق الرامية إلى الحد من انتشار فيروس كورونا خلال عيد الفطر مفاجئة دون استعداد لأصحاب الأعمال على الرغم من أنها كان من الممكن أن يجري الإعلان عنها من أول شهر رمضان لإتاحة الوقت أمام الموظفين وأصحاب الأعمال — فضلًا عن المواطنين العاديين — للاستعداد لها.
- تبسيط إجراءات الحصول على الدعم الاجتماعي بحيث تتسع إلى عدد أكبر من الشرائح، ويصبح من السهل على المواطنين البسطاء أصحاب القدر الطفيف من التعليم أو غير المتعلمين على الإطلاق أن يستكملوا الإجراءات من أجل الحصول الدعم.
- الإسراع بحملة التلقيح لتشمل شرائح أكبر من المواطنين؛ لأن التلقيح يمكن أن يؤدي إلى إعادة تنشيط الكثير من القطاعات التي لا تزال متضررة بسبب إجراءات الإغلاق، إلى جانب ما سوف يسمح به ذلك من استقبال مصر لإقامة الكثير من الفعاليات المتوقفة جراء فيروس كورونا مثل الفعاليات الثقافية والفنية، واستقبال فعاليات دولية مماثلة مما يسهم في تنشيط الاقتصاد.
- مراجعة أوضاع الشركات المختلفة لضمان تغطيتها للموظفين بالتأمينات الاجتماعية والصحية؛ حيث أدى غياب هذا الغطاء التأميني إلى العديد من المشكلات للموظفين الذين عانوا من مشكلات صحية أثناء الإغلاق لم يجدوا أي غطاء تأميني يقدم المساعدة لهم في تلك الظروف التي تراجع فيها الدخل. إلى جانب ذلك تعرض بعض الموظفين إلى مخاطر صحية جراء الاضطرار إلى العمل في ظروف انتشار الوباء سواء بالتعامل مع الجمهور في مكان العمل، أو الاحتكاك بالجمهور في العمل الميداني.
- التقليل من ربط الاقتصاد المصري بالاقتصاد العالمي؛ لأن التداعيات السلبية على الاقتصاد المصري جراء كورونا بدأت قبل اتخاذ الحكومة إجراءات الإغلاق؛ لأن دول العالم بخاصة الولايات المتحدة وأوروبا بدأت إجراءات إغلاق مبكرًا عن مصر لظروف انتشار الوباء في تلك الدول؛ مما أدى إلى تقلص حجم الأعمال؛ وهو ما انعكس بدوره على الاقتصاد المصري بشكل مباشر.
- استغلال المنافذ الإعلامية مثل التليفزيون الرسمي وخطبة الجمعة في إشاعة حالة من التفاؤل لدى المواطنين دون إخفاء للحقائق؛ بحيث يجري ذكر حقائق انتشار الفيروس والتأكيد على وجود أضرار لحقت بالمواطنين منه مع سرد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للتعاطي مع الأزمة بأكملها بأسلوب تطميني لا يؤدي إلى إثارة الفزع وكذلك لا يستفز المواطنين بأن يقدم جرعة تفاؤل غير واقعية لا يتحملها الظرف الذي يعاني منه جميع المواطنين تقريبًا.
- زيادة التنسيق بين القطاعات الحكومية المختلفة من أجل التصدي لتداعيات انتشار فيروس كورونا وإجراءات الإغلاق الرامية للحد منه؛ وهو ما يؤدي في النهاية إلى تعظيم الفائدة من الإجراءات الحكومية للتخفيف من وطأة التداعيات.
- رسم سياسة تعليمية واضحة للعام الدراسي 2021-2022 بحيث تضع في اعتبارها احتمالات وجود موجات جديدة من الفيروس مع الإعلان عن أية قرارات متعلقة بتعليق الدراسة في المدارس قبلها بفترة كافية لأهمية ذلك بالنسبة للقطاعات الاقتصادية ذات العلاقة بالعملية التعليمية خاصة المدرسين ليتمكنوا من ترتيب أوضاعهم المالية، والاستعداد لمواجهة فترة تعليق الدراسة بدلًا من القرارات المفاجئة.