من حلم إلى كابوس.. قصة الهجرة إلى أمريكا
السلطات الأمريكية احتجزت أكثر من 10 آلاف مهاجر من هايتي في ظروف معيشية مزرية
كتبت: هدى عبد الغفار
بعد مرور نصف قرن على خطاب الزعيم الأمريكي من أصول إفريقية مارتن لوثر كينج والذي ردد فيه عبارة “عندى حلم” “I have a dream ” ورسم بخياله صورة لأمريكا موحدة لا تعاني من تمييز عنصري وتؤمن بتكافؤ الفرص والحريات، تحول الحلم إلى وهم فى ظل تصاعد وتيرة الاضطهاد والعنصرية على أساس اللون والدين والعرق والثقافة، وحرمان المهاجرين من حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
اعتداءات بحق مهاجري هايتي
إن ملف حقوق الإنسان فى أمريكا يشهد حاليا انتكاسات تُعتبر الأوسع والأشد، فعلى الرغم من ادعاء الولايات المتحدة بأنها أكثر الدول احترامًا لحقوق الإنسان وتأكيدها الدائم في المحافل الدولية على مبادئ المساواة وعدم التمييز، إلا أنها تقوم بانتهاكات خطيرة ضد فئات المجتمع المختلفة بل واستغلت وباء كوفيد -19 لاستهداف المهاجرين بمزيد من الانتهاكات.. ومن أبرز هذه الانتهاكات، ما تمارسه حاليا السلطات الأمريكية ضد المهاجريين الهايتيين، حيث احتجزت أكثر من 10 آلاف مهاجر غالبيتهم من هايتي بعد عبورهم الحدود من المكسيك، وذلك لأيام عدة تحت جسر في تكساس وفى أوضاع معيشية مزرية نتيجة نقص المياه والطعام والأنظمة الطبية، فضلا عن التعرض للعنف والتهديد والذى وثقته مقاطع فيديو وصور لحرس الحدود يركبون الجياد ويستخدمون سروج الخيول لتهديد المهاجرين، الأمر الذى دفع الموفد الأميركي الخاص إلى هايتي إلى الاستقالة احتجاجاً على طرد المهاجرين وعمليات إبعادهم “غير الإنسانية” إلى بلدهم.
ونحن بصدد قضية التمييز ضد المهاجرين فى أمريكا، يتبادر إلى الأذهان جملة من التساؤلات التى يجيب عليها التقرير تباعا، والمتعلقة بأعداد المهاجرين فى أمريكا وأكثر الفئات عرضة للتمييز وأشكال هذا التمييز ودوافعه والتحديات التى يواجهونها داخل المجتمع الأمريكي.
أعــداد المهـاجــرين
وفق تقارير الهجرة الدولية الصادرة عن شعبة السكان بإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، تُعد أمريكا هي الوجهة الأولى للهجرة حيث تحتضن أكبر عدد من المهاجرين في العالم والبالغ نحو 40 مليون شخص، يعيش 76% من هؤلاء بشكل قانوني في أمريكا، ويبلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين أكثر من 11 مليون شخص.
يمثل المهاجرون نسبة مهمة من القوى العاملة فى المجتمع الأمريكي حيث شكل 28.5 مليون عامل مهاجر 17٪ من القوة العاملة الأمريكية في عام 2019، ويعملون في وظائف أساسية أكثرها ضمن قطاعات كالرعاية الصحية والنقل والخدمات والزراعة والصناعات الغذائية. وكانت أكبر بلدان منشأ المهاجرين المكسيك (24 % من المهاجرين) والهند (6%) والصين (5%) والفلبين (4.5 %) والسلفادور (3 %).
المهاجرون السود
وبحسب ما ذكره مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالأشكال المعاصرة من العنصرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب، فإن الأشخاص المنحدرين من أصول إفريقية في الولايات المتحدة عرضة للقتل والعنف والأعمال العدائية من قبل سلطات إنفاذ القانون بمعدلات كبيرة، مشيرا إلى أن البالغين من الأمريكيين الأفارقة عرضة أكثر بواقع 5.9 ضعف للسجن مقارنة مع نظرائهم من البيض، والأمريكيون الأفارقة أكثر عرضة لأن ينظر إليهم ضباط الشرطة على أنهم مجرمون فضلا عن التعامل معهم بإجراءات قاسية، وهو ما ظهر جليا فى مشهد قتل الشاب الأسود “جورج فلويد” على يد الشرطي الأبيض، وقبله قتل الشاب الأسود “ديانتى ياربر”، وغيرهما الكثير على مر التاريخ.
كما أن العمال من ذوي الأصول الإفريقية يعانون بشكل دائم من معدل بطالة يناهز ضعفي المعدل لنظرائهم من البيض.
المهاجرون الآسيويون
يعاني المهاجرون من أصول آسيوية من الإحباط والخوف بسبب تعرضهم لهجمات عرقية تتراوح حدتها من الهجوم اللفظي إلى القتل، فقد شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا في عدد حوادث الكراهية ضد الأمريكيين من أصول آسيوية، فخلال الفترة من مارس إلى مايو 2020، تم الإبلاغ عن أكثر من 800 حادث كراهية تجاه الأمريكيين من أصول آسيوية في ولاية كاليفورنيا فقط، وهي الولاية التي تضم أكبر نسبة من الآسيويين في الولايات المتحدة. كما ارتفعت جرائم الكراهية ضد الأمريكيين الآسيويين بنسبة 115٪ في مدينة لوس أنجلوس.
في حين أصدرت منظمة مكافحة جرائم الكراهية تجاه الأمريكيين من أصل آسيوي (Stop AAPI Hate) إحصائية مفادها أنه خلال الفترة من مارس 2020 حتى فبراير 2021، تم تسجيل حوالي 3800 حادث عنف عرقي تجاه الآسيويين في الولايات المتحدة، من بينها 503 حوادث وقعت خلال شهري يناير وفبراير من العام الحالي.
المهاجرون المسلمون
يتعرض المسلمون فى أمريكا لتصاعد حملات الكراهية والاعتداءات وسط اعتقال وسجن أعداد كبيرة منهم، وإلصاق تهم “الإرهاب” بهم، حتى أصبح الهجوم على المسلمين جزءا من الحملات الانتخابية الأمريكية من قبل الجمهوريين.
ووفق استطلاع رأي أجرته بعض المؤسسات الحقوقية، فإن نحو 50٪ من مسلمي أمريكا يعانون من صعوبة ممارسة شعائرهم الدينية، وما يقرب من 23٪ من البالغين المسلمين ينظرون إلى التمييز أو العنصرية أو التحيز كأهم مشكلة تواجه المسلمين الأمريكيين اليوم.
مهاجري أمريكا اللاتينية
تبنت الحكومة الأمريكية إجراءات صارمة وغير إنسانية ضد مهاجري أمريكا اللاتينية، حيث فصلت سلطات الهجرة الأمريكية أكثر من 5400 طفل عن والديهم على الحدود المكسيكية منذ يوليو 2017 وذلك وفق بيان للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، وتم احتجاز بعض الأطفال في مراكز منفصلة لعدة أشهر دون الحصول على رعاية صحية أو طعام كافٍ، واحتياجات أساسية أخرى. وعلى الرغم من تفشي وباء كوفيد-19 فى مراكز الاحتجاز غير أن إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية رفضت إطلاق سراح عشرات الآلاف من المهاجرين، ما أدى إلى إصابة الآلاف منهم بالفيروس.
وكانت إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية (CBP) قد أعلنت تسجيل أكثر من 1.1 عملية اعتقال لمهاجرين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك حتى الآن في العام المالي 2021.
وختاما وبعد تهاوي الادعاءات الأمريكية بالحرية والمساواة والعدل ، لم تعد أمريكا جنة الخلاص للمهاجرين كما كانوا يعتقدون، وإنما أرضا للاضطهاد والتمييز والإقصاء والسجن وربما القتل..”وتحتاج إلى وقت لاعتماد إجراءات هجرة تعامل الناس معاملة إنسانية ” كما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي!!