انضمام مصر لعضوية مجموعة “بريكس”: الآفاق والفرص
يُعد تجمع “البريكس” من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم، والذي يضم في عضويته كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وبريكس «BRICS» هي اختصار للحروف الأولى باللغة الإنجليزية للدول المكونة للمنظمة، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ويمثل التجمع نحو 30% من حجم الاقتصاد العالمي، و26% من مساحة العالم و43% من سكان العالم، ويُنتج أكثر من ثلث إنتاج الحبوب في العالم. هذا وقد أنشأت الدول الأعضاء بنك التنمية الجديد NDB برأسمال 100 مليار دولار لتمويل مشاريع البنية الأساسية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء، فضلاً عن اقتصادات السوق الناشئة والدول النامية الأخرى.
وزاد الاهتمام بتكتل “بريكس” عقب الحرب الروسية الأوكرانية وما رافقها من إعادة تشكيل نظام عالمي جديد يتجه إلى تعدد الأقطاب، حيث تسعى دول عدة للانضمام إلى هذا التكتل رغبة في الاستفادة من المميزات الاقتصادية والسياسية التي يتيحها، وتحقيق حالة من التوازن بالاقتصاد العالمي.
وبعد إعلان تجمع “بريكس” عن دعوة مصر للانضمام لعضويته اعتباراً من يناير 2024، برزت تساؤلات عدة بشأن المكاسب المتوقعة وطبيعة الفرص والتحديات التى قد تواجه الدولة المصرية عقب الانضمام، وهو ما تجيب عنه هذه الورقة البحثية بشكل تحليلي من خلال محاور عدة تأتي على النحو التالي:
أولا: الأهمية الاقتصادية لتكتل البريكس
ثانيا: علاقات مصر الاقتصادية مع دول تكتل البريكس
ثالثا: أثر انضمام مصر لتكتل البريكس (الفرص والتحديات)
رابعا: تقدير مكاسب التكتل الجديد
وتتمثل أهم النتائج التي توصلت إليها الورقة فيما يلي:
- يُشكل مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء في البريكس نحو25.9 تريليون دولار خلال عام 2022.
- تسيطر مجموعة البريكس على 17 % من التجارة العالمية، ودولها الحالية تسيطر على 27 % من مساحة اليابسة في العالم، أي ما يُعادل نحو 42 % من إجمالي سكان الأرض.
- ارتفعت صادرات مصر لدول مجموعة البريكس بنسبة 5.3% لتصل إلى 4.9 مليارات دولار عام 2022.
- بلغت استثمارات دول مجموعة البريكس فى مصر 891.2 مليون دولار خلال العام المالى 2021 / 2022.
- سيصبح حجم اقتصاد مجموعة “بريكس” حوالي 29 تريليون دولار بعد انضمام الدول الست الجديدة، بما يُمثل نحو 29 % من حجم الاقتصاد العالمي.
أولا: الأهمية الاقتصادية لتكتل البريكس
أصبح تكتل البريكس اليوم أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم؛ نظرًا للثقل الاقتصادي لدوله في ظل ما يتمتع به من إمكانات بشرية وصناعية وزراعية، بما يجعل قراراته محط اهتمام وتأثير عالميين، وذلك على النحو التالي:
1- الحصة من الناتج الإجمالي العالمي: يُشكل مجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء في البريكس نحو 25.9 تريليون دولار خلال عام 2022 أي بما نسبته 25.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي البالغ نحو 101 تريليون دولار في عام 2022، كما تُعَد دوله من الدول التي شهدت معدلات نمو اقتصادي سريعة؛ ما جعلها من أكبر الاقتصادات العالمية، كالصين الاقتصاد الثاني الأكبر عالميًّا بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
2- المساهمة في التجارة العالمية: تُسيطر دول البريكس على 17% من حجم التجارة العالمية، وذلك وفق بيانات منظمة التجارة العالمية. وبالنظر إلى الثقل التجاري العالمي لتكتل البريكس في عام 2022، وجد أن الصين تتصدر دول العالم بحصة تصديرية تبلغ نحو 15% من إجمالي الصادرات العالمية، وتأتي في المرتبة الثانية من حيث الاستيراد بحصة عالمية تجاوزت 11%، ولم يقتصر الثقل على الصين وحسب، فهناك روسيا -الثانية عالميًّا في تصدير الوقود- تأتي في الترتيب 15 عالميًّا من حيث الصادرات، فيما تحتل الهند المرتبة 21 على مستوى التصدير عالميًّا والـ 17 عالميًّا من حيث الاستيراد.
3- الثروة البشرية: بجانب اتساع المساحة الجغرافية لدول البريكس التي تُشكل مجتمعه نحو 26% من مساحة العالم، تمتلك أيضًا نحو 40.9% من إجمالي تعداد سكان العالم بإجمالي 3.25 مليار نسمة من الإجمالي العالمي البالغ نحو 7.95 مليار نسمة خلال عام 2022، بما يجعلها سوقًا عالمية هائلة من حيث قوة العمل والإنتاج وكذلك التوزيع والاستهلاك.
4-تنوع الهيكل الإنتاجي: يتميز الهيكل السلعي لصادرات دول البريكس عام 2022 بالتنوع؛ وذلك نتيجة تنوع هيكلها الإنتاجي بما يمنح تلك الدول فرصًا كبرى للتجارة البينية وتكامل سلاسل التوريد والإنتاج بينها، فعلى سبيل المثال: تمتلك روسيا قوة إنتاجية هائلة من النفط والغاز الطبيعي والحبوب، وهي الثانية عالميًّا في تصدير الوقود، وكذلك الأولى عالميًّا في تصدير الأسمدة، والثالثة في تصدير النيكل ومصنوعاته، هذا بخلاف تميزها في عدد من الصناعات الثقيلة، فيما تتميز الصين بتنوع هيكلها الإنتاجي الصناعي غير النفطي وتتصدر العالم في تصدير العديد من المنتجات الصناعية الثقيلة والخفيفة، بينما تتميز جنوب إفريقيا بصناعة واستخراج المعادن والأحجار الكريمة ولا سيما اللؤلؤ؛ ولذلك كانت الخامسة عالميًّا في تصدير خامات المعادن عام 2022، فضلا عن تميز البرازيل بمنتجاتها الزراعية كاللحوم والسكر والبن والشاي والحبوب، بينما كانت الملابس والمنسوجات الصادرات الأبرز لدى الهند التي تمتلك صناعة برمجيات متطورة.
ومن بين أهداف التكتل تعزيز مكانة أعضائه العالمية عبر تعزيز التعاون بينها في كل المجالات، بما يضمن تحقيق نمو اقتصادي يكفل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحسين نوعية النمو عن طريق تشجيع التنمية الاقتصادية المبتكرة القائمة على التكنولوجيا المتقدمة وتنمية المهارات، بجانب السعي إلى زيادة المشاركة والتعاون مع بلدان العالم لتحسين وضع الدول النامية والناشئة سواء من حيث تمثيلها في المؤسسات المالية الدولية، وكذلك تحسين أداء النظم التجارية متعددة الأطراف والتجارة الدولية وبيئة الاستثمار بما يضمن وجود نظام عالمي متعدد الأقطاب.
ثانيا: علاقات مصر الاقتصادية مع دول التكتل
تحظى دول مجموعة البريكس بعلاقات اقتصادية كبيرة مع مصر، حيث يتمثل حجم التبادل التجارى بين مصر والمجموعة فى عام 2022، على النحو التالي:
-ارتفعت صادرات مصر لدول مجموعة “بريكس” بنسبة 5.3% لتصل إلى 4.9 مليارات دولار مقارنة بـ 4.6 مليارات دولار.
-بلغت قيمة التبادل التجارى بين الطرفين 31.2 مليار دولار عام 2022، بزيادة سنوية 10.5% من 28.30 مليار دولار، وذلك بحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
-بلغت الواردات المصرية من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا 26.4 مليار دولار العام الماضى، بارتفاع 11.5% من 23.6 مليار دولار فى 2021.
-احتلت السوق الهندية الوجهة الأولى للسلع المصرية ضمن المجموعة عام 2022 بقيمة 1.9 مليار دولار، تليها الصين بقيمة 1.8 مليار دولار، وروسيا بقيمة 595.1 مليون دولار.
وعلى صعيد الاستثمارات، بدأت هذه الدول فى التدفق على مصر على مدى سنوات ماضية حيث بلغت استثمارات دول مجموعة البريكس فى مصر 891.2 مليون دولار خلال العام المالى 2021/2022، بزيادة عن العام السابق عليه والتى بلغت فيه 610.9 ملايين دولار، لترتفع بذلك نسبة استثمارات المجموعة فى مصر بنحو 45.90%، وجاءت الصين فى المركز الأول ضمن المجموعة من حيث حجم الاستثمارات فى مصر بـ 369.4 مليون دولار، تليها الهند بـ 266.1 مليون دولار، وجنوب أفريقيا بـ 220.3 مليون دولار.
هذا ويصل عدد الشركات المؤسسة من دول المجموعة فى مصر الى ٢٣١٨ شركة بقيمة رءوس أموال تصل إلى ما يقرب من مليارى دولار تعمل فى عدة قطاعات اقتصادية حيوية منها قطاع الصناعة والخدمات والإنشاءات والاتصالات والتكنولوجيا.
- الصين: تأتى الصين فى مقدمة دول المجموعة من حيث حجم الاستثمارات، حيث يبلغ عدد الشركات المؤسسة لدى الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة لدولة الصين 1345 شركة، وتصل مساهمة هذه الشركات فى رأس المال المصدر إلى 792.53مليون دولار. ويأتى ترتيب الصين على قائمة الدول الاجنبية المستثمرة فى مصر فى المرتبة الـ 21.
ووفقا للتوزيع القطاعي، فإن 702 شركة تعمل فى القطاع الصناعى و432 شركة فى القطاع الخدمى و70 شركة فى القطاع الانشائى و79 شركة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 47 شركة فى القطاع الزراعى و15شركة بقطاع السياحة، توفر 27392 فرصة عمل.
- روسيا: تحتل روسيا الاتحادية المرتبة الثانية بين دول البريكس المستثمرة فى مصر، حيث يصل عدد الشركات المؤسسة من مستثمرين من روسيا إلى 423 شركة، وتصل مساهمة هذه الشركات فى رأس المال المصدر إلى 124.97 مليون دولار. ويأتى ترتيب روسيا الاتحادية فى المرتبة الـ47 بين الدول المستثمرة فى مصر.
وينقسم التوزيع القطاعى للشركات إلى 38 شركة فى القطاع الصناعى 151 شركة فى القطاع الخدمى و79 شركة فى القطاع الإنشائى و33 شركة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات و17 شركة فى القطاع الزراعى و101 شركة بقطاع السياحة، و4 شركات بالقطاع التمويلى توفر 4361 فرصة عمل.
- الهند: يبلغ عدد الشركات المؤسسة من دولة الهند 462 شركة ومساهمة هذه الشركات فى رأس المال المصدر 751.64مليون دولار. ويأتى ترتيب الهند فى المرتبة الـ32 بين الدول المستثمرة فى مصر.
ووفقا للتوزيع القطاعى تعمل 175 شركة فى القطاع الصناعى و 184 شركة فى القطاع الخدمى و17 شركة فى القطاع الإنشائى و43 شركة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات و27 شركة فى القطاع الزراعى و12 شركة بقطاع السياحة، و4 شركات بالقطاع التمويلي توفر 26592 فرصة عمل.
- البرازيل: يبلغ عدد الشركات المؤسسة لدى هيئة الاستثمار من البرازيل 28 شركة، ومساهمة هذه الشركات فى رأس المال المصدر 36.47 مليون دولار، وترتيب البرازيل 61 بين الدول المستثمرة فى مصر.
ووفقا للتوزيع القطاعى تعمل 9 شركات فى القطاع الصناعى 11 شركة فى القطاع الخدمى و4 شركات فى القطاع الانشائى و4 شركات بقطاع السياحة، توفر 798 فرصة عمل.
- جنوب إفريقيا: يبلغ عدد الشركات المؤسسة لدولة جنوب إفريقيا فى مصر 60 شركة ومساهمة هذه الشركات فى رأس المال المصدر 292.16 مليون دولار، وترتيب جنوب إفريقيا 64 بين الدول المستثمرة فى مصر.
ووفقا للتوزيع القطاعى تعمل ٥ شركات فى القطاع الصناعى و34 شركة فى القطاع الخدمى وشركة واحدة فى القطاع الإنشائى و11 شركة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات و6 شركات فى القطاع الزراعى و3 شركات بقطاع السياحة، توفر 1723 فرصة عمل.
هذا بالإضافة إلى علاقات شراكة قوية مع روسيا امتدت لأكثر من 79 عاما من التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري والدبلوماسي، بلغ حجم التبادل التجاري خلال 2021 نحو 4.7 مليار دولار مقابل 4.5 مليار دولار خلال 2020، وزادت الصادرات المصرية إلى روسيا خلال 2021 إلى نحو 591.7 مليون دولار مقارنة بنحو 515.6 مليون دولار خلال 2020.
وبلغت الصادرات الروسية لمصر خلال عام 2021 نحو 4 مليار و178 مليون دولار مقارنة بنحو 4 مليار و19 مليون دولار خلال عام 2020. تشمل الصادرات المصرية لروسيا: الفاكهة بقيمة 164.5 مليون دولار (تمثل 46.2% من جملة الصادرات) الخضروات بـ 144 مليون دولار (40.4%) والملابس وملحقاتها بقيمة 14 مليون دولار (4%). تشمل الواردات الروسية لمصر: الحبوب بقيمة 804.7 مليون دولار وتُمثل 33% من جملة الواردات، الوقود المعدني بقيمة 399.3 مليون دولار (16.5%)، المعادن بقيمة 280.5 مليون دولار (11.6%) النحاس بقيمة 169.1 مليون دولار (7%) والطائرات بقيمة 167.8 مليون دولار (6.9%)
تُعد مصر الشريك التجاري الأول لروسيا في إفريقيا بنسبة تعادل 83% من حجم التجارة بين روسيا وإفريقيا، وتحصل مصر على نسبة 33% من حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية.
وفيما يتعلق بالاستثمارات الروسية في مصر، تعمل نحو 470 شركة روسية في مصر بإجمالى استثمارات تبلغ 7 مليارات دولار، وأبرز المشروعات الروسية فى مصر التى توفر فرص عمل تتجاوز 35 ألف فرصة: محطة الضبعة للطاقة النووية بقدرة تصل إلى 4800 ميجاواط وتكلفة تبلغ 30 مليار دولار، والمنطقة الصناعية الروسية فى منطقة شرق بورسعيد باستثمارات تبلغ 6.9 مليار دولار. هذا إلى جانب التعاقد مع شركة “ترانسماش هولدينج” الروسية بقيمة 1.065 مليار يورو لتوريد 1300 عربة ركاب للسكك الحديد، وامتلاك شركة “روسنفت” ROSNEFT الروسية حصة نسبتها 30% بحقل غار ظهر بالبحر المتوسط.
ثالثا: أثر انضمام مصر لتكتل البريكس
تلعب الدول الأعضاء فى المجموعة دورًا متزايدًا فى التأثير على الاقتصاد العالمى، وبالتالى تشكيل استراتيجية اقتصادية جديدة متعددة الأقطاب يعد بمثابة فرصة مساعدة للاقتصاد المصرى، ولهذا يعتبر انضمام مصر للتجمع بمثابة تنوع للخيارات أمام القاهرة والتخفيف من تعرضها لأى شكل من أشكال الضغوط الاقتصادية. ونستعرض الفرص والتحديات المتعلقة بانضمام مصر للتكتل على النحو التالي:
أ-الفرص
1-يُسهم قرار انضمام مصر لمجموعة دول البريكس بشكل مباشر في الاستفادة من خبرات الدول المشاركة في زيادة معدلات التصنيع والإنتاج، حيث تتيح اتفاقية تأسيس بنك التنمية التابع لتجمع البريكس لمصر، تعزيز اتفاق التبادل التجاري مع 68 دولة المتعاملين مع مجموعة البريكس، وبالتالي إتاحة سوق مشتركة لترويج السلع والمنتجات المصرية، بجانب تجمع الكوميسا، ما يدعم استمرار الرؤية الاستراتيجية بشأن تنويع جديد للعلاقات التجارية الدولية.
2-يعطي هذا التكتل للدول الأعضاء نوعا من التوازن والتبادل التجاري السريع لإنعاش اقتصاداتها، فضلا عن تكوين احتياطيات لمعالجة مشكلة السيولة، وكيفية مواجهة الأزمات العالمية من خلال اقتصاديات الدول الأعضاء التي تعتبر الأكثر والأسرع نموا في العالم، وهناك بعد سياسي من هذا التحالف، ويتعلق بفكرة تكوين نموذج اقتصادي جديد متعدد الأقطاب في محاولة تكوين استراتيجية اقتصادية جديدة متعددة الأقطاب بدلا من القطب الواحد.
3- الاستفادة من المجالات التي تدخل في الأنشطة المتعددة لبنك التنمية الجديد NDB ، وفي مقدمتها دعم التنمية المستدامة وتعزيز التعاون والتكامل الإقليميين عبر الاستثمار في مجال البنية التحتية بشكل أساسي، والتي تشمل القطاعات الفرعية المختلفة في البنية التحتية مثل: الطاقة، والنقل، والمياه، والاتصالات. فضلا عن أن عمليات البنك تشمل قطاعي الصحة والبنية التحتية الاجتماعية، ويمتد نشاط البنك إلى مجال الرقمنة بسبب الآثار الاقتصادية السلبية الناتجة عن جائحة كورونا (كوفيد 19) على الاقتصاد العالمي.
4- خفض الطلب على الدولار: تعمل دول “بريكس” على تشكيل أنظمة دفع بديلة وإنشاء عملة رقمية مشتركة وعملة احتياطية للتجارة العالمية من المحتمل أن تكون مدعومة بالذهب؛ إذ تعمل على التطوير التدريجى لنظام مالى بعيدًا عن الدولار الأمريكى، والتوسع فى استخدام العملات المحلية فى التبادل التجارى، وبما يحقق التعاون المربح للجانبين، خاصة وأن مصر تعانى من أزمة دولار نتيجة الفجوة بين الطلب على العملة الصعبة والمعروض منها. وبالتالى سيخفف انخفاض الطلب على الدولار من حدة أزمة النقد الأجنبى ويقلل الفجوة التمويلية فى مصر.
5- عضوية مصر فى بنك التنمية الجديد: انضمام مصر إلى المجموعة يعزز قدرة مصر فى دعم تنميتها المستدامة ومعالجة قضايا السيولة من خلال عضويتها فى بنك التنمية الجديد، خاصة وأن دول المجموعة تتمتع بإجمالى احتياطيات من النقد الأجنبى 4 تريليونات دولار أمريكى، وبالتالى تستطيع مصر تنويع مصادر تمويلها بإجراءات وشروط ميسرة بوصفه بديلًا اقتصاديًا مهمًا فى مواجهة الشروط المشددة لمؤسسات الإقراض الأخرى كالبنك وصندوق النقد الدوليين.
وقد وافقت إدارة البنك على أن تكون قيمة المساهمة المصرية مقدرة بمبلغ 1.196 مليار دولار أمريكي المدفوع منه 20% إجمالي مبلغ قدره 239.2 مليون دولار أمريكي. وتعد مساهمة مصر المقررة حالياً هي أعلى قيمة مساهمة يمكن أن تمنح لدولة غير مؤسسة للبنك، وتمثل نحو 2.1 % من القوة التصويتية للبنك. وتجدر الإشارة إلى أن البنك سيعمل على دعم الدول الأعضاء من خلال ترتيب احتياطى الطوارئ، وهو إطار لتوفير سيولة إضافية ومزايا أخرى لدول “بريكس” لمواجهة الأزمات الاقتصادية.
6- تعزيز دور مصر فى عالميا وإقليميا: سيؤدى انضمام مصر إلى تعزيز دورها المهم والمؤثر فى إفريقيا، من خلال الاتفاقيات التجارية فيما بينها، وستتمكن من الاستفادة من الاتفاقيات التجارية مثل السوق المشتركة للجنوب (ميركوسور)، لتصبح مركزًا يربط إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
7- قنوات استثمارية جديدة: تشير التوقعات إلى مزيد من الاستثمارات البينية ووضع دول كالهند على سبيل المثال على خريطة الاستثمار المصرية. ويتطلع الاقتصاد المصرى إلى جذب استثمارات فى مجالات الرقمنة والطاقة المتجددة والتنمية الزراعية والاستثمارات البيئية الخضراء والبنية التحتية.
8- تأمين السلع الاستراتيجية: تنتج دول البريكس ثلث إنتاج العالم من الحبوب، وأجرت مصر وروسيا والهند مناقشات فى السابق فيما يتعلق بتداول القمح والأرز، إلى جانب سلع استراتيجية أخرى بالجنيه المصرى والروبل والروبية. ومن خلال الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، يمكن أن تؤتى هذه المحادثات ثمارها.
9- تسوية المدفوعات الناتجة عن التجارة البينية بين مصر ودول المجموعة باستخدام عملاتها دون الحاجة للدولار أو اليورو أو الين.
10-التأكيد على أن مصر أصبحت ذات قرار سياسي مستقل تسعى لإقامة علاقات متوازنة مع كل الأطراف.
11-ستحصل مصر بالانضمام لـ”التجمع” على تأييد تسويقي في المحافل العالمية سواء عند اتخاذ قرار سياسي أو ترشيح مصري في المناصب الدولية، وستؤثر الاتفاقيات الموقعة بين مصر ودول “التجمع” على الاقتصاد العالمي بشكل إيجابي.
ب- التحديات:
ثمة مجموعة من التحديات أيضاً تفرض نفسها على التكتل، سواء تلك الداخلية المتعلقة بمدى التوافق بين الدول الأعضاء داخل المجموعة وطبيعة تعاملهم من الملفات والقضايا الرئيسية، وحتى العلاقات الثنائية بين الدول المختلفة داخلها، وكذلك التحديات الخارجية المرتبطة بالتطورات التي يشهدها العالم وجملة المتغيرات الواسعة الحالية أو القادمة.
هذا إلى جانب التحديات المرتبطة بالاتفاق على صيغ اقتصادية جماعية مستقبلية، فضلاً عن بعض الأفكار (والملفات) التي قد لا تلتقي بين الصين والهند على سبيل المثال، علاوة على صعوبة التوصل إلى عملة موحدة تنافس الدولار في المستقبل القريب أو البعيد.
فمن المبكر أن يتم الاتفاق على عملة موحدة، لكن الطموح حالياً يتعلق بالتبادلات بالعملات المحلية، وبما يقلل من الاعتماد على الدولار وتكاليف المعاملات، ويُوجد حالة من الحرية في التبادلات التجارية دون الاعتماد على العملة الأميركية .
رابعا: تقدير مكاسب التكتل الجديد
نتحدث عن ثانى قوة عسكرية في العالم، وهي روسيا، علاوة على أنها قوة اقتصادية لا يستهان بمواردها.. ونتحدث عن العملاق الاقتصادي في القرن الـ 21 الصين بالثقل الاقتصادي والعسكري والبشري، ومعهما الهند.. وبالتالي ثلاث دول تتمتع بثقل اقتصادي وسياسي وعسكري دولي تسعى جميعها للقيام بدور أكبر على الساحة الدولية ويبدو جلياً أنهم يعلمون -بل وتستفيدون- من الأخطاء الأميركية من خلال القيام بشراكات مختلفة عما تقوم به الولايات المتحدة. وفى ضوء هذه المعطيات وفى ظل التجاذب السياسي العسكري أحياناً بين هذه القوى الاقتصادية العملاقة وبين أميركا والدول الغربية، فإن هيمنة الدولار سوف تتراجع ولكن هذا سيستغرق بعض الوقت؛ لأن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي تغذيها عوامل سياسية وعسكرية بأكثر ما هي اقتصادية، وعلاقات متجذرة بين الولايات المتحدة وكثير من دول العالم ليس من السهل أن تتبدل بين عشية وضحاها.
المسألة الأخرى المهمة هي قدرة مجموعة بريكس على المضي قدماً نحو علاقات اقتصادية بين دول المجموعة أكثر تنظيماً وأكثر عدالة وأكثر رسوخاً. ويمكن بصورة مبدئية تقدير المكاسب التالية:-
1- بعد أن كان حجم اقتصاد مجموعة “بريكس” حوالي 26 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 6 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي في 2022، سيصبح بعد انضمام الدول الست الجديدة حوالي 29 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 29 % من حجم الاقتصاد العالمي.
2-مع ارتفاع عدد دول مجموعة بريكس إلى 11 دولة سيصبح عدد سكان دول المجموعة أكثر من ثلاثة مليارات و670 مليون نسمة أي مايقارب نصف سكان العالم، فيما كانت هذه النسبة عند نحو 40 % قبل انضمام هذه الدول.
3- بانضمام كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى تكتل “بريكس” فإنه بذلك تتوافر قوى نفطية في هذه المجموعة لديها طاقة إنتاجية عالية، بالنظر إلى حجم الإنتاج اليومي في حدود الـ 10 ملايين برميل من النفط لكل من روسيا والسعودية، وحوالي ثلاثة ملايين برميل بالنسبة للإمارات، وفي وجود الصين ضمن التكتل وباعتبارها أكبر مستورد على مستوى العالم.
4- الثقة التي تتمتع بها عملات السعودية والإمارات مما يتيح الفرص المرتبطة بالتبادل بالعملات المحلية، وبالتالي ستكونا أيضاً ضمن العملات المرتبطة بالتجارة البينية بين الدول، وتعزز ذلك اتفاقيات التعاون بالعملات المحلية الموقعة -قبل انضمام البلدين إلى بريكس- ومن بينها الاتفاق بين الإمارات والهند على سبيل المثال. فزيادة التبادل التجاري هو هدف أساسي ومع استخدام العملات المحلية وتقليص تكاليف التحويل إلى عملات أخرى، الأمر الذي يعزز علاقات التعاون الثنائي بين أعضاء المجموعة.
وختاما وفي ضوء ما أوضحته هذه الورقة، فإن هناك حالة من التفاؤل بلغة الأرقام فقد وصلت نسبة مساهمة مجموعة “بريكس” إلى 31.5 % في الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7% للقوى السبع الصناعية. وتسعى المجموعة إلى أن ينعكس ذلك التفوق عملياً من خلال توسعة نشاطاتها الاقتصادية الرامية لمواجهة هيمنة الدولار الأميركي. فمجموعة بريكس تسيطر على 17 % من التجارة العالمية، ودولها الحالية تسيطر على 27 % من مساحة اليابسة في العالم، أي ما يُعادل نحو 42 % من إجمالي سكان الأرض، بينما يبلغ عدد سكان دول مجموعة السبع نحو 800 مليون نسمة، غير أن سياسة التكتل حتى الآن لا تتخذ مسارات الصدام فكل أعضاء البريكس لا يتحدثون إلا عن زيادة استخدام العملات المحلية في التجارة البينية وإنشاء نظام دفع مشترك، متخذين الأزمة الروسية الأوكرانية فرصة لتحقيق هذا الهدف.
وعلى الرغم من التفاؤل المتعلق بنجاح تكتل بريكس فى هز عرش الدولار، إلا أن سياسة الأمر الواقع تُقلل من هذا التفاؤل، لأن الواقع يؤكد وبقوة أن كسر هيمنة الدولار الأمريكي في النظام المالي العالمي في غاية الصعوبة، إذ يُمثِّل الدولار العملة الاحتياطية الأوسع انتشارًا في العالم بنسبة 61%، فهو العملة الأساسية في التجارة العالمية وفى الأسواق العالمية للأسهم، وفى أسواق السلع والودائع البنكية، والتمويل الإنمائي والاقتراض. كما أن قضية تحويل النظام العالمى من عملة إلى أخرى لا يحدث في ليلة وضحاها، لكن الأمر سيستغرق سنوات حال التغلب على التحديات، خاصة أن اليوان الصيني وعملات الخليج مرتبطة بالدولار، كما أن جانبًا كبيرًا من احتياطيات دول بريكس بالدولار الأمريكي واستبداله بعملة أجنبية أخرى سيعرض هذه الدول – قطعا – لخسارة شديدة اقتصاديا فى ظل سيطرة الدولار الأمريكى على نحو 80% من حجم التجارة العالمية.