صباح الخير يا وطن
في ٢٥ يناير عام ٢٠١١ فتحت نافذة على ميدان التحرير ..لأراقب عن كثب ما يدور في الميادين من محاولات لوضع مصر على صفيح ساخن، ووضع مستقبل أبنائها في موضعٍ حرج .. لم يتمكن المتأمرون حينها من النفاذ إلى نسيجها الداخلي، ولم يتمكن حلفاء الشر من تحقيق أحلامهم في تدمير ما تبقى من حلم التنمية ومحاولات الخروج من النفق المظلم؛ نتيجة السياسات والبرامج الفاشلة التي كرَّست الفقر، وزادت من الهوة بين الأقاليم المصرية من ناحية، وبين الطبقات الاجتماعية من ناحية ثانية ..
وذلك لأن مصر كانت واعية بالقدر الكافي، الذي جعلها تخرج من براثن الشر بسلام ..ولأنها كانت مؤمنة بالقدر الذي مكنها من محاصرة الشر وأهله، وارغامه على دفن أسلحته في الرمال .. ولأنها مؤمنة بتاريخها وجغرافيتها؛ فقد جعلت الارهاب يرفع رايته البيضاء في حضرة أجنادها البواسل ، ويرحل عن شوارعها الآمنة بلا عودة ..!
أدعي بأنني من خلال نافذتي الصغيرة التي كنت أطل منها على ميدان التحرير وكافة الميادين الثائرة؛ رأيت ما لم يراه أنصار تلك الميادين والمنابر الإعلامية المزيفة .. فقد كنتُ وما زلت مقتنعاً بأن التغيير بالكلمة أقوى من التغيير بالصِياح والهتاف ، وأن التغيير بالحوار أقوى بكثير من التغيير بالسلاح .. وأن الوعى الحق لا يُبنى بالأسلحة ولا بالتخريب ولا بالدمار، ولا يهدم أيضاً بالأسلحة. وإنما يُبنى الوعي بالدليل والاقتناع والمنطق والكلمة الشفافة المخلصة وبالحوكمة وإرساء قواعد عادلة للمحاسبة ..
وكذلك كنت وما زلت مقتنعاً بأن المثقف الحقيقي المؤمن بقضايا وطنه والمتعايش مع واقعه، والقارئ الجيد للمستقبل لا يثور أبداً على الأرض، وإنما يثور على الورق. وأن سلاحه الوحيد هو الكلمة وأداته الوحيدة هي القلم .. هو بعيد كل البعد عن التسفيه والتسخيف والتحريض والتنكيل .. هو فقط محرض قوي على الوعي والإصلاح والتنمية واستقرار الوطن الذي يعيش فيه ويعيش فيه .. !
فالمثقف الحقيقي كما عرفه الدكتور جمال حمدان.” هو الإنسان الذي يتجاوز دائرة ذاته، ليصل للمجتمع الأكبر كله.. هو الإنسان القادر على أن يجعل مشاكل الأخرين هموما شخصية له، وهو ضمير عصره سابق لعصره في أدراك الخطر المستقبلي والحلم بالمستقبل، هو برج مراقبة للعالم من حوله، يرصد، يحلل، يتوقع يتنبأ، يحذر، يخطط، لا يضيع في التفاصيل وإن تابعها بكل تفصيل.” !
أوقن أن الأوطان كائن لطيف جداره من صُلب، يصعب اختراقه من الخارج. مبطن بطبقة رقيقة جداً من الداخل. فكلما التحفت أطياف الشعب بالوعى الوطني كلما شكلت ذلك الجدار الصلب الذي يصعب اختراقه من أي قوى مناوئة. وكلما تعاملت جدرانه برفق من الداخل كلما نما الوطن وتحققت أمانيه ..
السر إّذاً يكمن دائماً في الوحدة والتماسك وليس في الصراع والتفكك والتشرذم.. فإذا كان الإنسان محباً لوطنه فكيف يهدم المحب حبيبه، وكيف يرفع في وجه من يحب السلاح..؟!
كانت هذه المقدمة لازمة لأعبر عن حزني العميق لما يحدث في سوريا ذلك البلد الشقيق والامتداد الأساسي للأمن القومي المصري ..وإيماني بأن هذه الفصائل المسلحة التي تهاجم الدولة السورية لا علاقة لها بالدين ولا بالوطنية ..فصائل بلا شك مأجورة موتورة ..نجح المتآمرون على سلامة سوريا في تجنيدها ضد بلادها مستغلين حالة الضعف السياسي والمادي الذي يعانيه السوريون.. فمن الخزي أن يقبل مواطن أن يكون خنجراً في ظهر بلاده وليس من الشرف أن يحمل المواطن سلاحاً في وجه الوطن ..فنحن ضد ما يحدث في سوريا وندين بشدة أفاعيل الفصائل المسلحة. وندعو الله أن يحفظ سوريا من كيد الكائدين وتعود سوريا لأبنائها أمنة ..
وعلى أية حال تظل البلدان العربية التي شهدت ما يسمى بالربيع العربي نموذجاً صارخاً على البلدان التي تأمر أبنائها على هدمها .. نموذجاً على غياب الوعي الوطني العام وعلى ضعف مشاعر الانتماء .. والناظر إلى سوريا واليمن وليبيا والسودان يتعلم الدرس جيداً . فإن لم يتعلم فسوف يحاسبه أبناءه والتاريخ جيداً .. وحين يتشرد هو وأحفاده في البلاد يبحث عن ملجأ ولسان حاله يقول كان لي هناك وطن هدمته بيدي، أو كنت ذراعاً فتياً لهدم بلادي..! وسوف تظل مصر التي شهدت ثورتين كبيرتين نموذجاً على الوعي وسرعة الاستفاقة وقوة الاصطفاف وأن الحضارة ليست شعاراً براقاً وإنما سلوكاً وطنياً قويماً يحفظ بلاده حتى من نفسه ..
فالأوطان في حضن أبنائها كالأطفال التي تنام في سلام .. لعن الله من هدد استقرارها .. ولعن الله من سلب أمنها ..فالأوطان بدون تماسك أبنائها تصبح هشة كقشةٍ في مهب الريح…حفظ الله مصر، حفظ الله أمتنا العربية من كل شر.