الاقتصاد المصري Archives - المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية https://draya-eg.org/tag/الاقتصاد-المصري/ Egypt Fri, 14 Jul 2023 11:04:15 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.3.3 https://i0.wp.com/draya-eg.org/wp-content/uploads/2021/06/cropped-ico.png?fit=32%2C32&ssl=1 الاقتصاد المصري Archives - المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية https://draya-eg.org/tag/الاقتصاد-المصري/ 32 32 205381278 تداعيات الحرب في السودان على الاقتصاد المصري https://draya-eg.org/2023/07/13/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1%d9%8a/ Thu, 13 Jul 2023 21:16:51 +0000 https://draya-eg.org/?p=6903 الملخص التنفيذي مع اقتراب دخول الصراع فى السودان شهره الرابع بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي، بحصيلة أكثر من 3 آلاف قتيل وما يتجاوز 2.8 مليون نازح ولاجىء داخل وخارج البلاد، وسط تحركات دولية لإجلاء الرعايا الأجانب من البلاد، حذرت الأمم المتحدة …

The post تداعيات الحرب في السودان على الاقتصاد المصري appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
الملخص التنفيذي

مع اقتراب دخول الصراع فى السودان شهره الرابع بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي، بحصيلة أكثر من 3 آلاف قتيل وما يتجاوز 2.8 مليون نازح ولاجىء داخل وخارج البلاد، وسط تحركات دولية لإجلاء الرعايا الأجانب من البلاد، حذرت الأمم المتحدة من تدهور الوضع في ثالث أكبر دولة في إفريقيا، خاصة مع اعتماد عدد كبير من الأشخاص على المساعدات قبل بدء النزاع.

كان السودان يسير في طريقه السليم تجاه الانتقال السياسي فى البلاد بعد توقيع الاتفاق الإطاري بين المكون المدني والعسكري، وقبل محطة الوصول النهائية نشب صراع مسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ومازال الاقتتال مستمرا . ومع إصرار الفريق البرهان وحمديتي على خرق كل محاولات الهدنة والتهدئة متهمين بعضهما البعض، ووسط زيادة أعداد القتلى والجرحى، وانهيار كامل في المنظومة الصحية، وأزمة نزوح جماعي من ويلات الحرب الدائرة، وأزمة انقطاع المياه والكهرباء وشح الغذاء والوقود والدواء كل تلك المعاناة تنذر بأزمة إنسانية كبيرة.

وتجدر الإشارة إلى أن دولة السودان تزخر بخيرات كثيرة، فهي من أغنى الدول بالموارد الطبيعية مثل الذهب والفضة والغاز الطبيعي والزنك والحديد والكروميت، فتُعد السودان ثالث أكبر دولة إفريقية – بعد جنوب إفريقيا وغانا – من حيث موارد الذهب المعروفة في القارة السمراء، وتحيط بها عدد من الدول المغلقة اقتصادياً أو تجارياً، والتى تعتمد عليها خصوصاً عبر ميناء بورتسودان في توفير احتياجاتها من الخارج، ومن ثم يُشكل السودان معبراً لتجارة تلك الدول المغلقة مع العالم الخارجي، مثل تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا ودول أخرى، فضلا عن حقيقة أن توطيد علاقات الدول المختلفة بالخرطوم يتيح لها توسيع امتدادها الجيوسياسي والتجاري فى البحر الأحمر.

توصلت الورقة إلى أن نشوب الحرب الحالية، واستمرارها خلال الفترة المقبلة، سيزيد الأمر تعقيدا بالنسبة لعلاقات السودان مع مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية، ، خاصة مع تعطل المرافق القادرة على إنتاج الغذاء، ومرافق استيراد الغذاء وستكون أولوية الإنفاق الحكومي هو الإنفاق العسكري والأمني، فضلاً عن صعوبة تدبير النقد الأجنبي، وزيادة نسب البطالة بين الشباب. فتصاعد الحرب الحالية يمكن أن يدفع الناتج المحلي الإجمالي للتراجع من حيث القيمة ومعدلات النمو، مما يُحدث أثراً سلبياً على المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، مثل بنك التجارة والتنمية وبنك التصدير والاستيراد والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص وبنك التنمية الإفريقي، والبنك الإسلامي للتنمية.

تتمثل أهم النتائج التي توصلت إليها الورقة فيما يلي:-

  • يستحوذ السودان على حوالي 13,5% من حجم التبادل التجاري بين مصر وقارة إفريقيا.
  • تأتى السودان فى المرتبة الأولى للصادرات المصرية لدول حوض النيل بما قيمته 826.8 مليون دولار عام 2021، كما جاءت أيضا السودان فى المرتبة الأولى للواردات من دول حوض النيل بما قيمته 336.7 مليون دولار.
  • سجل حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان 1,434 مليار دولار خلال عام 2022 مقارنةً 1,212 مليار دولار خلال عام 2021، بينما بلغت الصادرات المصرية إلى السودان 929 مليون دولار خلال عام 2022، وبلغت الواردات السودانية لمصر نحو  504.5 دولار في عام 2022.
  • يُعد السودان موردا رئيسيا للمواشي واللحوم الحية وهي إحدى السلع الاستراتيجية لمصر، حيث تمد السودان مصر بنحو 10% من احتياجاتها من اللحوم.
  • أفادت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن امتداد الاشتباكات في السودان لفترة مطولة يُشكل خطرا متزايدا وسيكون له تأثير ائتماني سلبي على البلدان المجاورة ومنها مصر.
  • يقدر حجم الاستثمار المصري في السودان بنحو 2.7 مليار دولار.

أولا: تحليل آداء الاقتصاد السوداني

مر عام 2022 قاسياً على السودان من الناحية الاقتصادية نتيجة الأزمة السياسية التى حلت به فى أعقاب إجراءات الجيش فى 25 أكتوبر 2021، وبلغت الإيرادات العامة 2.9 مليار دولار في 2022، ما يمثل 9.7 % من الناتج المحلي الإجمالي للسودان، الذي بلغ 30.5 مليار دولار بمعدل نمو 0.6 % بنهاية 2021.

كما بلغ إجمالي الصادرات 4.3 مليار دولار في 2022، بينما كانت جملة الواردات 11 مليار دولار بعجز كبير في الميزان التجاري تجاوز 6.7 مليار دولار، بعدما سجلت الصادرات 5 مليار دولار، والواردات 9.9 مليار دولار بعجز بلغ 4.8 مليار دولار فى 2021، وذلك وفقا للموجز الإحصائي للتجارة الخارجية الصادر عن بنك السودان المركزي فى ديسمبر 2022.  

هذا إلى جانب تراجع الاستثمار الأجنبي وتناقص تحويلات السودانيين العاملين فى الخارج التى تمثل نحو 60% من إجمالي مصادر النقد الأجنبي حسب بيانات رسمية، الأمر الذى تسبب فى نقص إيرادات الدولة من النقد الأجنبي، وكان إسهام المنح الأجنبية في إجمالي الإيرادات خلال 2022 (صفراً)، بعد أن علق المانحون الدوليون مساعداتهم المالية للسودان وتم إيقاف أنشطة البنك الدولي ومشروعاته وتجميد اتفاقية إعفاء الديون من مجموعة نادي باريس وفقد السودان نحو 4.3 مليار دولار كان يمكن الاستفادة منها في حال استمر مسار الانتقال السلمي للسلطة.

عملت السلطات على تعويض هذا النقص بزيادة الضرائب التي تسببت في دخول الاقتصاد في حالة ركود وارتفعت الأسعار، وتراجعت القوى الشرائية للمواطنين، هذه الصورة القاتمة والأوضاع المتردية والركود هو ما دخل فيه الاقتصاد السوداني عام 2023، وكل الآمال كانت معلقة بوصول سريع لاتفاق حول عودة مسار الانتقال واستئناف الإصلاحات الاقتصادية والعودة للتعامل مع المجتمع الدولي مجدداً.

 لكن هذه الآمال تبددت باندلاع الحرب  في 15 أبريل، مما جدد المخاوف بانزلاق الاقتصاد السوداني نحو الانهيار الشامل، وقامت الدول الأجنبية بإجلاء رعاياها مخافة اتساع رقعة الحرب، مما أصاب النشاط الاقتصادي بالشلل، حيث ترفع الحرب من أخطار التعامل التجاري مع السودان، وتتسبب في هجرة رؤوس الأموال، كما يعاني المواطنون من ظروف بالغة التعقيد بعد أن أوقف برنامج الغذاء العالمي برامجه بسببها، ومن المرجح أن تشهد البلاد موجة من الانفلات الأمني تجعل من تدفق السلع للأسواق أمراً بالغ الصعوبة، الأمر الذى يُزيد من مخاوف حدوث مجاعات في بلد كان في دائرة خطر المجاعة قبل اندلاع الحرب.

ثانيا: العلاقات الاقتصادية المصرية السودانية

شهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان تطورًا ونموًا كبيرًا خلال السنوات الماضية ولا سيما حجم التبادل التجاري والاستثمارات والمشروعات العملاقة التي شهدت نموًا ملحوظًا وفقًا لاتفاقيات تعاون اقتصادية وبروتوكولات موقعة بين الدولتين. لا شك أن الصراع الدائر الآن في السودان بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني سوف يؤثر على النشاط الاقتصادي بين مصر والسودان خاصةً فيما يخص معدل التبادل التجاري حيث سيواجه مشكلة كبيرة في حالة استمرار الصراع.

يستحوذ السودان على حوالي 13,5% من حجم التبادل التجاري بين مصر وقارة إفريقيا، خاصةً بعد افتتاح ميناء قسطل – أكيت البري في عام 2015، والذي يُعدُ بمثابة أهم بوابة لمصر تطل من خلالها على إفريقيا حيث يسهم الميناء في إحداث نقلة كبيرة في حركة التبادل التجاري بين مصر من جهة والسودان والقارة الأفريقية من جهةً أخرى.

تأتى السودان فى المرتبة الأولى للصادرات المصرية لدول حوض النيل بما قيمته 826.8 مليون دولار عام 2021، وذلك من إجمالي قيمة صادرات بلغت 1.6 مليار دولار، أى بنسبة بلغت 51.7%.. كما جاءت أيضا السودان فى المرتبة الأولى للواردات من دول حوض النيل بما قيمته 336.7 مليون دولار عام 2021، من إجمالي واردات بلغت 662.1 مليون دولار، أى بنسبة بلغت 50.9%، وذلك وفقا للنشرة السنوية بعنوان “التبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل عام 2021” الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فى نوفمبر 2022.

وتأتى اللدائن ومصنوعاتها (مواد خام لصناعة البلاستيك) فى المرتبة الأولى من الأصناف التى يتم تصديرها للسودان، يليها السكر ومصنوعات سكرية، ثم منتجات مطاحن وشعير ونشا حبوب، ثم الأسمدة، وتأتى الحيوانات الحية فى مقدمة الأصناف التى يتم استيرادها من السودان، تليها الحبوب والثمار الزيتية والنباتات الطبية والعلف ثم القطن.  

تجدر الإشارة إلى أن السودان يُعد موردا رئيسيا للمواشي واللحوم الحية وهي إحدى السلع الاستراتيجية لمصر، حيث تمد السودان مصر بنحو 10% من احتياجاتها من اللحوم، ومع استمرار الصراع وقلة ما يتم استيراده من اللحوم من السودان يزداد الضغط على أسعار اللحوم محليا، ذلك إلى جانب المواد الخام التى تستوردها مصر من السودان، مما ينعكس سلبا على أسعار السلع فى مصر، ويتسبب فى ارتفاع معدلات التضخم.

ترتبط مصر والسودان بعلاقات تاريخية قوية وراسخة، يجمعهما المصير المشترك، والعلاقة بين البلدين تكاملية وليست تنافسية، ويعتبر حليف لا يمكن الاستغناء عنه لأهميته الاستراتيجية لمصر، فحدودهما المشتركة تقدر بـ1276 كم ويشتركان في ممر مائي عالمي البحر الأحمر، فضلا عن الروابط المشتركة سواء كانت تاريخية أو ثقافية.

ثالثا: تداعيات الحرب في السودان على مصر

يؤثر استمرار الصراع فى السودان على أمن واستقرار الإقليم بأسره، فعدم استقرار السودان أمر مقلق خاصة لدول الجوار ومنطقة القرن الإفريقي، حيث توجد 7 دول أساسية مجاورة للسودان تتأثر بشكل كبير بالتطورات فيه، إضافة إلى دول جوار الجوار، ليصبح عدد الدول المتضررة على أقل تقدير حوالي 17 دولة تعتمد بشكل أو بآخر على استقرار السودان سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

وبينما تسعى الحكومة المصرية للحد من تبعات الحرب الأوكرانية، وتوفير الحماية الاجتماعية للمواطن، جاءت الأزمة السودانية لتضيف عبئًا جديدًا عليها، لاسيما وأن أكثر من 145 ألف لاجئ سوداني فروا إلى مصر منذ بدء الصراع المسلح الذي يشهده السودان، وذلك وفقا لتقديرات المفوضية السامية لشئون اللاجئين التى كانت قد ذكرت فى أغسطس 2022 أن تعداد اللاجئين السودانيين بمصر يُقدر بنحو ما بين 58 ألفًا و60 ألف شخص. هذا بالإضافة إلى ما كشفت عنه المنظمة الدولية للهجرة IMO التابعة للأمم المتحدة بأن أعداد المهاجرين السودانيين فى مصر بلغ 4 ملايين.

ولا شك أن هذا الأمر يُنذر بتأثر قطاعات اقتصادية مهمة، وقد يمتد تأثيرها إلى المواطن من خلال ارتفاع جديد في أسعار بعض السلع، وبينها اللحوم على سبيل المثال، حيث من المتوقع تراجع الكميات المستوردة من اللحوم السودانية، التي كانت جزءًا من محاولات كبح جماح ارتفاع سعر اللحوم في السوق المحلية المصرية.

وتُشير التوقعات إلى تأثر عدد من القطاعات، مثل مواد التشييد والبناء، والأجهزة الكهربائية، والأغذية المصنعة، والملابس، وبعض المنتجات الزراعية، التي تعتمد في جزء من عملها على تصدير المنتجات إلى السودان بالدولار، وبينما لا تبدو التأثيرات الاقتصادية واضحة حاليًا، إلا أنه من المؤكد أن استمرار الصراع في السودان ستكون له تبعات كبيرة  وخطيرة في الفترة المقبلة.

وتتأثر مصر اقتصاديًّا بالأزمة في السودان من عدة أوجه كما يلي:

أ- الأثر على التجارة

حققت معدلات التبادل التجارى بين مصر والسودان في 2022 ارتفاعًا بنسبة 18.2%، لتبلغ، بحسب تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، 1.434 مليار دولار. ويستحوذ السودان على 13.2% من قيمة التبادل التجارى بين مصر ودول القارة الإفريقية، بصادرات بلغت قيمتها 929 مليون دولار العام الماضى، مقابل 504.5 مليون دولار قيمة الصادرات السودانية لمصر، فتحتل السودان المرتبة الثانية بقائمة أكبر 5 أسواق مستقبلة للصادرات المصرية بقيمة 226 مليون دولار، وفقا لبيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات.

لا تبدو الأرقام كبيرة لدولتين بحجم مصر والسودان، لكنها كانت في طريقها للتصاعد والنمو في ظل رغبة البلدين في توسيع حجم التبادل التجارى بينهما، عبر إقامة مشروعات متعددة، بينها مشروع للربط الكهربائى، وإنشاء خط سكة حديد بين الدولتين.

جاءت الحرب الحالية لتعرقل هذه الطموحات، وتلقى بظلالها على الوضع الاقتصادى، الذي مازال يعانى تبعات الحرب الروسية- الأوكرانية، وما أسفرت عنه من تأثيرات سلبية على سلاسل الإمداد والتوريد العالمية.

ب_ الأثر على تحويلات العاملين

بحسب بيانات الهيئة العامة للاستعلامات، بلغ عـدد المصـريين المتواجديـن بدولة السودان نحو 150.400 ألف مصري حتى نهاية 2020، ومن المتوقع أن تشهد تحويلات المصريين العاملين بالسودان تراجعا كبيرا بسبب عودة أغلب المصريين إلى مصر مرة أخرى بسبب الصراع الدائر في السودان.

ولكن على الجانب الآخر ستظل تحويلات السودانيين العاملين في مصر مستمرة في التحويل إلى السودان، وفي حالة انتهاء الصراع القائم داخل السودان فإن هناك فرصة سانحة لمصر لزيادة صادرتها على مختلف الأصعدة إلى السودان في ظل معاناة الاقتصاد السوداني بسبب حالة الشلل التي يعاني منها والتي ترجع إلى توقف غالبية الأنشطة الاقتصادية.

إن فرصة مصر كبيرة بحكم موقعها في تعويض السودان وإمداده بما يحتاجه في كافة المجالات وتتويج العلاقات الاقتصادية المصرية السودانية بالتعاون والتبادل التجاري المنشود، حيث يعد السودان بوابة لنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، ومع استمرار الحرب وانعدام الأمن، سيتأثر حجم التبادل التجاري بين البلدين، وهو ما ينعكس سلبا على الاقتصاد المصري الذي يعاني بعض الأزمات في الوقت الراهن.

ونظرا لأن السوق السودانية تُعد منفذا هاما للمصانع الصغيرة في مصر، في ظل ما تعانيه السوق المحلية من آثار الركود، فالوضع الراهن فى السودان يُضيف مشكلات جديدة للاقتصاد المصري.

 كانت دولة السودان ولا تزال شريكا أساسيا للدولة المصرية فى قطاعات ومناحى عدة على المستويات الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية، ولا شك أن أزمة السودان وحدوث انشقاقات وحروب داخلية بها سوف يكون له انعكاسات سلبية عديدة تؤثر على الاقتصاد بشكل أساسى وكبير نتيجة حجم الشراكة القائمة بين مصر والسودان فى عدد من المشاريع، بجانب عمليات الاستيراد والتصدير بين البلدين.

ج- تأثر القطاع الغذائى فى مصر

كان من المفترض أن تستفيد الدولة المصرية من الأراضى الزراعية التى كانت قد بدأت مصر فى زراعتها داخل الدولة السودانية، خاصة في ظل ما تتمتع به السودان من وفرة في المياه والأراضي الخصبة والمساحات الشاسعة الصالحة للزراعة، والتى كانت سوف تتسبب فى وفرة هائلة قد تصل إلى الاكتفاء الذاتى فى القطاع الغذائى المصرى، بل كانت الدولة المصرية تستهدف التصدير بكميات كبيرة للخارج، الأمر الذى يعكس حجم الضرر الذى لحق وسوف يلحق بالاقتصاد المصرى لا محالة، فلا يمكن استمرار الزراعة فى ظل أجواء مليئة بالصراعات والحروب.

ومن المتوقع أن يتأثر الأمن الغذائي في مصر جراء الوضع الراهن فى السودان بسبب نقص كل من اللحوم وكذا الحبوب التى تعاني منها مصر بالفعل جراء الحرب الروسية الأوكرانية. وهنا نشير إلى أن  السودان يحتل المرتبة الأولى على المستوى العربي والإفريقي والسادسة على مستوى العالم فى الثروة الحيوانية، وينتج محاصيل مهمة وفى مقدمتها: القمح، والقطن، والفول، والذرة، والسمسم.

د-تأثر الاستثمارات والعمالة المصرية

بدأت مصر بالفعل فى إنشاء خط سكك حديد يمتد من داخل محافظة أسوان إلى داخل الدولة السودانية لسهولة الوصول بين مصر والسودان للتوسع فى حجم التبادل التجارى فى القطاعات المختلفة، حيث إن الانتهاء من بناء خط داخلى سكة حديد بين مصر والسودان لن يخدم مصر فى القطاع التجارى فقط ولكن سوف يسهل عملية الذهاب والإياب للعمالة المصرية والسودانية بين مصر والسودان.

كما ستتأثر المشاريع المشتركة بين البلدين، فلدينا شركات كثيرة مصرية سواء كانت حكومية أو قطاع خاص تستثمر على الأراضي السودانية في مجالات عديدة في الزراعة والصناعة والكهرباء واستصلاح الأراضي والتشيد والبناء والمجالات الخدمية وغيرها والتي يقدر حجم الاستثمار فيها بنحو 2.7 مليار دولار، وتعتبر شركة السويدي المصرية للكابلات الكهربائية من أبرز الشركات المصرية العاملة في السودان. ومع استمرار الاقتتال ستتوقف تماما مما يكون له انعكاسات سلبية على اقتصاد البلدين، في الوقت التي كانت يتجه البلدان إلى توسيع حجم التبادل التجاري وزيادة حجم المشروعات كمشروع الربط الكهربائي وإنشاء خط سكة حديد لزيادة الحركة سواء كانت أفرادا أو تجارية.

ومع عودة العمالة المصرية من السودان بالإضافة إلى نزوح الآلاف من السودانيين إلى مصر بسبب المعاناة من ظروف الحرب حتى ولو بشكل مؤقت، تتحمل الدولة المصرية عبئاً اقتصادياً كبيراً..هذا بالإضافة إلى الطلبة المصريين الدارسين بالسودان وتقنين أوضاعهم ووضع آليات لقبولهم سواء بالمدارس أو الجامعات، وكذلك السودانيين يتم تحديد آليات استيعابهم وفق محددات تضعها الدولة والتي ترهق ميزانيتها أيضا.

ه- الأثر على القطاع البنكي والمؤسسات الإقليمية الائتمانية

أفادت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن امتداد الاشتباكات في السودان لفترة مطولة هو خطر متزايد وسيكون لديه تأثير ائتماني سلبي على البلدان المجاورة، وبنوك التنمية متعددة الأطراف المنكشفة على ديون هذه الدول.

وأضافت موديز أنه في حال تطور الاشتباكات في السودان إلى حرب أهلية طويلة ودمار البنية التحتية وتدهور الأوضاع الاجتماعية، سيؤدي ذلك إلى عواقب اقتصادية طويلة المدى وتراجع جودة أصول البنوك متعددة الأطراف في السودان إلى جانب ارتفاع القروض المتعثرة والسيولة. وأوضحت أن أي امتداد إلى البلدان المجاورة أو تدهور عام في البيئة الأمنية للمنطقة من شأنه أن يثير مخاوف أوسع بشأن جودة الأصول لبنوك التنمية متعددة الأطراف ذات التركيز الأعلى على قروض في تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومصر.

على مستوى المؤسسات المالية الإقليمية يتضح ما يلي:-

1- “أفريكسيم بنك” لديه نحو 930 مليون دولار قروض في السودان، ولديه تأمين على 220 مليون دولار فقط منها، ومع تأزم الأوضاع نتيجة الحرب ستتأثر أعمال البنوك ومؤسسات التمويل متعددة الأطراف ومدى قدرتها على تمويل المشاريع في المنطقة ككل. كما تنعكس تلك التطورات على البنوك والمؤسسات المالية العاملة في السودان ودول الجوار. وقد نبّه إلى ذلك أحدث التقارير الصادرة عن وكالة موديز للتصنيف الائتماني، بالإشارة إلى الآثار الائتمانية السلبية المعرضة لها عدد من المؤسسات وبنوك التنمية متعددة الأطراف التي تقدم قروضاً بالسودان ودول المنطقة.

2- بنك التجارة والتنمية: تشكل قروضه بالسودان 14 %  من محفظته (بإجمالي 930 مليون دولار)، 34 % من الأموال التي يخصصها البنك لأغراض التنمية موجهة إلى قروض لمشاريع وأنشطة تجارية في السودان والدول المحيطة به.

3- بنك التصدير والاستيراد الأفريقي: 31 % من قروضه موجهة للسودان.

4- المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص: 3.1 % من أصوله تتركز في الخرطوم.

5- بنك التنمية الإفريقي والبنك الإسلامي للتنمية: توازي قروض كل منهما 1 % من أصوله المخصصة للمشاريع التنموية.

ولهذا، يمكن للأوضاع المتأزمة فى السودان أن تتسبب فى خفض تصنيف مصر الائتماني نظرا للمخاطر التى قد تتعرض لها لارتباط الأمن القومي المصري بالسوداني، الأمر الذى قد يؤدى إلى زيادة تكلفة الإقراض والفوائد على القروض التى تمنحها المؤسسات المالية الدولية لمصر.

رابعا: الدور المصري تجاه الأزمة في السودان

تبذل الدولة المصرية جهودا حثيثة لتحقيق التهدئة ونزع فتيل الأزمة ودفع مسار الحل السلمي فى السودان، وذلك دون دعم طرف على حساب طرف آخر، فموقف مصر واضح وثابت تجاه الأزمة في السودان باعتبارها شأن داخلي لا ينبغي التدخل فيه حتى لا يؤدي إلى تفاقم الصراع، فتحاول مصر الوساطة بين المتنازعين للوصول إلى مائدة المفاوضات ووقف الحرب فورا، وهي تعلم أن أمنها الإقليمي مرتبط بأمن السودان واستقرارها يعنى استقرار الدولة المصرية، فأبعاد الأمن القومي المصري يرتبط بالسودان نظرا لأنه يشكل حدود مصر الجنوبية.

وجاءت استضافة القاهرة اليوم الخميس 13 يوليو لمؤتمر دول جوار السودان لتؤكد دعم مصر غير المحدود للسودان وسعيها لصياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المُباشر للسودان، ووضع آليات فاعلة  لتسوية الأزمة بصورة سلمية، واتخاذ خطوات لحقن الدماء والحفاظ على الدولة السودانية ومُقدراتها.

ووضعت القيادة السياسية المصرية تصورا لخروج السودان من مأزقه الراهن، والذي يرتكز على النقاط التالية:

  • مطالبة الأطراف المتحاربة بوقف التصعيد والبدء دون إبطاء في مفاوضات جادة تهدف للتوصل لوقف فوري ومستدام لإطلاق النار.
  • مطالبة كافة الأطراف السودانية بتسيير نفاذ المساعدات الإنسانية، وإقامة ممرات آمنة لتوصيل تلك المساعدات للمناطق الأكثر إحتياجًا داخل السودان، ووضع آليات تكفل توفير الحماية اللازمة لقوافل المساعدات الإنسانية، ولموظفي الإغاثة الدولية لتمكينهم من أداء عملهم.
  • إطلاق حوار جامع للأطراف السياسية، بمشاركة القوى السياسية والمدنية وممثلي المرأة والشباب، يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب والسوداني في الأمن والرخاء والاستقرار والديمقراطية.
  • تشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية، على أن تطلع بالتواصل المباشر مع أطراف الأزمة والتنسيق مع الآليات والأطر القائمة.

ومن بين توصيات مؤتمر دول جوار السودان التأكيد على أهمية التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل نظرا لأن استمرار الأزمة سيترتب عليه زيادة النازحين والمزيد من الفارين من الصراع لدول الجوار وفى مقدمتها مصر، الأمر الذي سيمثل ضغطا إضافيا على مواردها، وسيتجاوز قدرتها على الاستيعاب، ما يقتضي ضرورة تحمل المجتمع الدولي والدول المانحة لمسئوليتها في تخصيص مبالغ مناسبة من التحويلات التي تم الإعلان عنها لمؤتمر الإغاثي لدعم السودان والذي عُقد في 19 يونيو 2023.

وفى كلمة مندوب مصر بمجلس الأمن السفير أسامة عبد الخالق خلال جلسة مجلس الأمن حول الوضع فى السودان والتى عقدت فى إبريل 2023، أعربت مصر عن تضامنها التام والكامل مع الشعب السوداني الشقيق في أزمته الحالية، وطالبت بضرورة المحافظة على وحدة وسلامة الأراضي السودانية واستقلاله وسيادته لما يمثله السودان من عمق استيراتيجى لمصر، ولما ترتبط به مصر والسوادن من روابط تاريخية، وحذرت من أي تدخل خارجي في السودان أيا كانت طبيعته أو مصدره، مؤكدة سعيها ونسعي للتعاون مع عدد من الدول من أجل إجلاء الرعايا المصريين والأجانب مع ضرورة وقف إطلاق النار لحماية الشعب السوداني.

كما شاركت مصر في الاجتماع الوزاري الدولي الذي عقدته مفوضية الاتحاد الإفريقي ووقعت على البيان الصادر عنه، كما تنسق مع عدد من المنظمات الدولية والحكومات لبحث سبل الخروج من تلك الأزمة. كما أصدرت وزارة الخارجية تعليماتها بتسهيل إجراءات دخول السودانيين، مع تسهيل إجراءات الحصول على تأشيرة لمن عمره بين 16 إلى 50 سنة، والسماح لعبور الأطفال دون 16 سنة وكذلك السيدات والرجال فوق 50 سنة بشرط وجود جواز سفر. وأعلنت عن بقاء البعثة الدبلوماسية برغم استشهاد مساعد الملحق الإداري بالسفارة المصرية بالخرطوم، وستعمل على إجلاء المصريين الراغبين في العودة إلى مصر، ورفعت حالة الاستعداد القصوى على المنافذ البرية منفذ “قسطل” ومنفذ “أرقين” صحيا ولوجيستيا وأمنيا لاستقبال كل النازحين، وسط موجة عارمة من التعاطف الشعبي المصري لأهاليهم وإخوانهم من الشعب السوداني.

وتنفيذا لتوجيهات القيادة السياسية، قدمت مصر للسودان مئات الأطنان من المساعدات الإغاثية من مواد غذائية وإعاشية ومستلزمات طبية مقدمة من وزارتي الدفاع والتضامن الإجتماعى وجمعية الهلال الأحمر المصرية وبيت الزكاة والصدقات المصري.

خاتمة

بينما ينشغل العالم بمحاولات إيجاد حل سياسى للحرب الدائرة حاليًا في السودان، بالتزامن مع إجلاء رعايا الدول الأجنبية، واستقبال السودانيين الفارِّين من الصراع العسكرى، تلوح في الأفق بوادر تبعات اقتصادية كبيرة على مصر، والدول المجاورة فيما لو استمرت الحرب فترة طويلة، وهو ما حذرت منه وكالة موديز للتصنيف الائتمانى متوقعة تأثيرًا ائتمانيًّا سلبيًّا على الدول المجاورة.

إن للحرب تداعيات متعددة سياسية وأمنية وإنسانية واقتصادية، تتطلب سياسات رشيدة للتعامل معها، وأثبتت الدولة المصرية خلال الفترة الأخيرة قدرتها على التعاطى مع الأزمات بحكمة وتوازن سياسى ينأى بها عن التدخل في شئون الدول الداخلية، وبإجراءات تسهم في الحد من تأثيراتها على الاقتصاد والمواطن، وهى السياسة التي مازالت تنتهجها رغم كثرة الأعباء. ومما لاشك فيه أن الحرب في السودان تُشكل خطرًا على مصر وأمنها القومى واقتصادها أيضًا، ولا بد من حل سياسى سريع للأزمة قبل أن تستفحل.

 

The post تداعيات الحرب في السودان على الاقتصاد المصري appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
6903
سلسلة أوراق سياسات “دراية”.. قراءة تحليلية للسياسة الاقتصادية الخارجية لمصر في 2022 https://draya-eg.org/2023/01/07/%d8%b3%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a9-%d8%a3%d9%88%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d8%aa%d8%ad%d9%84%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d9%81%d9%8a-2022/ Sat, 07 Jan 2023 12:10:30 +0000 https://draya-eg.org/?p=6241 The post سلسلة أوراق سياسات “دراية”.. قراءة تحليلية للسياسة الاقتصادية الخارجية لمصر في 2022 appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>

The post سلسلة أوراق سياسات “دراية”.. قراءة تحليلية للسياسة الاقتصادية الخارجية لمصر في 2022 appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
6241
تطور أداء الاقتصاد المصري فى ضوء تداعيات الأزمة العالمية الراهنة https://draya-eg.org/2022/08/22/%d8%aa%d8%b7%d9%88%d8%b1-%d8%a3%d8%af%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1%d9%8a/ Mon, 22 Aug 2022 14:25:36 +0000 https://draya-eg.org/?p=3849 يشهد الاقتصاد العالمي مرحلة شديدة الغموض والتى تعد من أصعب المراحل التى شهدها العصر الحديث، إذ تتشابك فيها العلاقات الدولية وتتعارض المصالح البينية للدول مما يدفع بمزيد من التوترات بين الدول الكبرى، الصين والولايات المتحدة من جهة وروسيا وأوروبا من جهة أخرى، وبين ذاك وتلك تتأثر كافة اقتصادات العالم، فنجد تداعي واضح للاقتصاد الأوروبي والمُقدر …

The post تطور أداء الاقتصاد المصري فى ضوء تداعيات الأزمة العالمية الراهنة appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
يشهد الاقتصاد العالمي مرحلة شديدة الغموض والتى تعد من أصعب المراحل التى شهدها العصر الحديث، إذ تتشابك فيها العلاقات الدولية وتتعارض المصالح البينية للدول مما يدفع بمزيد من التوترات بين الدول الكبرى، الصين والولايات المتحدة من جهة وروسيا وأوروبا من جهة أخرى، وبين ذاك وتلك تتأثر كافة اقتصادات العالم، فنجد تداعي واضح للاقتصاد الأوروبي والمُقدر ناتجه المحلى بنحو 17 تريليون دولار، أى ما يمثل 20% من الاقتصاد العالمى، فيما يتداعى اقتصاد ألمانيا الأكبر أوروبيا بنحو 5 تريليون دولار والرابع عالميا بعد الولايات المتحدة واليابان والصين.

وما تشهده دول العالم جراء تداعيات التغير المناخي واتساع ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة الأرض فاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، ومع اقتراب فصل الشتاء وتعقد أزمة الطاقة فى الدول الأوربية  نتيجة توقف إمدادات الغاز الطبيعي الروسي وعدم كفاية بدائل الطاقة لتلبية الاحتياجات المتزايدة، تزداد الأمور تعقيدا وسط توقعات بحدوث انقسامات بين الدول الأوروبية.

وفى ضوء المشهد الاقتصادي المتأزم حاليا، يستعرض هذا التقرير آخر تطورات أداء الاقتصاد المصري، خاصة عقب التغييرات الوزارية المُوسعة مؤخراً، وكذا اعتذار محافظ البنك المركزى المصري عن الاستمرار فى مهامه من جهة أخرى، وذلك على النحو التالى:

أولا: ملامح الاقتصاد العالمى:

  • التضخم
  • نمو الاقتصاد العالمى
  • الاستقرار النقدى والمالى

ثانياً: آفاق تطور أداء الاقتصاد المصري:

  • الفرص
  • التحديات

ثالثاً: أهم الإجراءات المتوقعة فى ضوء التغييرات الوزارية واعتذار محافظ البنك المركزى عن مهامه:

  • الإجراءات التنفيذية
  • الإجراءات النقدية

أولا: ملامح الاقتصاد العالمي

1-التضخم:

شهد الاقتصاد العالمى حالة من التضخم المزمن، إذ تجاوز التضخم الكلي (سعر جميع السلع والخدمات) والتضخم الرئيسي (ما عدا أسعار الغذاء والطاقة) كثيرا المستويات المستهدفة في معظم البلدان.

وتُشير النظريات الاقتصادية المعتادة إلى أن التضخم سيخرج عن السيطرة في حالة تطبيق مزيج محدد من السياسات النقدية والمالية لفترة مُطولة، والتكهن باستمرار التضخم من عدمه نتيجة لذلك يتوقف على حدة التغيرات الدولية وأهمها أسعار الطاقة والغذاء الناتجة عن التغيرات الجيوسياسية فى أوروبا وجنوب شرق أسيا، وفق ما جاءت به مجلة التمويل والتنمية الصادرة عن صندوق النقد الدولى فى عدد يونيو2022.

شكل رقم (1) أسباب ارتفاع التضخم

يوضح الشكل السابق أن هناك خمسة عوامل أساسية أدت إلى الارتفاع الحالي في معدلات التضخم، ويمكن الإشارة لتلك العوامل على النحو التالى:

  • اختناقات شملت سلاسل الإمداد العالمية ويوضحها الشكل ناحية اليمين (AS) والذي يوضح انحصار للعرض الكلى للسلع فى الاقتصادات كافة نتيجة لتراجع سلاسل الإمداد بما دفع الارتفاع من (P) إلى (P”) مستوى سعري أعلى مما كان عليه قبل جائحة كورونا.
  • التدابير التنشيطية والتحول من إنتاج السلع إلى إنتاج الخدمات، والتى أدت وبشكل كبير إلى زيادة الطلب الكلى وتشتمل هذه الإجراءات التدابير التى اتبعتها الدول تجاه احتواء أزمة كورونا وما دعى بانحصار الناتج الكلى عالميا فضلا عن تغاير نمط الإنتاج للتحول للخدمات أكثر منه إنتاج سلعى.
  • تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية حيث دفعت تذبذب الإمدادات من الغذاء من جهة وتراجع العمل فى القطاع الإنتاجى بالزراعة وارتفاع مدخلات الإانتاج من جهة أخرىي.

وإلى جانب الأسباب التى جاءت بمجلة التمويل والتنمية الصادرة عن صندوق النقد الدولى، يمكن القول بأن التداعيات الجيوسياسية عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان قد تُؤجج الصراع مجددا فى منطقة هى الأولى عالميا فى إنتاج السلع الصناعية والتى تعد من أهم مدخلات الإنتاج لصناعات عديدة وتأتى الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات فى المقدمة.

وفى السياق ذاته، يمكن الجزم بأن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية قد تسعى وبشكل جاد إلى نقل الصراع الدائر حاليا فى أوكرانيا مع الروس إلى محيط جزر تايوان مع الصين فى محاولة منها لتخفيف الضغط الواقع على أوروبا وتقويض شبه التحالف (اتفاق المصالح) بين الروس والصين ضدها.

وفى ضوء ذلك يمكن استنتاج أن التضخم الذى يشهده الاقتصاد العالمى يعد هو الأسوأ منذ الكساد الكبير ويبين الشكلين التاليين (3،2) عدد الدول التى شهدت ارتفاعات مزمنة فى الأسعار خلال الأعوام الثلاثة الماضية مقارنة بعام 2008 وما بعده وذلك على النحو التالى:

يُذكر أن كلا من الأرجنتين وتركيا قد تخطتا نسب التضخم إلى مستويات تتجاوز 70%خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث سجلت تركيا نحو 79% والأرجنتين نحو 71%، وذلك على خلفية الاضطراب المالى والنقدى الذي شهدته هذين الدولتين خلال جائحة كورونا.

2-نمو الاقتصاد العالمى:

تُشير غالبية التوقعات إلى دخول الاقتصاد العالمى مرحلة من الركود المُصاحب للتضخم سالف الذكر، ويستلزم نحو 6 أشهر متتالية حتى تدخل الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة الركود، وهو ما قد جاءت به البيانات الرسمية حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي لمدة ربعين متتاليين بنحو 1.6% و1.5% ومن المتوقع أن تزداد وتيرة الانكماش نظرا للأوضاع العالمية والمحلية.

وقد انكمش بالتبعية نمو الاقتصاد العالمى ليصل إلى نحو 6.1% في العام الماضي مقارنة بنحو 3.2% في عام 2022، بانخفاض قدره 0.4 نقطة مئوية عن توقعات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي في إبريل 2022.

3-الاستقرار المالي والنقدي:

يشهد النظام المالي العالمي أولى الصدمات الحادة التى تتسم بالخطورة منذ انهيار قاعدة بريتون وودز “Bretton Woods”  التى أعقبها  دولرة Dollarization” “الاقتصاد العالمى، وتكتسب هذه المرحلة خطورتها بسبب حدة الصراع الدولى للهيمنة الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، لنجد أن مخاوف التخلى عن الدولار الامريكي فى التعامل به دوليا واعتماد الدول على احتياطه لديها دفع بالفدرالى الأمريكى إلى رفع أسعار الفائدة بشكل يتخطى استهدافه للتضخم إذ يمثل ارتفاعات الأسعار نحو 70% منها جراء صدمة أسعار الحبوب والطاقة عالميا وليس زيادة الطلب المحلي بالولايات المتحدة الأمريكية.

ويمكن استنتاج ذلك بوضوح بعد لجوء الكونجرس الأمريكى لإصدار قانون مواجهة التضخم والذي بموجبه تمنح الحكومة صلاحيات أكثر لحفز القطاع الإنتاجى لتخطى فترات التباطؤ والركود سالفة الذكر والتى استمرت طيلة ربعين فى العام الجارى من جهة، ومن جهة أخرى دعم الفئات التى تضررت من ارتفاعات الأسعار.

ويوضح الشكل التالى الوضع المالى للدول الكبرى والمناطق الأكثر تأثيرا فى الاقتصاد العالمى، والذي يعكس حالة الاضطراب الكبير الذى جاء عقب تبنى الفدرالي الأمريكي سياسات نقدية مشددة بهدف خفض التضخم وبالأساس استعادة زيادة الطلب على الدولار الأمريكى مجددا فى محاولة لدرأ خطر التخلى عنه جزئيا فى المعاملات الدولية.

وقد دفعت حالة عدم الاستقرار والاضطراب فى السياسة النقدية للدول الكبرى إلى نزوح الاستثمارات غير المباشرة فى الأسواق الصاعدة ومنها مصر حيث تدفقت للخارج نحو 20 مليار دولار منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية جراء ارتفاعات أسعار الفائدة فى الدول المتقدمة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض فى أسعار الصرف للعملة المحلية مصحوبا بمستويات تضخم قياسية نتيجة لزيادة تكلفة الواردات، إلا أن النمو الاقتصادى الموجب المحقق خلال السنوات الثلاث الماضية من جهة، وكذا الإصلاحات التى طرأت على ميزان التجارة خاصة ميزان الطاقة من جهة ثانية، دفعتا الاقتصاد المصري بعيدا بعض الشئ عن حدة الصدمة الخارجية التى أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وقوضت النمو الاقتصادى ليصل 4.5: 5% خلال العام الجارى2022/2023 كما هو مستهدف.

ويتناول المحور التالى آفاق الاقتصاد المصري فى ضوء استطلاع بعض التقارير الدولية وكذا استطلاع ملامحه عقب التغييرات التى جرت على السلطات التنفيذية والنقدية على النحو التالى:

ثانياً: آفاق تطور أداء الاقتصاد المصري

شهد أداء الاقتصاد المصري تطوراً كبير خلال الأعوام السبع الماضية، وهو الأمر الذى جنبه العديد من التداعيات الكبيرة نتيجة لما يشهده العالم من حالة اضطراب يشوبها الغموض وعدم اليقن، ولذا يمكن استطلاع آفاق الاقتصاد المصري من خلال استطلاع تقارير صندوق النقد والبنك الدوليين، وكذلك مؤسسة فيتش للحلول المالية، وذلك على النحو التالى:

  • الفرص
  • زيادة مساهمة القطاع الخاص وتعزيز الناتج الصناعى:

أشار تقرير صادر عن مؤسسة “فيتش” Fitch Solutions  تحت عنوان Country Risk Report إلى أن القطاع الصناعى المصري أمام فرصة كبيرة مع تراجع الواردات من الخارج، إذ أن عدد السكان يتخطى 100 مليون نسمة وبالتالى من الممكن زيادة المساهمة النسبية للقطاع الصناعى من خلال إتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص وتمكينه من استعادة النمو لتصل نسبة الصناعة إلى ما يزيد عن 20% خلال الأعوام الثلاثة القادمة مقارنة بنسبة مساهمة تقدر بنحو 17 %  فقط.

“وثيقة ملكية الدولة”

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدولة المصرية تعكف على صياغة الإطار العام الحاكم لملكية الدولة فى النظام الاقتصادى، من خلال إقرار الشكل النهائي لوثيقة ملكية الدولة والتى تم طرحها للمناقشة والحوار المجتمعى منذ مايو الماضى ومن المتوقع أن تُطرح بصورتها النهائية نهاية الربع الأول من العام المالى 2022/2023 الجارى، وتستهدف الحكومة من خلال هذه الوثيقة إتاحة النشاط الاقتصادى بنسب تتراوح ما بين 60:75% للقطاع الخاص، وتخارج الدولة من النشاط الاقتصادى سواء بشكل كلي أو جزئي لتشجيع القطاع الخاص، على أن يشتمل التخارج بشكل كلي بعض القطاعات الإنتاجية، وبشكل جزئي لقطاعات أخرى، فى حين تُبقي الدولة ملكيتها وتزيد الاستثمارات فى القطاعات التى يعزف القطاع الخاص عن الدخول بها نظرا لزيادة تكلفتها وارتفاع درجات المخاطرة، ويوضح الشكل التالى المساهمة القطاعية للصناعة.

  • زيادة الاستثمارات الأجنبية للداخل:

من المتوقع أن تشهد الاستثمارات العالمية حراك كبير خلال اجتماعات قمة المناخ المقرر إقامتها فى نوفمبر 2022 بمدينة شرم الشيخ، الأمر الذى يجعل منها فرصة كبيرة أمام الجانب المصري لتعزيز التدفقات الاستثمارية للداخل، وذلك من خلال التسويق لكافة الفرص الاستثمارية المتاحة بشكل عام والاستثمارات الموجهة للقطاع البيئي والاقتصاد الأخضر وإنتاج الهيدروجين بشكل خاص.

وتحظى قمة المناخ هذا العام بزخم متفرد من نوعه لعدة أسباب وأهمها:

  • ارتفاع درجة حرارة الأرض وبخاصة فى قارة أوروبا التى تمتلك نحو 25% من الناتج المحلى الإجمالى للعالم، وذلك نتيجة لعدم جديتها فى خفض الانبعاثات الكربونية خلال العقود الثلاث الماضية، ما يجعلها أمام خطوات جادة بشأن استدامة إمدادات الطاقة لديها وتعزيز النمو المتدنى نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية من جهة وجفاف بعض الأنهار من جهة أخرى.
  • زيادة اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية يدفع الحكومات الأوروبية وبشكل أساسى لزيادة محفظتها الاستثمارية مع مصر فى مجال الطاقة خاصة الغاز الطبيعى فى الأجل القصير والكهرباء فى الأجل المتوسط والطويل.
  • الاعتماد المتزايد خلال العقدين الأخيرين على مصانع الصين وجنوب شرق أسيا دفع كبرى الشركات فى العالم بخاصة الأوروبية والأمريكية إلى إعادة النظر فى توزيع مصانعها وخطوط إنتاجها حول العالم، الأمر الذي يجعل الإصلاحات التى نفذتها مصر فى البنية التحتية فرصة لاستقطاب أكبر قدر ممكن من هذه الاستثمارات، فضلاً عن توفر واستدامة الطاقة من جهة، وتدنى تكلفة العمالة من جهة أخرى. 
  • التحديات
  • تباطؤ نمو الناتج:

قد يقود تباطئ نمو الاقتصاد العالمى إلى حالة ركود تشمل الاقتصادات الصاعدة، وهو ما قد يؤدى إلى خفض التوقعات بشأن النمو الاقتصادى، ووفق توقعات المؤسسات الدولية فإن الاقتصاد المصري ينمو بمعدل 5.6% للعام الجاري وسط توقعات بالتباطؤ ليصل إلى 4.6% للعام المقبل، إلا أن هذه التوقعات تظل رهن عدد من المتغيرات الداخلية والخارجية ولعل أهمها ما يلى:

  • ارتفاع المستوى العام للأسعار:

ارتفاع المستوى العام للأسعار عالميا قد يؤدى إلى مزيد من ارتفاع الأسعار محلياً، الأمر الذي يؤدى بدوره إلى زيادة فى التزامات الدولة تجاه الفئات الأولى بالرعاية ما يزيد من حجم الموازنة العامة وهو ما يستدعى مزيدا من الاقتراض. يُذكر أن العجز الكلى بالموازنة بلغ نحو 6.2% كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى، ويشير الشكل التالى إلى التوزيع النسبي للنفقات العامة بالموازنة الجارية 2023/2022.

  • ارتفاع نسب الدين العام الخارجي:

بلغ الدين العام الخارجى نحو 145.5 مليار دولار في نهاية ديسمبر من مستوى 137.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، بنسبة زيادة بلغت نحو 5.8% ومتوقع نموه بنسبة 10% خلال سبتمبر 2022، الأمر الذي قد يُعيق حجم الإنفاق المخصص للاستثمارات ، حيث بلغت مدفوعات الفائدة نحو 45% من إجمالى الإيرادات ونحو 33% من إجمالى النفقات العامة  وما يعادل 8% من الناتج المحلى الإجمالى للعام المالى الجاري، ويوضح الشكل التالى تطور كلا من مدفوعات الفائدة من جهة والعجز الجارى والكلى من جهة أخرى.

  • تحديات التجارة الخارجية:

تظهر آثار التباطؤ فى التجارة الدولية فى اتجاهين الأول يتمثل فى تأثر حجم الموازنة العامة بنحو مليار جنيه فى فاتورة الاستيراد نتيجة لارتفاع سعر البرميل بنحو دولار واحد، ونحو 20 مليار جنيه لتحريك سعر الصرف بنحو جنيه واحد لكل دولار، ، والاتجاه الثاني هو العوائد المتوقعة من إيرادات قناة السويس، حيث إن انخفاض نمو التجارة العالمية بنسبة 1% يؤثر على الموازنة العامة سلباً بنحو 2 مليار جنيه.

ومن المتوقع تراجع نمو التجارة العالمية ليصل إلى 4.9% خلال عام 2023 مقارنة بالعام الجاري المُقدر بنسبة 6.7%، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة بمقدارة 100نقطة أساس أى بنسبة 1% تسهم فى زيادة عجز الموازنة العامة بنحو 28  مليار جنيه، وقد يضطر المركزى رفع أسعار الفائدة فى الاجتماع القادم فى 22 سبتمبر 2022، إذا ما استمرت أسعار الفائدة العالمية فى ارتفاع من جهة واتجه التضخم المحلي نحو الارتفاع بعدما تباطـأت وتيرته خلال مايو/ يوليو 2022.

ثالثاً: أهم الاجراءات المتوقعة فى ضوء التغييرات الوزارية

اقتضت الضرورة إجراء تغييرات وزارية فى نحو 13 وزارة، وقد جاءت التغيرات الوزارية على خلفية الحوار الوطنى من جهة وتدنى أداء بعض الوزارات من جهة أخرى، ويستهدف التعديل الوزارى إعادة النظر فى الخدمات المقدمة من بعض الوزارات بما يدفع بتحقيق المستهدف منها، ولعل أبرز الوزارات التى تمس وبشكل مباشر الملف الاقتصادي: وزارة التجارة والصناعة، وزارة قطاع الأعمال العام، وزارة السياحة والآثار، وزارة التنمية المحلية وذلك على النحو التالي:

  • الإجراءات التنفيذية:
  • وزارة التجارة والصناعة:

تعول الحكومة المصرية على إنجاح خطتها الاقتصادية الخاصة بملف الصناعة والذي تعرض لعدة صدمات قوضت نموه خلال الربعين الأخيرين من العام المالى المنصرم، الأمر الذى دفع بضرورة تغيير الوزير بما يهدف إلى ضخ دماء جديدة تستهدف خطط تعزز من نمو هذا القطاع.

ومن المتوقع خلال الربع الثانى من العام المالي الجاري أن يشهد القطاع الصناعى طفرة كبيرة تعتمد بالأساس على إشراك القطاع الخاص وتذليل كافة العقبات سواء لمستثمرين جدد أو للمصانع والشركات المتضررة فى الوقت الراهن نتيجة التداعيات العالمية، كما أنه من المنتظر افتتاح 17 مجمع صناعي على مستوى الجمهورية تشتمل على وحدات صناعية صغيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر بهدف العمل على توفير مدخلات إنتاج وسيطة تدخل فى صناعات رائدة فى مصر، ولعل أهمها قطاع الصناعات النسيجية، وقطاع الصناعات المعدنية.

وهكذا من المنتظر من القطاع الصناعى أن يُسهم بشكل أكبر فى الناتج المحلى الإجمالى فضلاً عن إحلال الواردات بمنتجات محلية الصنع تُلبي احتياجات الأسواق المحلية والاتجاه للتصدير، كما أنه من المتوقع صياغة سياسات تتوافق مع الأهداف المالية والنقدية بما يعزز من كفاءة السياسة الاقتصادية ككل، ولعل أبرز مثال يُذكر فى هذا السياق كلا من إجراءات الاستيراد (الاعتماد المستندى)، وكذلك التسجيل المسبق للشحنات.

  • وزارة قطاع الأعمال العام:

قد يرجع تغيير وزير قطاع الأعمال العام، إلى مستهدفات ورؤية الدولة تجاه ما تمتلكه من شركات باتت فى حاجة ماسة لتطوير وتحسين المستوى الإنتاجى من خلال استحداث أساليب الإدارة والإنتاجية، إذ تسعى الدولة إلى الفصل بين ملكيتها لهذه الشركات وإدارتها لها بهدف تحسين الإنتاجية وضخ استثمارات جديدة من خلال فتح المجال أمام القطاع الخاص عن طريق بدائل مختلفة، إما طرح بعض من أسهم هذه الشركات فى سوق الأوراق المالية أو منح حقوق الإدارة والتشغيل للقطاع الخاص أو التخلى تماما والتخارج من بعضها، أو ضخ المزيد من الاستثمارات وبقاء الدولة لأهداف استراتيجية.

ومن المنتظر خلال العام الجارى 2022،  أن تقر الحكومة وثيقة ملكية الدولة وعرضها بصورتها النهائية على مجلس النواب لاعتمادها. ويعكف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار خلال الفترة الحالية (مايو/ سبتمبر)   على عقد جلسات حوار مجتمعى يشارك فيه المتخصصون والخبراء من القطاع الخاص والعام وممثلى مجلسي النواب والشيوخ للوصول إلى الصياغة النهائية.

  • وزارة السياحة والآثار:

تعد السياحة أحد أهم الروافد الدولارية والنقد الأجنبي للاقتصاد الوطنى، وهو ما يجعل من ملف السياحة والآثار ذو أهمية بالغة فى وقت تضطرب فيه أسواق النقد جراء ما يشهده العالم من ارتفاعات فى أسعار الفائدة، وهو ما دفع الحكومة بتغيير الوزير ليستهدف حزمة تحفيزية وترويجية للقطاع السياحى فضلاً عن التمويل لمشروعات سياحية تعمل على زيادة المساهمة النسبية للقطاع فى الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عما يُدره من عملة صعبة تعزز من كفاءة السياسات النقدية وبخاصة سعر الصرف للجنيه المصري.

  • وزارة التنمية المحلية:

يُشير تغيير وزير التنمية المحلية إلى احتمالية إجراء تغييرات مُوسعة فى المحافظين، ولعل المحافظات التى تلحق بالتغيير هي تلك التى دخلت المرحلة الأولى من البرنامج القومي لتطوير قرى الريف المصري (حياة كريمة) وذلك على خلفية حفز القطاع المحلي على النمو وزيادة المشاركة الفعالة فى التنمية المستدامة من جهة، والعمل على كفاءة الإنفاق العام من جهة أخرى عن طريق تحسين كفاءة الإنفاق وتحسين كفاء الإيرادات المُتوقعة من طرح الأراضي للنشاط الاقتصادى والتعمير.

  • الإجراءات النقدية:

من المُتوقع أن تشهد السياسة النقدية تحسنا كبيرا خلال الفترة المقبلة خاصة عقب تعيين حسن عبدالله قائما بأعمال محافظ البنك المركزى، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات التى من شأنها تعزيز روافد النقد الأجنبي، فضلا عن تحقيق مستهدفات نقدية.

ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال قرار لجنة السياسات النقدية التى عُقدت  الخميس الماضي 18 أغسطس، حيث توقع الكثير من الخبراء رفع أسعار الفائدة بنسبة  1%، إلا أن القرار جاء بالتثبيت، الأمر الذي يشير إلى إمكانية اتباع سياسات نقدية ليست مشددة كما اعتاد المحافظ السابق طارق عامر. وقد يرجع قرار التثبيت لعدة أسباب أهمها:

  • ارتفاع سعر الفائدة يؤدي مباشرة إلى زيادة تكلفة الاقتراض، الأمر الذي يزيد من ربحية القطاع النقدي (البنوك) على حساب القطاع الحقيقي (الإنتاج).
  • رفع سعر الفائدة فى الوقت الراهن لا يؤدى دوره فى جذب الموال الساخنة مرة أخرى لاتساع الفارق بين أسعار الفائدة المحلية والدول المتقدمة (وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية).
  • انحصار موجة التضخم فى يوليو الماضى وسط توقعات بهدوء نسبي فى أسعار السلع العالمية فى مقدمتها الحبوب والنفط والذى استقر فى المتوسط عند 85 دولار للبرميل.
  • تطبيق إجراءات نقدية بحتة دون النظر للقطاع الإنتاجى أدى إلى نتيجة عكسية حيث دفعت سياسة التشديد النقدي خلال الفترة الأخيرة إلى تدنى الإنتاجية للعديد من القطاعات الاقتصادية وفى مقدمتها القطاع الصناعى والزراعى، ما دفع بالمبالغة فى أسعار السلع المحلية خاصة ما يعتمد على مدخلات أجنبية، إلى جانب اعتماد الاحتياطى من النقد الأجنبي على الأموال الساخنة والتى اتجهت للخارج فور رفع أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة الأمريكية بمقدار 100 نقطة مطلع العامل المالى الجاري.

 

  • يمكن استشراف آفاق مؤشرات الاقتصاد المصري من خلال الجدول التالى الذي صدر عن مؤسسة فيتش للحلول المالية، عن شهر يوليو 2022. وهنا يتوجب الإشارة إلى أن البيانات الواردة قد تتغير وفق المستجدات المحلية والعالمية.

ويستعرض الجدول التالي التوقعات الخاصة بالمؤشرات الاقتصادية الكلية وفق تقرير فيتش يوليو 2022.

The post تطور أداء الاقتصاد المصري فى ضوء تداعيات الأزمة العالمية الراهنة appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
3849