المؤسسات العقابية في مصر..إنجازات وتحديات وآفاق
فلسفة عقابية جديدة..مبادرات رئاسية وبرامج حماية اجتماعية
كتبت : هدى عبد الغفار
على مدار عقود طويلة، كان ملف أوضاع السجون والمسجونين محل جدل واسع النطاق، وانتقادات من منظمات حقوقية محلية ودولية، وكان يُمثل هذا الملف ورقة ضغط على حكومات مصر المتعاقبة، إلا أن الدولة المصرية قامت باتخاذ خطوات جادة ومتسارعة لإنهاء هذا الجدل وبدء عهد جديد تجاه دعم وتعزيز حقوق الإنسان داخل السجون المصرية، ليظل الرهان قيد تطبيقها على أرض الواقع والالتزام بها من قبل القائمين عليها.
وإيمانا بأن بناء مصر الحديثة وتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة يرتكز بالأساس على تعزيز احترام وحماية حقوق الإنسان باعتبارها محور العملية التنموية، أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2026) التى تُعد بمثابة خارطة طريق وطنية طموحة في مجال حقوق الإنسان تستهدف النهوض بكافة حقوق الإنسان فى مصر، من خلال تعزيز احترام وحماية كافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المتضمنة فى الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر.
وجاء قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بإلغاء مد حالة الطوارىء بعد سنوات عاشتها مصر فى حالة طوارئ مستمرة، ليبرهن على أن الدولة جادة وعازمة على بذل كل الجهود لتعزيز حقوق الإنسان، واحترام أحكام الدستور المنظمة للحقوق والحريات، ويُؤكد بما لا يدعو مجالا للشك أن الاسترتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ليست مجرد محاور وخطط مكتوبة على الورق، وإنما سياسات تسعى الدولة جاهدة لتنفيذها على أرض الواقع بهدف تهيئة حياة ومعاملة كريمة لجميع المواطنين، وعلى رأسهم “السجناء”.
ولأهمية حقوق السجين داخل المؤسسات العقابية وأثرها فى تأهيل وإصلاح السجين وإعادة دمجه مجتمعيًا بُغية ممارسة حياته بشكل طبيعي عقب انتهاء فترة العقوبة، يُسلط هذا التقرير الضوء على حقوق النزلاء والمسجونين فى المواثيق الدولية، وكيف نظمت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان معاملة السجناء أو النزلاء، فضلا عن إيضاح أبعاد الفلسفة العقابية الجديدة التى تبنتها وزارة الداخلية، والسياسات المتبعة إزاء إعادة التأهيل والرعاية الاجتماعية للسجناء، وأوضاع السجون فى ظل جائحة كورونا، وأخيرا التحديات التى تواجه واقع السجون فى مصر، والتوصيات المقترحة لصانعي القرار والتى قد تساعد فى اتخاذ إجراءات تضمن قيام المؤسسات العقابية بدورها المنشود فى التأهيل والإعداد والإصلاح.
حقوق النزلاء والمسجونين فى المواثيق الدولية
انضمت مصر للعديد من الاتفاقيات الدولية بشأن حقوق الإنسان والتزمت بعدد من المواثيق الدولية التى تتعلق بشكل خاص بالسجناء وظروف الحبس، والتى تشمل القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء 1957 حقوق السجناء، والقواعد الأساسية لمعاملة السجناء التى اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 1990 والتى تنص على ما يلي:
1- يعامل كل السجناء بما يلزم من الاحترام لكرامتهم المتأصلة وقيمتهم كبشر.
2- لا يجوز التمييز بين السجناء على أساس العنصر أو اللون، أو الجنس أو اللغة أو الدين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد أو أي وضع آخر.
3- احترام المعتقدات الدينية والمبادئ الثقافية للفئة التي ينتمي إليها السجناء، متى اقتضت الظروف المحلية ذلك.
4- تضطلع السجون بمسئوليتها عن حبس السجناء وحماية المجتمع من الجريمة بشكل يتوافق مع الأهداف الاجتماعية الأخرى للدولة ومسئوليتها الأساسية عن تعزيز رفاه ونماء كل أفراد المجتمع.
5- باستثناء القيود التي من الواضح أن عملية السجن تقتضيها، يحتفظ كل السجناء بحقوق الإنسان والحريات الأساسية المبينة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحيث تكون الدولة المعنية طرفا، في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبروتوكوله الاختياري، وغير ذلك من الحقوق المبينة في عهود أخرى للأمم المتحدة.
6- يحق لكل السجناء أن يشاركوا في الأنشطة الثقافية والتربوية الرامية إلى النمو الكامل للشخصية البشرية.
7- يضطلع بجهود لإلغاء عقوبة الحبس الانفرادي أو للحد من استخدامها وتشجع تلك الجهود.
8- ينبغي تهيئة الظروف التي تمكن السجناء من الاضطلاع بعمل مفيد مأجور ييسر إعادة انخراطهم في سوق العمل في بلدهم ويتيح لهم أن يساهموا في التكفل بأسرهم وبأنفسهم ماليا.
9- ينبغي أن توفر للسجناء سبل الحصول على الخدمات الصحية المتوفرة في البلد دون تمييز على أساس وضعهم القانوني.
10- ينبغي العمل بمشاركة ومعاونة المجتمع المحلي والمؤسسات الاجتماعية ومع إيلاء الاعتبار الواجب لمصالح الضحايا، على تهيئة الظروف المواتية لإعادة إدماج السجناء المطلق سراحهم في المجتمع في ظل أحسن الظروف الممكنة.
حق الحصول على الرعاية الصحية والوقاية من فيروس كورونا في السجون
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان فإن لكل إنسان الحق في الحصول على رعاية صحية مناسبة، تكفل له الحفاظ على صحته وحياته. ولذلك فعندما يُحرم الشخص من حريته، فإن الدولة تكون ملزمة بتوفير الرعاية الصحية له على النحو المنصوص عليه بمبادىء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. والسجناء هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بفيروس 19 COVID نظرا لتواجدهم بمكان واحد يصعب فيه توفير التدابير الاحترازية بصورة كاملة، مما يتسبب فى انتشار الفيروس بين السجناء وإمكانية انتقاله للقائمين على المؤسسة العقابية وكذا المترددين عليها ومن ثم انتشاره خارج أسوار تلك المؤسسة.
تُوفر مبادىء حقوق الإنسان إطارا لكيفية التعامل مع نزلاء المؤسسات العقابية بالصورة التى تحد من تفشي الأوبئة ومن بينها فيروس كورونا. وعليه أكدت منظمة الصحة العالمية على المبادىء الهامة التى يجب احترامها في الاستجابة لـكوفيد -19 في السجون والتي تستند إلى قانون حقوق الإنسان والمعايير الدولية في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية، وهي كالتالي:
- تتحمل الدولة مسئوليتها فى توفير الرعاية الصحية للسجناء.
- ينبغي أن يتمتع الأشخاص في السجون بنفس معايير الرعاية الصحية المتاحة في المجتمع الخارجي، دون تمييز على أساس وضعهم القانوني.
- يجب عدم استخدام تفشي كوفيد -19 مبرراً لتقويض الالتزام بجميع الضمانات الأساسية المدرجة في قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.
- اتخاذ تدابير مناسبة لحماية الأشخاص المعزولين عن أي شكل من أشكال سوء المعاملة، وتيسير الاتصال البشري بوسائل سمعية على سبيل المثال.
- عند دخول السجون، يجب فحص جميع الأشخاص الذين يعانون من الحمى وأعراض الجهاز التنفسي الدنيا، وينبغي إيلاء اهتمام خاص للأشخاص المصابين بأمراض معدية. إذا كانت لديهم أعراض متوافقة مع كوفيد -19 ،أو إذا كان لديهم تشخيص سابق لـكوفيد – 19 ولا يزالون يعانون من أعراض، فيجب وضعهم في عزل طبي حتى يمكن إجراء المزيد من التقييم والاختبار الطبي.
- ينبغي الاهتمام بالتدابير غير الاحتجازية في جميع مراحل إدارة العدالة الجنائية، بما في ذلك مرحلة ما قبل المحاكمة، والمحاكمة وإصدار الحكم، وكذلك مراحل ما بعد إصدار الحكم.
- ينبغي النظر في الحاجة المتزايدة للدعم النفسي ورفع مستوى الوعي وتبادل المعلومات حول المرض، والتأكيد على إمكانية الحفاظ على استمرار التواصل مع العائلة والأقارب.
معاملة السجناء فى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
- أكدت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أن الدستور يُوجب معاملة كل من يُقبض عليه أو يُحبس أو تُقيد حريته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا ولا يكون حجزه أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك، وتكون لائقة إنسانيا وصحيا.
- وأشارت الاستراتيجية إلى التزام الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، والتوسع فى البرامج التأهيلية للسجناء لتدريبهم على الحرف المختلفة ومنحهم أجورا نظير ذلك.
- أوصت أعضاء النيابة العامة بالإشراف والتفتيش على السجون وأماكن الاحتجاز ودور الملاحظة والرعاية، بجانب قبول شكاوى السجناء، وفحص كافة أوراق وسجلات السجن.
- أقرت الاستراتيجية أن الدولة تسعى لخفض عدد السجناء عن طريق تدابير لإخلاء سبيلهم من خلال الإفراج الشرطي والعفو الرئاسي في المناسبات والأعياد القومية، وتعديل قواعده بما يتيح الإفراج عن السجناء إذا أمضوا نصف مدة العقوبة، مشيرة إلى أنه يتم الإفراج الصحي عن السجناء الذين يسفر فحصهم عن إصابتهم بمرض يهدد حياتهم بالخطر أو يعجزهم كليا.
- أشارت استراتيجية حقوق الإنسان إلى توفير الرعاية للسجينات، وحاضنات الأطفال، مع توفير ورش وأنشطة لتأهيلهن للعودة للحياة الطبيعية عقب الإفراج عنهن، إلى جانب التوسع في الوصول للخدمات التعليمية والحصول على الشهادات الدراسية المختلفة.
- كما أفادت أن القانون يعطي للمجلس القومى لحقوق الإنسان حق زيارة السجون وسائر أماكن الاحتجاز والمؤسسات العلاجية والإصلاحية، ويعد المجلس تقريرا بشأن كل زيارة يتضمن ملاحظاته وتوصياته، كما تتفقد لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب السجون بصفة دورية.
- وهذا وقد أوصت الاستراتيجية باستحداث آليات متطورة لتنظيم الزيارات بالسجون، من خلال تحديد مواعيد مسبقة لذوي النزلاء باستخدام تطبيق إلكتروني، وتخصيص خطوط تليفونية لتحديد تلك المواعيد.
- التوسع في تقديم سبل الرعاية الصحية لذوي الإعاقة، وتركيب أطراف صناعية لهم، وتطوير السجون وتزويدها بأحدث الأجهزة المناسبة لإعاقتهم.
- وطالبت الاستراتيجية بإنشاء وتشغيل بعض المدارس الثانوية الصناعية، وإنشاء مشروعات صناعية، وزراعية، وإنتاج حيواني داخل السجون، وإلحاق المسجونين بالعمل بها براتب شهري، مع منح السجين -حسن السير والسلوك- إجازة لمدة 48 ساعة دون حراسة لزيارة أهله والعودة للسجن، بالإضافة للاستجابة للحالات الإنسانية للمسجونين، وتمكينهم من المشاركة في بعض المناسبات الخاصة.
مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون
انطلاقا من جدية الدولة فى تعزيز حقوق الإنسان، وتنفيذا لمحاور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ورؤية مصر 2030 التى أدمجت حقوق الإنسان في التنمية، تم افتتاح مركز للإصلاح والتأهيل فى بوادي النطرون الذى يُعد باكُورة مراكز الإصلاح والتأهيل والذى سيتم -عقب التشغيل الفعلى له- غلق 12 سجنا تمثل 25% من إجمالى عدد السجون العمومية فى مصر، والذي تم تشييده فى مدة لا تتجاوز 10 أشهر، وعلى مساحة تبلغ نحو 515 فدان، ليعد بذلك أكبر مجمع سجون يتم بنائه في التاريخ المصري الحديث.
يضم مجمع السجون الجديد ثمانية سجون، فضلًا عن مركز للتأهيل والتدريب على الحرف ومناطق للزراعات المفتوحة والصوب الزراعية والثروة الحيوانية والداجنة والمصانع والورش الإنتاجية، بالإضافة إلى مستشفى مركزي مجهز بأحدث الأجهزة الطبية، وأماكن لإقامة الشعائر الدينية وفصول دراسية وأماكن لممارسة الهوايات والرياضات.
كما يشمل 8 قاعات لجلسات المحاكمة بسعة إجمالية 800 فرد حتى يتم عقد جلسات علانية لمحاكمة النزلاء بها وتحقيق المناخ الآمن لمحاكمة عادلة. هذا وقد صُمم وفق أحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية، كما جرى الاستعانة فى مراحل الإنشاء والتجهيز واعتماد برامج الإصلاح والتأهيل، على أحدث الدراسات التى شارك فيها متخصصون فى كافة المجالات ذات الصلة للتعامل مع المحتجزين، وتأهيلهم لتمكينهم من الاندماج الإيجابى فى المجتمع عقب قضائهم فترة العقوبة.
فلسفة عقابية جديدة.. من الردع والترهيب إلى الإصلاح والتهذيب
كانت السجون المصرية قبل ثورة 30 يونيو تشهد سوءا فى الأحوال المعيشية والرعاية الصحية والاجتماعية اللازمة للسجناء، وتجاوزات فى حق بعض السجناء تنعكس آثارها على صحتهم النفسية و الجسدية وتُسهم بشكل كبير فى إخراج السجين بحالة أكثر خطورة مما كان عليها قبل دخوله السجن، الأمر الذى ترتب عليه فقدان السجون لدورها الرئيسي كمؤسسة عقابية تعمل على إعادة تأهيل السجناء للعودة بهم إلى الحياة الطبيعية والانخراط فى المجتمع.
واعتبارا من كون السجون تشكل إحدى المؤسسات الاجتماعية المتخصصة والهادفة إلى إعادة التنشئة والتأهيل الاجتماعي للأفراد الخارجين عن القانون الجمعي، ومن أكثرها فاعلية فى ضمان أمنه ومحافظته على كيانه واستمرارية وجوده، كانت هناك ضرورة ملحة لإجراء تغيير كامل فى مفهوم الفلسفة العقابية لتتناسب مع حق السجين كإنسان له كرامة وحقوق إنسانية، ولتساير الفلسفات العقابية الحديثة التى تستهدف تأهيل السجناء وإعادة دمجهم فى المجتمع وتحقيق الاستفادة من طاقاتهم المهدرة وتجنب أى أخطار قد تشكلها تصرفاتهم على استقرار وأمن المجتمع.
ولهذا تبنت وزارة الداخلية استراتيجية جديدة فى إدارة المؤسسات العقابية والإصلاحية ترتكز على محاور الفلسفة العقابية الحديثة التى تقوم على تحويل أماكن الاحتجاز التقليدية إلى أماكن نموذجية لإعادة تأهيل السجناء من منطلق أحقية المحكوم عليهم بألا يعاقبوا عن جرمهم مرتين، وبذلك تستهدف تحويل فترة العقوبة للسجناء إلى فتره للاستثمار في البشر من خلال مشروعات وحرف يدوية وتعليم فنون وتثقيف ومحو أمية غير المتعلمين، تسهم فى جعلهم قوى اقتصادية منتجة تضيف إلى الاقتصاد القومي وتكون مؤهلة للعمل بعد انقضاء فترة العقوبية داخل المؤسسات المختلفة.
وعقب تبني المؤسسات العقابية هذه الفلسفة الجديدة، قامت على الفور بتغيير بعض المسميات لإضفاء طابع إيجابي عليها ولإحداث أثر مستدام فى المجتمع، فتم تغيير مسمى “السجين” إلى “نزيل”، أى إنسان يتمتع بكافة الأنشطة التى تعيد برمجة دوره المجتمعي ليواصل نشاطه الإنساني من جديد عقب خروجه، كما تم تغيير مسمى “السجن” إلى “مركز إصلاح وتأهيل وإنتاج” يضبط ويُصلح السلوك والأفكار المغلوطة، ويُعمق القيم والأخلاق، ويعد النزلاء ليصبحوا أشخاصاً صالحين لأسرهم ومجتمعهم. إلى جانب تغيير مسمى “قطاع السجون” إلى “قطاع الحماية المجتمعية”، الذى يراعي أعلى مقاييس حقوق الإنسان.
هذا إلى جانب تدريب الدراسين بأكاديمية الشرطة على احترام حقوق الإنسان من خلال محاكاة بعض المواقف (الاستيقاف- القبض -التفتيش-الترحيل- معاملة المساجين)، فضلا عن التدريب على الوسائل الحديثة في التحريات، وآليات تأمين المظاهرات السلمية والتعامل مع الشغب والاعتصام وتعطيل المرافق العامة أو التعدي عليها.
برامج متكاملة لإعادة التأهيل والرعاية الاجتماعية
يقوم قطاع الحماية الاجتماعية بوزارة الداخلية بإنشاء سجل لكل نزيل يتضمن بحثاً شاملاً عن حالته من النواحى الاجتماعية والنفسية لمعرفة ميوله واتجاهاته، تمهيدا لإكسابه مفاهيم واتجاهات جديدة تسهم فى تقويم سلوكه وإعادة تأهيله من جديد.
وتتضمن خطط إعادة التأهيل برامج متكاملة تم وضعها تحت إشراف عدد من المتخصصين في مختلف مجالات العلوم الاجتماعية والصحة النفسية تشمل الاهتمام بالتعليم وتصحيح المفاهيم والأفكار وضبط السلوكيات وملاحظة سلوكه وتعميق القيم والأخلاقيات، وذلك بهدف تحصين النزيل من الانحراف مرة أخرى وحماية مجتمعه من أية خطورة إجرامية محتملة كانت تسيطر على سلوكه.
وتجدر بنا الإشارة إلى أن توفير برامج التعليم والتدريب المهني والعمل في السجون، يسهم فى تعزيز النظام والأمان بها ويعين على إرساء بيئات إيجابية داخلها، فالسجناء المشاركون في أنشطة بناءة أقل عرضة للشعور بالسخط وخلق المشاكل، وارتكاب جرائم أخرى.
وفى إطار الفلسفة العقابية الجديدة، توسعت برامج الرعاية الاجتماعية لتشمل أسر النزلاء أثناء فترة عقوبتهم، حيث يتم تقديم الدعم والرعاية لأسر السجناء بما يكفل ضمان استقرارهم والتكيف مع الظروف الطارئة التي وقعوا فيها نتيجة سجن عائلهم، وذلك إيمانا من أن رعاية أسر السجناء تساعد على نجاح برامج الرعاية الاجتماعية للسجين نفسه وتحول بشكل مباشر من دفعه للعودة للجريمة. كما تعطي رعاية أسرة السجين فرصة حقيقية لإعادة التكيف مع المجتمع وتحقيق مبدأ الوقاية من الجريمة وعدم تعرض أسرته لخطر الوقوع فيها.
كما اهتمت برامج الحماية الاجتماعية بمتابعة حالات المحكوم عليهم عقب الإفراج عنهم، فضلا عن تشجيع النزلاء على تقويم سلوكهم وذلك من خلال التوسع في الإفراج الشرطي وللظروف الصحية وفقا للأحكام القانونية والضوابط والمعايير التي تنظم إخلاء سبيلهم والتي بلغ عددهم خلال عام 2021 عدد 11298 إلى جانب العفو الرئاسي عن أعداد غير مسبوقة من الذين يقضون العقوبات لأسباب مختلفة، والذي بلغ عددهم هذا العام نحو 20516 .
هذا ويولي قطاع الحماية الاجتماعية اهتماما خاصا بتمكين وحماية المرأة النزيلة من خلال العديد من البرامج التأهيلية وأوجه الرعاية المختلفة التى تمتد إلى رعايتها اللصيقة لرضيعها حتى بلوغ سن العامين وتوفير المناخ والأماكن الملائمة لاستقبال أطفالها خلال الزيارات لتفادي إى تأثير سلبي على هؤلاء الأطفال من الناحية النفسية، بالإضافة إلى التعاون والشراكات مع منظمات المجتمع المدنى لتدريب النزيلات على الحرف والمهارات المختلفة.
كما يحظى ذوي الهمم من نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل بأوجه رعاية كبيرة من خلال استحداث عنابر جديدة لهم وتجهيزها على النحو الذي يلائم حالتهم، إلى جانب توفير وسائل الإتاحة بمرافق المراكز ورسم خطط للمعاملة والعلاج والتوجيه بما يتناسب مع حالتهم الصحية والبدنية.
المبادرة الرئاسية ” سجون بلا غارمات “
إيمانا بضرورة الحفاظ على كيان الأسرة وما يترتب على ذلك من استقرار فى المجتمع المصري ككل، جاء التوجيه الرئاسي بشأن اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من ظاهرة الغارمات وإطلاق مبادرة (سجون بلا غارمات) للعمل على عودة الغارمات لأسرهن، والذى على إثره قام البنك المركزي بالتعاون مع وزارة العدل لحصر الأحكام النهائية الصادرة ضد الغارمات بجميع المحافظات خلال أعوام (2019-2020-2021) حيث بلغ عددهن (729) غارمة صادر ضدهن أحكام نهائية بإجمالي عدد (1222) قضية في مختلف محافظات الجمهورية.
وأعلن البنك المركزي -في بيان صحفي- عن مساهمته بنحو 61 مليون جنيه لسداد ديون الغارمات في القضايا المذكورة، وذلك في إطار الدور الرئيسي الذي يقوم به البنك المركزي نحو دعم مؤسسات الدولة والمساهمة المجتمعية والتخفيف عن كاهل المواطنين.
مشروع دعم وحماية الأسر المعرضة للخطر “سند”
من جانبها، تولي وزارة التضامن الاجتماعي أهمية خاصة لرعاية أسر نزلاء السجون والمفرج عنهم بقصد معاونتهم على مواجهة مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية، حيث يضم ديوان عام التضامن الاجتماعي عددا من الإدارات العامة التي تعني برعاية أسر النزلاء والمفرج عنهم.
كما أولت السياسة العامة لوزارة التضامن اهتماما كبيرا فى الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم بهدف مساعدتهم مادياً ومعنويا على استعادة مكانتهم والاندماج في إطار المجتمع، فضلا عن الحد من أى خطورة إجرامية قد يشكلونها على المجتمع المحيط بهم.
وفى هذا الإطار، تنفذ وزارة التضامن الاجتماعي مشروع دعم وحماية الأسر المعرضة للخطر “سند” الذي يهدف إلى تحسين الأحوال المعيشية والنفسية للأشخاص المفرج عنهم وأسرهم من خلال حزمة من البرامج الاجتماعية والتأهيل النفسي، وربطهم ببرامج الدعم النقدي وبرنامج “فرصة” لتوفير فرص عمل مناسبة لهم (توظيف أو توفير مشروعات صغيرة أو متناهية الصغر) ،
يهدف مشروع “سند”، من خلال تقديم معونات ودعم مالي، وطرود خير وتأمين منازل ونفقات علاج، وتأمين صحي وغيرها من الخدمات، المساهمة فى تحقيق الحماية الاجتماعية والتمكين الاقتصادي للأسر المعرضة للخطر، بغرض تلافي وقوع الخارجين من مراكز الإصلاح والتأهيل صيداً سهلاً للتنظيمات والتيارات المتطرفة، فضلا عن إنشاء قاعدة بيانات للمؤسسات الحكومية والأهلية التطوعية المعنية من أجل إعداد برامج استهداف اجتماعي لأسر الشباب المفرج عنهم.
بالإضافة إلى تفعيل التعاون والتنسيق والشراكة بين وزارة التضامن الاجتماعي وبين شركاء التنمية من خلال عقد بروتوكولات في مجال الحماية الاجتماعية والتمكين الاقتصادي لأسر الشباب المفرج عنهم، وإطلاق حملات رفع الوعي لتقلل “الوصمة الاجتماعية” التي قد تلاحق السجناء المُفرج عنهم بعفو رئاسي، مما يضمن تحصين هذه الفئات من الانزلاق إلى الجريمة أو التطرف مرة ثانية، خاصة وأن الفئات الفقيرة هي الأكثر عرضة للوقوع فى يد الجماعات المتطرفة.
السجون المصرية فى ظل جائحة كورونا
مع بدء انتشار فيروس كورونا، نجحت السجون المصرية في اتخاذ إجراءات مشددة لحماية النزلاء، حيث اتخذ قطاع السجون – “الحماية الاجتماعية” حاليا – كافة التدابير والإجراءات الوقائية التى تمثلت في تعليق الزيارة بجميع الليمنات لمدة 4 أشهر، والكشف الطبي على النزلاء، وعزل المشتبه فيهم، وأخذ مسحات لهم، إلى جانب تنظيم ندوات توعية لجميع النزلاء بطرق الوقاية وضرورة الحرص على التباعد الاجتماعي داخل قاعات الطعام، والمكتبات، وقاعات الدروس الدينية والمساجد.
كما تم تدعيم السجون بأجهزة تعقيم وكشف حراري للتأكد من سلامة جميع المترددين عليها، مع تعقيم كافة غرف النزلاء، وإيفاد قوافل طبية لكافة السجون والليمنات لتوقيع الكشف الطبي على النزلاء والقائمين على السجون، وصرف الأدوية اللازمة لهم بالمجان.
والجدير ذكره قيام وزارة الداخلية بإطلاق حملة على مستوى جميع سجون الجمهورية لتطعيم السجناء ضد فيروس كورونا المستجد، حيث تم تطعيم نحو 5000 من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى 1400 من الأطقم الطبية على مستوى السجون وجميع الضباط بجميع السجون، وذلك بحسب تصريحات اللواء طارق مرزوق مساعد وزير الداخلية لقطاع الحماية المجتمعية
كما نظمت مصلحة السجون برنامج تدريبي لضباط القطاع عبر الفيديو كونفرانس للوقاية من انتقال فيروس كورونا، واتخاذ كافة الإجراءات الصحية عقب استئناف الزيارات للنزلاء واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار العدوى.
المؤسسات العقابية..تحديات وآفاق
فى ظل الكثير من التساؤلات التى تُثار حول ما إذا كانت المؤسسات العقابية قادرة على أداء وظيفتها الإصلاحية والعلاجية وسط واقع يكتنفه الكثير من المشكلات، يرصد هذا التقرير أبرز التحديات التى تواجه واقع السجون فى مصر، ونجمل أبرزها فيما يلي:
- زيادة الكثافة داخل المؤسسات العقابية وارتفاع نسبة العائدين إليها.
- عدم توافر الإمكانات اللازمة فى بعض المؤسسات العقابية لتأهيل النزلاء.
- عدم توافر الدخل اللازم للنزيل للإنفاق على ذويه فى فترة السجن.
- ضعف فى مستوى إعاشة النزلاء ورعايتهم الصحية.
- ضعف الإمكانيات المادية لدى المؤسسة العقابية لتقسيم النزلاء إلى فئات مختلفة على أساس طبيعة الجرم وعمر المسجون والمستوى الثقافى والاجتماعي .
- ضعف الرعاية اللاحقة التى يحصل عليها النزيل عقب انتهاء فترة العقوبة.
- عدم توافر الرعاية اللازمة لأسر النزلاء مما يؤدى إلى تعرضهم للإيذاء النفسي والاجتماعي طيلة فترة عقوبة ذويهم.
وإذا كانت الغاية من مشروعية السجن هي تخليص الفرد الجاني من النزعة المعادية للمجتمع، وتحسين مستوى التفكير لديه، وتعديل سلوكياته للتتفق مع ثقافة المجتمع، ودمجه فى الوسط الاجتماعي بشكل إيجابي، يقترح هذا التقرير الآتي ذكره من أجل توفير قدر أكبر من الحماية للسجناء وأسرهم، وضمان أن تقوم المؤسسات العقابية بدورها المنشود فى التأهيل والإعداد والإصلاح، وأن تكون أماكن لا خطر فيها على الحياة والصحة والسلامة الشخصية والنفسية للنزلاء:
- إشراك منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص فى إعادة دمج المفرج عنهم بالمجتمع وتقديم الدعم اللازم لهم.
- إيجاد آلية مناسبة لتأمين الوظائف للمفرج عنهم بالتنسيق مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص.
- تطوير البرامج المقدمة لأسر السجناء وأسر المفرج عنهم لتشمل الدعم المالي والاجتماعي والنفسي لأفراد الأسرة.
- التعاون مع الجهات ذات الاختصاص كالجامعات ومراكز التدريب في تطوير مهارات العاملين في السجون، وتأهيلهم على التعامل بشكل إنساني مع النزلاء، واحترام كرامتهم.
- السماح للمنظمات الحكومية وغير الحكومية التي تعنى بحقوق الإنسان بالزيارات المفاجئة، لضمان الرقابة الفاعلة، وتجنب التجاوزات بقدر الإمكان والتعرف على أحوال السجون والمساهمة في تقديم الحلول.
- التحسين المستمر فى مستوى إعاشة النزلاء، وتوفير الرعاية الصحية والنفسية للمرضى.
- استمرار الجهود المبذولة لتنفيذ خطة وبرامج تطوير وتحديث منشآت السجون وإنشاء سجون جديدة لتقليل الكثافة فى السجون، على أن يتم توافر قدر كاف من الحيز المادي والبنى التحتية التى تضمن راحة النزلاء.
- زيادة أعداد الكوادر العاملة المؤهلة من الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين.
- توفير أنشطة بناءة في السجون تساعد على جعل الحياة داخل السجن أشبه بالحياة خارجه.
- زيادة أعداد الورش الإنتاجية بكافة السجون لتدريب النزلاء وإكسابهم الحرف التى ستوفر لهم دخلا عقب انقضاء فترة عقوبتهم.
- إعطاء حوافز ومزايا مرتبطة بمشاركة السجناء في الأنشطة المعروضة عليهم، مثل تقليص مدة العقوبة أو إعطاء مكافأة مالية لتشجيعهم على المشاركة.
- التوسع فى إقامة الندوات الدينية والثقافية لنزلاء السجون، لتعزيز مستواهم الديني والثقافي.
- التوسع فى إنشاء فصول محو الأمية بكافة السجون، وتشجيع النزلاء على الالتحاق بها.
- تعزيز أخلاقيات احترام القانون والامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان داخل السجون.
- تفعيل دور منظمات العمل المدني فى تقديم الدعم للمبادرات الخاصة بالإفراج عن الغارمين.
- إعداد برامج موجهة للمجتمع تحث على تقبل النزيل بعد الإفراج عنه.
- الاستفادة من برامج التعليم عن بعد في التدريب والتأهيل وللطلاب الملتحقين بالدراسات الجامعية.
- تعديل قانون سجن “الأمهات الغارمات” وتحويل العقوبة إلى خدمة عامة بدلا من الحبس.
- توفير المنشآت الخاصة الضرورية لتوفير الرعاية للنزيلات الحوامل والعلاج قبل الولادة وبعدها.
- اتخاذ التدابير اللازمة لتوفير دار حضانة مجهزة بموظفين مؤهلين، وتوفير خدمات رعاية صحية للأطفال، ومتابعة نموهم باستمرار من قِبل متخصصين.
- تقديم الدعم الملائم لاحتياجات النزلاء الذين يعانون من مشاكل وإعاقات تتعلق بالتعلُّم.
- تقديم الدعم والتدريب في مجال العمل بالشركات وإنشاء المشاريع الفردية من خلال إتاحة القروض اللازمة بتسهيلات كبيرة.
- إنشاء آلية رقابة دائمة ومستقلة من المعنيين بشئون حقوق الإنسان من الجهات المختلفة من المجتمع المدني والحكومة.
- سن تشريعات جديدة من شأنها الحفاظ على حقوق النزلاء.
- إجراء الدراسات العلمية للوقوف على البرامج التي تُقدم للسجناء وأسرهم ومعرفة إمكانات السجون من الوظائف الاجتماعية التي تحتاجها برامج الرعاية اللاحقة وذلك لتعزيز الإيجابيات والتغلب على المعوقات.
وختاما، نقدر الخطوات الجادة التى اتخذتها الدولة فى ملف حقوق السجناء أو النزلاء، والتى تعكس رغبة حقيقة فى تغيير واقع لطالما عانى منه الكثيرون طيلة سنوات كثيرة.. رغبة تتسق مع أهداف الجمهورية الجديدة وتبنى الدولة نهج الإصلاح وإعادة بناء المواطن المصري وتوفير حياة كريمة لكافة المواطنين، ونُثمن جهود وزارة التضامن الاجتماعي فى برامج الحماية الاجتماعية المُقدمة لأسر المسجنون والمفرج عنهم، وكذا جهود وزارة الداخلية واستراتيجيتها الأمنية الجديدة التى أولت اهتماما كبيرا بالمؤسسات العقابية ووضعت السياسات فى إطار التشريعات الوطنية والمعايير الدولية لمعاملة النزلاء.
فأقصى ما نتمناه في هذا الصدد هو أن تكون السجون مجتمعات منظمة من شأنها إتاحة الفرصة أمام السجناء لاكتساب مهارات جديدة وخبرات تساعدهم على الابتعاد عن مجال الجريمة عند انقضاء فترة العقوبة، وأن تركز الأنشطة في المؤسسات العقابية كلما أمكن على العودة إلى الاستقرار في المجتمع من أجل استكمال مسيرة البناء وإرساء دعائم التنميةالشاملة.