ظاهرة الطلاق فى مصر..الأسباب والتداعيات وسُبل المواجهة
حالة طلاق واحدة كل دقيقتين..ونسب طلاق حديثي الزواج هي الأعلى
الملخص التنفيذي
يشهد المجتمع المصرى العديد من التحديات والمشكلات التى أفرزتها التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتطور التكنولوجي الهائل، وأخطرها انهيار الأسرة التى تُشكل اللبنة الأهم فى البناء المجتمعي، وماينتج عن ذلك من تهديد لتماسك واستقرار المجتمع بأسره، وإهدار لموارد الدولة وضياع مؤكد لأى جهود تستهدف تحقيق التنمية المستدامة ورفع جودة حياة المواطن المصرى.
وقد شكل التقرير الأخير الذى أصدره الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حول ارتفاع معدلات الطلاق فى مصر بشكل غير مسبوق، صدمة حقيقية وأمرا بالغ الأهمية يستحق البحث والدراسة للوقوف على حجم هذه الظاهرة السلبية والبحث عن الأسباب والحلول بهدف إعادة الاستقرار للأسرة والمجتمع.
وانطلاقا من تنامي هذه الظاهرة فى مصر بشكل غير مسبوق، يُصدر المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية ” دراية ” ورقة بحثية ترصد واقع الزيادة الكبيرة فى معدلات الطلاق، وتسلط الضوء على أسبابها، وتداعياتها، فضلا عن جهود الدولة المصرية لمواجهة هذه الظاهرة، وأخيرا تُقدم بعض التوصيات التى يمكن من خلالها خفض معدلات الطلاق والحفاظ على الأسرة المصرية .
توصلت الورقة إلى أهم النتائج التالية:
- زادت حالات الطلاق عام 2021 بنسبة بلغت 14.7% مقارنة بعام 2020، حيث بلغ عدد حالات الطلاق خلال عام 2021 نحو 254 ألف و 777 حالة عام 2021 ، مقابل 222 ألف و36 حالة عام 2020 .
- قفزت أحكام الطلاق النهائية بمقدار 38.4% ووصلت إلى 11 ألف و194 حكماً عام 2021، مقابل 8 آلاف و86 حكماً عام 2020 .
- ارتفع عدد إشهادات الطلاق بنسبة 13.9%، حيث بلغ 243 ألف و583 إشهاداً عام 2021، مقابل 213 ألف و950 عام 2020 .
- سجل معدل الطلاق عام 2021 نحو 2.5% بعدما كان 2.2% عام 2020 .
- ارتفاع معدلات الطلاق فى الحضر عن مثيلاتها فى الريف حيث بلغت فى الحضر 3 لكل ألف من السكان، بينما بلغت فى الريف 1.9 لكل ألف من السكان.
- وقوع حالة طلاق كل دقيقتين، بينما تقع 29 حالة طلاق كل ساعة فى عام 2021، مقارنة بـ23.7 حالة طلاق عام 2017، بمتوسط ارتفاع 5.4 حالة فى ساعة.
- وقوع أعلى معدلات الطلاق فى الفئة التى تحمل شهادة تعليم متوسطة، تليها الفئة التى تقرأ وتكتب، بينما أقل معدلات الطلاق تقع فى فئة الحاصلين على درجة جامعية عليا.
- تصدرت القاهرة محافظات الجمهورية فى ارتفاع معدلات الطلاق لعام 2021، حيث بلغ 5.4 لكل ألف من السكان، تليها محافظة الإسكندرية بمعدل 4.1 لكل ألف من السكان.
- سجلت محافظة أسيوط أقل معدلات الطلاق حيث بلغ المعدل بها 1.1 لكل ألف من السكان، تليها المنيا بواقع 1.3 لكل ألف من السكان.
ويتضح ذلك بمزيد من التفصيل من خلال النقاط التالية:-
أولا: مؤشرات الطلاق فى مصر
أفاد التقرير التحليلي للنشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق عام 2021 والصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بأن عدد حالات الطلاق سجل زيادة هائلة مقارنة بعام 2020 ، بلغت نسبتها 14.7%، حيث بلغ عدد حالات الطلاق خلال عام 2021 نحو 254 ألف و 777 حالة عام 2021 ، مقابل 222 ألف و36 حالة عام 2020 .
فيما قفزت أحكام الطلاق النهائية بمقدار 38.4% إذ وصلت إلى 11 ألف و194 حكماً عام 2021، مقابل 8 آلاف و86 حكماً عام 2020 ، وارتفع عدد إشهادات الطلاق بنسبة 13.9%، حيث بلغ 243 ألف و583 إشهاداً عام 2021، مقابل 213 ألف و950 عام 2020.
شكل رقم (1) يوضح تطور حالات الطلاق خلال الفترة (2017- 2021)
المصدر : الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء
وسجل معدل الطلاق عام 2021 نحو 2.5% بعدما كان 2.2% عام 2020، و2.1 عام 2017، كما يتضح من الشكل التالي:
شكل رقم (2) يوضح معدل الطلاق خلال العام لكل ألف من السكان فى منتصف نفس العام
المصدر :الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء
ارتفاع معدلات الطلاق فى الحضرعن مثيلاتها فى الريف
أشار التقرير إلى ارتفاع معدلات الطلاق فى الحضر عن مثيلاتها فى الريف ، فقد أوضحت البيانات خلال الفترة من 2017 وحتى 2021 ارتفاع معدلات الطلاق فى الحضر من 2.7 لكل ألف من السكان عام 2017 ثم وصلت إلى حالة من الثبات خلال الأعوام 2018 ، 2019 ،2020 لتسجل 2.9 لكل ألف من السكان ثم ارتفعت فى عام 2021 لتصل إلى 3.3 لكل ألف من السكان .
كما سجل معدل الطلاق فى الريف حالة من الثبات خلال الأعوام 2017،2018 حيث بلغ 1.6 لكل ألف من السكان ثم ارتفع ليصل إلى 1.8 لكل ألف من السكان عام 2019 ثم انخفض عام 2020 ليصل إلى 1.7 لكل ألف من السكان، ثم ارتفع فى عام 2021 ليصل إلى 1.9 لكل ألف من السكان .
شكل رقم (3) يوضح تطور معلات الطلاق فى الريف والحضر خلال (2017-2021)
المصدر :الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء
تجدر الإشارة هنا إلى أن حالة الثبات النسبى فى معدلات الطلاق فى الفترة من 2017:2019 قد تعود إلى حالة الاستقرار الاقتصادى التى شهدتها الدولة المصرية فى تلك الفترة إلى أن حدثت جائحة كورونا وتداعياتها التى أدت إلى ارتفاع معدلات الطلاق مرة أخرى 2020 ووصولا إلى ذروتها فى 2021 ، بينما قد يعود ارتفاع معدلات الطلاق فى الحضر عن مثيلاتها فى الريف لاختلاف وضع المرأة فى الحضر حيث يمكنها العمل والاعتماد بشكل كلي على دخلها، فضلا عن تمسك المجتمعات الريفية بشكل عام بالعادات والتقاليد والنظرة السلبية للمرأة المطلقة التى تقلل من مكانتها فى المجتمع.
وبشأن أعداد حالات الطلاق خلال الشهور، نجد أن شهر يناير عام 2021 شهد أكبر عدد حالات طلاق حيث بلغت 24698 بنسبة 9.7%، ثم يليه شهر أغسطس حيث بلغ عدد الحالات نحو 23694 بنسبة 9.3%، بينما سجل شهر إبريل أقل عدد حيث بلغت 16793 بنسبة 6.6% من إجمالي حالات الطلاق.
شكل رقم (4) يوضح التوزيع النسبي لحالات الطلاق طبقا للشهور عام 2021
حالة طلاق واحدة كل دقيقتين..وحديثو الزواج يشكلون النسبة الأكبر لحالات الطلاق
تشير الأرقام والإحصائيات إلى وقوع حالة طلاق كل دقيقتين، بينما تقع 29 حالة طلاق كل ساعة فى عام 2021، مقارنة بـ23.7 حالة طلاق عام 2017، بمتوسط ارتفاع 5.4 حالة فى ساعة.
أوضحت بيانات جهاز الإحصاء أن متوسط سن الطلاق للذكور بين (39 -40) سنة تقريبا، بينما يترواح متوسط سن الطلاق للإناث بين (32-33) سنة تقريبا.
شكل رقم (5) يوضح تطور متوسط سن مطلق ومطلقة خلال الفترة (2017-2021)
ووفقا للتقرير، سُجلت أكبر نسبة طلاق فى الفئة العمرية ما بين (30-35) سنة، بينما سُجلت أقل نسبة طلاق فى الفئة العمرية (65 سنة فأكثر) حيث بلغ عدد الإشهادات 1637 إشهادا بنسبة 0.7% من جملة الإشهادات. وبالنظر إلى هذه البيانات يتضح أن الطلاق عادة ما يحدث فى السنوات الأولى من عمر الزواج حيث مازال الطرفين يفتقدون آليات التواصل والتعامل مع الحياة الزوجية ويفتقدون فى الأغلب إلى مهارات تحمل المسئولية.
شكل رقم (6) يوضح التوزيع النسبي لعدد إشهادات الطلاق طبقا لفئات السن عام 2021
المصدر : الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء
أصحاب الشهادات المتوسطة الأعلى فى نسب الطلاق
فيما يخص نسب الطلاق وفقاً للحالة التعليمية، جاءت بيانات جهاز الإحصاء لتكشف عن وقوع أعلى معدلات الطلاق فى الفئة التى تحمل شهادة تعليم متوسطة، تليها الفئة التى تقرأ وتكتب، بينما أقل معدلات الطلاق تقع فى فئة الحاصلين على درجة جامعية عليا.
وجاءت الإحصائيات كالتالي:
- سجلت أعلى نسبة طلاق للذكور بين الحاصلين على شهادة متوسطة حيث بلغ عدد إشهادات الطلاق 87.404 اشهادا بنسبة 35.5% بينما سجلت أقل نسبة طلاق بين الحاصلين على درجة جامعية عليا حيث بلغ عدد اشهادات الطلاق 338 إشهادا بنسبة 0.1% من جملة إشهادات الطلاق.
- سجلت أعلى نسبة طلاق للإناث بين الحاصلين على شهادة متوسطة حيث بلغ عدد الإشهادات 79871 إشهادا بنسبة 32.8% ، بينما سجلت أقل نسبة طلاق بين الحاصلات على درجة جامعية عليا حيث بلغ عدد إشهادات الطلاق 253 إشهادا بنسبة 0.1% من جملة الإشهادات .
شكل رقم (7) يوضح عدد إشهادات الطلاق طبقا للحالة التعليمية عام 2021.
المصدر : الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء
تعكس هذه البيانات العلاقة بين ارتفاع المستوى الثقافى والتعليمى وانخفاض معدلات الطلاق، حيث تدرك الفئة الأكثر تعليما وثقافة مسئولية الزواج ولديها القدرة استيعاب متطلبات الحياة الزوجية، وتجاوز أى خلافات قد تؤثر سلبا على الأبناء وتنتهى بتفكك الأسرة.
القاهرة الأعلى فى معدلات الطلاق.. وأسيوط الأدنى
تصدرت القاهرة محافظات الجمهورية فى ارتفاع معدلات الطلاق لعام 2021، حيث بلغ معدل الطلاق بها 5.4 لكل ألف من السكان، بعدما كانت 4.7 عام 2020، تليها محافظة الإسكندرية بمعدل 4.1 لكل ألف من السكان ثم بورسعيد بواقع 3.8 لكل ألف من السكان .
وسجلت محافظة أسيوط أقل معدلات الطلاق حيث بلغ المعدل بها 1.1 لكل ألف من السكان، تليها المنيا بواقع 1.3 لكل ألف من السكان.
شكل رقم (8) يوضح معدلات الطلاق لمحافظات الجمهورية عام 2021
المصدر : الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء
ويعود تصدر القاهرة لمعدلات الطلاق لارتفاع الكثافة السكانية بها مقارنة بباقى محافظات الجمهورية، خاصة ريف مصر وصعيدها التى تنخفض بها نسبة إشهادات الطلاق لانخفاض كثافتها السكانية وكون أغلبها مجتمعات محافظة يغلب عليها التمسك بالعادات والتقاليد التى تقدس الحياة الزوجية وترفض اللجوء الى الطلاق إلا فى أضيق الحدود، إلى جانب تعرض المرأة فى هذه المحافظات للوصم الاجتماعي والأخلاقي حيث يُنظر إليها على أنها في وضع غير سوي.
الخلع يسجل أعلى نسبة في أحكام الطلاق
جاءت أعلى معدلات الطلاق فى المحاكم عن طريق الخلع، حيث سجل الطلاق بسبب الخلع أعلى نسبة فى أحكام الطلاق النهائى حيث بلغ 9197 حكم طلاق بنسبة 82.2%، يليه الطلاق بسبب الإيذاء، بينما سجل الطلاق بسبب حبس الزوج أقل نسبة فى أحكام الطلاق النهائية حيث بلغ ثلاثة أحكام فقط بنسبة 0.03% من إجمالى أحكام الطلاق النهائية.
شكل رقم (9) يوضح أحكام الطلاق النهائية طبقا لأسباب الطلاق عام 2021
المصدر : الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء
ثانيا: أسباب ارتفاع معدلات الطلاق
يعيش المجتمع المصرى واقعا جديدا يتسم بتسارع وتيرته فى ظل التطور التكنولوجى والمادى الذى يطغى على النسق القيمى والمبادىء التى نشأت عليها الأجيال السابقة، فوجد الشباب أنفسهم أمام أفكار وتوجهات جديدة تطغى عليها الوحدة والعزلة وافتقاد الدفء الأسرى والترابط المجتمعى، وهو ما أدى بدوره إلى تنامي معدلات الطلاق بشكل غير مسبوق ينذر بحدوث خلل فى المجتمع ويهدد بتفككه.
والواقع أن أسباب الطلاق شديدة التنوع والتعقيد ولكن يمكن إجمال أبرزها فى الآتى:
1- الضغوط والأعباء الاقتصادية :
يعتبر الاقتصاد من أكبر المؤثرات على العلاقات الاجتماعية فقلة الدخل وزيادة الأعباء المالية وعدم الالتزام بالإنفاق تتسب فى الخلافات الأسرية التى تنتهي بالطلاق. وفى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية نتيجة جائحة كورونا وما نتج عنها من اختلال فى سلاسل الامداد والتوريد، وارتفاع نسب البطالة وارتفاع أسعار السلع، تزايدت الضغوط المالية وارتفعت معها معدلات الطلاق حيث يُنظر إلى النظم الاجتماعية والاقتصادية على أنه حلقات تبادلية يؤثر كل منهما فى الآخر ، فزيادة الأسعار وارتفاع نسب البطالة تؤثر بدروها فى قدرة الأسر على الوفاء باحتياجاتها الضرورية.
2- انتشار وسائل التواصل الاجتماعى: تمثل وسائل التواصل الاجتماعى عاملا فاعلا لا يمكن إغفاله فى تشكيل العلاقات الاجتماعية والزوجية ، فهى الوسيلة الأكثر تأثيرا بشكل قاطع حاليا على حياة الأفراد ، وقد أشارت الكثير من الدراسات الى أن هذه الوسائل كانت السبب الرئيسى فى حوادث الخيانة الزوجية وإحداث حالة من الخرس الزوجى فى المنزل بسبب انشغال كل من الزوج والزوجة بمتابعة هذه المواقع لأوقات طويلة والاستغناء بها عن الحوار مع الطرف الآخر.
أسهمت هذه المواقع أيضا فى رفع التوقعات التى يريدها كل من طرفى العلاقة من الطرف الآخر فالزوج يشاهد على صفحات وسائل التواصل الاجتماعى الزوجة ” النموذج” ويطالب زوجته التى تتحمل الكثير من المسئوليات الاقتداء بهذا النموذج والعكس بالنسبة للسيدات ، فيرى كل من الزوجين أن الطرف الآخر لم يعد الشخص الملائم لاستكمال رحلة الحياة الزوحية معه وتنشأ من هنا الكثير من الخلافات.
3- العنف الأسرى : يعد العنف الأسرى أحد أهم الأسباب التى تؤدى إلى الطلاق وهو لا يرتبط بطبقة أجتماعية بعينها كما أنه يحدث فى مختلف البيئات ، وقد تزايدت هذه الظاهرة مؤخرا وأدت إلى العديد من جرائم قتل الأزواج والزوجات .
وترجع أسباب هذه الظاهرة الى التنشئة المجتمعية للذكور والتى تؤصل لفكرة أن الرجل فى مكانة أفضل من المرأة وعليها واجب الطاعة تجاهه دون أى اعتراض ، خاصة فى قرى وصعيد مصر ، حيث تتراجع مكانة المرأة ويسهم فى ذلك العادات والتقاليد ، كما أن الضغوط المادية تؤدى أيضا الى مزيد من العنف الأسرى بالإضافة إلى سوء الاختيار من البداية .
ولا يؤدى فقط تزايد معدلات العنف الأسرى للطلاق ولكن يمتد تأثيره السلبى الى الأبناء والذين يعانون بعد حدوث الطلاق من حالات الاكتئاب وسوء التركيز واللجوء للوحدة والانعزال وفى بعض الأحيان الإنتحار.
4- الفروق الثقافية والاجتماعية: الاختلافات بين الطرفين مثل تلك المتعلقة بالتنشئة والتفكير والتعليم ينتج عنها عدم القدرة على التفاهم بين الزوجين وتنتهي بالطلاق وتفكك الأسرة.
5- تدخل الأهل فى حياة أبنائهم: وهذا الأمر يعد انتهاكا حقيقيا لخصوصية العلاقة الزوجية وأحد أهم أسباب حدوث الطلاق خاصة الطلاق المبكر الذى يحدث فى سنوات الزواج الأولى.
6– تراجع القدرة على تحمل المسئولية لدى الأجيال الأحدث : تشير الدراسات الحديثة إلى أن الأجيال الجديدة ليس لديها الاتزان الإنفعالى الملائم أو القدرة على تحمل المسئولية بسبب تلبية أسرهم لجميع طلباتهم دون مناقشة ، بالإضافة إلى الجهل بأحكام الطلاق ومشروعيته وآدابه ودوافعه ، وجميع هذه العوامل تؤدى إلى أن يضع الشباب الطلاق كحل أول لجميع المشاكل الزوجية بهدف الهروب من مسئوليات الزواج والأبناء.
ثالثا: تداعيات ظاهرة الطلاق على المجتمع المصري
أكدت دراسات عدة أن للطلاق آثار اجتماعية ونفسية خطيرة ناجمة عن تفكك الأسر وانحلال العلاقات الاجتماعية وما يترتب على ذلك من تفشي مشاعر البغض بين الأفراد ، والاضطرابات النفسية قد تصل فى كثير من الأحيان إلى السلوك المنحرف للأفراد، الأمر الذى من شأنه أن ينعكس بشكل مباشر على المجتمع وترابطه ويهدد الأمن والسلم المجتمعي، ويتسبب فى التالي:
1-تزايد معدلات الجرائم: عادة ما يؤدى غياب السلطة الأبوية إلى ارتفاع معدلات العنف لدى الأبناء والميل إلى مخالفة القوانين والعادات الاجتماعية ، وارتكاب السلوك الإجرامي، فالضرر الواقع على الأبناء فى البعد عن إشراف الأب إن كانوا مع الأم وفى البعد عن حنان الأم إن كانوا مع الأب يجعلهم عرضة للانحراف لاسيما مع فقدهم معاني الإحساس بالأمن والاستقرار نتيجة تصارع الطرفين على كسب ودهم حتى لو أدى ذلك إلى تشويه صورة الطرف الآخر.
وهنا نشير إلى الدراسات التى أثبتت وجود علاقة إيجابية طردية بين عدم التكيف العائلي بين أفراد الأسرة وارتكاب الجرائم، وأن جهل الآباء بالآثار الخطيرة للحرمان العاطفي هو السبب الرئيسي للسوك الإجرامي للأبناء لاسيما وأن الحرمان العاطفي لا يقل أهميةً في إشباعه عن الحرمان من الطعام والشراب، وإن لم يكن أشد أثراً في إهماله.
2- تزايد معدلات التسرب من التعليم: يؤدى قرار الطلاق فى كثير من الأحيان إلى مشكلات اقتصادية ونفسية كبيرة ، قد يترتب عليها تدني مستوى التحصيل الدراسى للأبناء وفى كثير من الأحيان لجوئهم لترك التعليم إما بدافع مادى لعدم توافر نفقات التعليم أو بسبب غياب رقابة ومتابعة الوالدين للأبناء .
3- ارتفاع معدلات الاكتئاب والمشاعر السلبية: يؤدى قرار الطلاق الى ارتفاع معدلات الإصابة بالاكتئاب خاصة بين الأبناء نتيجة تنامى مشاعر الحزن والخوف والغضب لديهم بل وقد يتعدى ذلك إلى اللجوء الى الأفكار الانتحارية.
كذلك قد يتعرض الأبناء عند حدوث الطلاق في سن الرشد إلى مشاكل نفسية خطيرة تصل في بعض الحالات إلى الحاجة للعلاج السريرى .
4- اختلال النسق القيمى للمجتمع :يُسهم الطلاق فى إحداث خلل قيمى فى السلوكيات والقيم التى يعمل المجتمع على ترسيخها فى نفوس أفراده كالرحمة والخير والتسامح والتعاون ، وهذه القيم هى العامل والداعم الأول لبقاء واستقرار المجتمعات ، لكن الطلاق يخلق حالة عامة من مشاعر اليأس والإحباط وإلقاء اللوم على المجتمع الذى لم يستطع منع وقوع هذا الطلاق ، ويسقط الأشخاص غضبهم على القيم التى يدافع عنها هذا المجتمع ويحاول بكل الطرق كسرها والخروج عنها كنوع من التعبير عن مشاعر الغضب وعدم الرضا عن هذه المنظومة الإجتماعية.
5- خفض معدلات العمل والإنتاج : يؤدى استمرار الزيادة فى معدلات الطلاق إلى شيوع مشاعر الاكتئاب والاحباط وتزايد الأعباء المالية على الزوجين المنفصلين وبالتالى تؤثر هذه المشاعر على قدرتهم على العمل وزيادة الانتاج .
ونظرا لأن الطلاق يؤدى إلى زيادة معدلات التسرب من التعليم، فإن الأبناء قد يواجهون مشكلة عدم القدرة على الالتحاق بالوظائف، ومن ثم يعانون من ضعف الدخل، وتتزايد تباعا معدلات الفقر.
رابعا: جهود الدولة المصرية للحد من تزايد معدلات الطلاق
تدرك القيادة السياسية المصرية والأجهزة المعنية خطورة تزايد معدلات الطلاق على جهود التنمية وتماسك المجتمع وأمنه ، لذلك عمدت إلى القيام ببعض الجهود والمبادرات للحد من انتشار هذه الظاهرة ومنها :
1-المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية: دشنت القيادة السياسية هذا المشروع بهدف الارتقاء بجودة حياة الأسرة المصرية والحفاظ عليها من التفكك ومساعدتها على تحقيق التماسك فيما بينها، وذلك من خلال الاهتمام بالأبعاد الأسرية والمجتمعية والسكانية والثقافية، والتمكين الاقتصادي.
2- مشروع “مودة” : دشنت هذا المشروع وزارة التضامن الاجتماعى بهدف تأهيل الأشخاص المقبلين على الزواج من الجنسين وإعدادهم للبدء فى حياة زوجية ناجحة وذلك من خلال التأهيل النفسى والصحى والاجتماعى والشرعى والتوعية بطرق تحمل مسئوليات الزواج ومفاهيم الصحة الإنجابية والتربية الإيجابية للأبناء.
ويُوجه هذا المشروع أيضا للطلاب الجامعيين ومواطنى قرى ” حياة كريمة ” بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان ، حيث تم تشكيل قيادات شعبية فى محافظات ” حياة كريمة ” لتنفيذ جلسات توعوية حول أهم مبادىء المبادرة وفى مقدمتها كيفية إدارة الخلافات الأسرية.
ويقدم البرنامج تدريبات تفاعلية فى التجمعات الشبابية مثل المعسكرات والجامعات ومراكز الشباب والرياضة ، ومكلفات الخدمة العامة وقد تم الإنتهاء بالفعل من تدريب 17 ألفا من مكلفى الخدمة العامة فى 25 محافظة على كيفية اختيار شريك الحياة وتأهليهم للزواج ومسئوليات الأسرة.
كذلك نجحت المبادرة فى فى عقد اتفاقية مع اتحاد الصناعات المصرية لتدريب الفتيات العاملات فى المصانع على أهمية اجراء الفحص الطبى قبل الزواج ومفاهيم الصحة الإنجابية.
3- صندوق تأمين الأسرة: الذى أُنشئ بموجب القانون 11 لسنة 2004 تحت إشراف بنك ناصر الاجتماعى، بهدف مساعدة الأسر التى هجرها عائلها بلا مُنفق حيث يضمن سرعة تنفيذ الأحكام الصادرة بتقرير النفقات والأجور وما في حكمها لصالح المستفيدين من الزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الوالدين بحد أقصى 500 جنيه شهريا دون انتظار تحصيله من المحكوم ضده أو صرف قيمة الحكم بالكامل حال تحصيله من المنفذ ضده.
4– مشروع “مستورة”: يستهدف المشروع تمويل المرأة المصرية بالتعاون مع صندوق “تحيا مصر”، حيث يتم تمويل المرأة القادرة على العمل لإنشاء مشروعات متناهيه الصغر والتى تتنوع ما بين إنتاج حيواني وتجاري وخدمي وصناعي ومشروعات منزلية.
تترواح قيمه القرض مابين 4 آلاف إلى 30 ألف جنيه، على ألا يقل سن المرأة عن 21 سنة ولا يتجاوز 60 سنه عند المنح.
5-دورات تدريبة للمأذونين: نظمت وزارة العدل بالتعاون مع دار الإفتاء عددا من الدورات التدريبية لنحو ألف مأذون من جميع المحافظات بهدف رفع الوعي لديهم بالآثار الوخيمة للطلاق، والحد من النزاعات القضائية والصراعات الأسرية، مع العمل على إكسابهم المهارات اللازمة للقيام بدور مجتمعي يسهم فى تحقيق استقرار الأسر.
6- إنشاء وحدة ” لم الشمل “: استحدث مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية وحدة “لم الشمل” بهدف حماية الأسرة المصرية من خطر التفكك، وإزالة الخلافات بين الطرفين، والحد من ظاهرة الطلاق، ونشر توعية مجتمعية وتأهيل المقبلين على الزواج.
7- حملة “وعاشروهن بالمعروف“: أطلق الأزهر هذه الحملة الإعلامية والتى تتضمن مجموعة من الفيديوهات القصيرة يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على أهم أسباب الطلاق وطرق العلاج سعيا للحد من هذه الظاهرة.
خامسا: التوصيات والمقترحات
على الرغم من الجهود المصرية المخلصة للحد من ظاهرة الطلاق، إلا أنه يمكن بذل المزيد من الجهود واعتبار خفض معدلات الطلاق هدفا قوميا تشارك فى تحقيقه كافة مؤسسات الدولة المعنية وذلك من خلال:
1- تضمين المناهج التربوية مواد تهتم بالثقافة الأسرية وحقوق وواجبات كل طرف وذلك بما يتناسب مع كل مرحلة دراسية.
2- التوسع فى تطبيق مبادرة ” مودة ” وجعل الحصول على دورات المبادرة إلزاميا لكافة الأشخاص المقبلين على الزواج.
3- إجراء المزيد من الدراسات المتخصصة حول أسباب وتداعيات الطلاق وطرق خفض معدلاته ودراسة التحولات التى شهدها المجتمع المصرى وما تبع ذلك من تأثيرات على الأفراد والمجتمع بشكل عام، ووضع الحلول التى تحفظ للمجتمع تماسكه واستقراره.
4- الإعداد الجيد والتدريب المستمر للأئمة والخطباء والوعاظ بهدف التوعية الأسرية وبيان أهمية الاستقرار الأسري للمتزوجين حديثًا والمقبلين على الزواج.
5- تفعيل دور منظمات المجتمع المدنى في توعية الأسر بمخاطر الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء والمجتمع، وغرس قيم تحمل المسؤولية لدى الأفراد.
6- تنظيم حملة إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعى لتوعية الشباب وتثقيف المقبلين على الزواج حول واجبات الزوجين وحقوقهما.
7- التوسع فى إنشاء عيادات نفسية واجتماعية لتقييم المقبلين على الزواج ومتابعتهما خاصة عند حدوث خلافات.
8- إعداد وثيقة للطلاق تحافظ على حقوق المطلقة وأبنائها مع أهمية حضور المطلقة أثناء حدوث الطلاق بشكل رسمى حتى تتعرف على حقوقها وواجباتها بشكل تفصيلى.
المـــراجــــع
1- الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء / التقرير التحليلي للنشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق عام 2021.
2- الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء / التقرير التحليلي للنشرة السنوية لاحصاءات الزواج والطلاق عام 2020.
3- مسعودة كسال، الآثار المترتبة عن الطلاق في المجتمعات وفي المجتمع الجزائري.
4- البندرى بنت عبد الله بن محمد الجليل، الطلاق فى الممكلة العربية السعودية أسبابه وأثاره، كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية، جامعة الأزهر.
5- عمر عبد الرحيم ربابعة، أسباب الطلاق والحلول المقترحة لمعالجتها من وجهة نظر المطلقين والمطلقات والقضاة الشرعيين في الأردن، مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر.
6- مباركة عمامرة ،مباركة: (2011،( الإهمال العائلي و علاقته بالسلوك الإجرامي،مذكرة لنيل شهادة الماجستير
في العلوم القانونية ،جامعة باتنة،الجزائر.
تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعى د.نيفين القباج حول مبادرة “مودة”.
7- الموقع الرسمى لوزارة التضامن الاجتماعي.
8- الموقع الرسمى للأزهر الشريف.