المؤتمر الاقتصادي-مصر 2022..قراءة فى أهم التوصيات وأبرز التحديات
اخُتتمت جلسات المؤتمر الاقتصادى فى 25 أكتوبر 2022، والذى نظمته الحكومة المصرية بتكليف من القيادة السياسية، وذلك بعد جلسات نقاشية فعالة بين ممثلي القطاع الخاص وكبار المسئولين والاقتصاديين والخبراء المتخصصين وبمشاركة المجتمع المدنى بهدف التعامل مع التحديات والوصول إلى صياغة أطر جديدة تتلائم مع الوضع الاقتصادى الراهن الذى شهد اضطرابا حادا على صعيد السياسات النقدية والمالية وما تلاها من تقلبات فى الأسواق المحلية دفعت بشكل أو بآخر إلى مضاعفة الأثر الاقتصادي الناتج عن التداعيات الاقتصادية العالمية بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، وعدم التعافي من آثار جائحة كورونا.
وفى ضوء متابعة المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” للمؤتمر الاقتصادي ومخرجاته، يستعرض هذا التقرير أهم التوصيات مع توضيح التحديات وسُبل التغلب عليها بما يحقق المستهدفات المرجوة وذلك على النحو التالى:
أولاً: دوافع إقامة المؤتمر
شهد الاقتصاد المصري خلال السنوات الثمانى الأخيرة تطورا بالغ الأهمية على مستوى السياسات والإجراءات ومعدلات النمو، حيث حقق نمو سنوى فى 2021 بلغ 5.5% على أساس سنوى مقارنة بمعدلات نمو حقيقية سالبة قدرت بنسبة 2.3%، وأسمية قدرت بنحو 2%.
وعلى صعيد الوضع الاقتصادي خلال الفترة ما بعد يناير 2011 وحتى نوفمبر2016، عانى الاقتصاد المصري من أوجه قصور واختلالات كبيرة حيث بلغ الدين العالم مانسبته 108% من الناتج المحلى الإجمالى، وانخفض الاحتياطى من النقد الأجنبي إلى أدنى مستوياته واضطرب سعر الصرف ليصل إلى 17 جنيه فى السوق الموازية للنقد الأجنبي، وارتفعت معدلات البطالة ومستويات التضخم، واتسع العجز فى الموازنة.
ونتج عن السياسات المالية والنقدية آنذاك اختلالات كبيرة، مما دفع الدولة المصرية إلى تبني سياسات تصحيحية فى نوفمبر عام 2016، وشهد الوضع الاقتصادى تحسنا ملحوظا إلى أن جاءت جائحة كورونا وما تبعها من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.. وفى ضوء هذه التداعيات، جاءت حتمية تبنى سياسات اقتصادية متوائمة مع المتغيرات المحلية والدولية نظرا للأسباب التى يمكن إيجازها على النحو التالي:
1- اضطراب محدود فى السياسة النقدية:
- ارتفاع التضخم لنسب أعلى من المستهدف:
دفع ارتفاع التضخم إلى 17.99% خلال سبتمبر و16.6 % خلال أغسطس إلى حتمية وجود سياسات اقتصادية تصحيحية لإحتواء مثل هذه الصدمة الناتجة بشكل أساسى عن الارتفاعات فى المستوى العام للأسعار عالميا خلال الأشهر الخمس الماضية ورغم استقرار الأسعار عالميا بشكل نسبي إلا أن الأسعار حليا لم تستجب خاصة خلال الأشهر الثلاثة الماضية (يوليو- اكتوبر) وقد جاءت عدم الاستجابة نتيجة لتغير سياسات الاستيراد بالتوجه بتقييد الواردات كماً ونوعاً من خلال تغاير وسائل التحصيل والإجراءات اللازمة لذلك، ويوضح الشكل التالى (رقم1) التضخم الأساسي والعام خلال شهور العام الجارى 2022.
- اضطراب سعر الصرف:
ساهمت ارتفاعات أسعار الفائدة عالميا بخروج ما يزيد عن 20 مليار دولار من السوق المصرية وهو ما انعكس على الاحتياطى من النقد الأجنبي فى الأجل القصير، مما أثر سلبا على قوى العرض والطلب فى سوق الصرف، ودفع البنك المركزى باتباع سياسات صرف شبه مرنة لاستيعاب الصدمة الخارجية، وتزامن ذلك من سياسات الحد من الواردات، الأمر الذى أدى فى النهاية لمزيد من الضغوط التضخمية المصحوبة بضغوط على الصرف الأجنبي، ودفع بحتمية التوجه بإعادة صياغة سياسة صرف مبنية على المتوسط المرجح لتحديد القيمة الحقيقة للجنيه المصري بديلا عن التقييم بالدولار فقط كما كان معمول به، وتعد هذه الآلية استجابة واضحة للسياسات النقدية تجاه ما شهده النظام النقدى العالمي من تغير واضح.
ويوضح الشكل التالى (رقم2) تطور الاحتياطى من النقد الأجنبي وتطور سعر الصرف للجنيه مقابل الدولار وذلك على النحو التالى:
- مشكلة الواردات وإجراءات الاستيراد:
أدى اضطراب السياسة المالية الناتجة عن خروج الأموال الساخنة من السوق المصرية إلى اتباع سياسات واردات (الاعتمادات المستندية / مستندات التحصيل) دفعت بتكدس الموانىء بالسلع المستوردة بما فيها السلع اللازمة للإنتاج مما ساهم بمضاعفة أثر التضخم مع عدم استجابة السوق المحلية للانخفاض الأخير الذى طرأ على أسعار الأغذية لآخر شهرين أغسطس وسبتمبر، وذلك استنادا لمؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية وفق الشكل التالي (3):
يوضح الشكل التالى (4) عدد الشهور التى يغطيها صافى الاحتياطات الدولية:
2-تدنى المستهدف من السياسات المالية:
رغم استهداف المالية العامة تكميش الإنفاق العام، إلا أن التوسع فى الإنفاق بات سمه أساسية فى الإنفاق العام خلال السنوات الأربع الماضية حيث نمت الإيرادات العامة بمعدلات أكبر من معدلات النفقات إلا أن هذه الزيادة لم تكن بالشكل الذى يفي بتغطية الإلتزامات الخاصة بالدين العام وهو ما انعكس على معدلات مرتفعة للدين العام ويمكن إيجازها فى الشكل البيانى التالى الذى يوضح ما هو متاح من موازنة إلى موازنة العام التالى وذلك على النحو التالى رقم(شكل رقم5)
الأمر الذى يمكن إيجازه فى السمات التالية:
- التوسع فى الإنفاق العام رغم التوجه بسياسة مالية انكماشية.
- الحاجة إلى تعزيز مصادر تمويل أجنبية.
- تضارب الأهداف المالية مع سياسات البنك المركزى والذى تمثل فى عدم التنسيق التام ما بين أهداف الحد من الواردات والحفاظ على مرونة أسعار الصرف الأجنبي.
3- متطلبات تعزيز القطاع الخاص:
قطعت الدولة المصرية شوطًا كبير فى تدشين بنية تحتية قوية متسعة الأطراف ومتنوعة الأهداف والتى باتت تمثل العمود الفقري للتنمية المستدامة، وهو الحال فيما يتعلق بالسياسات المعنية بتنظيم العلاقة بين القطاع العام والخاص والوقوف على أرضية مشتركة لتعزيز دور القطاع الخاص بما يتلائم مع مستهدفات السياسات الكلية ومتطلبات الأسواق ودعم سبل المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، الأمر الذي دفع بتبنى سياسة ملكية الدولة من خلال تدشين ومناقشة واعتماد وثيقة ملكية الدولة لتوضح الدور الحقيقي للقطاع العام والسياسات الحاكمة للمرحلة القادمة، وفى ضوء ذلك فقد شملت متطلبات تعزيز القطاع الخاص الأبعاد التالية:
- توحيد الأطر القانونية والتنظيمية للمشروعات الخاصة والعامة خلال المرحلة المقبلة، بما يعمل على تعزيز المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
- فتح المجال أمام القطاع الخاص واعتماد وثيقة ملكية الدولة مع وضوح دور الدولة فى كل قطاع من القطاعات الإنتاجية المختلفة.
- توحيد جهات التعامل لدخول الاستثمارات الجديدة وفض التشابك وتداخل الاختصاصات ما بين جهات الولاية وجهات التراخيص.
- الحل الفورى لمشكلات المصانع المتوقفة أو المتعثرة الحالية وصياغة أطر مالية ونقدية تعمل على تجنب هذه المشكلات والعثرات فى المستقبل بما يدعم النمو الاقتصادى المتوازن بين القطاعات الاقتصادية المختلفة.
4- حتمية تبنى سياسة حماية اجتماعية ملائمة:
يستلزم وبكل تأكيد حال تبني سياسات اقتصادية حرة تدعم مبادئ الحرية الاقتصادية فى الأسواق، تطبيق حزمة حماية اجتماعية آنية التنفيذ بما يجنب القطاع العائلى الأولى بالرعاية صدمات الأسعار وانخفاض الأجور ويحفظ لهم الحد الأدني من شروط العيش الكريم، وكذلك تعويض وإثابة القطاع الخاص المساهم والمحفز لحزم الحماية الاجتماعية وهو ما انعكس فى الإجراءات التالية:
- دعم استقرار الأجور الحقيقية.
- دعم مشروط للقطاع الخاص وتحفيز دخول القطاع غير الرسمي.
- دعم الفئات الاولى بالرعاية من خلال برامج الدعم النقدى والعينى.
- العمل على تحفيز استقرار الأسعار المحلية فى الأجلين القصير والمتوسط.
ثانيا: أهم ما توصل إليه المؤتمر من توصيات
خلصت جلسات المؤتمر الاقتصادى إلى عدد من التوصيات المتعلقة بتعزيز الاقتصاد الوطنى لمواجهة التداعيات ودعم التنافسية وهو ما يستلزم تحقيق إجراءات مالية ونقدية وهيكلية، يمكن تناول أبرز التوصيات على النحو التالى:
1- إجراءات هيكلية:
تعزيز الصناعة:
تحفيز القطاع الصناعى بما يدعم عملية إحلال الواردات بمنتجات محلية تامة الصنع ويحقق زيادة القيمة المضافة للمنتج المحلى، إلى جانب رد الأعباء التصديرية للصناعات ذات الأولية مع تعزيز نفاذيتها للأسواق الدولية من خلال إقامة المعارض الدولية ودعم فتح أسواق جديدة، وهو ما يتطلب استراتيجية واضحة ذات رؤية شاملة للقطاع وما يلزمة من قطاعات تكاملية.
زيادة مساهمة القطاع الخاص فى الناتج:
يتطلب زيادة مساهمة القطاع الخاص فى الناتج فتح الباب أمامه للدخول فى شراكات طويلة الأجل مع القطاع العام وهو ما يتطلب متابعة تحقيق ما يلى:
- منح المزيد من الحوافز للقطاع الخاص ذات الأولوية
- حوكمة الأصول المملوكة للدولة.
- تعزيز دور صندوق مصر السيادى.
- آلية فاعلة لدعم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
- إصلاح منظومة التعاونيات والاتحادات المرتبطة بالنشاط الزراعى .
- تبسيط إجراءات التراخيص وفض التشابك بين جهات الولاية وجهات الاختصاص.
- تبنى سياسات تشريعية مرنة من خلال إقرار التشريعات اللازمة لتنظيم وتحفيز وتنمية القطاعات ذات الأولوية وفى مقدمتها السياحة والمشروعات الريادية وصناعة التكنولوجيا.
- إقامة مناطق اقتصادية تكنولوجية وتوفير التمويل والإجراءات اللازمة لتنميتها.
2 – تبنى سياسات نقدية ومالية مرنة ذات أهداف مشتركة
يمكن صياغة الأهداف المالية والنقدية على النحو الذي يحقق ما يلى:
- تبنى سياسة صرف مرنة أكثر استقرارا.
- تفعيل دور أسواق المشتقات المالية.
- تخفيض معدلات الدين العام بحيث تنخفض تدريجيا إلى ما دون 75% من الناتج المحلى.
- إصدار مؤشر مرجح للعملة المحلية بعدد من العملات الدولية بما يجنب التذبذب الحاد فى سعر الصرف والاحتياطى من النقد الاجنبي.
- تولى وزارة المالية دراسة المتطلبات الضريبية الخاصة بنشاط صناديق الاستثمار بكافة أنواعها.
- تفعيل دور مجلس الوزراء فيما يتعلق بما تقرره الجهات الإدارية بمختلف مستوياتها من رسوم وأعباء مالية بما يعزز من كفاءة نشاط القطاع الخاص، ويزيد تباعا من مساهمته فى الناتج المحلى الاجمالى.
ثالثاً: أبرز التحديات وسُبل التغلب عليها
في ضوء متابعة المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” لوضع الاقتصاد الكلي في مصر، يمكن الإشارة إلى أهم التحديات التى قد تعرقل تحقيق أهداف وتوصيات المؤتمر وطرح سبل مواجهة هذه التحديات وذلك على النحو التالى:
- أبرز التحديات:
- استمرار التداعيات العالمية لاستمرار البنوك المركزية فى رفع أسعار الفائدة من جهة وأسعار السلع من جهة أخرى.
- اعتيادية إقامة المؤتمرات الاقتصادية.
- الافراط فى سياسة مالية دون تحقيق الكفاءة المطلوبة.
- استمرار الاعتماد على الخارج.
- استمرار الخلل النقدى وعدم استقرار الصرف الأجنبي.
- قصور فى النظام التشريعي فيما يتعلق بإجراءات إنفاذ العقود وتسوية حالات الإعسار، لاسيما وأن مصر تحتل مصر المرتبة رقم 114 من بين 190 اقتصادا فى مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، والمرتبة رقم 166 في سهولة “إنفاذ العقود”، و104 في سهولة “تسوية حالات الإعسار”، وفقا بيانات البنك الدولي لعام 2020.
- أهم التوصيات:
- تبنى سياسات تجارية مع دول صديقة تعزز من واردات السلع الغذائية بأسعار تنافسية من جهة ومن جهة أخرى تعظيم الاستفادة من أسعار الطاقة والبنية التحتية من شبكات غاز وكهرباء على الصعيد الإقليمي والدولى.
- صياغة سياسات نقدية تعزز من استقرار الصرف على نحو يعمل على مضاعفة مصادر العملات الأجنبية من خلال الشركاء التجاريين الحاليين والجدد فى ضوء التغاير الواضح فى السياسة الاقتصادية الدولية.
- المتابعة الدورية للمشروعات وسبل دعم القطاع الخاص من خلال الجدول الزمنى وأولويات المشروعات.
- العمل على صياغة سياسات مالية أكثر كفاءة مع توسيع المظلة الضريبية لزيادة الإيرادات، على أن يتم خفضها على المشروعات ذات الأولوية وذات النفع العام مثل مشروعات الصناعات المحلية التى تحل محل الواردات.
- دعم زيادة نسب التصنيع المحلي لتتجاوز الـ70%.
- صدور تشريعات تناسب التحديات التى تواجه المستثمرين فى مرحلة إعداد العقود ونفاذها وكذا مجابهة حالات الإعسار بما يسهل من تدفق رأس المال دون شعور المستمثر بالقلق من مواجهة أى تحديات تشريعية تحول بينه وبين مايصبو إليه من أرباح ونفاذ التصرفات.
الخــلاصـــة:
لا شك أن جهود الدولة المصرية فى قطاع البنية التحتية تُمثل العمود الفقري للتنمية المستدامة، إلا أن التصنيع وتعزيز دور القطاع الخاص وزيادة القيمة المضافة المصرية للناتج المحلى الإجمالى تُعد الشرايين والأوردة الرئيسية للنمو المتوازن الاحتوائي الذي يحقق مستهدفات اقتصادية كلية مُرضية للفئات المساهمة بشكل أكبر مما هى عليه الآن.
الأمر الذي يجعل من المؤتمر الاقتصادي-مصر 2022 بداية حقيقية لطريق الاستجابة الفورية لصانعي السياسة الاقتصادية، من شأنها تعزيز فرص إنجاح التوجه نحو مشروعات ذات أولوية للاقتصاد القومي خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يشير إلى تحول النظام الاقتصادي الذى تتبعه مصر بشكل مغاير لما قد تبنته منذ سبعينيات القرن الماضى من حيث الشركاء الدوليين والفاعلين الرئيسيين.