دراسات حقوقية Archives - المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية https://draya-eg.org/category/السياسات-العامة/دراسات-حقوقية/ Egypt Sat, 31 Aug 2024 18:19:27 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.3.5 https://i0.wp.com/draya-eg.org/wp-content/uploads/2021/06/cropped-ico.png?fit=32%2C32&ssl=1 دراسات حقوقية Archives - المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية https://draya-eg.org/category/السياسات-العامة/دراسات-حقوقية/ 32 32 205381278 الهجرة غير النظامية الأبعاد ..المؤشرات ..الحلول https://draya-eg.org/2024/08/31/%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%ac%d8%b1%d8%a9-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a8%d8%b9%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%84%d9%88%d9%84/ Sat, 31 Aug 2024 17:53:02 +0000 https://draya-eg.org/?p=8152 لا شك في أن تحويلات المصريين في الخارج تشكل جزءاً هاماً في اقتصاد الدولة المصرية ومصدراً داعماً للعملات الأجنبية، حيث تشير البيانات إلى أن مصـر تعد مـن أكبـر الـدول المسـتقبلة للتحويـلات علـى مسـتوى العالـم “المركـز الخامــس عالميــاً” بقيمــة 28.92 مليــار دولار عــام 2018، وبلغــت نســبة تحويلات المصريين بالخارج من إجمالي مصادر النقد الأجنبي بمصر خلال …

The post الهجرة غير النظامية الأبعاد ..المؤشرات ..الحلول appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
لا شك في أن تحويلات المصريين في الخارج تشكل جزءاً هاماً في اقتصاد الدولة المصرية ومصدراً داعماً للعملات الأجنبية، حيث تشير البيانات إلى أن مصـر تعد مـن أكبـر الـدول المسـتقبلة للتحويـلات علـى مسـتوى العالـم “المركـز الخامــس عالميــاً” بقيمــة 28.92 مليــار دولار عــام 2018، وبلغــت نســبة تحويلات المصريين بالخارج من إجمالي مصادر النقد الأجنبي بمصر خلال عام 2022 / 2023 حوالي 23.5%، لتكون بذلك المصدر الثاني  للنقد الأجنبي، الأمر الذي يساهم بدوره في دعم قدرة الدولة على توفير احتياجاتها الأساسية وزيادة قدرتها على استيراد السلع وتلبية احتياجات المواطنين.

ولذلك تعد الهجرة النظامية أو “الهجرة الشرعية” جزءاً أصيلاً من قوة الاقتصاد الوطني لأي دولة ومصدراً هاماً للدخل القومي، كما تساهم بدورها في تحقيق أهداف التنمية. ولكن التحدي الحقيقي الذى يواجه الحكومات هو”الهجرة غير النظامية ” أو ما يعرف بـ “الهجرة غير الشرعية ” والتي يشكل البحث عن عمل لائق أهم دوافعها الأساسية، حيث يخاطر الشباب بحياتهم وأسرهم بحثاً عن فرص عمل لائقة وحياة أفضل – كما يعتقد– في دول أخرى، متغافلين عن العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك .

وإتساقا مع ما تقدم،  يُصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” ورقة بحثية تُسلط الضوء على “الفرق بين الهجرة النظامية وغير النظامية من حيث المفهوم؛ مع رصد لبعض الاحصائيات عن حجم الهجرة النظامية وغير النظامية في مصر، أبعاد مشكلة الهجرة غير النظامية في مصر وأسبابها، وأخيراً جهود الدولة المصرية في الحد والتعامل مع هذه الظاهرة”.

وقد تمثلت أهم التوصيات التي توصلت إليها الورقة والتي يمكن وضعها أمام صانع القرار لعلها تقدم حلولاً تتكامل مع رؤية الدولة وخططها في هذا الصدد مايلي:

1- دراسة الطبيعة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لحالات الشباب الذي أقدم على الهجرة غير النظامية  بشكل علمي ومفصل لمعرفة دوافعهم، وتقديم الدعم والحلول المناسبة لها عبر مؤسسات الدولة.

2- وضع استراتيجية وقائية وعلاجية لظاهرة الهجرة غير النظامية ترتكز على توفير فرص العمل، وتسهيل الهجرات الشرعية، وتوفير فرص للتدريب لرفع مستوى الكفاءة والأداء المهني للشباب مما يمكنهم من إيجاد فرص للعمل بدول أخرى.

3- العمل على خفض معدلات الفقر والبطالة واعتبار ذلك أولوية قصوى للدولة المصرية، على اعتبار أنها أهم العوامل التي تؤدى لتفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية.

4- زيادة دعم الدولة للأسر والمجتمعات الفقيرة والمهمًشة، خاصة أنهم المصدر الأهم لضحايا الهجرة غير النظامية.

5- وضع خطة إعلامية كبرى للتوعية بمخاطر الهجرة غير النظامية تشارك فيها المؤسسات الدينية بشكل فعًال.

6- زيادة حجم التدابير والمواجهات السياسية والأمنية لشبكات التهريب، وذلك في إطار الجهود الداخلية والإقليمية والدولية لمكافحة جرائم تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.

7- زيادة التعاون والتنسيق الدولي فى مجال مواجهة الهجرة غير النظامية، وذلك من خلال إبرام المزيد من الاتفاقيات المعنية والعمل على تفعيلها، فضلاً عن تبادل الدراسات والبيانات عن ظاهرة الهجرة غير النظامية.

8- العمل على عقد المزيد من الاتفاقيات بين الدول المصدٍرة للعمالة، وتلك التي تحتاج لعمالة موسمية بما يحقق أقصى استفادة من ظاهرة الهجرة لكل من الطرفين.

9- زيادة منافذ الهجرة النظامية، والتنسيق بين الجهات الحكومية المعنية للترويج لفرص العمل المتاحة للشباب في الدول التي يرغبون في الهجرة اليها.

10- التوسع في إجراء المزيد من المسوح والدراسات حول احتياجات ومتطلبات أسواق العمل الخارجية، والتركيز على توفير فرص هجرة للراغبين فى ذلك، مع أهمية تسليط الضوء على القوانين الحاكمة لأنظمة الهجرة في الدول الأخرى.

 

أولاً: الفرق بين الهجرة النظامية وغير النظامية ، من حيث المفهوم …

عرًفت اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر “الهجرة الآمنة” أو “الهجرة النظامية” على أنها:(انتقال شخص من مكان إقامته المعتاد إلى مكان إقامة جديد، بما يتماشى مع القوانين واللوائح التي تحكم خروج بلد المنشأ والسفر والعبور والدخول إلى الوجهة أو البلد المضيف).

بينما أشارت اللجنة إلى أن تعريف ” الهجرة غير النظامية ” أو “الهجرة غير الشرعية”:(هو الهجرة خارج المعايير التنظيمية للدولة المرسِلة أو دولة العبور أو الدولة المستقبِلة للمهاجرين. ومن وجهة نظر الدولة المستقبلة، فإنها تتضمن الدخول أو الإقامة أو العمل بصورة غير قانونية في البلاد. أما من وجهة نظر الدولة المرسِلة، فهي تنطوي على مخالفة اللوائح والقوانين في حالات مثل: قيام الشخص بعبور الحدود الدولية دون جواز سفر صالح أو وثائق سفر أو غير مستوفي الشروط الإدارية لمغادرة البلاد. إلا أن المصطلح يرتبط أكثر بحالات تهريب المهاجرين بطريقة غير شرعية/ قانونية).

كذلك تجدر الإشارة الى أنه هناك فروق جوهرية وتشابهات أيضاً بين مصطلح “الهجرة غير الشرعية”                أو” تهريب المهاجرين “و”الإتجار بالبشر”؛ فكلاهما تجارة مربحة تشمل البشر وتقوم بها الجماعات المنظمة، ولكن ثمة اختلافات بينهما:

  • يمكن الإتجار بالأشخاص داخل البلد (الإتجار الداخلي) أو عبر الحدود (الإتجار الدولي)، في حين أن تهريب المهاجرين يحدث فقط عبر الحدود.
  • الإتجار بالأشخاص هو جريمة ضد الإنسانية، في حين أن تهريب المهاجرين هو جريمة ضد الدولة.
  • استمرار الاستغلال: العلاقة بين المهاجر المُهرَّب والمهرِّب تنتهي بعد عملية عبور الحدود الدولية. أما في حالة الاتجار بالبشر؛ فإن العلاقة لاتنتهي بين التاجر والشخص الذي يتم الإتجار به ويتم إجبار الضحايا أو خداعهم، حيث تنصب نية التاجر على استغلالهم.
  • ونادرًا ما ينطوي الإتجار في الأشخاص على الدفع المسبق، في حين يعد الدفع المسبق أمرًا ضروريًّا في حالة تهريب المهاجرين.
  • وعلى الرغم من التمييز الواضح، فمن الممكن أن تتحول قضية تهريب المهاجرين إلى قضية إتجار بالبشر؛ وقد يصبح المهاجرون المهرَّبون الذين يتم استغلالهم في أية مرحلة من مراحل العملية ضحايا للإتجار بالبشر.

ثانياً: إحصائيات وأرقام عن حجم الهجرة النظامية وغير النظامية في مصر:

فيما يتعلق بحجم الهجرة غير النظامية في مصر في إطار المستوى الإقليمي الراهن، فقد أصدرت شبكة “البارومتر العربي” تقريراً حول نوايا ودوافع الهجرة في البلدان العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ أوضحت نتائج المسح المنشورة على موقع الشبكة البحثية إلى أن “ما يقرب من نصف من تم استجوابهم (48%) يريدون مغادرة المملكة المملكة الأردنية الهاشمية في حين جاءت مصر في المرتبة الأدنى من تلك الناحية حيث عبر 13% فقط عن رغبتهم في الهجرة . وأشار المسح أيضاً إلى أنه مثلت الصعوبات الاقتصادية الدافع الأكبر للهجرة في مصر بنسبة 97% ، لكنها لم تمثل ذات النسبة في الأردن فبلغت نحو 93% ، وانخفضت في ليبيا إلى 53%.

كما تحتل مصر المرتبــة الثانيــة مــن حيــث أعــداد المهاجريـن غيـر النظامييـن عبـر الطريـق البحـري مـن البحـر المتوسـط والبـري إلـى أوروبـا، والـذي بلـغ مـا يقـرب مـن 7938 مهاجـراً منـذ ينايـر 2021 وحتـى ديسـمبر من العام نفسه،  تتوجـه الغالبيـة العظمـى منهـم إلـى اليونان ومالطا وإيطاليا.

وفيما يتعلق بالهجرة النظامية، فقد شـهدت مصـر خـلال العقديـن الماضييـن ارتفاعـًا ملحوظًـا فـي أعـداد المهاجريـن النظاميين، وتحديـداً منـذ عـام 2005، حيـث زاد إجمالـي أعـداد المهاجريـن مـن 1.3 مليـون فـي 1990 إلـى 1.8 مليـون فـي 2005 ثـم قفـزت إلـى 3.6 ملاييـن فـي 2020 ، أي مـا يمثـل حوالـي 3.5% مـن إجمالـي السـكان. وتعتبـر مصـر مـن أكبـر بلـدان المنشـأ للمهاجريـن، حيـث احتلـت الترتيـب 19 عالميـاً والترتيـب الثانـي عربيـاً (بعـد سـوريا) فـي عـام 2019.

وفيمـا يتعلـق بالـدول المسـتقبلة للعمالـة المصريـة، تشـير إحصـائيات مسـح سـوق العمـل المصـري لعـام 2018 إلـى أن الـدول العربيـة تعتبـر الوجهـة الأولـى للعمالـة المصريـة المهاجـرة، خاصـة فـي كل مـن السـعودية والكويـت والأردن والإمـارات العربيـة المتحــدة، حيــث بلغــت نســبة المهاجريــن المصرييــن إلــى هــذه الــدول لإجمالــي أعــداد المهاجريــن 41.3% و28.7% و10.5% و5.3% علــى الترتيــب. وقد بلغت نسبة تصاريح العمل بالخارج لهذه الدول حوالي 97% من إجمالي تصاريح العمل بالخارج.

تأتـي فـي المرتبـة التاليـة للـدول العربيـة بعـض دول منظمـة التعـاون الإقتصـادي والتنميـة بنسـبة 2.9% ودول الإتحـاد الأوروبـي بنســبة %1.6 مــن إجمالــي العمالــة. وتتركــز الهجــرة إلــى الــدول الأجنبيــة بشــكل رئيســي فــي إيطاليــا بنســبة 37.1% تليهــا الولايـات المتحـدة الأمريكيـة بنسـبة 35.4% ، ثـم كنـدا بنسـبة 19.4% وأخيـراً أسـتراليا بنسـبة  2.9% مـن إجمالـي المهاجريـن الدائميــن للــدول الأجنبيــة.

وتعتبــر الهجــرة لهــذه الــدول هجــرة دائمــة بغــرض الإرتقــاء بالأحــوال المعيشــية والحصــول علــى حقـوق المواطـن الأصلـي بهـذه البلاد، علـى عكـس الهجـرة للـدول العربيـة التـي تأخـذ شـكلاً مؤقتًـا بغـرض الحصـول علـى دخـل مرتفـع، إلا أن المكـوث بهـا لا يضيـف حقوقـاً للمسـافر.

وبوجـهٍ عـام، يتجـه المهاجـرون الأفضـل فـي مسـتوى التعليـم إلـى الـدول الغربيـة بينمـا يذهـب أصحـاب المسـتويات التعليميـة الأقـل إلـى الـدول العربيـة ويمثلـون المصـدر الأكبـر مـن تحويـلات العامليـن بالخـارج.

ويعتبـر البحـث عـن فرصـة عمـل مناسـبة الهـدف  المحـوري الـذي يسـعى إليـه جميـع المهاجريـن، سـواء بشـكل نظامي أو خـلاف ذلــك، ففــي ظــل عــدم قــدرة الاقتصــاد علــى خلــق طلــب كاف لإســتيعاب قــوة العمــل مــن ناحيــة، وانخفــاض المهــارات وجــودة التعليـم مـن ناحيـة أخـرى، يلجـأ العديـد مـن الشـباب إلـى مسـارات الهجـرة غيـر النظاميـة بحثـاً عـن فـرص عمـل لائقـة.

ثالثاً: أبعاد مشكلة الهجرة غير النظامية في مصر:

*نشأة المشكلة : بدأت مشكلة الهجرة غير النظامية في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي؛ حيث تدفقت العمالة المصرية إلى دول الخليج بهدف المشاركة في المشروعات الإنشائية الضخمة التي شرعت في بنائها هذه الدول من عوائد النفط ، خاصةً لكون العمالة المصرية منخفضة الأجور في ذلك الوقت مقارنة بمثيلاتها من دول العالم الأخرى، ولكن الأمر تغير مع بداية فترة التسعينيات وانتهاء حرب الخليج الأولى واتجاه دول الخليج إلى استبدال العمالة المصرية بالآسيوية التي أصبحت أفضل في المهارات وأكثر انخفاضاً في الأجور، فضلاً عن اتجاه هذه الدول إلى إحلال العمالة من أبناء الدول نفسها بديلاً عن العمالة الوافدة من الدول الأخرى في الوقت الذي قامت فيه دول الإتحاد الأوروبي بتوقيـع اتفـاق شـنغن عـام 1990 ثـم معاهـدة ماسـتريخت عـام 1992 لضمـان حريـة الانتقال لمواطنـي الإتحـاد الأوروبـي داخـل حـدود أعضائه دون قيـود، وقـد ترتـب علـى ذلـك فـرض قيـود شـديدة علـى انتقـال العمالـة الأجنبيـة إلى داخل الإتحـاد الأوروبـي، وبالتالى ازداد اتجاه الراغبين في الهجرة إلى اللجوء إلى الطرق غير الشرعية وغير القانونية بهدف الإنتقال إلى هذه الدول.

*أكثر المحافظات المصرية المصدرة للمهاجرين غير النظاميين :

أوضحت دراسة بحثية حديثة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بين الشباب المصري الذي يرغب في الهجرة بصورة غير نظامية إلى وجود إحدى عشرة محافظة مصدٍرة للمهاجرين غير النظاميين: الشرقية، الدقهلية، القليوبية، المنوفية، الغربية، البحيرة، كفر الشيخ، الفيوم، أسيوط، الأقصر والمنيا.

*خصائص القرى والمحافظات المصدٍرة للمهاجرين غير النظاميين:

1تشتهر هذه القرى بالزراعــة والصيــد وصناعــة الســفن فــي الوجــه البحــري، والزراعـة والرعـي والسـياحة والتجـارة المتعلقـة بهـا بالوجـه القبلـي.

2- نقـص دور خدمـات الرعايـة الصحيـة، خاصـة فـي الوجـه البحـري، ونقــص الإمكانــات الماديــة والبشــرية، إلــى جانــب نقــص فــي المــدارس الإعداديــة ونقــص شــديد فــي المــدارس الثانويــة.

3- الطـرق أغلبهـا ترابيـة وشـديدة السـوء فـي الوجـه البحـري، ولكنهـا أفضـل فـي الوجـه القبلـي نتيجـة للأنشـطة السـياحية.

4 – توافــر شــبكة مــن العلاقــات مــن معارف/ أهــل/ أقــارب فــي دولــة المقصــد أو خبــرات ســابقة لهــم فيهــا، بحيــث يتــم الحصــول علــى المعلومـات المتعلقـة بتوافـر فـرص العمـل ومسـتوى الأجـور وظـروف المعيشــة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إيطاليـا تعتبر مـن أهـم بلـدان المقصـد لقربهـا مـن مصـر وتعتمـد أغلــب مســارات الهجــرة علــى البحــر فــي الوجــه البحــري والطــرق البريـة مـن خـلال ليبيـا فـي الوجـه القبلـي.

5- وجــود سماســرة ووكلاء ســفر ومترجميــن ومكاتــب التشــغيل ومصرفييــن أغلبهــم لهــم تجــارب ســابقة فــي الهجــرة.

6- وجود أقران فـي القريـة قامـوا بالهجـرة وظهـرت علامـات الثـراء عليهـم بعـد العـودة، بالإضافـة إلـى وجـود تشـجيع مـن جانـب الأسـر.

*خصائص المهاجرين الديموغرافية :

1- أغلبهم إما أطفال غير مصحوبين بذويهم وأعمارهم تتراوح ما ين 18:9 عاماً أو شباب من 35:18 عاماً وجميعهم من الذكور، أغلبهم متأخر في الزواج ومتسرب من التعليم، كما يعيش أغلبهم في أسر كبيرة العدد.

2- غالبيتهم من العاملين في وظائف غير رسمية أو عاطلين (محبطين /غير راضيين عن فرص العمل المحلية).

3- يتمتع ما يقرب من ثلث الشباب بمهارات منها الكمبيوتر واللغات.

4- تتوافر البنية الأساسية بنسب مختلفة كما أن لديهم سلع معمرة ولكن لا يمتلكون أراض أو عقارات.

*أكثر دول المقصد الأكثر جذباً:

على الرغم من أن الإحصاءات تشير إلى أن بعض المهاجرين المصريين غير النظاميين يتجهون إلى اليونان ومالطا، تظل إيطاليا هي الوجهة المفضلة لمعظم المهاجرين؛ حيـث تـم ترحيـل مـا يقـرب مـن 649 شـاباً فـي 2001، ثـم ازدادوا إلـى 5102 شـاباً فـي 2007، مـن هـذه الـدول عنـد الوصـول.

ويرجع السبب في تفضيل المهاجرين لإيطاليا إلى:

  • الوضع الاقتصادي الجيد بإيطاليا بالمقارنة بمالطا واليونان.
  • اجتذاب القطاع غير الرسمي الكبير بإيطاليا للعديد من العمال المهاجرين المهرة وغير المهرة الباحثين عن العمل، حيث لا يستلزم الأمر إقامتهم وعملهم بشكل قانوني.
  • تشجيع الجاليات المصرية في مدن مثل ميلانو لأفراد عائلاتهم أو أصدقائهم أو معارفهم من نفس القرى، ممن يبحثون عن فرص عمل والمعيشة في إيطاليا، على الهجرة غير الشرعية.

المخاطر المحيطة بالهجرة غير النظامية في إيطاليا:

تعتبر مخاطر الهجرة غير النظامية هي نفسها لكل من البالغين والأطفال وتتمثل في صعوبة الرحلة من بلد منشأهم. ومع ذلك، فإنه غالبًا ما يكون لها أثر سلبي أكثر شدة على الأطفال لأنهم أكثر عرضة للخطر، حيث يكون الأطفال المهاجرون غير المصحوبين عرضة للاستغلال بمجرد وصولهم من مصر لعدد من الأسباب لاسيما إذا كان هربًا من مراكز المهاجرين ومن أبرز هذه المخاطر:

– يكون هؤلاء الأطفال، في كثير من الأحيان، جاهلين بحقوقهم أو بنص القانون الإيطالي على حمايتهم؛ حيث يستقون معلوماتهم من معارفهم فقط وغالبًا ما يضطروا لدفع المال للراشدين من أجل مرافقتهم إلى مواعيد الخدمات الاجتماعية أو ومراكز الشرطة أو المحكمة وقد يحتاجوا أيضا إلى القيام بذلك من أجل الحصول على وصي معين. وفي بعض الأحيان، يتعرض الشباب للاستغلال من قِبل وليّ الأمر الذي يختارونه.

– يعد الأطفال المهاجرون غير المصحوبين هم أيضا عرضة بشكل خاص للاستغلال بسبب تكلفة رحلة الهجرة؛ وهذا يعني أنه من الممكن استغلالهم في ظروف عمل سيئة أو غير إنسانية لتسديد الدين للمهربين.

– يمكن أيضاً أن يتم إجبار هؤلاء الأطفال على أنشطة الإتجار بالبشر الأخرى، بما في ذلك الدعارة وتجارة المخدرات و العمل بالسخرة أو نزع أعضاؤهم قسرًا.

رابعاً: أسباب الهجرة غير النظامية في مصر:

تتعدد وتتشابك أسباب الهجرة غير النظامية في مصر، إلا أنه يمكن إيجازها في النقاط التالية:

أ- أسباب اقتصادية:

-الفقر ونقص الاحتياجات الأساسية.

-الرغبة في تحسين مستوى المعيشة.

-ارتفاع مستوى البطالة أو العمل في ظروف غير مستقرة (القطاع غير الرسمي) وعدم الرضاء عن فرص العمل المحلية المتاحة.

ب- أسباب ثقافية:

-التشجيع من جانب الأسرة والمجتمع في القرى على الهجرة غير النظامية، والنظر إليها على أنها شكل من أشكال الكفاح.

-الموروث الثقافي المتعلق بإنجاب عدد كبير من الأطفال، وما يترتب عليه من نمو في تعداد السكان وحجم قوة العمل مع نقص في المعروض من الوظائف.

ج- أسباب اجتماعية:

-عدم القدرة على تحمل تكاليف الزواج.

– المقارنة بالأقران في القرية ممن استطاعوا الهجرة وظهرت عليهم علامات الثراء بعد العودة.

د- أسباب أخرى:

– ارتفاع تكاليف الهجرة الشرعية/النظامية والقيود عليها في الخارج.

– وجود ظروف محفزة في القرى المصدرة للهجرة ( كشبكة العلاقات والسماسرة، وتوافر معلومات عن دول المقصد، وتجارب سابقة).

خامساً: جهود الدولة المصرية للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية :

قامت الدولة المصرية ببذل جهود كبيرة ومخلصة فى سبيل الحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية على المستوى المحلي والدولي والتي كان من أبرزها:

أ- على المستوى المحلي:

1– إنشـاء اللجنـة الوطنيـة التنسـيقية لمكافحـة الهجـرة غيـر الشـرعية عـام 2014 بموجـب قـرار رئيـس مجلـس الـوزراء رقـم  380 لعام 2014.

2-  إنشـاء “اللجنـة الوطنيـة التنسـيقية لمكافحـة ومنـع الهجـرة غير الشـرعية والإتجـار بالبشـر”  كإعـادة هيكلـة للجنـة السـابقة، وتتكـون عضويـة اللجنـة مـن 30 وزارة وهيئـة ومركـزاً قوميًـا، مـن بينهـم وزارة الدفـاع ووزارة القـوى العاملـة ووزارة الهجـرة وشـؤون المصرييـن بالخـارج ووزارة الداخليـة والخارجيـة والمركـز القومـي لحقـوق الإنسـان والمركـز القومـي للأمومـة والطفولـة المنـوط بـه التمثيـل القانونـي للأطفـال المهاجريـن غيـر المصحوبيـن والذيـن لـم يُستـدل علـى أسـرهم.

3- إصدار القانـون رقـم 82 لسـنة 2016 وهو أول قانـون يناقـش مكافحـة الهجـرة غيـر النظاميـة، حيـث جـرم القانـون المسـاعدة بـأي شـكل مـن الأشـكال علـى الهجـرة غيـر النظاميـة وتهريـب المهاجريـن ، ووضـع عقوبـة تتمثـل فـي الحبـس أو دفـع غرامـة لا تقـل عـن خمسـين ألـف جنيـه ولا تزيـد عـن خمسـمائة ألـف جنيـه مصـري حسـب شـدة الجـرم. ولـم يحمـل القانـون المهاجريـن غيـر النظامييـن أو ذويهـم أيـة مسـؤولية مدنيـة أو جنائيـة، حيـث اعتبرهـم ضحايـا لجريمـة التهريـب. كمـا تضمـن القانـون إنشـاء “صنـدوق مكافحـة الهجـرة غيـر الشـرعية وحمايـة المهاجريـن والشـهود”، وتكـون لـه شـخصية اعتباريـة عامـة وموازنـة خاصـة بـه لتقديـم الدعـم المالـي لضحايـا الهجـرة غيـر الشـرعية.

5- إطلاق المبــادرة الرئاســية “مراكــب النجــاة” فــي اختتــام منتــدى الشــباب فــي ديســمبر 2019 للتصــدي للهجــرة غيــر النظاميــة، والتــي تــم اعتبارهــا مبــادرة قوميــة وتــم ربطهــا باستراتيجية مصــر 2030 حيــث خصصــت وزارة التخطيـط مبلـغ 250 مليـون جنيـهاً مصـرياً لتفعيـل المبـادرة فـي 70 قريـة فـي المحافظـات الأكثـر تصديـراً للهجـرة غيـر النظاميـة.

ب- على المستوى الدولي:

1- تـم إطـلاق مبـادرة “مـن أجـل إفريقيـا” عـام 2016 بالتعـاون بيـن الإتحـاد الأوروبـي والمنظمـة الدوليـة للهجـرة لتسـهيل الهجـرة الآمنـة والمنظمـة وحمايـة المهاجريـن وتحقيـق إعـادة الإندمـاج لهـم عنـد العـودة، والتـي بـدأت فـي منطقـة السـاحل وحـوض بحيـرة التشـاد فـي منطقـة القـرن الإفريقـي، ثـم شـملت شـمال إفريقيـا، وشـملت المبـادرة مصـر، وليبيـا، والجزائـر، وتونـس، والمغــرب وتهــدف إلــى التعــرف علــى احتياجــات مجتمعــات المهاجريــن المســتضعفين مــن هــذه الــدول وتحســين ظروفهــم وحمايتهـم وضمـان إعادتهـم طوعـاً إلـى بلدانهـم ومسـاعدتهم علـى إعـادة الإندمـاج بهـا.

2- تدشين مشـروع “الهجـرة للتنميـة” والمنفـَذ مـن قبـل الوكالـة الألمانيـة للتعـاون الدولـي نيابـةً عـن وزارة التعـاون الإقتصـادي والتنميـة الألمانيـة بالتعـاون مـع وزارة الهجـرة المصريـة؛ و يهـدف المشـروع إلـى تحسـين ظـروف المعيشـة للعائديـن مـن الهجـرة فـي عـدد مـن الدول ومنهـا مصـر إلـى جانـب العـراق وتونـس والمغـرب وعـدد آخـر مـن الـدول، فضلاً عن تشجيع هجـرة العمالـة المتخصصـة فـي بعـض المجـلات والمهـن التـي يقـع عليهـا الطلـب فـي ألمانيـا. وقـد ترتـب علـى هـذه المبـادرة إنشـاء المركـز المصـري الألمانـي للوظائـف والهجـرة وإعـادة الإدماج.

3- توقيـع بروتوكـول تعـاون بين المنظمـة الدوليـة للهجـرة فـي مصـر ووزارة الدولـة للهجـرة وشـؤون المصرييـن بالخـارج ووكالـة تنميـة المشـروعات متناهيـة الصغـر والصغيـرة والمتوسـطة؛ حيث اسـتهدفت المرحلـة الأولـى مـن المشـروع الحـد من الهجـرة غيـر النظاميـة مـن خلال تبنـي مشـاريع للتنميـة المحليـة وتوفيـر فـرص عمـل، واسـتهدفت المرحلـة الثانيـة منـه تعزيـز مشـاركة المصرييـن بالخـارج فـي التنميـة وتعزيـز التواصـل والإتصـال معهـم، ويتـم أيضـًا التعـاون بيـن مصـر وإيطاليـا علـى وجـهٍ خـاص لعقـد برامـج تدريبيـة للعمالـة المصريـة المهاجـرة إلـى إيطاليـا، وذلـك بهـدف تأهيلهـم للالتحـاق بالمجتمع الايطالى .

……………………………………………….

 

 

المراجع ..

1- الموقع الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة.

2- الموقع الرسمي للجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر

https://www.nccpimandtip.gov.eg/ar/Home

3- الموقع الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات

https://www.sis.gov.eg/?lang=ar

4- تقرير ” نحو تعزيز فرص العمل اللائق فى مصر للحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية ” والصادر عن مجلس الوزراء / مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار

https://idsc.gov.eg/Upload/Competition/Attachment_A/ .pdf

5- بحث ” الهجرة غير الشرعية للشباب في المجتمع المصري ” والصادر عن المجلس القومي لحقوق الانسان والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية / الإشراف العام : أ.د نسرين البغدادي / الاشراف التنفيذي: أ.د سميحة نصر

https://www.nccpimandtip.gov.eg/uploads/files/1558866215- .pdf

 6- الموقع الرسمي لوزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج

https://www.emigration.gov.eg/DefaultAr/Pages/default.aspx

The post الهجرة غير النظامية الأبعاد ..المؤشرات ..الحلول appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
8152
العمالة غير المنتظمة…… مفاهيم..مؤشرات..حلول https://draya-eg.org/2024/08/18/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%b8%d9%85%d8%a9-%d9%85%d9%81%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%ad%d9%84%d9%88%d9%84/ Sat, 17 Aug 2024 22:47:21 +0000 https://draya-eg.org/?p=8125 مقدمة: تتوالى الأزمات ويعقبها تبعات تؤثر على حياة الشعوب اقتصادياً واجتماعياً؛ مايلقي على عاتق الدول ضرورة صياغة استراتيجيات للتعامل معها، إلا أن مانتج من تبعات عصفت بالعالم بالتزامن مع جائحة كورونا والتي ألقت بظلالها على جميع القطاعات الاقتصادية، كانت الأولى من نوعها منذ قرن، إذ دفعت العديد من الحكومات لصياغة استراتيجيات للتعامل مع تبعاتها، وكانت …

The post العمالة غير المنتظمة…… مفاهيم..مؤشرات..حلول appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
مقدمة:

تتوالى الأزمات ويعقبها تبعات تؤثر على حياة الشعوب اقتصادياً واجتماعياً؛ مايلقي على عاتق الدول ضرورة صياغة استراتيجيات للتعامل معها، إلا أن مانتج من تبعات عصفت بالعالم بالتزامن مع جائحة كورونا والتي ألقت بظلالها على جميع القطاعات الاقتصادية، كانت الأولى من نوعها منذ قرن، إذ دفعت العديد من الحكومات لصياغة استراتيجيات للتعامل مع تبعاتها، وكانت أحد أبرز تلك التبعات التي حذًرت منها المنظمات الدولية وتحركت لحلها معظم دول العالم هي ارتفاع معدلات البطالة العالمية، فوفقاً لتقديرات البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية، بلغ عدد العاطلين نحو 200 مليون عاطل عام 2022، أما حالات فقدان الدخل نتيجة لفقدان الوظائف فكانت أكبر بين الشباب والنساء وأصحاب المهن الحرة والعمالة الموسمية ذوي المستويات التعليمية الأقل.

وقد تأثرت النساء، على وجه الخصوص، بفقدان الدخل والعمل؛ لأنهن كن على الأرجح يعملن في قطاعات تضررت بقدر أكبر من جراء تدابير الإغلاق العام والتباعد الاجتماعي.

هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة أثرت بدورها على العمالة غير المنتظمة وتسببت في ازدياد أعدادهم،  فضلاً عن معاناة بعضهم نتيجة تضرر القطاعات التي يعملون بها، وبصفة خاصة قطاعي السياحة والآثار، إضافة لما يعانون منه في الأساس من غياب التعاقد الرسمي والتأمين الاجتماعي، وكذا الافتقار إلى الشعور بالأمان وتدني الدخول وعدم توافر الحماية الكاملة في حال التعرض للأمراض أو المشاكل المرتبطة بالعمل في ظروف غير آمنة، وارتفاع مستوى الخطورة من فقدان الدخل نظراً لعدم استدامة مصدر الرزق، بالإضافة لعدم تمتعهم بأيٍ من الحقوق المرتبطة بالحصول على إجازات مدفوعة الأجر أو التأمين الاجتماعي أو الاجازات المرضية، فضلاً عن غياب أي نقابات تجمعهم .

في السياق عاليه، وإدراكاً لأهمية هذه القضية، يُصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” ورقة بحثية تُسلط الضوء على مفهوم العمالة غير المنتظمة وأسباب هذه الظاهرة، ومفهوم الحماية الاجتماعية، والإحصائيات والأرقام الصادرة عن المنظمات الدولية لأعدادهم التقديرية في مصر والعالم العربي، وأخيراً تناول جهود الحكومة المصرية في التعامل مع هذه الظاهرة).

وقد تمثلت أهم التوصيات التي توصلت إليها الورقة لمواجهة هذه الظاهرة والتعامل معها مايلي:

* أهمية وضع تعريف ومعايير محددة وموحدة بين الدول لتحديد الفئة المقصودة بالعمالة غير المنتظمة وتصنيفها لإعداد إحصائية واقعية وفق منظومة بيانات مدققة ومتكاملة.

* على جميع الدول العمل على توفير البيانات والإحصاءات بشكل أكثر شفافية ودقة حتى يمكن تشخيص الوضع بشكل أكثر دقة، فضلاً عن إمكانية الحصول على دعم الشركاء الدوليين في إيجاد حلول ناجحة وفعالة.

* ضرورة الاستمرار في برامج الحماية المجتمعية التي أطلقتها العديد من الحكومات للعمالة غير المشمولين ببرامج الحماية الاجتماعية القائمة، وخاصة في أعقاب انتشار جائحة كورونا.

 

* إجراء تقييم لبرامج الحماية الاجتماعية الحالية لتحديد الفجوات بها واستكمال منظومة الحماية لهم.

* تنظيم العمالة غير المنتظمة من خلال نقابات عمالية أو مهنية، ووضع خارطة طريق للتوسع في مظلة الحماية والتمكين لتلك الفئة.

*الاستمرار في العمل على خلق مناخ للاقتصاد أكثر جاذبية للمستثمرين، بما يضمن خلق فرص عمل أفضل.

*تحسين الوصول إلى التعليم والارتقاء بجودته وتعزيز المساواة في الوصول إليه، وضمان بقاء الطلاب في المدرسة حتى الحصول على التعليم الثانوي، وتوفير فرص للتدريب الفني والمهني.

* العمل على إدخال تعديلات وإصلاحات مستمرة في النظام الضريبي، كلما تطلب الأمر ذلك وبما يتلاءم مع دخول العمالة غير المنتظمة وأحوالهم وظروفهم المعيشة والأنشطة التي يمارسونها، وزيادة الحوافز وخفض ضرائب الرواتب وإتباع أنظمة الحماية الاجتماعية الداعمة كالضرائب التصاعدية على الدخل.

* الاستمرار في السياسات الرامية لتعزيز الشمول المالي من خلال تعزيز وصول أكبر شرائح إلى الخدمات المالية الرسمية، خاصةً وأن التطبيقات الخاصة بالتحويل المالي عبر الهواتف المحمولة ساهم في النمو الشامل من خلال توفير الحسابات المالية لغير المتعاملين مع البنوك، وتمكين النساء مالياً، ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على النمو داخل القطاع الرسمي.

* تقليل المستندات والأوراق المطلوبة لإقامة المشروعات الصغيرة ذات الإمكانات المحدودة.

*بذل المزيد من الجهود نحو رقمنة الاقتصادEconomic Digitalization ، أي التحول بالاقتصاد من اقتصاد يعتمد على المستندات والأرشفة الورقية، إلى اقتصاد يعتمد على قواعد البيانات وتخزينها وتداولها على المنصات الإلكترونية.

*من الممكن تجنب مسألة الطابع الرسمي للعاملين من خلال توفير التأمين الصحي والمعاشات للعاملين غير المنتظمين عبر وسائل أخرى، كالعضوية في النقابات العمالية، أو المنظمات غير الحكومية، أو من خلال الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص؛ وهذا الأمر من الممكن أن ينطوي على ميزة إضافية وهي التشجيع على ريادة المشاريع.

*رفع الوعي لدى العاملين بأهمية حصولهم على حقوقهم من خلال التأمين عليهم وإدراجهم بسجل العاملين لدى الجهات الرسمية للدولة لضمان حقوقهم.

…………………………………………………………….

أولاً: العمالة غير المنتظمة:

  • المفهوم:

اعتمدت منظمة العمل الدولية التعريف المشترك للعمل غير النظامي وهو: يصنف العاملون لحسابهم الخاص (من غير الأجراء (الذين يديرون مؤسسات غير نظامية على أنهم يعملون في القطاع غير النظامي). وبالمثل، يصنف أرباب العمل (الذين لديهم أجراء(والذين يديرون مؤسسات غير نظامية على أنهم من ضمن القطاع غير النظامي). ويتم تصنيف أفراد الأسرة كافة الذين يساهمون في العمل في المؤسسة على أنهم أصحاب عمل غير نظامي؛ بصرف النظر عما إذا كانوا يعملون في مؤسسات تابعة للقطاع النظامي أو غير النظامي.

 وفي حالة العاملين، يعرف العمل غير النظامي على أساس علاقة العمل التي لا ينبغي أن تكون، في القانون أو الممارسة العملية، خاضعة لتشريعات العمل الوطنية، أو لضريبة الدخل، أو الحماية الاجتماعية، أو الحق في استحقاقات عمل معينة (كإشعار مسبق بالفصل من الخدمة، وتعويض نهاية الخدمة، والإجازة السنوية أو المرضية المدفوعة الأجر، وغيرها).

وفي الممارسة العملية، تتحدد الطبيعة النظامية أو غير النظامية لوظيفة ما يشغلها الموظف على أساس معايير تشغيلية مثل: اشتراكات الضمان الاجتماعي التي يدفعها صاحب العمل باسم العامل، والحق في إجازة مرضية مدفوعة الأجر وإجازة سنوية مدفوعة الأجر.  ويربط عدد كبير من الباحثين العمل غير النظامي بالافتقار إلى الإدارة الاقتصادية والمؤسسية.

وخلاصة القول، بأن العمالة غير المنتظمة؛ هم مجموعة الأفراد الغير مدرجين ضمن نظام عمل ودوام جزئي أو كلي، كما يضم العمالة المؤقتين أو الموسميين والذين يتم توظيفهم دون تحديد ساعات عمل أو جدول زمني لهم، ويفتقر هذا النوع من الوظائف لأية مزايا أو مؤهلات، كما أنه يفتقر للاستمرارية، فضلًا عن عدم وجود أية حقوق للعمالة كالإجازات أو المكافآت أو ما شابه بالإضافة إلى انخفاض الأجور.

  • أسباب ظاهرة العمالة غير المنتظمة:

 ينجم العمل غير النظامي أساساً كمزيج من ضعف الخدمات العامة، ونظام تنظيمي تقييدي، وضعف قدرة  على الرصد والتنفيذ، كما هو الحال في الجزائر ومصر والأردن ولبنان مثلاً. كما تغذي بعض الظروف السائدة في المنطقة العربية العمل غير النظامي بشكل أكبر من ذلك، وهي تشمل ما يلي:

– التغير الديمغرافي الذي يمثل تحدياً رئيسياً لبلدان مثل مصر والأردن ولبنان و فلسطين وسوريا.

– انتشار الصراعات وعدم الاستقرار السياسي، لاسيما في العراق وليبيا وفلسطين وسوريا واليمن الذي يؤثر على الاستقرار السياسي في سبعة بلدان أخرى هي مصر والأردن ولبنان والسعودية والسودان وتونس والإمارات.

-انخفاض مستوى الاستقرار المالي والنقدي بسبب انخفاض أسعار النفط التي تؤثر على دول مجلس التعاون الخليجي؛ والنمو الاقتصادي المنخفض، ونمو البطالة في الدول غير المنتجة للنفط. ونتيجة لذلك، دفع عدد كبير من المواطنين العرب إلى القطاع غير النظامي لأنه الخيار الوحيد لكسب العيش.

– علاوة على ذلك، فإن ضعف الإطار التنظيمي يحد من تنمية القطاع الخاص والنمو العام. ففي أعقاب  ثورات الربيع العربي، تدهورت الجودة التنظيمية في بلدان عديدة مما أثر على قواعد المنافسة والاستثمار، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر، والإعانات، والتنظيمات البيئية، والتجارة، والمناخ العام للأعمال التجارية.

 -تدني جودة التعليم، والذي يحد من قدرة الناس على التحول من الوظائف غير النظامية إلى الوظائف النظامية كما يحد من جودة الابتكارات في مجال البحث والتطوير.

 -تؤدي أنظمة الحوكمة غير الكفء في بعض بلدان المنطقة إلى التهرب الضريبي، مما يزيد من الحافز للعمل في القطاع غير النظامي. وقد شهدت بعض البلدان،  مثل قطر والإمارات، تحسناً السنوات الماضية؛ رغم أن للمنطقة العربية واحدة من أدنى نسب الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء العالم.

  • ثانياً: العمالة غير المنتظمة ومفهوم الحماية الاجتماعية:

يمكن تعريف الحماية الاجتماعية بأنها مجموعة الخدمات الاجتماعية والصحية والاقتصادية والتعليمية والثقافية التي تهدف إلى رفع مستوى معيشة العمالة غير المنتظمة من خلال تنمية قدراتهم الاقتصادية والتعليمية والصحية.

وتهدف برامج الحماية الاجتماعية إلى:

– حماية الفئات الفقيرة من العمالة غير المنتظمة من الصدمات والتقلبات التي يتعرض لها الاقتصاد.

– تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توفير الخدمات وفرص العمل بشكل متكافئ ومتوازن.

– تكاتف الجهود الأهلية والحكومية لتحقيق الحماية الاجتماعية لهذه الفئة من خلال الخطط والبرامج والمشروعات المنصوص عليها في الدستور والقانون لتحقيق العدالة الاجتماعية.

*وهناك مفاهيم مرتبطة بالحماية الاجتماعية منها:

شبكة الحماية الاجتماعية: وهي إحدى آليات الحماية الاجتماعية التي تعمل على التخفيف من حدة أية آثار ترتبط بوجود حروب أو كوارث طبيعية أو تطبيق سياسات إصلاحية على الفئات المهمشة والفقيرة والأكثر فقراً من أجل تلبية احتياجاتها والعمل على إشباعها.

مفهوم أرضية الحماية الاجتماعية: وهو المفهوم الذي أطلقته الأمم المتحدة عام 2009 ويعرف “بأنه منهج وأداة يمكن من خلالها مواجهة الأزمات التي تعاني منها الدول نتيجة لوجود عجز في برامج الحماية الاجتماعية، ويمكن من خلالها توفير الحماية الاجتماعية الملائمة للجميع، والتي يمكن من خلالها تقديم الدعم المالي للنهوض بقطاع الصحة، ومنح الدخل الآمن للأطفال الذي يوفر لهم الرعاية الصحة والمادية والتعليم، ويوفر حياة كريمة لكبار السن وذوي الهمم”.

  • ثالثاً: إحصائيات وأرقام عن العمالة غير المنتظمة في مصر والعالم العربي:

تعاني الدول العربية بتسجيل واحد من أعلى معدلات البطالة بين الشباب في العالم (26%) وتشهد تدهوراً في جودة الوظائف، وبالتالي فإن القطاع غير النظامي آخذ في التوسع. كما أن هذا القطاع شهد نموًا كبيرًا بالتزامن مع انتشار جائحة كورونا، فضلًا عن معاناة المنطقة من الصراعات وعدم الاستقرار والتي أثرت على النمو الاقتصادي ممًا دفع العمال بالبحث عن فرص للعمل في القطاعات غير النظامية.   

عند النظر إلى كل دولة في المنطقة العربية على حدة، نجد أن البلدان ذات أدنى مستوى من الناتج المحلي الإجمالي للفرد تميل إلى أن يكون لديها أعلى مستويات من العمل غير النظامي. وتشير التقديرات إلى أن ثلث الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة يتم إنتاجه من خلال العمل غير النظامي.

وإحصائياً ، فإن عدم قيام الدول العربية بمواكبة التطورات الخاصة بالعمالة غير المنتظمة، والتي تمثلت في قيام منظمة العمل الدولية؛ بتطوير الدليل الاحصائي حول القطاع غير الرسمي والعمال غير المنتظمة بهدف تطوير المفاهيم والتعريفات الاحصائية ذات الصلة بعناصر القياس وأساليب التقدير والمنهجيات المختلفة، وبالتالي لم تتمكن المنظمة من إنشاء قاعدة بيانات فرعية عن سوق العمل سوى لدولتين عربيتين فقط هما مصر وفلسطين،  أما باقي الدول العربية فلم تواكب هذه التطورات؛ وبالتالي فإن كافة البيانات المقدمة هي بيانات تقديرية بالتعاون مع عدد من الخبراء والمنظمات الدولية المهتمة بهذا القطاع.

فمثلاً تقدر منظمة WEIGO الخاصة برصد العمالة الغير منتظمة وبصفة خاصة من النساء حول العالم ، إلى أن العمالة غير المنتظمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشكل 45% من العمالة الزراعية، مقارنة                   بـ 82% في جنوب آسيا، و66% في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و65% في شرق وجنوب شرق آسيا (بدون الصين)، و51% في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

كما أن نسبة العمالة غير المنتظمة في القطاعات غير الزراعية المختلفة تبلغ 52.3% من إجمالي العمالة غير الزراعية في فلسطين و51.2% في مصر، وتشمل هذه النسب نحو 54.5% للرجال في فلسطين و56.3% في مصر، أما بالنسبة للنساء فإنها تنخفض إلى 40% في فلسطين و23.1% فقط في مصر.

أما من حيث التوزيع القطاعي، فتكون نسبة العمالة غير المنتظمة مرتفعة جدًا في قطاع الإنشاءات سواء في مصر أو في فلسطين. وتبلغ نسبة العمالة غير المنتظمة 96.9% من إجمالي العمالة في فلسطين و92.1% في مصر.

في حين تشهد قطاعات الخدمات الأخرى  (باستثناء التجارة والنقل) أدنى نسب العمالة غير المنتظمة، والتي لا تتجاوز 20% من إجمالي العمالة في كلا البلدين.

أما قطاع البناء، ففي حين يجتذب 14.8% من إجمالي العمالة في فلسطين، فإنه يجتذب 1% فقط من العمالة الرسمية مقارنة بـ 27.4% من العمالة غير المنتظمة.

وفي مصر يشكل قطاع البناء 27.3% من العمالة غير المنتظمة، ولا يجتذب سوى 15.2% من إجمالي العمالة. ومن ناحية أخرى، يجتذب قطاع الخدمات الأخرى (باستثناء التجارة والنقل) 69.5% من إجمالي العمالة الرسمية (الرجال) وحوالي 90% من إجمالي العمالة الرسمية (النساء). وهذا يوضح أيضاً أن النساء غائبات تماماً تقريباً عن العمالة غير المنتظمة في مجال النقل (0.7%).

وتمثل النساء حوالي خمس إجمالي العمالة في مصر وأقل في فلسطين (16.9%)، وترتفع هذه النسبة إلى 30% من العمالة الزراعية في كلا البلدين. وتمثل النساء الفلسطينيات 38.8% من العمالة الزراعية المستقلة، في حين أنهن لا يمثلن سوى 4.5% من العمالة الزراعية المستقلة الرسمية.

وقد يكون ارتفاع نسبة العمالة غير المنتظمة خارج القطاع غير الرسمي في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا راجعاً إلى حقيقة مفادها أن بعض المؤسسات في القطاع الرسمي توظف أشخاصاً دون احترام لوائح وقواعد العمل، بالإضافة إلى انتشار الشركات العائلية.

وفيما يتعلق بتغطية التأمين الاجتماعي، تبلغ نسبة التغطية المرتبطة بأنظمة التقاعد لإجمالي العاملين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 32.3%، مقارنة بـ 88.3% في الدول المتقدمة، و47.5% في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، و9.1% فقط في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. أما بالنسبة للعاملين، فإن التغطية لا تتجاوز 42.9% في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي النسبة الأدنى مقارنة بدول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.

أما بالنسبة للعاملين لحسابهم الخاص، فإنها بالكاد تصل إلى 5% مقارنة بـ 64.4% في أوروبا والاتحاد الأوروبي، و18.8% في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. وعلاوة على ذلك، فإن 1.8% فقط من أفراد الأسرة المساهمين يستفيدون من التغطية الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع العلم أن هذه الفئة لا تزال ضعيفة من حيث التغطية، حتى في الدول المتقدمة، حيث تظل التغطية أقل من 18%.

كما ينعكس الضعف أيضًا في ضعف نسبة التغطية الاجتماعية لمن يعملون بدون عقد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي لا تتجاوز 9% مقارنة بـ 43.7% للعاملين الموسميين و85.1% للموظفين الحكوميين على التوالي.

-الواقع أن هناك ارتباطاً في حالة دول مجلس التعاون الخليجي، بين ارتفاع الدخول والافتقار للحماية المجتمعية، فرغم الدخول المرتفعة إلا أننا نجد فئات العمالة المهاجرة والعمالة المنزلية تفتقر لأنظمة حماية مجتمعية تسمح لهم بالاستفادة من أنظمة التقاعد.

أما في باقي الدول فنجد أن:

– اليمن والسودان وفلسطين وموريتانيا وسوريا لديها نصيب منخفض للفرد من الناتج المحلي الإجمالي للفرد بالتوازي مع نسب عالية من عدم التغطية الاجتماعية؛

– المغرب والأردن والعراق والجزائر وتونس لديها نصيب مرتفع نسبيًا  للفرد من  إجمالي الناتج المحلي الإجمالي ونسب منخفضة من عدم التغطية الاجتماعية، وخاصة الجزائر وتونس، وذلك بسبب تطورها النسبي من حيث تغطية أنظمة التقاعد للفئات النشطة؛

– أما بالنسبة للحالات المختلفة  التي لاتنطبق عليها القاعدة، فهي تظهر في ليبيا حيث توجد نسبة عالية من عدم التغطية الاجتماعية على الرغم من ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والذي يمكن تفسيره بأهمية العمالة المهاجرة التي لا تغطيها أنظمة التقاعد؛ 

– وفي مصر فنجد ارتفاع نسب الحماية الاجتماعية رغم تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وقد يعود ذلك لأهمية التوظيف في القطاع العام، والذي يوفر نسبة عالية من التغطية الاجتماعية.

كما يلاحظ انخفاض نسب العمالة غير المنتظمة في الدول النفطية، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، وبدرجة أقل في الجزائر وليبيا، نظراً للمساهمة المهمة لعائدات النفط في الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول. إلا أنها تفتقر بشدة إلى وجود غطاء حماية اجتماعية قوية نظرا لاعتمادها بنسب كبيرة على العمالة المهاجرة في قطاع البناء والعاملات المنزلية.

في حين تستفيد العمالة غير المنتظمة في دول كمصر والجزائر وتونس وليبيا بجزء من أنظمة الحماية الاجتماعية، بينما اليمن وسوريا من الدول التي تفتقر بصورة عالية لوجود غطاء اجتماعي، إلا أن ذلك يعني أن جزءاً كبيراً من العاملين في القطاع الرسمي يفتقرون لوجود نظام حماية اجتماعية في حين تكون نسبة العمالة غير المنتظمة ضعيفة بالأساس في المغرب والأردن.

*كذلك يرتبط وجود العمالة غير المنتظمة بالتطورات والتركيبة الديموجرافية للبلدان العربية ، فمثلاً الارتفاع في نسبة مكون الشباب يعني المزيد من الضغوط على أسواق العمل العربية حال وصولهم لسن سوق العمل مما يعني مزيداً من القطاعات والعمالة غير المنتظمة، فضلاً عن أن ارتفاع نسب المناطق الريفية وخاصة لبلدان ذات الثقل الديموجرافي المهم في المنطقة، مثل مصر (56.9٪)، والسودان (66.4٪)، واليمن (66٪)، فإن هذا يعني مستويات عالية مستمرة من العمالة غير المنتظمة، نظرًا لأهمية العمالة الزراعية في المناطق الريفية، والتي هي بالفعل غير منتظمة في البلدان النامية. هذا فضلاً عن ارتفاع نسب الهجرة من الريف إلى الحضر مما يشكل تحدياً على مدى قدرة السوق الرسمي على استيعاب تلك التغيرات. وضغطاً كبيراً على أسواق العمل الرسمية في المدن يجعلهاغير قادرة على مواجهة الطلب الإضافي من العمالة الناتجة عن هذه الحركة، وينتج عن ذلك أيضًا عشوائية العمل والمزيد من اللارسمية.

*كما أن ارتفاع نسب البطالة ترتبط بشكل طردي بانتشار سوق العمل غير المنتظم وخاصة بين فئات الشباب، أو النساء، أو الأشخاص ذوي الإعاقة، باعتبارها الفئات التي تواجه المزيد من صعوبات التوظيف، وبالتالي فهي أكثر تعرضًا للعمل غير المنتظم ونقص الحقوق الأساسية في العمل. وهنا تقسم الدول العربية لمجموعتين:                      موريتانيا وليبيا والسودان وتونس والجزائر ومصر، حيث مستويات الاقتصاد الخفي والبطالة مرتفعة؛

جميع دول مجلس التعاون الخليجي، أي الإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين والمملكة العربية السعودية والكويت وقطر، حيث مستويات البطالة والعمالة غير المنتظمة منخفضة.

*كما يُمكن الاعتماد على مؤشر عدم وجود حساب جار بالبنوك كدليل على وجود العمالة غير المنتظمة وهو مايلقي الضوء على أهمية الشمول المالي، فضلاً عن أهمية تقديم حزم وبرامج لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة مالياً بما يُساهم في تراجع العمالة غير المنتظمة.

 

رابعاً:جهود الدولة المصرية للتعامل مع ظاهرة العمالة غير المنتظمة:

  • نظرة عامة على الوضع الراهن:

– وفقاً لبحث القوى العاملة المصرية للربع الأول من عام 2024 الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد ارتفعت قوة العمل خلال الربع الأول لعام 2024 بنسبة 1% لتصل إلى 31.1 مليون عامل وهذا انعكس في زيادة عدد المشتغلين ليصل عددهم إلى نحو 29.2 مليون فرد، بينهم 18.7 مليون عامل يعملوا في القطاع غير المنتظم أي ما يقارب 60% من القوى العاملة في مصر، وتتركز معظم تلك العمالة غير المنتظمة في قطاعات الزراعة والصيد، والتشييد والبناء والمحاجر، والنقل.

ووفقاً للاحصاءات فإن العمالة غير المنتظمة  في مصر تتركز في 12 مهنة أساسية :(عمال المقاولات العامة، عمالة الخدمات، الزراعة، المناجم، المحاجر، الملاحات ، الآثار، البحر، الصيد، الموانئ، العمل بمنشآت موسمية، ميادين “مهن الباعة الجائلين”).

 – أن معظم العمالة غير المنتظمة ليست مشتركة في نظام التأمين الاجتماعي حيث لا تتعدى نسبة 18% من إجمالي المؤمن عليهم، ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها: عدم انتظام الدخل، أو عدم رغبة صاحب العمل أو العامل في تحمل عبء الاشتراك التأميني، أو ضعف القدرة الاقتصادية لتلك العمالة وبالتالي رغبتها في الاحتفاظ بعائدها الشهري كاملاً بدلا من استقطاع جزء منه لتتمتع بمزاياه عند الوصول إلى سن الشيخوخة، بالإضافة إلى عدم الوعي بأهمية الانضمام لمنظومة الحماية.

– وفقاً لتقرير البنك الدولي  حوالي 68% من العمال غير المنتظمين في عام 2012 يعملون في القطاع غير الرسمي حتى عام 2018، بينما أصبح 19% عاطلين عن العمل أو تركوا قوة العمل، وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي. وأشار تقرير آخر للبنك إلى أن حوالي 16% من العمال غير المنتظمين أصبحوا عمالًا رسميين، و24% من العمال الرسميين أصبحوا عمالًا غير منتظمين في مصر، بين عامي 2012 و2018. فضلا عن أن نصف العمال غير المنتظمين في مصر فقدوا وظائفهم بين فبراير 2020 وفبراير 2021 بسبب جائحة كوفيد-19، في حين دفع تأثير الحرب الأوكرانية المزيد من الناس إلى الفقر.

كما تُظهر بيانات البنك الدولي أن 31 % من العمال غير المنتظمين في مصر حاصلون على شهادات جامعية، ويشير المصريون العاطلون عن العمل إلى استعدادهم للعمل برواتب أقل بنسبة 20% مقابل الحصول على وظيفة بالقطاع الخاص الرسمي.

  • جهود الحكومة المصرية للتعامل مع هذه الظاهرة:
  • مع تسجيل التضخم لمعدلات مرتفعة اقتربت من 32% ومانتج عنه من ارتفاع مستوى الفقر وبالتالي زيادة في المشاريع غير الرسمية تنفذ الحكومة المصرية برامج مساعدات تفيد 25% من أفقر الأسر في مصر وتغطي سجلات الضمان الاجتماعي في البلاد أكثر من 50 % من السكان. وزادت ميزانية الحكومة المخصصة للدعم وشبكات الضمان الاجتماعي من 358.4 مليار جنيه مصري في السنة المالية 2022/2023 إلى 529.7 مليار جنيه مصري (حوالي 17.1 مليار دولار) في السنة المالية 2023/2024. وتنفق مصر 10.9% من ناتجها المحلي الإجمالي على الضمان الاجتماعي، وفقًا للبنك الدولي.
  • جهود البنك المركزي المصري لتحقيق الشمول المالي بما يساهم في دمج العمالة غير المنتظمة في القنوات المصرفية الرسمية أو شبه المصرفية، فلقد نما الشمول المالي في مصر مؤخرًا بنسبة 147 %، وأصبح لدى أكثر من 42 مليون مصري في العام 2023/2024 حسابات مصرفية. وهو يعكس التطور عن العام 2021 فوفقاً لبيانات الشمول المالي للبنك الدولي لعام 2021، افتقر 61 % من المصريين إلى الحسابات المصرفية بسبب عدم كفاية الأموال. وفي الوقت نفسه، قام 20%فقط من المصريين بإجراء أو استلام أي مدفوعات رقمية في عام 2021.
  • اتخذت الحكومة بالفعل عدة قرارات لدعم العمالة غير المنتظمة، ومنها حصر أعداد العمالة وتسجيل بياناتهم، وحسب تصريح وزارة القوى العاملة فإن هذه الخطوة “تستهدف بناء قاعدة بيانات حقيقية من أرض الواقع ترتكز على استهداف قطاعات وفئات العمالة غير المنتظمة التي تعمل داخل القطاعين الرسمي وغير الرسمي على عدة مراحل، حيث إن عدد المستهدفين في المرحلة الأولى يبلغ 2.5 مليون عامل”. 
  • أطلقت الدولة أول منظومة للتأمين الاجتماعي والصحي للعمالة غير المنتظمة في مصر، في الأول من يوليو 2021، في إطار سعي الدولة إلى توفير الحماية التأمينية للعمالة غير المنتظمة.
  • تم تشكيل لجنة مركزية لمتابعة تشغيل ورعاية العمالة غير المنتظمة، وتختص هذه اللجنة برسم سياسات الدولة لتشغيل ورعاية العمالة غير المنتظمة ومتابعة تنفيذها، وبحث مشكلاتهم، ووضع اقتراحات الحلول المناسبة.
  • أطلقت الدولة المصرية شهادة “أمان” عام 2018 للتأمين على حياة العمال المؤقتين والموسميين. وتدمج الشهادة بين شهادة الادّخار ووثيقة التأمين، فيحصل المشتري على شهادة بفائدة 16% لمدة 3 سنوات، قابلة للتجديد 3 مرات، أي أن الحد الأقصى للشهادة 9 سنوات، وفي نفس الوقت، تحصّل شركة التأمين جزءًا من الفائدة، لتٌتيح لأصحاب الشهادات تأمينًا في حالة الوفاة الطبيعية، أو بسبب حادث، حده الأدنى 10 آلاف جنيهاً، وحده أقصى 250 ألف جنيهاً. غير أن خبراء شددوا على ألا يجب أن تكون الشهادة بديلاً عن وضع نظام تأمين اجتماعي شامل للعمالة غير المنتظمة، ورأوا أنها بالأساس أداة تجارية في إطار سعي الدولة نحو توسيع قاعدة المواطنين المتعاملين مع النظام البنكي (الشمول المالي) وتنشيط الحركة المصرفية.
  • سلمت وزارة القوى العاملة في الفترة من يناير 2021 حتى 28 مارس 2021، نحو 184.7 ألف وثيقة للتأمين التكافلي ضد الحوادت الشخصية.
  • وفي سياق متصل، نفذت الدولة عدة مبادرات لتحسين أوضاع العمالة غير المنتظمة، ومن أهمها: المبادرة الرئاسية «بر أمان» لحماية ودعم صغار الصيادين، ومبادرة «تتلف في حرير» التي تستهدف تقديم الدعم الفني لتطوير التصميمات المستخدمة في صناعة السجاد اليدوي ومبادرة «طريقك أمان» لحماية العاملين في مجال خدمات التوصيل.
  • كما أطلقت الدولة مبادرة التمكين الاقتصادي للعمالة غير المنتظمة، والتي تستهدف توفير فرص عمل الإجمالي 30 ألف مستفيد في 16 محافظة الأكثر عددًا في العمالة غير المنتظمة، وفي إطار مشروع التدريب المهني «برنامج طفرة» فقد تم تدريب عدد 3000 عامل وعاملة في المحافظات، كمرحلة أولى.
  • مشروع قانون العمل الجديد، والذي نص ولأول مرة، على “إنشاء صندوق للعمالة غير المنتظمة تكون له الشخصية الاعتبارية العامة ويتبع الوزير المختص، ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتشكيل مجلس إدارة الصندوق برئاسة الوزير المختص ويحدد اختصاصاته، والرسوم المقررة ونظام تحصيلها من صاحب العمل الذي يستخدم العمالة غير المنتظمة بما لا يقل عن 1% ولا يزيد على 3% مما تمثله الأجور من الأعمال المنفًذة”.  كما حدد القانون الفئات المستفيدة من امتيازات العمالة غير المنتظمة منها: العمالة المؤقتة بالزراعة وملاك الأراضي الزراعية غير الحائزين لها ممن تقل ملكيتهم عن فدان، وعمالة الشوارع وصغار المشتغلين لحساب أنفسهم كالباعة الجائلين وغيرهم، وعمالة المنازل و قراء القرآن الكريم وخدًام الكنيسة.
  • واستجابة مع تداعيات جائحة كورونا تم تشكيل لجنة وزارية تعني بدعم العمالة المتضررة ، حيث صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2183 لسنة 2020، بتشكيل لجنة وزارية تعنى بدعم العمالة المتضررة من تداعيات «كوفيد- 19»، والعمل على إعداد استراتيجية وطنية لحماية ورعاية العمالة غير المنتظمة .وفي سبيل تحديد المستفيدين من هذا الدعم، تم تأسيس قاعدة بيانات موحدة للمتضررين المتقدمين للحصول على منحة “كوفيد-19”. وخصصت وزارة المالية أكثر من 5.3 مليارات جنيهاً لصرف المنحة الاستثنائية للعمالة غير المنتظمة، وجرى صرف منحة قدرها 1500 جنيه على 3 أشهر بواقع 500 جنيه لكل شهر منذ بداية الجائحة، حتى فبراير 2021.

 

…………………………………………………..

 

المراجع

*منظمة العمل الدولية

-الحوار الاجتماعي   https://solifem.ilo.org/ar     

-التوصية رقم 204/ بشأن الانتقال من الاقتصاد غير المنظم إلى الاقتصاد المنظم

https://www.ilo.org/sites/default/files/wcmsp5/groups/public/@ed_norm/@normes/documents/normativeinstrument/wcms_386775.pdf  

* الحماية الاجتماعية والعمالة غير المنتظمة- فاطمة أحمد بكر

https://aial.journals.ekb.eg/article_244865_88d4da5ab405603d547141d7a9881665.pdf      

* نحو مسار منتج وشامل استحداث فرص العمل في المنطقة العربية

https://www.unescwa.org/sites/default/files/pubs/pdf/productive-inclusive-path-job-creation-arab-region-arabic.pdf  

*تقرير شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية:

    INFORMAL LABOR IN THE ARAB COUNTRIES THROUGH INTERNATIONAL STATISTICAL INDICATORS AND DATA, Dr. Azzam Mahjoub University Professor and International Expert Mohamed Mondher Belghith, https://www.annd.org/uploads/summernote/71614356401.pdf   

  Informal middle-class workers: the missing middle Working paper  series on the middle class, ESCWA-UN,

file:///C:/Users/user/Downloads/middle-class-arab-countries-    working-paper-4.pdf

 EGYPT World Bank Issues Brief – No. 2 1.  – Informal is new Normal , https://www.worldbank.org/content/dam/Worldbank/Feature%20Story/mena/Egypt/Egypt-Doc/egy-jobs-issue-brief-2-ENG-ARA.pdf

 *العمالة غير المنتظمة في مصر: مبادرات عديدة وحصاد محدود 2 مايو 2023   – حلول للسياسات البديلة

https://aps.aucegypt.edu/ar/articles/993/irregular-employment-in-egypt-multiple-initiatives-meager-results  

 

The post العمالة غير المنتظمة…… مفاهيم..مؤشرات..حلول appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
8125
جريمة الإبادة الجماعية وانتهاك القوانين الدولية..”غزة نموذجا” https://draya-eg.org/2024/04/01/%d8%ac%d8%b1%d9%8a%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%a8%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%aa%d9%87%d8%a7%d9%83-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d8%a7%d9%86%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d9%86%d9%85%d9%88%d8%b0%d8%ac%d8%a7/ Mon, 01 Apr 2024 20:58:53 +0000 https://draya-eg.org/?p=7808 على الرغم من حداثة مصطلح ” الإبادة الجماعية ” فى سياق القانون الدولي وكونه يُمثل خطوة هامة فى تطوير القانون الجنائي الدولي لحماية حقوق الإنسان وكرامته، إلا أن ظاهرة القتل الممنهج للأفراد والجماعات قائمة منذ القدم. فقد شهد العالم عبر التاريخ العديد من الجرائم والانتهاكات الدولية التى أودت بحياة الملايين، وألحقت خسائر مادية ومعنوية هائلة، …

The post جريمة الإبادة الجماعية وانتهاك القوانين الدولية..”غزة نموذجا” appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
على الرغم من حداثة مصطلح ” الإبادة الجماعية ” فى سياق القانون الدولي وكونه يُمثل خطوة هامة فى تطوير القانون الجنائي الدولي لحماية حقوق الإنسان وكرامته، إلا أن ظاهرة القتل الممنهج للأفراد والجماعات قائمة منذ القدم. فقد شهد العالم عبر التاريخ العديد من الجرائم والانتهاكات الدولية التى أودت بحياة الملايين، وألحقت خسائر مادية ومعنوية هائلة، وهددت الأمن الدولي والسلم والتعايش المجتمعي، ولاتزال تلك الجرائم  تُشكل تهديدًا خطيرًا للبشرية.

وللتصدي لجريمة البشعة التي تُخلف تداعيات كارثية، خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة والذى يُحتفل به في التاسع من ديسمبر من كل عام بموجب قرارها رقم  69/323 لعام  2015، حيث يهدف هذا القرار إلى حث جميع الدول الأعضاء والمراقبين وجميع المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وكذلك المنظمات الدولية والأفراد لإحياء هذا اليوم العالمي ورفع الوعي حول اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية التى أقرتها الأمم المتحدة فى  9 ديسمبر 1948، معتبرة “الإبادة الجماعية” بمثابة جريمة دولية تتعهد الدول المُوقعة عليها “بمنعها والمعاقبة عليها”.

وفى هذا السياق، يُصدر المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية ” دراية ” تقريرا يتناول لمحة تاريخية عن جرائم الإبادة الجماعية، وأبرز تلك الجرائم المُرتكبة فى التاريخ الحديث، ويبحث بشكل تفصيلى فى أنواعها وجهة المحاكمة والعقوبات واجبة التطبيق فى هذا الشأن. كما يسلط  التقرير الضوء على انتهاكات دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني الأعزل الذى يتعرض لأقصى صور الإبادة الجماعية على مر التاريخ، وخاصة بعد  السابع من أكتوبر 2023، وموقف مصر من تلك الممارسات غير الشرعية، وأخيرا سبل تعزيز الجهود الرامية للتصدي لجرائم الإبادة الجماعية وبناء مجتمعات خالية من هذه الجرائم الوحشية، وذلك من خلال عدد من المحاور تشمل :

أولا: لمحة تاريخية عن جرائم الإبادة الجماعية وأبرزها حديثًا.  

ثانيا: أنواع جرائم الإبادة الجماعية وجهة المحاكمة والعقوبات واجبة التطبيق.

ثالثا: الفرق بين الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

رابعا: إسرائيل والإبادة الجماعية.

خامسا: موقف مصر من ممارسات إسرائيل المخالفة للشرعية الدولية.

 سادسا: منع جريمة الإبادة الجماعية مسئولية تتطلب تعزيز الجهود. 

أولا: لمحة تاريخية عن جريمة الإبادة الجماعية وأبرزها حديثًا

تُعتبر جريمة الإبادة الجماعية من الجرائم التى تمتد جذورها عبر التاريخ، غير أن أول ظهور لمصطلح “الإبادة الجماعية” جاء فى عام 1944 على لسان المحامي البولندي “رافائيل ليمكين” لوصف الجرائم التى ارتكبها النازيون ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أطلق “ليمكين” هذا المصطلح وأخذ عن الاصطلاحيين اليونايين Genos ويعنى الجماعة أو الجنس، و Cide ويعنى القتل، وجمع بينهما فى كلمة واحدة “Genocide” أى “إبادة الجنس” أو “قتل الجماعة” واعتبرها جريمة الجرائم Crime of crime.

ثم أقرت الأمم المتحدة اتفاقية تقضي بمنع جرائم الإبادة الجماعية فى عام  1948، وتناولت المادة الثانية من الاتفاقية تعريف جريمة الإبادة الجماعية على أنها :”أيا من الأفعال التالية المُرتكبة بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين مثل: قتل أعضاء الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بأعضاء الجماعة، إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليا أو جزئيا، فرض إجرءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة، نقل أطفال من الجماعة بالإكراه من جماعة إلى أخرى”.

وتؤكد الاتفاقية على أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد الأطراف ’’بمنعها والمعاقبة عليها‘‘ (المادة 1)، وتقع المسئولية الأساسية في منع الإبادة الجماعية ووقفها على عاتق الدولة التي تقع فيها هذه الجريمة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن التطور الدولي والقانوني للمصطلح تركز حول فترتين تاريخيتين بارزتين: الفترة الأولى وهي الفترة التي بدأت منذ صياغة المصطلح وحتى قبوله كقانون دولي (1944-1948) بعدما خلفت الحرب العالمية الثانية ملايين الضحايا المشاركين فى الحرب والمدنيين أيضا، وقد أصبحت اتفاقية الأمم المتحدة بشأن منع ومعاقبة الإبادة الجماعية سارية المفعول في 12 يناير 1951، بعد تصديق أكثر من 20 بلدًا حول العالم عليها. والفترة الثانية هي فترة تفعيله في ظل تأسيس المحاكم العسكرية الدولية للبت في جرائم الإبادة الجماعية (1991-1998).

  • أبرز جرائم الإبادة الجماعية فى التاريخ الحديث:

الإبادة الجماعية فى البوسنة والهرسك: وقعت هذه الجريمة فى حقبة التسعينيات حيث شن الرئيس الصربى سلوبودان ميلوسيفيتش هجوما وحشيا على البوسنة اثر إعلانها الاستقلال ، وقد راح ضحية هذه الحرب ما يقرب من 100 ألف شخص غالبيتهم من المسلمين .واتسمت هذه الجريمة بالوحشية الشديدة واللانسانية حيث شهدت هذه المجازر عمليات إعدام جماعية للرجال وإغتصاب جماعى للنساء .

وفي 25 مايو 1993، وبينما كان الصراع لا يزال مستمراً، أنشأت الأمم المتحدة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، في لاهاي بهولندا، لمحاكمة مرتكبي الفظائع ، حيث وجهت المحكمة الاتهام لـ161 شخصا من بينهم الصرب والبوشناق والكروات، وأُدين 90 شخصاً، كان أبرزهم رادوفان كاراديتش، رئيس جمهورية “صرب البوسنة” السابق، وسلوبودان ميلوسيفيتش، رئيس صربيا السابق، وراتكو ملاديتش، قائد جيش جمهورية صرب البوسنة السابق.

الإبادة الجماعية فى رواندا: وقعت هذه الحروب فى عام 1994 وذلك عقب مصرع رئيس رواندا جوفينال هابياريمانا والذى ينتمى الى قبيلة الهوتو إذ شنت قبائل التوتسى والهوتو حربا أهلية طاحنة راح ضحيتها ما يزيد عن المليون شخص . وفى أعقاب هذه الحرب قام مجلس الأمن الدولى بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية برواندا والتى يقع قرها الحالى فى أروشا بتنزانيا .

وفى عام 1998 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أول حكم إدانة بالإبادة الجماعية في العالم يصدر عن محكمة دولية عندما أدانت “جان بول أكاسيو” بالإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية عن مجمل الأعمال التى شارك فيها وأشرف عليها كعمدة لبلدة تابا فى رواندا. وبحلول عام 2007 كانت المحكمة قد أصدرت 27 حكما على 33 متهما.

الإبادة الجماعية فى دارفور بالسودان: بدأ هذا النزاع عام 2003 بين متمردى الاقليات العرقية الإفريقية وحكومة الرئيس السودانى السابق عمر البشير وهو النزاع الذى أسفر عن حرب أهلية مريرة راح ضحيتها 300 ألف شخص وتم تشريد ما يزيد عن 2.5 مليون شخص .

وأثناء حرب 2003، استعان البشير لمساندة قواته بمليشيات “الجنجويد” التي شكّلت بعد ذلك نواة قوات الدعم السريع التي أنشئت رسمياً في عام 2013 وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق البشير وبعض مساعديه لاتهامهم بارتكاب “إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.

الإبادة الجماعية فى قطاع غزة: تعرض قطاع غزة ولايزال يتعرض حاليا لجميع أشكال الإبادة الجماعية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن، حيث قُتل أكثر من 33 ألف فلسطيني، وأُصيب أكثر من 80 ألف فلسطيني، ونزح قرابة 2 مليون فلسطيني (85% من سكان القطاع) من منازلهم قسرا، واُعتقل أكثر من 11 ألف فلسطيني. 

وعلى إثر هذه الانتهاكات والجرائم البشعة بحق الفلسطينين العزل أصحاب الأرض، مثلت إسرائيل فى يناير 2024 أمام محكمة العدل الدولية مُتهمة من قبل جنوب إفريقيا بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، وهو ما سوف نُسلط عليه الضوء لاحقا فى هذا التقرير.

ثانيا: أنواع جرائم الإبادة الجماعية وجهة المحاكمة والعقوبات واجبة التطبيق

  • أنواع الإبادة الجماعية :

تتسم جرائم الإبادة الجماعية بأنها جرائم تتطور بتطور الأسلحة ذات التدمير الشامل، كما أنها جرائم تتوسع بشكل مستمر بسبب انتشار الحروب الأهلية فى العديد من الدول، ويمكن إيجاز أبرز أنواع الإبادة الجماعية فى الآتى :

1- الإبادة الجسدية : وتعنى قتل الجماعات بالغازات السامة أو الإعدام أو دفن الأحياء والقصف بالطائرات أو الصواريخ وغيرها من أسلحة الدمار الشامل .

2- الإبادة البيولوجية : وهى تتمثل فى تعقيم الرجال وإجهاض النساء بوسائل مختلفة والتدخل فى تغيير الخلقة الإنسانية لاهداف سياسية ودينية للقضاء على العنصر البشرى .

3- الإبادة الثقافية : والتى تتمثل فى فرض عدم التحدث باللغة الوطنية والإعتداء على الثقافة القومية ..

  • جهة التقصي والمحاكمة:

أ-محكمة العدل الدولية: وهي ذراع تابع للأمم المتحدة يهدف لحل النزاعات بين الدول (أكبر هيئة قضائية في منظمة الامم المتحدة) ومقرها لاهاي بهولندا وتتألف من 15 قاضيا يتم انتخابهم لولاية مدتها تسع سنوات من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ، ولا يمثل أعضاء المحكمة حكوماتهم بل هم قضاة مستقلون. وتتعامل المحكمة مع النزاعات بين الدول ولا تستطيع النظر فى النزاع إلا عندما يُطلب منها ذلك من قبل دولة واحدة أو أكثر، ويمكنها أن تقرر ما إذا كانت الدول مسئولة عن الإبادة الجماعية، فلا يتقاضى أمام محكمة العدل الدولية إلا دولا ولا تنظر إلا في قضايا التعويضات ولا تحاكم جنائياً الأشخاص.

وتعتبر القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية مُلزمة قانونا ولا يمكن الطعن فيها، لكن المحكمة لا تملك سلطة واسعة لتنفيذ أحكامها، ويمكن اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي في حالة عدم قيام دولة بالالتزام بها.

ب-المحكمة الجنائية الدولية: وهي هيئة مستقلة عن الأمم المتحدة ومقرها فى هولندا، وتختص بمحاكمة الأفراد -وليس الدول- المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء. ولا تستطيع القيام بدورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القاضيا. وليس للمحكمة قوة شرطة خاصة بها لتعقب واعتقال المشتبه بهم، وتعتمد على خدمات الشرطة الوطنية لإجراء اعتقالات والسعي إلى نقلهم إلى لاهاي. وقامت المحكمة الجنائية بفتح تحقيقات في أربع قضايا رئيسية: أوغندا و‌جمهورية الكونغو الديمقراطية و‌جمهورية أفريقيا الوسطى و‌دارفور. ولدى المحكمة مذكرة توقيف معلقة بحق الرئيس السوداني عمر البشير – وهي الأولى التي صدرت ضد رئيس دولة كان لا يزال في منصبه، حيث وجهت له ثلاث تهم بالإبادة الجماعية وتهمتين بارتكاب جرائم حرب وخمس تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

  • العقوبات: وعن العقوبات الواجبة التطبيق بحق مرتكبي الإبادة الجماعية، فإن المادة 77 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تنص على أنه للمحكمة أن توقع على الشخص المُدان إحدى العقوبات التالية:

أ-السجن لعدد محدد من السنوات لفترة أقصاها 30 سنة.

ب-السجن المؤبد حيثما تكون هذه العقوبة مبررة بالخطورة البالغة للجريمة وبالظروف الخاصة للشخص المُدان.

وبالإضافة إلى السجن، للمحكمة أن تأمر بما يلي:

أ-فرض غرامة بموجب المعايير المنصوص عليها فى القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات.

ب-مصادرة العائدات والممتلكات والأصول الناتجة بصورة مباشرة أو غير مباشرة من تلك الجريمة.

وحسب المادة الرابعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، فإنه “يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا”.

كما تنص جميع الاتفاقيات المتعلقة بـ”الإبادة الجماعية” على أنها “جرائم لا تخضع للتقادم، ومرتكبوها لا يستفيدون من الحصانة، إذ تتم ملاحقة كل شخص ارتكبها أو أمر بارتكابها دون النظر إلى منصبه، سواء كانوا حكاما أو موظفين عامين أو أفرادا غير مسؤولين، وفق المادة الرابعة والمادة الثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية”.

وهنا لابد من الإشارة إلى ﻣﺒﺪأ ﻋﺎلمية ﺣﻖ اﻟﻌﻘﺎب، بمعنى أن ﻟﻜﻞ دوﻟﺔ الحق في ﻋﻘﺎب ﻣﺮﺗﻜﺒﻬﺎ دون اﻟﻨﻈﺮ إلى ﺟﻨﺴﻴﺘﻪ أو إلى ﻣﻜﺎن ارﺗﻜﺎﺑﻪ ﻟﻠﺠﺮيمة، وﻇﻞ ﻫﺬا اﻻﺧﺘﺼﺎص ممنوحا ﻟﻠﺪول ﺣتى إﻧﺸﺎء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، كما يلازم أيضا جريمة الإبادة الجماعية مبدأ عدم تقادم العقوبات الخاصة بها ، حيث أقرت الأمم المتحدة فى الإتفاقية الخاصة بعدم قابلية جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية للتقادم فى عام 1967 هذا المبدأ فى مادتها الأولى أيا كان تاريخ هذه الجرائم. 

ثالثا: الفرق بين الإبادة الجماعية والتطهير العرقي

عادة ما يتم الخلط بين التطهير العرقي والإبادة الجماعية، إلا أن هناك اختلاف بينهما يتضح كما يلي:

تطلق عبارة “التطهير العرقي” على كل محاولة لإنشاء مناطق جغرافية متجانسة عرقياً من خلال الترحيل أو التهجير القسري للأشخاص الذين ينتمون إلى مجموعات عرقية معينة، وفي أحيان كثيرة إزالة كافة الآثار المادية للجماعات المستهدفة من خلال تدمير الآثار والمقابر ودور العبادة، بحسب تعريف الأمم المتحدة. ومن ثَم فإن التطهير العرقي يرتبط بمحاولة إزالة مجموعات معينة من أراض معينة فاستخدام عدة أساليب تشمل القتل، التعذيب، الاعتقال التعسفي، الاغتصاب، الترحيل، والهجمات المتعمدة على المناطق المدنية.

وكما ذكرنا سابقا، فإن جريمة الإبادة الجماعية تُعرف على أنها :”أيا من الأفعال التالية المُرتكبة بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين مثل: قتل أعضاء الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بأعضاء الجماعة، إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليا أو جزئيا، فرض إجرءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة، نقل أطفال من الجماعة بالإكراه من جماعة إلى أخرى”.

وعليه، فإن الاختلاف بين الجريمتين يكمن فى نية مرتكب الجريمة، حيث إن الهدف الأساس للإبادة الجماعية هو محاولة القضاء على مجموعة معينة بناء على الجنسية أو العرق أو الاثنية أو الدين، فى حين إن الهدف الرئيس من التطهير العرقي هو إنشاء مجتمع عرقي صاف ومن أمثلة التطهير العرقي ما قامت به بورما فى 2017 بحق الأقلية المسلمة “الروهينجا” في أعقاب حملة قمع عسكرية أدت الى نزوح واسع النطاق لأفراد هذه الأقلية ووقوع أعمال قتل واغتصاب وحرق لأفرادها. 

رابعا: إسرائيل والإبادة الجماعية

لقد تجرأ الكيان الصهيوني على فعل ما يشاء بسبب عقود من الإفلات من العقاب، حيث إنه يدرك جيدا أنه لن يواجه أي عقوبات على ما يرتكبه من جرائم بشعة. فالعدوان الإسرائيلى المستمر على فلسطين يُعد نموذجا مثاليا لجرائم الإبادة الجماعية الممنهجة والممتدة عبر عقود من التاريخ أمام صمت عالمى غير مسبوق. فقد ارتكبت سلطات الاحتلال الإسرائيلى مئات المجازر التى أدت إلى قتل أكثر من 132 ألف شهيد فلسطيني منذ نكبة 1948 وحتى عام 2024،  بالإضافة إلى سقوط آلاف الجرحى وتدمير المنازل والبنى التحتية ومصادرة الأموال والأراضي الفلسطينية وطرد وتهجير قسري بحق أصحاب الأرض من الفلسطينيين ، واعتقال أكثر من مليون فلسطينى منذ عام 1967 وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطينيى. 

وعن عمليات الإبادة الجماعية التى قامت بها قوات الكيان الصهيوني، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مذبحة “بلدة الشيخ” التى وقعت فى ديسمبر 1947 وقٌتل فيها ما يزيد عن 600 قتيل بينهم نساء وأطفال وتم التمثيل بجثثهم ، ومذبحة “قرية سعسع” فى الجليل التى وقعت فى فبراير 1948 حيث تم نسف 20 منزلا على سكانها الفلسطينيين المحتمين بداخلها ، ومذبحة “دير ياسين” التى وقعت فى إبريل عام 1948 والتى استشهد فيها قرابة 360شهيدا ، ومذبحة قرية “أبو شوشة” فى مايو 1948 والتى شهدت استشهاد 426 فلسطينيا، ومذبحة “صبرا وشاتيلا” والتى وقعت فى ديسمبر عام 1982 والتى استمرت 36 ساعة بقيادة أرئيل شارون واستشهد فيها 3500 فلسطينيا ، ومذبحة “المسجد الأقصى” التى وقعت فى أكتوبر 1990 واستشهد فيها 21 فلسطينيا ، ومذبحة “الحرم الإبراهيمي” فى إبريل والتى استشهد فيها 35 فلسطينيا.

ومنذ السابع من أكتوبر عام 2023 وحتى الأول من إبريل عام 2024، تواصل دولة الاحتلال عدوانها الغاشم على قطاع غزة وارتكابها جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينين حيث تسببت في “دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة” عبر شن قصف مدفعي عنيف، وأحزمة نارية فى عدة مناطق من القطاع، فضلا عن تنفيذ جرائم مروعة ضد المدنيين، وسط وضع إنساني كارثي نتيجة الحصار ونزوح أكثر من 90 % من السكان.  

فبحسب بيانات جهاز الإحصاء الفلسطينى، استشهد قرابة 33237 فلسطينى فى قطاع غزة، منهم أكثر من 14 ألف طفل و 9220 إمرأة و1049 مسن، واستشهد نحو 453 فلسطيني فى الضفة، و364 شهيد من الطواقم الطبية، و135 من شهداء الصحافة، و246 من شهداء الكوادر التعليمية، و152 شهيد من موظفى الأونوروا، و48 من الدفاع المدني، وبلغ عدد المفقودين نحو 7000 منهم 4700 من الأطفال والنساء ، وعدد المصابين نحو 80048 شخصا، بالإضافة إلى نزوح أكثر من 2 مليون شخص واعتقال 11895 شخص وهدم وتضرر 360 ألف وحدة سكنية .

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني

واتسمت الهجمات الإسرائيلية تجاه شعب غزة الأعزل بالوحشية الشديدة حيث استهدفت بشكل أساسى النساء والأطفال، ومنعت وصول المساعدات الغذائية والإنسانية للمدنيين، وعمدت إلى تجويع وإذلال الفلسطينيين  وحرمانهم من أبسط احتياجاتهم الإنسانية الأساسية، وتدمير جميع مقومات بقائهم فى أرض وطنهم، وارتكاب أبشع المجازر بحقهم في الأحياء السكنية وفي المدارس والمستشفيات، باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، فى تحدٍ لكل قيم العدالة والقيم الدولية، فلم تكتفِ دولة الاحتلال بإحداث إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بل تخطط أيضا لتصعيد هجماتها بعملية عسكرية في رفح سيكون لها عواقب مروعة على المدنيين، وتعمد إلى تعريضهم لخطر الإبادة الجماعية.

وقد أشار المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى إجماع فقهاء القانون الدولي وخبراء الأمم المتحدة على أن ما يحدث في قطاع غزة يُمثل جريمة “إبادة جماعية” ينبغي أن يكون نقطة فاصلة من أجل محاسبة إسرائيل. وأبرز الأورومتوسطي الرأي القانوني الصادر عن 880 أستاذ قانون دولي حول العالم حيث حذروا فيه من ممارسة إسرائيل “جريمة إبادة جماعية” في قطاع غزة، علمًا بأن هذا الرأي صدر في 15 أكتوبر 2023، أي بعد أسبوع من بدء الحرب حيث كانت حصيلة الضحايا وحجم الدمار كان أقل بكثير من الحصيلة الحالية.

فقد أكد الرأي القانوني على الأدلة الدامغة بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية ضد المدنيين في قطاع غزة، بما في ذلك القصف العشوائي والهجمات غير المتناسبة بتدمير الأحياء السكنية، وفرض نهج التجويع والتعطيش وقطع الإمدادات الإنسانية بالكامل عن السكان المدنيين ، فيما أشار الأورومتوسطى الى أن حصار إسرائيل المستمر على غزة منذ عام 2006 مثل مقدمة لجريمة الإبادة الجماعية بوتيرة بطيئة، مدعومًا على مدار السنوات الماضية بالتحريض على ارتكاب جرائم بشعة، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولى.

ولفت المرصد إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين منذ بدء الحرب على غزة مثل وصف السكان المدنيين بأنهم “حيوانات بشرية” وأن غزة “لن تعود إلى ما كانت عليه من قبل”، مشيرا إلى أنها تعكس نوايا الكيان الصهيوني المبيتة بارتكاب جرائم إبادة جماعية عبر القتل المتعمد وتقييد الظروف الأساسية للحياة، إذ أنه بالتزامن مع الهجمات المكثفة وإسقاط أكثر من 25 ألف طن على قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلو مترًا مربعًا، أدلى مسئولون إسرائيليون بتصريحات تؤكد أن قتل المدنيين وتدمير منازلهم وأحيائهم هو “عمل مقصود وبقرار مسبق وليس بسبب اتخاذهم “دروعًا بشرية” كما تزعم الرواية الرسمية.

وقد أكد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن إحدى لجانه المستقلة الخاصة بإجراء تحقيقات تمكنت من جمع “أدلة واضحة” تُثبت ارتكاب جرائم حرب في الصراع الدائر من قبل الطرفين إسرائيل وحماس، وأن الشعب الفلسطيني “معرض لخطر الإبادة الجماعية”. 

ومن جانبها، قالت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المستقلة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، إن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، ودعت الدول إلى ضمان امتثال إسرائيل بالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

جاء ذلك في تقرير قدمته إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف قالت فيه إن إسرائيل ارتكبت ثلاثة أعمال إبادة جماعية وهي: التسبب في أذى جسدي أو نفسي خطير لأعضاء مجموعة من البشر، تعمد فرض ظروف معيشية على المجموعة بهدف تدميرها الجسدي كليا أو جزئيا وفرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل المجموعة.

وذكرت المقررة الخاصة أن إسرائيل دمرت غزة خلال خمسة أشهر من العمليات العسكرية. وقالت: “إن العدد المروع من الوفيات، والضرر الذي يتعذر جبره اللاحق بالناجين، والتدمير المنهجي لكل جانب ضروري لاستمرار الحياة في غزة – من المستشفيات إلى المدارس، ومن المنازل إلى الأراضي الصالحة للزراعة – والضرر الخاص الذي يلحق بمئات الآلاف من الأطفال والأمهات الحوامل والفتيات – لا يمكن تفسيره إلا على أنه يشكل دليلا ظاهريا على نية التدمير المنهجي للفلسطينيين كمجموعة”.

كما أكدت أن الدعوات إلى الإبادة العنيفة الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين من ذوي السلطة القيادية والموجهة للجنود المناوبين على الأرض هي بمثابة دليل دامغ على التشجيع الصريح والعلني لارتكاب الإبادة الجماعية.

دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية:

وفى تحرك دولي وللمرة الأولى التى تخضع فيها دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، قامت دولة جنوب إفريقيا برفع دعوى أمام المحكمة في 29 ديسمبر 2023 ضد إسرائيل المتعلقة بتطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة، متهمة إسرائيل بأن “أفعالها وأوجه تقصيرها تعتبر ذات طابع إبادة جماعية، لأنها ترتكب بالقصد المحدد المطلوب” لتدمير الفلسطينيين فى غزة  كجزء من القومية الفلسطينية الأوسع والمجموعة العرقية والإثنية”. كما تشير الدعوى إلى أن “سلوك إسرائيل من خلال أجهزة الدولة ووكلاءها وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل على تعليماتها أو تحت توجيهها أو سيطرتها ونفوذها، يشكل انتهاكاً لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين في غزة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية”.

وعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية لم تقض بوقف  فوري لإطلاق النار في غزة، إلا أنها طالبت إسرائيل باتخاذ إجراءات فورية لمنع حدوث إبادة جماعية، ويتضمن الحكم: “اتخاذ جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية، وضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بأي أعمال إبادة، ومنع ومعاقبة أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، اتخاذ جميع الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية، عدم التخلص من أي دليل يمكن أن يستخدم في القضية المرفوعة ضدها، تقديم تقرير للمحكمة خلال شهر بمدى تطبيقها لهذه التدابير والأحكام”.

وقالت المحكمة فى بيان لها إن “الوضع الخطير فى رفح يتطلب التنفيذ الفوري والفعال للتدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة بتاريخ 26 يناير 2024، التي تنطبق على جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك رفح” ، لكن “الوضع لا يتطلب الإشارة إلى تدابير مؤقتة إضافية” بشأن رفح”.

خامسا: موقف مصر من ممارسات إسرائيل المخالفة للشرعية الدولية

وفى تحرك عاجل من قبل الدولة المصرية انطلاقا من مساندتها الدائمة ودعمها المستمر للقضية الفلسطينية على كافة المستويات، وحرصها على فضح ممارسات الكيان الصهيوني، شاركت بمرافعتها في جلسات الاستماع العلنية أمام محكمة العدل الدولية التي تنظر في طلب الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتقديم رأي استشاري في عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وقد قدمت مصر مذكرة للمحكمة، كما قدمت مرافعة شفهية أمام المحكمة فى 21 فبراير 2024 .

تضمنت المرافعة الشفهية تأكيد اختصاص محكمة العدل الدولية بنظر الرأي الاستشاري، باعتبار الجمعية العامة للأمم المتحدة أحد الأجهزة المخولة وفقا لميثاق المنظمة بطلب رأي استشاري من المحكمة، ونظرا لأن الأمر يتناول الأبعاد القانونية للمستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، المخالفة لمبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية .

وفيما يتعلق بموضوع الرأي الاستشاري، تشمل المذكرة المصرية تأكيد عدم شرعية الاحتلال الاسرائيلي الذي دام أكثر من 75 عاما بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الانساني، وكذلك سياسات ضم الأراضي وهدم المنازل وطرد وترحيل وتهجير الفلسطينيين، بالمخالفة للقواعد الآمرة للقانون الدولي العام، ومنها حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحظر الاستيلاء على الأراضي من خلال استعمال القوة المسلحة كما تتضمن المذكرة رفض سياسات الاضطهاد والتمييز العنصري وغيرها من الممارسات الإسرائيلية، التي تنتهك بشكل صارخ مبادئ القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان .

وطالبت المذكرة والمرافعة المصرية المحكمة بتأكيد مسئولية إسرائيل عن كافة تلك الأفعال غير المشروعة دوليا، بما يحتم انسحاب إسرائيل بشكل فوري من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك مدينة القدس، وتعويض الشعب الفلسطيني عن الأضرار التي لحقت به نتيجة لتلك السياسات والممارسات غير المشروعة دوليا، فضلا عن مطالبة كافة دول العالم والمجتمع الدولي بعدم الاعتراف بأي أثر قانوني للإجراءات الإسرائيلية والكف عن توفير الدعم لاسرائيل، واضطلاع المنظمات الدولية والامم المتحدة بمسئولياتها في هذا الصدد .  

وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الآراء الاستشارية ليست قرارات ملزمة قانونيًا، إلا أنها تستطيع أن تُمكن الأمم المتحدة من اتخاذ إجراءات ضد الدولة المرتكبة للانتهاكات إذا أثبت الرأي انتهاك القانون الدولي.

سادسا: منع جريمة الإبادة الجماعية مسئولية تتطلب تعزيز الجهود

يواجه العالم تحديًا هامًا يتمثل في ضمان فعالية القوانين والإجراءات الدولية الرامية إلى منع جرائم الإبادة الجماعية بشكل نهائي. يتطلب ذلك الأمر مراجعة شاملة تأخذ بعين الاعتبار حماية البشر وكرامتهم، دون الاكتفاء بالتركيز على المصالح المشتركة بين الدول. وعلى دول العالم أن تبذل المزيد من الجهود لبناء مجتمعات قادرة على مقاومة الإبادة الجماعية وخالية من هذه الجرائم الوحشية من خلال التالي:

1-تقييم مدى فعالية القوانين الدولية الحالية في منع جرائم الإبادة الجماعي، وتحديد الثغرات والتناقضات في التشريعات الدولية.

2-اقتراح تعديلات تضمن التطبيق الصارم للقوانين وتُعزز من قدرتها على ردع الجرائم.

3-تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات بين الدول لضمان الكشف المبكر عن بوادر الإبادة الجماعية.

4-تشجيع الدول على سن قوانين وطنية تُجرم الإبادة الجماعية وتضمن محاكمة مرتكبيها.

5-وضع آليات فعالة لضمان حماية المدنيين من مخاطر الإبادة الجماعية.

6-تفعيل دور قوات حفظ السلام الدولية في التدخل لمنع وقوع جرائم الإبادة الجماعية، وتعزيز التعاون الدولي في مجال تسليم المجرمين.

7-التركيز على برامج التوعية والتعليم لمكافحة التعصب والكراهية، وتعزيز ثقافة احترام حقوق الإنسان وحماية الأقليات.

8-دعم جهود حل النزاعات سلميًا لمنع تفاقم الأزمات التي قد تؤدي إلى الإبادة الجماعية.

9- دعم تدخل الأمم المتحدة من قبل لجان تشكلها بدخول المناطق التى تشهد حروبا دولية أو أهلية للتأكد من عدم ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية .

المصادر

1- اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، موقع الأمم المتحدة، صكوك حقوق الإنسان

https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/convention-prevention-and-punishment-crime-genocide

2-محكمة العدل الدولية تبت في التدابير التي طلبتها جنوب أفريقيا بشأن ممارسات إسرائيل في غزة، موقع الأمم المتحدة https://news.un.org/ar/story/2024/01/1127962

3- لوسيا شولتن،“ ما فحوى دعوى “الإبادة الجماعية” ضد إسرائيل في العدل الدولية؟”، متاح على

 https://shorturl.at/fmDHP

4- زياد ربيع، جرائم الإبادة الجماعية، مجلة الدراسات الدولية

https://jcis.uobaghdad.edu.iq/index.php/politics/article/view/323

5- الوثيقة الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية : صحيفة الوقائع 3 / الملاحقة القضائية لمرتكبى جرائم الإبادة الجماعية / أغسطس عام 2000

https://www.amnesty.org/en/wp-content/uploads/sites/9/2021/06/ior400042000ar.pdf

6- الموقع الرسمى للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني https://www.pcbs.gov.ps/

7- الموقع الرسمى للمرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان

https://euromedmonitor.org/ar

 

 

The post جريمة الإبادة الجماعية وانتهاك القوانين الدولية..”غزة نموذجا” appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
7808
شيخوخة السكان.. قراءة في المؤشرات والتداعيات الاقتصادية https://draya-eg.org/2024/03/16/%d8%b4%d9%8a%d8%ae%d9%88%d8%ae%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%83%d8%a7%d9%86-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%a9/ Sat, 16 Mar 2024 22:21:59 +0000 https://draya-eg.org/?p=7734 تتزايد معدلات شيخوخة السكان فى العالم بشكل أسرع مما كانت عليه فى الماضي خاصة فى الدول النامية، فمن هم فى سن الـ60 عاما فما فوق يُشكلون نحو 12.3% من سكان العالم، وبحلول عام 2050 ستزيد النسبة إلى 22%، وذلك بحسب بيانات صادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA . فباتت كل دول العالم تشهد نموا …

The post شيخوخة السكان.. قراءة في المؤشرات والتداعيات الاقتصادية appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
تتزايد معدلات شيخوخة السكان فى العالم بشكل أسرع مما كانت عليه فى الماضي خاصة فى الدول النامية، فمن هم فى سن الـ60 عاما فما فوق يُشكلون نحو 12.3% من سكان العالم، وبحلول عام 2050 ستزيد النسبة إلى 22%، وذلك بحسب بيانات صادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA . فباتت كل دول العالم تشهد نموا فى أعداد كبار السن بين سكانها بفضل الارتقاء بالتغذية والنظافة الصحية والرعاية الصحية والتعليم والرفاه الاقتصادي.

ومن ثَم، يتوقع أن تكون الشيخوخة واحدة من أبرز التحولات الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، بل التحدي الديمغرافي العالمي الأكبر، انطلاقا من تأثيرها في جميع قطاعات المجتمع، بما في ذلك سوق العمل والأسواق المالية، والطلب على السلع والخدمات، مثل السكن والنقل والحماية الاجتماعية، فضلا عن البُنى الأسرية والروابط بين الأجيال.

وعلى الرغم من أن تزايد معدلات الشيخوخة فى العالم يُشكل تحديات اقتصادية واجتماعية للمجتمعات كافة، إلا أن وضع سياسات ملائمة للتعامل مع هذه الفئة، وإدماج قضاياهم فى برامج التخطيط واستراتيجيات الحد من الفقر كفيل بتمكين الأفراد والأسر والمجتمعات من مواجهة تلك التحديات بل وحصد مزاياها .

وإيماناً بأهمية فئة كبار السن وتقديراً لجهودهم وإسهاماتهم في عمليات التنمية وبناء المجتمعات، يُصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” ورقة بحثية تتناول واقع شيخوخة المجتمعات، من خلال رصد أبرز المؤشرات المتعلقة بأعداد المسنين عالميا وعربيا ومحليا، إلى جانب توضيح التداعيات الاقتصادية لشيخوخة السكان، وجهود الدولة المصرية لرعاية كبار السن، فضلا عن تقديم مقترحات لدعم احتياجات هذه الفئة الهامة فى المجتمع المصري، وذلك من خلال عدد من المحاور، تأتي على النحو التالي:

  • أولاً: مفهوم الشيخوخة وتقسيماتها العمرية.
  • ثانياً: أطر الوعي المجتمعي المتعلقة بحقوق كبار السن.
  • ثالثاً: مؤشرات وأعداد المسنين عالمياً وعربياً.
  • رابعاً: التداعيات الاقتصادية لشيخوخة السكان.
  • خامساً: مؤشرات الشيخوخة فى مصر.
  • سادساً: جهود الدولة المصرية لرعاية كبار السن.
  • سابعاً: مقترحات لدعم احتياجات كبار السن.

وقد توصلت الورقة إلى عدد من النتائج جاء أبرزها على النحو التالي:

  • في عام 2020، تجاوز عدد الأشخاص البالغين من العمر 60 سنة فأكثر عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات
  • بين عامي 2020 و2030، ستزداد أعداد سكان العالم الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما بنسبة 34%، فبحلول عام 2030، سيصل سدس سكان العالم إلى 60 عاما فما فوق.
  • من المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 سنة فأكثر ثلاثة أضعاف بين عامي 2020 و2050 ليصل إلى 426 مليون نسمة.
  • من المتوقع أن يصل عدد السكان في الفئة العمرية 65 سنة فأكثر في المنطقة العربية إلى 71.5 مليونًا بحلول عام 2050.
  • يتوقع أن ترتفع التكلفة الاقتصادية لمرض الخرف إلى 1,7 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030، أو 2,8 تريليون دولار أمريكي باحتساب الزيادات في تكاليف الرعاية. 
  • بلغ عدد المسنين فى مصر 9 ملايين مسن، بنسبة 8.6% من إجمالي السكان عام 2023.
  • بلغ عدد المسنين المشتغلين نحو 1.2 مليون مسن بنسب 13.4% من إجمالى المسنين.

 أولاً: مفهوم الشيخوخة وتقسيماتها العمرية

يتباين تعريف الشيخوخة من مجتمع لآخر، فتعنى كافة التغيرات البيولوجية والفيزيولوجية التي تصاحب التقدم فى العمر، وتتضمن انحدار القدرات الوظيفية للجسم، وهي حقيقة بيولوجية تحدث خارج نطاق التحكم البشري، وعلى الرغم من أن مفهوم الشيخوخة مفهوم نسبي، إلا أن معظم المجتمعات تعتبر التقدم في العمر وبلوغ سن التقاعد مؤشرًا على الشيخوخة.

ويُستخدم التقويم العمري لمعرفة متى تبدأ الشيخوخة، ويتم تقدير ذلك اعتمادًا على عدة مؤشرات علمية واجتماعية وبيولوجية، يمكن إجمالها على النحو الآتي:

  • العمر الزمني: وتحدده بعض المجتمعات بـ 60 عاماً فأكثر، وبعض المجتمعات الأخرى تحدده بـ 65 فأكثر.
  • العمر البيولوجي: وهي مجموعة التغييرات التي تحدث في الجسد بتقدم السن.
  • العمر المهني: ويأتي بحسب مرحلة وظيفية معينة مثل الوصول إلى منصب كبير أو التقاعد.
  • العمر الوظيفي أو الفيزيولوجي: ويمثل عمر وظائف الجسم وحيوية أجهزته كالقلب والرئة.. وغيرها.
  • العمر العقلي: وهو النمو والضمور العقلي المناسب لفئة المسن العمرية.
  • العمر النفسي: ويتضمن مفهوم الشخص الذاتي عن فئته العمرية.
  • العمر الاجتماعي: وهو ماذا يمثل المسن في مجتمعه وبين أفراده.

هذا وتختلف المصطلحات المستخدمة لوصف كبار السن اختلافاً كبيراً، حتى في الوثائق الدولية، فتشمل: “كبار السن”، و”المسنين”، “والأكبر سنا”، و”فئة العمر الثالثة”، و”الشيخوخة”، فعادة ما يعرف” كبار السن“، من منظور ديمغرافي، ّ بالأشخاص الذين ينتمون إلى فئات عمرية تنطلق ّ من سن الستين، ولدى البعض من سن الخمس ّ والستين، وكثيراً ما يقع الربط بين كبار السن والعمر القانوني للتقاعد، وذلك برغم الاختلاف بين الدول في السن القانونية للتقاعد التي تتراوح بالنسبة الى أغلب العاملين في القطاعين العام والخاص بين الستين والخمس والستين عاما.

كذلك يمكن تعريف المسن بأنه:  “كل إنسان أصبح عاجزاً عن رعاية نفسه وخدمتها، إثر تقدمه في العمر نتيجة مجموعة من التغيرات الجسمية والنفسية، كالضعف العام في الصحة، ونقص القوة العضلية، وضعف القوة الجسمانية والحواس وليس بسبب إعاقة عادية”، ويعرفه آخرون بأنه الشخص الضعيف الذي يحتاج إلى رعاية غيره بسبب امتداد عمره ومرافقة صفات الشيخوخة له من وهن أو ضعف أو عجز.

وفي ظلّ هذه الاجتهادات ّ المتعددة، اخترنا أن نعرف من هو فى سن الشيخوخة، أو كبير السن في إطار هذه الورقة البحثية بأنّه كلّ شخص بلغ ستين سنة فما فوق كما تعتمده منظّمة الصحة العالمية وغيرها من المنظّمات المعنية الأخرى. 

ثانياً: أطر الوعي المجتمعي المتعلقة بحقوق كبار السن

يعانى من هم فى سن الشيخوخة أو كبار السن جملة من المشاكل والصعوبات على كافة المستويات الاجتماعية والصحية والنفسية تجعل من السهل تعرضهم للاعتداء وانتهاك الحقوق والإهمال حال تعرضهم للمرض ، وهو ما استدعى المؤسسات الدولية المعنية إلى اتخاذ عدد من الإجراءات والمواثيق التى تضمن حماية هذه الفئة من الفقر ودمجهم فى تحقيق خطط  تنمية المجتمعات وضمان تمتعهم بالحماية الصحية والاجتماعية.

وتبرز أهم ملامح نضح الوعي المجتمعي على المستوى الدولي بمجال حقوق كبار السن من خلال مجموعة من التوصيات والمؤتمرات الدولية، يأتي من بين أهمها:

  • توصية منظمة العمل الدولية رقم 162 لسنة 1980 بشأن العمال من كبار السن: حيث أكدت هذه التوصية على مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة بين العمال مهما كان سنهم ومنع التمييز في الاستخدام والمهنة مع تحسين ظروف وبيئة العمل بهدف تمكين كبار السن من العمال من الاستمرار في العمل بشروط مقبولة والإعداد للتقاعد وكيفية تيسيره بطريقة اختيارية للعامل.
  • خطة عمل فيينا الدولية للشيخوخة 1982: وقد قامت هذه الخطة على مبادئ أساسية أهمها رفاة السكان جميعاً، مع ضرورة الإنصاف بين كل الفئات العمرية والعمل من أجل مجتمع تتكامل فيه الأجيال من دون الاستغناء عن أي فئة عمرية مع ضرورة الاهتمام بقضايا التزايد السكاني ووضع الخطط والسياسات لمواجهتها.
  • توصية المؤتمر الدولي الذي انعقد في مكسيكو ستي عام 1984: حيث قدم المؤتمر توصية بضرورة قيام الدول بالاهتمام بالمسنين لا باعتبارهم فئة تبعية تلقي بثقلها على المجتمع، بل باعتبارهم مجموعات قدمت معونات كبرى إلى الحياة الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والثقافية لعوائلها وما زالت تستطيع أن تقدم ذلك.
  • إعلان مبادئ الأمم المتحدة حول كبار السن عام 1991: حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 91/46 المؤرخ في 1991/12/16 ثمانية ّ عشر استحقاقاً حيوياً لفائدة كبار السن، تتعلق بالاستقلالية والمشاركة والرعاية وتحقيق الذات والكرامة، ومن ضمن المبادئ ما يلي:
  • أن تتاح لكبار السن فرصة عمل أو فرص أخرى مدرة للدخل، وتمكينهم من المشاركة في تحديد وقت الخروج من القوى العاملة، وكذلك إمكانية الاستفادة من برامج التعليم والتدريب الملائمة.
  • أن يظل كبار السن مندمجين في المجتمع، وأن يشاركوا بنشاط في صياغة وتنفيذ السياسات التي تؤثر مباشرة في رفاههم.
  • أن يستفيد كبار السن من رعاية وحماية الأسرة والمجتمع المحلى، وأن تتاح لهم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية لمساعدتهم على حفظ أو استعادة المستوى الأمثل من السلامة الذهنية والجسمانية ووقايتهم من الأمراض أو تأخير إصابتهم بها.
  • تمكين كبار السن من استغلال إمكاناتهم، وتمكينهم من العيش بكرامة وأمن ودون الخضوع لأي استغلال أو سوء معاملة جسديًا أو ذهنيًا.
  • برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية – القاهرة 1994: فقد مثل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية نقلة نوعية وعالمة فارقة في الفكر السكاني التنموي، وأرسى طرقاً واضحة في التعامل مع القضايا السكانية بشكل جعل من الإنسان الغاية القصوى لكل فعل تنموي، واعتبر أن كل فرد من أفراد المجتمع عضواً مهماً، وشدد على الالتزام الجماعي والفردي باحترام حقوق الإنسان في بعدها الكوني، ونبذ كل أشكال التمييز والتهميش والإقصاء، وعلى الرغم من أن مؤتمر القاهرة الدولي للسكان والتنمية 1994 لم يخصص برنامج عمل خاصاً بكبار السن والشيخوخة، إلا أنه تناول هذه ّ الفئة من منظور ديمغرافي ومن خلال تحول الهيكلة السكانية للمجتمعات وما تفرضه من تحديات، كما استعرض في أحد فصوله دور الأسرة في رعاية مسنّيها، وحمايتهم من كل أشكال العوز والاحتياج، وتأمين حقوقهم في الرعاية الصحية والاجتماعية ّ والنفسية.
  • خطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة 2002: حيث تعتبر خطة عمل مدريد المرجع الأبرز للدول في ّ التعامل مع قضايا كبار السن من منظور يتجاوز بعدي التكفل والرعاية إلى البعد الحقوقي. كما أوضحت هذه الخطة الترابط بين قضايا كبار السن من جهة والتنمية الشاملة من جهة ثانية، وشددت خطة مدريد على ضرورة التمكين الاجتماعي والاقتصادي والمجتمعي لكبار السن، وحمايتهم من الفقر والعوز، وعلى تعزيز مشاركتهم في الشأن العام وتفعيل مواطنتهم بالكامل، ووضعت في الاعتبار الاختلافات التي تميزهم من بلد إلى آخر وفي كل بلد.

وتمثلت الأهداف التي دعت خطة مدريد للشيخوخة إلى تحقيقها بمقاربة شمولية في:

  • تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالمياً لكبار السن، والقضاء على كل أشكال العنف والتمييز ضدهم.
  • القضاء على الفقر بين كبار السن.
  • تمكين كبار السن من المشاركة الفعالة في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
  • إتاحة فرص للتنمية الفردية وتحقيق الذات والرفاه مدى الحياة.
  • تحقيق المساواة بين الجنسين من كبار السن وإلغاء كل أشكال التمييز.
  • تأكيد أهمية دور الأسرة، والحفاظ على الترابط والتضامن الوثيق بين الأجيال لتعزيز التنمية الاجتماعية.
  • توفير الوقاية والرعاية الصحية الجيدة والدعم والحماية الاجتماعية لكبار السن.
  • بناء شراكات فيما بين الجهات الحكومية على كل المستويات، وكذلك مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وكبار السن أنفسهم لتنفيذ البرامج وخطط العمل.
  • إعداد البحوث والدراسات العلمية لتعزيز المعرفة بآثار الشيخوخة على الفرد والمجتمع.
  • توصية منظمة العمل الدولية رقم 202 لسنة 2012: فوفقاً لهذه التوصية فإن أرضيات الحماية الاجتماعية هي عبارة عن مجموعة من الضمانات الأساسية من الضمان الاجتماعي، والتي تكفل الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم لجميع المحتاجين مدى الحياة، وذلك في إطار توفير خدمات محددة على المستويات الوطنية لكافة الأفراد وعلى الرأس منهم بلا أدنى شك كبار السن.
  • توصية منظمة الصحة العالمية 2021: حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن عقد للنهوض بالصحة في مرحلة الشيخوخة خلال الفترة (2021- 2030) وقد تولت منظمة الصحة العالمية قيادة عملية التنفيذ، وهو يعد تعاونًا عالميًّا لمدة 10 سنوات لتعزيز حياة أطول وأوفر صحة، ويستند هذا العقد إلى استراتيجية وخطة عمل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، بجانب خطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة التي وضعتها الأمم المتحدة، وكذلك يدعم تنفيذ أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.

 وبجانب ما سبق من توصيات في مجال حقوق كبار السن على المستوى الدولي ينبغي الإشارة إلى الاستراتيجية العربية لكبار السن التي أقرتها القمة العربية في تونس عام 2019، والتي تهدف إلى أنه بحلول عام 2029 يجب أن يعيش كبار السن من الجنسين برفاه في محيط دامج ويتمتعون بحقوقهم في خدمات جيدة بالمجالين الاجتماعي والصحي، وأقرت الوثيقة حق كبار السن في المشاركة المجتمعية الكاملة من دون أي شكل من أشكال الإقصاء أو التمييز.

ثالثاً: مؤشرات الشيخوخة عالمياً وعربياً

تُشير الإحصاءات الواردة في تقرير الأمم المتحدة لعام 2022، والتقديرات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، والبيانات الواردة في تنقيح 2019 من تقرير التوقعات السكانية في العالم، إلى عدد من المؤشرات الحالية والمستقبلية لأعداد كبار السن يمكن إجمالها فيما يلي:

  • في عام 2020، تجاوز عدد الأشخاص البالغين من العمر 60 سنة فأكثر عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات.
  • بين عامي 2020 و2030، ستزداد أعداد سكان العالم الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاما بنسبة 34%.
  • بحلول 2030، ستتجاوز أعمار سدس سكان العالم سن 60 سنة.
  • بحلول 2050، سيتضاعف عدد سكان العالم البالغ أعمارهم 60 عاما فما فوق من مليار فى عام 2020 إلى 2 مليار عام 2050.
  • مع حلول عام 2050 سيكون 16% من عدد سكان العالم (واحدا من كل ستة أفراد في العالم) أكبر من سن 65 سنة، أي بزيادة 7% (واحداً من كل 11 فرداً) عن عام 2019.
  • من المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 سنة فأكثر ثلاثة أضعاف بين عامي 2020 و2050 ليصل إلى 426 مليون نسمة.
  • من المتوقع في أوروبا وأمريكا الشمالية، أن يكون ربع سكانها فوق سن 65 سنة.
  • من المتوقع أن يرتفع عدد الأفراد المصنفين على أنهم في سن العمل الأكبر سناً (55 إلى 64 عاما) من 723 مليوناً في عام 2021 إلى 1075 مليونا في عام 2050، وفي نهاية المطاف إلى 1218 مليوناً بحلول عام 2100.

 وهنا تجدر الإشارة إلى أن آسيا وأوروبا من أكثر المناطق تأثرا بظاهرة شيخوخة السكان، علما بأن القارة الأوروبية تعاني من شيخوخة سكانية أكثر حدة مقارنة بباقي دول العالم نظرا لانخفاض معدلات المواليد بشكل كبير وتراجع معدلات الخصوبة بشكل ملحوظ، ومن ثم فهى الأكثر عرضة لاختلالات في هرمها السكاني.

وفى تقرير لصندوق النقد الدولي صادر فى يونيو 2023، أوضح أن هيكل أعمار السكان قد شهد تغيرا بشكل جذري على مر السنين، كما هو موضح في الشكل رقم (1) حيث ارتفع متوسط العمر المتوقع عالميا ارتفاعا حادا من 66 عاما في عام 2000 إلى 72 عاما في عام 2022، ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 77 عاما بحلول 2050. وفي الوقت ذاته، انخفضت معدلات الخصوبة من واقع 2.7 فى عام 2000 إلى 2.3 فى عام 2023 ، ويتوقع أن تصل إلى 2.1 بحلول 2050. ومن المتوقع أيضا أن ترتفع نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 عاما فأكثر بمقدار أربعة أضعاف لتصل بحلول 2050 إلى ما يقرب من 5% من إجمالي سكان العالم.

شكل (1) معدل الخصوبة الكلي ومتوسط العمر المتوقع عند الولادة على مستوى العالم

المصدر: صندوق النقد الدولي

وفى هذا السياق، نستعرض الدول العشر الأولى في معدلات الشيخوخة حول العالم، حيث:

  • احتلت اليابان المرتبة الأولى عالميا من حيث نسبة عدد المسنين التي بلغت 29.1% من إجمالي السكان.
  • تأتي إيطاليا في المرتبة الثانية في العالم والأولى بأوروبا في عدد المسنين، بنسبة بلغت 24.5% من عدد السكان البالغ نحو 60 مليون نسمة، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الأوروبي “يورو ستات”.
  • جاءت فنلندا في المرتبة الثالثة عالميا والثانية أوروبيا في عدد المسنين بنسبة بلغت 23.6% من عدد السكان البالغ 5.5 ملايين نسمة.
  • ثم تأتى البرتغال فى المرتبة الرابعة عالميا حيث بلغت نسبة المسنين نحو 22% من عدد السكان البالغ أكثر من 10 ملايين نسمة.
  • وتأتى ألمانيا فى المرتبة الخامسة عالميا حيث بلغت نسبة كبار السن نحو 21% من عدد السكان البالغ أكثر من 83 مليون نسمة.
  • ثم تأتى بلغاريا فى المركز السادس وبنسبة 21% من عدد السكان البالغ 6.8 ملايين نسمة.
  • تأتى جورجيا فى المركز السابع حيث بلغت نسبة كبار السن نحو 20% من عدد السكان البالغ نحو 3.8 ملايين نسمة.
  • ثم السويد فى المركز الثامن حيث بلغت نسبة عدد المسنين نحو 20% من بين أكثر من 10 ملايين ساكن.
  • وتأتى لاتفيا فى المركز التاسع بنسبة عدد مسنين بلغت 20% من عدد السكان البالغ 1.8 مليون نسمة.
  • وجاءت كرواتيا فى المرتبة العاشرة بنسبة عدد مسنين نحو 20% من عدد السكان البالغ نحو 4 ملايين نسمة.

وعلى الصعيد العربي، تشهد دول المنطقة نموا سكانيا كبيرا يصنف من بين أسرع معدلات النمو السكاني على مستوى العالم، ويصاحب ذلك ارتفاعا ملحوظا فى أعدد المسنين، إذ تشير بعض التقارير إلى أن معظم الدول العربية إما في طور الشيخوخة أو أتموا مرحلة الشيخوخة، وفي هذا السياق تؤكد بيانات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا” ارتفاع عدد السكان في الفئة العمرية 65 سنة فأكثر في المنطقة العربية، بمقدار 16 مليون شخص في السنوات الخمسين الماضية، كما أنه من المتوقع أن يرتفع بأكثر من 50 مليون شخص في العقود الثلاثة المقبلة، ليصل إلى 71.5 مليونًا بحلول عام 2050.

ويوضح الشكل رقم (2) أن الشيخوخة قادمة في الدول العربية خلال العقود القادمة، ففي عام 1970 بلغت نسبة كبار السن (65 سنة فأكثر) نحو 4% من إجمالي السكان في الدول العربية، وارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 5% عام 2020، ومع ذلك فمن المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة لتصل إلى 11% عام 2050.

شكل (2) توزيع السكان وفقا للفئات العمرية فى الدول العربية خلال الأعوام (1970 و 2020و و2050)

 رابعاً: التداعيات الاقتصادية لشيخوخة السكان

تتصدر مشكلة شيخوخة السكان اهتمامات العديد من الاقتصادات الكبرى نظرًا للآثار السلبية التي من المحتمل أن تحدثها هذه الظاهرة والتى وصفها صندوق النقد الدولي على أنها “التحدي الديمغرافي العالمي الأكبر”، وحذر من تأثيراتها السلبية على النمو الاقتصادي للدول.

وتأتي أهم التداعيات الاقتصادية لارتفاع معدلات الشيخوخة على النحو التالي:

  • تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي: حيث أوضح صندوق النقد الدولي أن نمو الناتج المحلي الإجمالي يتباطأ، مع انخفاض القوة العاملة والنمو السكاني؛ الأمر الذي يثير بعض القلق في العديد من دول العالم ومنها اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
  • انخفاض عدد السكان في سن العمل، مما يؤدي إلى نقص أعداد الموظفين المؤهلين، وينتج عن ذلك عواقب وخيمة تشمل انخفاض الإنتاجية، وارتفاع تكاليف العمالة، وتأخر توسع الأعمال التجارية، وانخفاض القدرة التنافسية الدولية.
  • ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، فسوف تحتاج الدول التي تشهد هذه الظاهرة لتخصيص المزيد من الأموال والموارد على نظم الرعاية الصحية، وفي حين يمثل الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية جزءاً من الناتج المحلي الإجمالي في معظم الاقتصادات المتقدمة، فمن الصعب زيادة الإنفاق على هذا القطاع مع ضمان عدم تأثر وتدهور باقي القطاعات، إضافة إلى معاناة قطاع الرعاية الصحية من نقص العمالة والمهارات، ومع زيادة الأمراض المزمنة صار من الصعب تلبية الأعداد المتزايدة من السكان.
  • زيادة معدل الإعالة، حيث سوف تعتمد الدول ذات الكثافة السكانية المتقدمة في العمر على أعداد صغيرة من العاملين لتحصيل الضرائب منهم وإنفاقها على الرعاية الصحية ذات التكلفة المرتفعة والمعاشات التقاعدية، ويشكل ذلك مصدر قلق كبير بالنسبة للدول الصناعية المتقدمة.
  • حدوث تغيرات في الاقتصاد، فالاقتصادات التي لديها نسبة كبيرة من كبار السن تختلف في اتجاهاتها عن تلك التي لديها نسبة أعلى في المواليد وفي السكان في سن العمل، فالأولى تؤدي إلى زيادة الطلب على الرعاية الصحية ودور المسنين، وسوف تواجه الاقتصادات تحديات الانتقال إلى أسواق تسيطر عليها السلع والخدمات المرتبطة بكبار السن.
  • تقلص نسبة الأموال المتاحة للاستثمار بسبب ارتفاع نسبة الأموال المقدمة للمعاشات.
  • تحول جانب كبير من السكان من منتجين إلى مستهلكين، مما يؤثر بشكل كبير على قدرات المجتمع الادخارية.

وشكل رقم (3) يوضح الأنماط العمرية للاستهلاك والكسب، حيث إن من تتراوح أعمارهم بين 25 و59 يكسبون أكثر مما يستهلكون، فى حين يستهلك كبار السن أكثر مما يكسبون، وذلك كما ورد فى دراسة بعنوان ” شيخوخة السكان” أعدها كل من رونالد لي، أستاذ بكلية الدراسات العليا فى جامعة كاليفورنيا، وأندرو ميسون، أستاذ الاقتصاد بجامعة هاواي.

شكل (3) الأنماط العمرية للاستهلاك والكسب

 وهنا تجدر الإشارة إلى أن مرض الخرف – وهو واحد من أخطر الأمراض التى تُصيب كبار السن وتؤثر على حياتهم وقدرتهم على أداء المهام المختلفة – له تداعيات سلبية على اقتصاد الدول، حيث كلف انتشار هذا المرض بين المسنين الاقتصادات على مستوى العالم فى عام 2019 نحو 1,3 تريليون دولار أمريكي، حيث يرجع نحو 50٪ من هذه التكاليف إلى الرعاية التي يوفرها مقدمو الرعاية غير الرسميين (مثل أفراد الأسرة والأصدقاء المقربين)، الذين يقدمون الرعاية والإشراف لمدة 5 ساعات في المتوسط يوميًا، ويتوقع أن ترتفع التكلفة إلى 1,7 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030، أو 2,8 تريليون دولار أمريكي باحتساب الزيادات في تكاليف الرعاية. 

كما أوضحت منظمة الصحة العالمية في أحدث تقاريرها أن التكلفة السنوية لرعاية مرضى الخرف تقدر في العالم بنحو 818 مليار دولار أمريكي، ويتعلق حوالي 85% من هذه التكلفة برعاية الأسر والرعاية الاجتماعية وليس بالرعاية الطبية، ومن المتوقع أن ترتفع التكاليف السنوية لرعاية الأشخاص المصابين بالخرف إلى ملياريْ دولار أمريكي بحلول عام 2030.

 وبحسب تعريف منظمة الصحة العالمية، فإن مرض الخرف هو متلازمة يمكن أن يسببها عدد من الأمراض التي تتلف بمرور الوقت الخلايا العصبية وتتلف الدماغ، مما يؤدي في العادة إلى تدهور الوظيفة الإدراكية (أي القدرة على التفكير) على نحو يتجاوز ما يمكن توقعه من النتائج المعتادة للشيخوخة البيولوجية.

 وإجمالاً يمكن سرد الحقائق حول مرض الخرف، حيث:

  • يعاني حاليًا أكثر من 55 مليون شخص في العالم من الخرف، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى نحو 78 مليون بحلول عام 2030، كما يمكن أن يصل لنحو 139 مليون بحلول عام 2050، والجديد بالذكر أن أكثر من 60٪ من المصابين بمرض الخرف يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وكل عام، وبشكل دوري يُسجَّل سنوياً ما يقرب من 10 ملايين حالة جديدة حول العالم.
  • ينتج الخرف عن مجموعة متنوعة من الأمراض والإصابات التي تؤثر في الدماغ فمرض الزهايمر هو أكثر أنواع الخرف شيوعًا وقد يؤثر على نحو من 60-70٪ من الحالات.
  • يعد الخرف في الوقت الراهن السبب الرئيسي السابع للوفاة وأحد الأسباب الرئيسية للإعاقة والاعتماد على الآخرين بين كبار السن على مستوى العالم.
  • تتأثر النساء بالخرف بشكل غير متناسب مع من سواهم، إذ تعاني النساء من ارتفاع عدد سنوات العمر المعدلة باحتساب مدد العجز، والوفاة بسبب الخرف، ولكنهن في الوقت ذاته يغطين 70٪ من ساعات الرعاية المقدمة للأشخاص المصابين بالخرف.

 خامساً: مؤشرات الشيخوخة فى مصر

      كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقرير حديث عن  أرقام مهمة حول المؤشرات الخاصة بأعداد وسمات كبار السن فى مصر حتى شهر يوليو 2023 يمكن إجمالها فيما يلي:

– بلغ عدد المسنين فى مصر 9 ملايين مسن، بنسبة 8.6% من إجمالي السكان عام 2023.

– بلغ عدد المسنين الذكور 4.5 مليون نسمة بنسبة 8.3% من إجمالى السكان الذكور بينما بلغ عدد المسنات الإناث 4.5 مليون نسمة بنسبة 8.9% من إجمالى السكان الإناث.

– توقع البقاء على قيد الحياة 68.7 سنة للذكور و73.7 سن للإناث عام 2023.

– بلغ عدد المسنين المشتغلين 1.2 مليون مسن بنسب 13.4% من إجمالى المسنين.

– 48.7 % من المسنين المشتغلين يعملون فى مجال الزراعة وصيد الأسماك ، 18.6% يعملون فى نشاط تجارة الجملة والتجزئة.

– بلغت نسبة الأمية بين المسنين 53.2% عام 2022 (39.6% من اجمالى ذكور المسنين ، 67.9% من إجمالى إناث المسنات) ،بينما كانت نسبة الحاصلين على مؤهل جامعى فأعلى بين المسنين 10.7 % عام 2022 (14.5 % من اجمالى ذكور المسنين ، 6.5 % من اجمالى اناث المسنات).

– بلغت نسب عقود الزواج بين المسنين 2.2% من إجمالى العقود.

– بلغت نسبة اشهادات الطلاق للمسنين 10.4% من إجمالى اشهادات الطلاق.

 سادسا: جهود الدولة المصرية لرعاية كبار السن

شهدت السنوات العشرة الأخيرة اهتماماً غير مسبوقا من قبل الدولة المصرية فى الاهتمام بالفئات الأولى بالرعاية وفى مقدمتها كبار السن، إذ ألزمت الدولة الحكومة دستورياً وتشريعياً بحماية كبار السن، وتمكينهم مع وضع خطة تنفيذية تضمن تحقيق هذا الالتزام، ويمكن عرض أبرز هذه الجهود على النحو التالي:

  • دستور 2014: تنص المادة 83 من دستور عام 2014 على أن “الدولة تلتزم بضمان حقوق المسنين صحيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وثقافيًا، وترفيهيًا وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة. وتراعي الدولة في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين، كما تشجع منظمات المجتمع المدني على المشاركة في رعاية المسنين وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون”.
  • وافق مجلس النواب فى فبراير 2024 على مشروع القانون المقدم من الحكومة بشأن “رعاية حقوق المسنين” والذى جاء تفعيلا لنص المادة 83 من الدستور، والذى يهدف إلى حماية ورعاية حقوق المسنين وضمان تمتعهم بجميع الحقوق الاجتماعية والسياسية والصحية والاقتصادية والثقافية والترفيهية وغيرها، وتيسير تعاملات المسنين مع الجهات الحكومية وغير الحكومية، وإدراج حقوق واحتياجات المسنين فى برامج وسياسات مكافحة الفقر والحد منه، وبرامج التنمية المستدامة، فضلا عن توفير الرعاية الوقائية والعلاجية الجيدة وفقًا لقوانين وقواعد التأمين الصحى، وإنشاء “صندوق رعاية المسنين” بهدف تعزيز حقوق وحريات المسنين وتنميتها وحمايتها وترسيخ قيم المساواة وتكافؤ الفرص، وتقديم الدعم لهم فى كافة المجالات.
  • تضمنت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021 بنوداً خاصة بحقوق كبار السن والتي تستهدف توسيع برامج الحماية الاجتماعية الممنوحة للمسنين وزياد المخصصات المالية المتاحة لمؤسسات الرعاية الاجتماعية الحكومية وتعزيز التفتيش عليها وتعزيز حصول كبار السن على الرعاية الصحية المناسبة وتشجيع منظمات المجتمع المدني على المشاركة فى صياغة السياسات الخاصة بهم وغيرها من البنود التي تضمن حماية كبار السن وتمكينهم على كافة المستويات.
  • قامت الدولة بتنفيذ خطة شاملة لإحلال وتجديد مراكز خدمات التأهيل الخاص بالمسنين فى فترة ما بعد الرعاية الطبية وقبل الرعاية المنزلية، فضلاً عن تقديم خدمات الرعاية الطبية للمسنين فى التخصصات المختلفة بالعيادات ومتابعة الأمراض الشائعة وتوفير الأدوية المختلفة وتقديم التوعية الصحية وتوفير أليات التعامل مع الحالات الطارئة.
  • الانتهاء من الإصلاح التشريعي لنظام التأمينات الاجتماعية والمعاشات بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية رقم 48 لسنة 2019، والذي أعطى كبار السن وأصحاب المعاشات العديد من المزايا والمكتسبات المالية والمعنوية.
  • منحت الدولة معاشاً ضمانياً لكبار السن ممن لا يتقاضون معاشا تأمينيا وليس لهم دخل، كما استحدثت الحكومة برنامج ” كرامة ” عام 2015 والذي يهدف إلى مد مظلة الحماية الاجتماعية ليشمل كبار السن بتوفير حياة كريمة لغير القادرين منهم على العمل، إذ يمنح البرنامج معاشا للمسنين بداية من عمر الـ 65 أو لمن يعانون عجزاً.
  • إنشاء دور رعاية لكبار السن البالغين من العمر 60 عاما ولا يجدون الرعاية داخل أسرهم الطبيعية بسبب أو لأخر أيا كان مستواهم المادي أو الصحي
  • افتتاح أندية رعاية صحية نهارية للمسنين يتم من خلالها تقديم خدمات مختلفة لكبار السن، فضلاً عن مكاتب خدمة المسنين بالمنازل ووحدات للعلاج الطبيعي مخصصة لكبار السن.
  • افتتاح مكاتب خدمة المسنين بالمنازل، وافتتاح وحدات للعلاج الطبيعي لكبار السن.

هذا بالإضافة إلى جهود وزارة التضامن الاجتماعي الأخرى حيث:

  • أنشأت الوزارة في عام 2017 لجنة عليا لرعاية المسنين (بموجب القرار رقم 432) برئاسة وزير التضامن الاجتماعي، وتهدف تلك اللجنة إلى: وضع خطة متكاملة لرعاية كبار السن، وتنظيم وتنسيق برامج الرعاية طويلة الأجل التي تطلقها الوزارات والوكالات الأخرى، وتسهيل المشاركة الاجتماعية بين كبار السن، وقد قامت اللجنة العليا لكبار السن بطرح رؤية حول قضايا المسنين تضمنت عدة محاور للعمل؛ من بينها توفير رعاية صحية شاملة للمقيمين بدور رعاية المسنين، وخلق مجتمع واعٍ بقضايا المسنين، وكذلك إتاحة فرص ترفيهية وثقافية وفنية لكبار السن، وإقامة دور مسنين لائقة، ومهيأة لهم، إضافة إلى تقديم خدمة عالية الجودة داخل تلك الدور وإعداد مسنين متطوعين ومشاركين في المجتمع.
  • خدمة “رفيق المسن” والتي أعلنت عنها وزارة التضامن الاجتماعي 2019 بمقابل مادي؛ لرعاية المسنين داخل منازلهم في المحافظات المستهدفة للمشروع وهي: (القاهرة- الجيزة- القليوبية- الإسكندرية)، ويهدف المشروع إلى الحفاظ على الترابط الأسري من خلال توفير الرعاية المنزلية للمسن داخل منزله ومع أسرته، وتوفير البديل عن الرعاية المؤسسية للمسن، وقد تم تدريب المرافقين بواسطة متخصصين في مجالات العلاج الطبيعي والرياضة للمسنين، وقياس العلامات الحيوية للمسن والإسعافات الأولية، وديناميكية تحريك المسن، وأجهزة الجسم والأمراض الشائعة، والصحة وتغذية المسن، والرعاية النفسية والاجتماعية للمسن.
  • كما أصدرت الوزارة مبادرة “البطاقة الذهبية” الجديدة، وتُمثل ميزة مجانية تعفي جميع كبار السن (الذين يتجاوز عمرهم 70 عامًا) من تكاليف النقل العام وذلك في عام 2021.
  • مبادرة “بينا”: والتي أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي؛ لرفــع جـودة الخــدمـات الـمـقـدمـة بمـؤسـســات الـرعــايـة الاجتماعـيـة؛ مثل، دور الأيتام، والمسنين، مـن خـلال تشـجيـع الـمــواطنـيـن علـى التـطـوع وتفـعـيـل دور المراقبـة المجـتـمعـيـة وتـطـويـر مـؤســسـات الـرعـايـة الاجـتمـاعـيـة، وتتمثل أهدافها الاستراتيجية في رفع جودة خدمات الرعاية الاجتماعية، وتشجيع المواطنين على التطوع، ودعم مفهوم الرقابة المجتمعية.
  • كما وفرت وزارة التضامن الاجتماعي برنامج “حماية كبار بلا مأوى “، للتعامل مع عدد كبير من حالات كبار السن سواء كان الشخص بلا مأوى، متسول، مريض نفسي أو عقلي، وفى سياق هذا البرنامج تم دمج عدد من المسنين مع أسرهم أو مع مؤسسات رعاية وتقديم خدمات للمشردين من كبار السن تشمل خدمات صحية وتعليمية ووجبات وبطاطين ودعم نفسي واجتماعي من خلال 17 وحدة متنقلة و19 مؤسسة تم تطويرها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
  • وفي عام 2019 وتزامناً بالاحتفال باليوم العالمي للمسنين، أصدر بنك ناصر الاجتماعي شهادة ” رد الجميل ” المخصصة لكبار السن، وهي شهادة من فئة 1000 جنيه ومضاعفاتها بحد أقصى مليوني جنيه للشخص الواحد ويستحق منها عائد سنوي يقدر بــــــ 10.75% أو عائد شهري 10.25% ويتم احتساب العائد على الشهاد من اليوم التالي للإيداع كما يحق للعميل استرداد قيمة الوديعة بعد 6 شهور بدون خصم.
  • كما أعلن بنك ناصر الاجتماعي مطلع أكتوبر 2023 طرح أوعية ادخارية ذات عائد تنافسي مميز، مثل شهادة «رد الجميل» للعملاء فوق 60 عاماً، إلى جانب طرح شهادة بأعلى عائد في السوق المصرفي، يبلغ 66%، لمدة 3 سنوات، يصرف في نهاية المدة، بحسب الموقع الرسمي لبنك ناصر.

 سابعا: مقترحات لدعم احتياجات كبار السن

على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية لرعاية كبار السن، إلا أنه يمكن بذل المزيد من الجهود ووضع المزيد من الخطط لرعاية هذه الفئة الهامة من المجتمع المصري. وتوصى هذه الورقة بما يلي:  

  • إنشاء مجلس قومي لرعاية المسنين يتبنى وضع خطط وبرامج وأنشطة تتفق مع الاحتياجات الفعلية للمسنين في ضوء سياسة عامة لرعاية المسنين بمشاركة كافة الأجهزة والقوى المجتمعية.
  • العمل على تعزيز مشاركة كبار السن فى مختلف المجالات وتشجيع أصحاب العمل على توظيفهم، لاسيما وأن العديد من الدراسات قد أشارت إلى أن هذه الفئة لديها قدرة كبيرة على الإنتاجية حال توفير فرص عمل تتناسب مع خبراتهم ومهاراتهم وأعمارهم.
  • إطلاق حملة إعلامية على وسائل الإعلام كافة بهدف رفع الوعي بحقوق كبار السن وحمياتهم وتمكينهم وكيفية الاستفادة من خبراتهم فى تنمية المجتمع، ومن ثم تغيير الصورة النمطية السلبية عن كبار السن في سوق العمل.
  • تهيئة بيئة تمكينية لكبار السن لممارسة العمل التطوعي بمنظمات المجتمع المدني بما يضمن تمكينهم ومكافحة الاستبعاد الاجتماعي.
  • العمل على توسيع مشاركة مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية لتقديم خدمات أفضل لكبار السن.
  • زيادة المخصص المالي فى ميزانية الدولة ووزارة التضامن الاجتماعي لرعاية كبار السن حتى يمكن تأدية الخدمات والبرامج والأنشطة بشكل أفضل واستيعاب الأعداد المتزايدة من كبار السن.
  • توفير قاعدة بيانات ومعلومات دقيقة وكافية عن المسنين وأعدادهم وأعداد المؤسسات التي تخدمهم – وتوزيعها الجغرافي – بشكل يسهم فى وضع خطط دقيقة لخدمات وبرامج وأنشطة رعاية كبار السن.
  • تخصيص خط ساخن تكون مسئولة عنه وزارة الداخلية والتضامن للإبلاغ الفوري عن أي حالات تهدد أمن وسلامة كبار السن والتعامل معها فورا.
  • العمل على تدريب مقدمي الخدمة لكبار السن بشكل مستمر وزيادة وعيهم بأمراض المسنين والشيخوخة والخرف من أجل تقديم خدمة أفضل وتتسم بالحرفية والمهارة.
  • رفع المعاشات التقاعدية لكبار السن بصورة تتناسب مع احتياجاتهم ومتطلبات الحياة.

المصادر:

  • عبير محمد رفاعي (2022)، الادماج الاجتماعي لكبار السن كمدخل لتفعيل الشيخوخة النشطة، كلية الآداب، جامعة بورسعيد، ع 20
  • سماء محمد عمارة (2022)، حقوق المسنين بين الواقع والمأمول، كلية الحقوق، جامعة طنطا.
  • عبد الخالق عفيفي (2010)، مقدمة فى الرعاية الاجتماعية المعاصر، مكتبة 6 أكتوبر للطبع والنشر.
  • سامية كرليفة (2022)، الجهود الدولية لحماية حقوق المسنين من خلال المنظمات الدولية، المؤتمر العلمي الدولي السابع، كلية الحقوق، جامعة طنطا.
  • “الشيخوخة في ضوء التغيرات الديموغرافية العالمية”، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، سبتمبر 2022.
  • “الاستراتيجية العربية لكبار السن”، موقع صندوق الأمم المتحدة للسكان.
  • المسح الصحي للأسرة المصرية 2021، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
  • الموقع الرسمى لمنظمة الصحة العالمية.
  • الموقع الرسمى للبنك الدولي.
  • الموقع الرسمى لوزارة التضامن الاجتماعي.
  • الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

The post شيخوخة السكان.. قراءة في المؤشرات والتداعيات الاقتصادية appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
7734
مؤشرات العنف ضد المرأة عالميا ومحليا..وذوات الإعاقة الأكثر معاناة https://draya-eg.org/2024/02/24/%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81-%d8%b6%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d9%85%d8%ad%d9%84%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%b0%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d8%a7%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83%d8%ab%d8%b1-%d8%b9%d8%b1%d8%b6%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81/ Sat, 24 Feb 2024 22:44:12 +0000 https://draya-eg.org/?p=7665 يعتبر العنف ضد المرأة من أكثر أشكال العنف تمييزا وقسوة وانتشارا على مستوى العالم ، حيث يُعد العنف المُمارس على أساس الجنس شكلا من أشكال الانتهاكات التى تحرم المرأة من حقوقها الإنسانية الأساسية، مثل الحق فى الحياة والحق فى عدم التعرض للتعذيب أو لعقوبات قاسية أو لإهانات غير إنسانية، مما جعل السلامة الجسمانية والنفسية للمرأة …

The post مؤشرات العنف ضد المرأة عالميا ومحليا..وذوات الإعاقة الأكثر معاناة appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
يعتبر العنف ضد المرأة من أكثر أشكال العنف تمييزا وقسوة وانتشارا على مستوى العالم ، حيث يُعد العنف المُمارس على أساس الجنس شكلا من أشكال الانتهاكات التى تحرم المرأة من حقوقها الإنسانية الأساسية، مثل الحق فى الحياة والحق فى عدم التعرض للتعذيب أو لعقوبات قاسية أو لإهانات غير إنسانية، مما جعل السلامة الجسمانية والنفسية للمرأة على المحك.

إن ممارسات العنف ضد المرأة تُشكل عائقا رئيسيا أمام تحقيق أية خطط للتنمية المستدامة والسلام والعدل والمساواة، لما لها من عواقب وتداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة قصيرة وطويلة المدى. وهنا نشير إلى أن ممارسات العنف ضد المرأة تتعارض مع الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة الذى يسعى لتحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز مكانة المرأة.

ونظرا لأهمية هذه القضية وتأثيرها المباشر على تعثر خطط التنمية وتهديدها لحق المرأة فى الحياة ، يُصدر المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية ” دراية ” هذا التقرير الذى يتناول تفصيلا واقع ممارسات العنف ضد المرأة وأسبابها وتداعياتها، بالإضافة إلى جهود الدولة المصرية فى التصدي لها، وعرض لأهم التوصيات التى تستهدف القضاء على هذا النوع من العنف، وذلك من خلال عدة محاور وهى :

أولا : مفهوم العنف ضد المرأة وأنواعه.

ثانيا : أسباب ممارسة العنف ضد المرأة.

ثالثا : تداعيات ممارسة العنف ضد المرأة.

رابعا : مؤشرات العنف ضد المرأة عالميا ومحليا.

خامسا : جهود الدولة المصرية للتصدى للعنف ضد المرأة.

سادسا: مقترحات للحد من ظاهرة العنف ضد المرأة.

أولا : مفهوم العنف ضد المرأة وأنواعه

عرّفت الجمعية العامة للأمم المتحدة “العنف ضد النساء” على أنه “أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس، والذي يتسبب بإحداث إيذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة”.

كما نوهه الإعلان العالمي لمناهضة كل أشكال العنف ضد المرأة الصادر عام 1993 بأن “هذا العنف قد يرتكبه مهاجمون من كلا الجنسين أو أعضاء في الأسرة أو العائلة أو حتى الدولة ذاتها.” وتؤثر العواقب السلبية المترتبة عن العنف ضد المرأة والفتاة على صحة النساء النفسية والجنسية والإنجابية في جميع مراحل حياتهن.

وقد حددت الأمم المتحدة أنواع العنف ضد المرأة على النحو التالي:

1- العنف المنزلي أو عنف العشير: وهو يعنى أى سلوكيات ينتهجها عشير أو شريك سابق تتسبب في أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أم الجنسية أم النفسية، بما في ذلك الاعتداء البدني والإكراه الجنسي والإيذاء النفسي وسلوكيات السيطرة – بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية  – ويشمل (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجي، قتل النساء). ويعتبر أحد أكثر أشكال العنف التي تتعرض لها النساء شيوعًا على مستوى العالم.

2- العنف الجنسي: وهو يعنى أي فعل جنسي يُرتكب ضد إرادة شخص آخر أى بالإكراه، ويشمل (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية، التحرش الجنسي غير المرغوب فيه، الاعتداء الجنسي على الأطفال، الزواج القسري، التحرش في الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية)

3- الاتجار بالبشر: وهو تملك واستغلال الناس بوسائل مثل القوة أو الاحتيال أو الإكراه أو الخداع. ويعانى منها ملايين النساء والفتيات فى جميع أنحاء العالم، وكثير منهن يتعرضن للاستغلال الجنسي.

4- تشويه الأعضاء التناسلية للإناث: حيث يشمل الإجراءات التي تعمد إلى تغيير أو التسبب في إصابة الأعضاء التناسلية الأنثوية لأسباب غير طبية، وعادة ما تكون مدفوعة بالمعتقدات حول الجنس وعلاقته بالتعبير الجنسي المناسب.

5- زواج الأطفال: وهو يُشير إلى أي زواج يكون فيه أحد الزوجين أو كلاهما أقل من 18 عامًا.  

6– العنف عبر الإنترنت أو العنف الرقمي: وهو يُشير إلى أي عمل من أعمال العنف التي يتم ارتكابها أو المساعدة عليها أو تفاقمها باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (الهواتف المحمولة والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الحاسوب والرسائل النصية والبريد الإلكتروني وما إلى ذلك) ضد امرأة لأنها إمرأة. ويشمل التنمر الإلكتروني والرسائل الجنسية غير الرضائية والإفصاح عن المعلومات الشخصية.

وقد أشارت الأمم المتحدة الى أن بعض النساء والفتيات من فئات معينة معرضات للعنف بشكل خاص مثل المهاجرات واللاجئات، ونساء الشعوب الأصلية والأقليات العرقية أو النساء والفتيات المصابات بفيروس نقص المناعة البشرية والإعاقات، والمتأثرات بالأزمات الإنسانية.

ثانيا: أسباب العنف ضد المرأة

ساهمت العديد من العوامل فى وجود بيئة مواتية لارتكاب ممارسات العنف ضد المرأة، وأبرزها ما يلي وفقا لمنظمة الصحة العالمية والدراسات العلمية المتخصصة فى هذا الشأن:  

1- تدني مستويات التعليم وما يترتب على ذلك من فهم خاطىء للقيم والمبادىء الأخلاقية التى تحرم العنف، والتأثر بالصور النمطية السلبية عن العنف.

2- التعرض للعنف سابقا، ومشاهدة العنف الأسري وانتشار الممارسات العُرفية المسيئة فى المجتمع والمعتقدات المتعلقة بشرف الأسرة والعفاف، مما يُوجد بيئة خصبة لترسيخ ثقافة العنف ضد المرأة. 

3- سيطرة الذكور على صنع القرار الاجتماعي والاقتصادي واحتكارهم له فى ظل وجود معايير مجتمعية تمنح الرجل امتيازات أو ترفع من قدره وتحط من قدر المرأة.

 4- تدني فرص العمل المدفوع الأجر المتاحة للمرأة ، وعدم إتاحة الفرص لمشاركة المرأة فى المجتمع وشعورهن بالتهميش وعدم مراعاة احتياجاتهن.

5- ضعف العقوبات القانونية المفروضة على مرتكبي العنف الجنسي.

6-ثقافة الصمت: حيث يُؤدي شعور النساء والفتيات بالتهميش واللامساواة إلى خوفهن من التحدث عن تعرضهن للعنف، مما يُؤدي إلى تفاقم المشكلة.

7-وجود عوامل اقتصادية مثل البطالة والفقر، والتى تسهم فى وجود بيئة خصبة لانتشار العنف ضد المرأة.

ثالثا : تداعيات ممارسة العنف ضد المرأة

تؤثر ممارسة العنف ضد المرأة على صحة المرأة وعافيتها على المدى القصير والبعيد فضلا عن تداعياتها النفسية والاجتماعية وتكلفتها الاقتصادية على الأسرة والمجتمع بشكل عام ، كما يتأثر الأطفال بشكل كبير من تداعيات هذه الممارسات .

وتُخلف ممارسات العنف ضد المرأة آثاراً واسعة النطاق على مختلف الأصعدة، وقد صنفت منظمة الصحة العالمية هذه الآثار وفقاً لما يلي:

1- عواقب مميتة مثل القتل أو الانتحار

2- إصابات محتملة : حيث تبلّغ نسبة 42% من النساء اللواتي يتعرضن لعنف العشير عن تعرضهن لإصابات من جراء هذا العنف .

3- حالات حمل غير مرغوب فيها، وحالات إجهاض متعمدة، ومشاكل صحية نسائية، وعدوى أمراض منقولة جنسياً، ومنها عدوى فيروس العوز المناعي البشري.

 وقد ذكرت دراسة أجرتها المنظمة في عام 2013 بشأن العبء الصحي الناجم عن العنف ضد المرأة، أن النساء اللاتي اعتُدي عليهن بدنياً أو جنسياً تعرّضن للإصابة بعدوى مرض منقول جنسياً، وبفيروس العوز المناعي البشري في بعض الأقاليم، بمقدار 1.5 مرة أكثر من النساء اللواتي لم يتعرضن لعنف العشير، كما يُرجح أن يتعرضن للإجهاض بواقع مرتين أكثر من سواهن .

4- ارتباط عنف العشير أثناء الحمل بزيادة احتمال التعرض للإجهاض تلقائياً  والوضع قبل الأوان وانخفاض وزن الطفل عند الولادة.

وقد أظهرت نفس الدراسة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية أن النساء اللواتي تعرضن لعنف العشير كنّ أكثر عرضة بنسبة 16% للإجهاض التلقائي وبنسبة41% للولادة قبل الأوان.

5- الاصابة بالإكتئاب : فقد تصاب السيدات اللاتى تعرضن للعنف بحالات الإكتئاب واضطرابات الإجهاد اللاحقة للصدمة والاضطرابات الأخرى المسببة للقلق، والمعاناة من صعوبات في النوم، واضطرابات في عادات الأكل، ومحاولات الانتحار.

6- الإصابة بالصداع ومتلازمات الألم (آلام الظهر والبطن وآلام الحوض المزمنة) واضطرابات المعدة والأمعاء ومحدودية الحركة واعتلال الصحة بشكل عام.

7- العنف الجنسي خاصةً أثناء الطفولة قد يؤدى إلى زيادة احتمال ممارسة التدخين وتعاطي مواد الإدمان والكحول وانتهاج سلوكيات جنسية خطرة كما يرتبط أيضاً بارتكاب العنف (بالنسبة للذكور) والوقوع ضحية للعنف (بالنسبة للإناث)

8- أثر العنف على الأطفال : قد يعاني الأطفال الذين ينشئون في كنف أسر تشهد ممارسة العنف من اضطرابات سلوكية وعاطفية متعددة ويمكن أن تتسبب هذه أيضاً في ارتكاب العنف أو التعرض له في وقت لاحق من العمر.

9- يتسبب عنف العشير أيضاً في ارتفاع معدلات الوفيات والإصابة بالأمراض بين صفوف الرضّع والأطفال (مثل ارتباطه مثلاً بأمراض الإسهال أو سوء التغذية وتدني معدلات المناعة).

10 – التكاليف الاجتماعية والاقتصادية : تترتب على عنف العشير والعنف الجنسي تكاليف اجتماعية واقتصادية باهظة تتردد آثارها في المجتمع ككل وقد تعاني النساء من العزلة وعدم القدرة على العمل وخسران الدخل وقصور المشاركة في الأنشطة بانتظام ومحدودية القدرة على الاعتناء بأنفسهن وأطفالهن.

رابعا: مؤشرات العنف ضد المرأة عالميا ومحليا

لا شك فى أن وضع مؤشرات دقيقة لممارسات العنف ضد المرأة  وتقييم حجمه ونطاقه فى مجتمع معين يُعد أمرا غاية فى الصعوبة وتحديا كبيرا، بسبب ما يحيط بهذه الممارسات من تمييز وصمت ووصم الضحايا بالعار فضلا عن سهولة إفلات الجانى من العقاب ، إلا أن المؤسسات الأممية المعنية وضعت عددا من الإحصائيات والمؤشرات التى يمكن الاسترشاد بها علما بأن هذه المؤشرات تتغير باستمرار نظرا للتطورات الاجتماعية والثقافية والقانونية التى تحدث فى المجتمعات.

أ-المؤشرات عالميا:

تأتي أبرز المؤشرات على المستوى العالمي وفقا لبيانات الأمم المتحدة على النحو التالي:

– ثلث النساء في العالم (27% تقريبا) يتعرضن للعنف مرة واحدة على الأقل في حياتهن.

– تتعرض واحدة من كل 3 نساء للعنف الجنسي أو الجسدي مرة واحدة على الأقل في حياتها.

– تُقتل 5 نساء أو فتيات في كل ساعة على يد أحد أفراد أسرهن.

– تصل نسبة جرائم قتل النساء التي يرتكبها عشراؤهن إلى 38% من مجموع هذه الجرائم.

– تبلّغ نسبة 6% من نساء العالم عن تعرضهن للاعتداء الجنسي على يد شخص آخر غير الشريك.

-تعيش 86% من النساء والفتيات في بلدان لا توجد بها أنظمة حماية قانونية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

– 45% من النساء أبلغن عن أنهن تعرضن لصورة من صور العنف ضد المرأة.

– عبرت 7 من بين كل 10 نساء عن اعتقادهن أن التعنيف اللفظي أو الجسدي من قبل العشير غدا أكثر شيوعا.

 – تشعر 6 من بين كل 10 نساء باستفحال التحرش الجنسي في الأماكن العامة.

– تتراوح تقديرات منظمة الصحة العالمية المتعلقة بمعدلات انتشار عنف العشير ضد المرأة خلال حياتها بين 20٪ في غرب المحيط الهادئ، و22٪ في البلدان المرتفعة الدخل وأوروبا و25٪ في إقليم المنظمة للأمريكتين و33٪ في إقليم المنظمة لأفريقيا، و31٪ في إقليم المنظمة لشرق المتوسط، و33٪ في إقليم المنظمة لجنوب شرق آسيا.

ب- المؤشرات محليا:

أجرى المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) دراسة حول التكلفة الاقتصادية للعنف ضد المرأة والتى أجريت فى عام 2015، حيث قدرت أن 7.9 مليون إمرأة مصرية تعرضن لشكل من أشكال العنف بتكلفة بنحو 2.17 مليار جنيه على الأقل سنويا، منهم مليون إمرأة تترك منزل الزوجية سنويا نتيجة العنف على يد الزوج.

كما أوضحت نتائج المسح الصحى الذى قام به الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء للأسرة المصرية عام 2021 والذى نشرت نتائجه فى نهاية عام 2022 عددا من المؤشرات جاءت كالتالى :

ختان الإناث

– بلغت نسب الختان بين السيدات اللاتى سبق لهن الزواج 85.6% مقابل 92% فى عام 2014 ، وترتفع نسبة الختان فى الريف عن الحضر، وفي محافظات الوجه القبلي عن محافظات الوجه البحري، حيث بلغت فى الوجه القبلي 91.5% مقابل 84.1% فى الوجه البحري، و62% فى محافظات الحدود.

المصدر : الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء

– ترتبط أيضا نسبة الختان بالحالة التعليمية للسيدات حيث تشير النتائج إلى انخفاض نسب الختان مع ارتفاع المستوى التعليمى لتصل النسبة إلى 82.4% بين السيدات اللاتى أتممن المرحلة الثانوية أو أعلى، مقابل 85.9% بين السيدات اللاتى أتممن المرحلة الإبتدائية، و89.8% اللاتى لم تتم المرحلة الإبتدائية، و94.9% اللاتى لم يسبق لهن الذهاب للمدرسة.

المصدر : الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء

– تشير النتائج إلى انخفاض نسب الختان بين البنات 0- 19 عنها بين السيدات، حيث وصلت نسبة الختان بين البنات من 0-14 إلى 14 % حوالي 8 نقاط أقل من المستوى المسجل في 2014 ، كما انخفضت نسبة الأمهات اللاتى لديهن نية ختان بناتهن في المستقبل إلى 13 % فقط مقارنة بحوالي 35 % في عام  2014 ، وتشير البيانات إلى أن النسبة المتوقعة لختان البنات سوف تصل الى 27% فقط كما يوضح الشكل التالي:

-تظهر النتائج أن ختان البنات 0- 19 يتم في الغالب على يد طبيب، حيث نجد أن حوالى 74% من حالات الختان تمت على يد طبيب بالإضافة الى حوالى 10 % تمت على يد ممرضة ، ويسود هذا النمط فى جميع المناطق الجغرافية.

العنف من قبل الزوج:  

-تشير النتائج إلى أن حوالي 31% أى ثلث السيدات اللاتى سبق لهن الزواج في العمر 15-49 قد تعرضن لصورة من صور العنف من قبل الزوج (أى شكل من أشكال العنف سواء النفسى أو الجسدى أو الجنسى).

-ربع السيدات تقريبا أى 25.5% من السيدات اللاتى سبق لهن الزواج في العمر 15-49 تعرضن للعنف الجسدي، و22.3% للعنف النفسي، و 5.6%  للعنف الجنسي.

-وبالنظر إلى نسب التعرض للعنف حسب نوع العنف المرتكب، يتبين أن السيدات يتعرضن للعنف الجسدي أكثر من أي نوع آخر من أنواع العنف كما يوضح الشكل التالي:

المصدر : الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

العنف ضد النساء ذوات الإعاقة:

قام المجلس القومى للمرأة بالشراكة مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء وبدعم من منظمات الأمم المتحدة بإجراء مسح العنف ضد المراة ذات الإعاقة لعام 2020 – حيث شملت عينة المسح 5616 إمرأة من ذوى الإعاقة –  والتى جاءت أبرز نتائجه كالتالى :

– 61 % من السيدات ذوات الإعاقة تعرضن لشكل من أشكال العنف من قبل أزواجهن فى أى مرحلة من مراحل حياتهن.

-تعرضت 54% من النساء السابق لهن الزواج لعنف نفسى من قبل الزوج ، و43% تعرضن لعنف جسدى من قبل الزوج ، و34% تعرضن لعنف مرتبط بالإعاقة من قبل الزوج.

– 20% من النساء ذوات الإعاقة تعرضن للعنف الجنسى و14% تعرضن لكل من العنف النفسى والجسدى والجنسى والعنف المرتبط بالإعاقة من قبل الزوج فى أى فترة من حياتهن.

-النساء ذوات الإعاقة السمعية الأكثر تعرضا للعنف حيث إن نسبة 50% من النساء السابق لهن الزواج ولديهن إعاقة سمعية شديدة تعرضن للعنف من قبل الزوج، تليهن النساء اللاتى لديهن صعوبات شديدة فى الإعتناء بأنفسهن بواقع 33% ، و32% من النساء تعرضن لعنف جسدى أو جنسى وحدثت لهم إصابات نتيجة هذا العنف، و29% من النساء ممن لديهن صعوبات شديدة فى المشي، و13% من النساء السابق لهن الحمل تعرضن للعنف من قبل الزوج أثناء الحمل وأغلب هذا العنف حدث أكثر من مرة.

العائلة والبيئة المحيطة أبرز أسباب تعرض الفتيات ذوات الإعاقة للعنف

-أوضحت الدراسة أن 35% من المبحوثات تعرضن منذ العمر 15 سنة لعنف نفسى من قبل أفراد العائلة أو البيئة المحيطة ، و28% تعرضن لعنف مرتبط بالإعاقة و25% تعرضن لعنف جسدى وحوالى 10% تعرضن لأى شكل من أشكال العنف الجنسى ، و8% تعرضن للتحرش الجنسى .

النساء ذوات الإعاقة صغيرات السن والقاطنات فى المحافظات الحضرية أكثر تعرضا للعنف

– النساء ذوات الإعاقة صغيرات السن والقاطنات فى المحافظات الحضرية أكثر تعرضا للعنف فى الأماكن العامة من النساء الأكبر سنا أو القاطنات فى الوجه البحرى أو القبلى.

-66% من النساء اللاتى تعرضن للعنف فى الأماكن العامة لم يتخذن أى اجراء لمجابهة هذا العنف .

-النساء اللاتى لديهن إعاقة بصرية أكثر عرضة للتعرض للعنف فى الأماكن العامة عن النساء اللاتى لديهن إعاقات أخرى

– 7% من النساء ذوات الإعاقات المتعددة كان ممارسة العنف ضدهن هو السبب فى حدوث هذه الإعاقات.

– أفاد نحو 5% من النساء ذوات الإعاقة السمعية بأن إعاقتهن حدثت نتيجة تعرضهن للعنف وارتفعت هذه النسبة إلى 6% بين النساء ذوات الاعاقة الحركية وإلى 7% بين النساء ذوات الإعاقات المتعددة .

– 80%من المشاركات فى مسح العنف ضد المرأة ذات الإعاقة تعرضن للختان

– معظم النساء السابق لهن الزواج وافقن بكامل حريتهن ومع ذلك أجبر نحو 14% على الزيجة الحالية أو الزيجة الأخيرة، ونحو 18% تزوجن قبل بلوغهن سن الـ18 سنة .

النساء ذوات الإعاقة البصرية الأعلى فى معدلات الزواج المبكر

-بلغ معدل الزواج المبكر بين النساء ذوات الإعاقة البصرية ما يقرب من ضعف النسبة بين النساء ذوات الإعاقات المتعددة ونحو 9 أضعاف النسبة بين النساء ذوات الإعاقة السمعية (46% مقابل 24% و5% على التوالى).

-شكلت النساء ذوات الإعاقات البصرية النسب الأعلى فى النساء اللاتى أجبرن على الزواج بواقع 18.3% ، تليها النساء ذوات الإعاقات المتعددة بواقع 14.3% ثم ذوات الإعاقات الحركية بواقع 13% ثم الإعاقات السمعية بنسبة 9.3%.

خامسا: جهود الدولة المصرية للقضاء على العنف ضد المرأة

حظيت المرأة خلال العقد الأخير باهتمام غير مسبوق على كافة المستويات مدعوما برغبة قوية من قبل القيادة السياسية على تفعيل كل السبل لتمكين المرأة وحمايتها، وقد وضعت الدولة لتحقيق هذا الغرض إطارا دستوريا وتشريعيا وخطة تنفيذية يتم التعامل من خلالها مع السيدات والفتيات على كل المستويات وفى مختلف المناطق والمحافظات .

وفى إطار سعيها لوقف جميع أنواع العنف ضد المرأة، اتخذت الدولة العديد من الإجراءات الهامة، جاء أبرزها على النحو التالي:  

ألزم دستور 2014 الدولة المصرية فى كل من المادتين 11 و53 بكفالة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة وحمايتها من كل أشكال العنف وتوفير الرعاية والحماية للطفولة والأمومة .

فتنص المادة 11 على أنه ” تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور،وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبا فى المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل ، كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا”.

وفى الماد 53 ينص الدستور على أن ” المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر.التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض”.

وفيما يتعلق بحماية المرأة ذات الإعاقة ينص الدستور فى الماد 81 على ” تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام، صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا ورياضيًا وتعليميًا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالاً لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص ” .

أصدرت الدولة القانون رقم 10 لعام 2021 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات (مواد جريمة ختان الإناث) ، وتضمنت التعديلات حذف أى اشارة الى استخدام المبرر الطبى وفى المادة 61 تم تغليظ العقوبات برفع الحد الأدنى والأقصى للعقوبة واستحداث عقوبات مستقلة للأطباء ومزاولى مهنة التمريض ، كما استحدث القانون ووسع نطاق التأثيم ليشمل صور جديدة لتجريم كل أشكال التحريض أو التشجيع أو الدعوى لإرتكاب الجريمة.

وفيما يتعلق بحماية المرأة ذات الإعاقة، فقد تضمن القانون أحكاما بشأن حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة وحقهم فى بيئة آمنة وحماية قانونية من خلال القانون رقم 10 لعام 2018 والذى صدق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى ، فينص هذا القانون فى الفقرة 14 من المادة 4 على: “توفير البيئة الآمنة للأشخاص ذوي الإعاقة وعدم تعريضهم للاستغلال الاقتصادي أو السياسي أو التجاري أو العنف أو الاعتداء أو التعذيب أو الايذاء أو الإهمال أو التقصير أو المعاملة المهينة أو التأثير على أي حق من حقوقهم، والتحقيق فيما يتعرضون له من إساءة، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والحماية اللازمة التي تتناسب مع قدراتهم.”

– تضمنت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2026) بنودا تنص على ” التنفيذ الفعال لسياسات مكافحة العنف ضد المرأة من خلال زيادة الوعى ” والاستفادة من برامج مناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة وتطوير السياسات التى من شأنها خلق بيئة داعمة للمرأة المعنفة فى الإبلاغ عن مرتكبى العنف للاستفادة من خدمات الحماية .

قام المجلس القومى للمرأة فى عام 2022 بإطلاق نتائج بحث ” العنف ضد المرأة ذات الإعاقة ” والتى أعدها بالتعاون مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة التضامن الاجتماعى وهى الدراسة الأولى من نوعها فى المنطقة العربية.

– نفذ المجلس القومى للمرأة بالشراكة مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وبددعم من اليونسيف أول مسح قومى عن ” التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعى فى مصر ” عام 2015 .

– إطلاق المجلس القومى للمرأة الاستراتيجية الوطنية للقضاء على العنف ضد المرأة 2015-2020 ، وتدشين وحدة خاصة لمتابعة وتنفيذ هذه الاستراتيجية، وذلك بالتنسيق والتعاون مع مختلف أجهزة الدولة المعنية .

– إطلاق المجلس لـ”الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030″ فى إطار أهداف التنمية المستدامة، وبما يتماشى مع رؤية مصر 2030، حيث تُقر الإستراتيجية بأهمية التصدي للعنف ضد المرأة وحماية المرأة من جميع أشكال العنف.

– إنشاء مكتب شكاوى المجلس القومي للمرأة الذي يضم شبكة داعمين قانونيين، ويقدم خدمات دعم نفسي واجتماعي وإحالة للجهات المعنية.

– إطلاق المجلس القومي للمرأة حملة الـ”16 يوما ” لمناهضة العنف ضد المرأة، وذلك تحت شعار ” كونى” ، إلى جانب إطلاق حملة ” احميها من الختان” والتى تتضمن أنشطة توعوية متنوعة تستهدف منع هذه الجريمة

– إطلاق حملة ” لم الشمل” بالتعاون مع الأزهر الشريف والتى تستهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الفتيات والشباب حول العنف الأسرى .

– إصدار رئيس الوزراء قرارا بإنشاء ” الوحدة المجمعة لحماية المرأة من العنف” تضم القطاعات والجهات المعنية، وتهدف إلى تلقي الشكاوى والبلاغات المتعلقة بقضايا العنف ضد المرأة، وذلك عن طريق ممثلي الوزارات والجهات المعنية بالوحدة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لفحصها والتصرف فيها، وفقا للقواعد القانونية المقررة، والتواصل والتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية بشأنها، حتى البت فيها، لتمكين الضحايا من تقديم شكاواهن وبلاغاتهن ومتابعتها عن طريق مكان واحد تيسيرا للإجراءات، وبما يضمن حماية حقوقهن والحفاظ عليها.

– إنشاء اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث بالتزامن مع فعاليات اليوم العالمى والوطنى لمناهضة ختان الإناث، وذلك فى مايو 2019.

-أطلقت اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث الخطة الوطنية للقضاء على تشويه الأعضاء التناسلية (2022- 2026) بهدف القضاء بشكل كامل على ختان الإناث ورفع وعى المصريين للقضاء على هذه الجريمة

-التوسع فى إنشاء وحدات مناهضة العنف ضد المرأة بالجامعات لتصل إلى 27 وحدة على مستوى الجمهورية تقوم بجانب تلقى الشكاوى بعدد من الأنشطة التى تستهدف رفع التوعية الحقوقية للسيدات، كما تم إعداد دليل اجرائى لدعم أنشطة وحدات مناهضة العنف ضد المراة بالجامعات المصرية.

-إنشاء حدات استجابة طبية داخل المستشفيات الجامعية، ووحدة لمناهضة العنف ضد المرأة بوزارة العدل ووحدات بمديريات وزارة الداخلية و27 مكتب رقمي لمكاتب الأسرة بالنيابة العامة .

– استحدثت وزارة الداخلية إدارة خاصة لمواجهة العنف ضد المرأة وتضم هذه الوحدة ضباطا من الرجال والنساء  تم تدريبهم على التعامل مع هذا النوع من العنف ورصده ، مع تخصيص خطوطا ساخنة لتلقى البلاغات بشكل سرى .

– قامت وزارة العدل بموجب بروتكول التعاون مع المجلس القومى للمرأة بانشاء لجن لحماية المرأة من العنف مهمتها مراجعة التشريعات المعنية بالعنف فضلا عن التقدم بالمقترحات التشريعية اللازمة.

– قامت الدولة بإنشاء وحدات للرعاية الأولية وتجهيز مراكز خدمة المرأة العاملة ومشروعات للحماية الاجتماعية للمرأة المعنفة.

– أطلقت وزارة التضامن الاجتماعى حملة ” متخافيش…اتكلمى”بهدف توعية الفتيات بأشكال الإبتزاز الالكترونى وطرق الوقاية منه وكيفية التصدى له والتعريف بالآليات القانونية للإبلاغ عنه فى مكاتب الشكاوى ومراحل التقاضى وسريته وكيفية حماية المعلومات الشخصية على الهاتف المحمول ووسائل التواصل الاجتماعى

 – قامت وزارة التضامن الاجتماعى بانشاء بيوتا آمنة للنساء لايواء ضحايا العنف من خلال مراكز لاستضافة السيدات والفتيات المعنفات ومساعدتهن على حل المشكلات الخاصة بهن مع توفير الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية والقانونية من خلال 9 مراكز منتشرة على مستوى محافظات الجمهورية.

سادسا: مقترحات للحد من ظاهرة العنف ضد المرأة

على الرغم من الجهود الكبيرة وغير المسبوقة التى قامت بها الدولة المصرية للقضاء على كافة ممارسات العنف ضد المرأة ، إلا أنه يمكن بذل المزيد من الجهود التى يمكن إجمالها فى الآتى :

1- إدارج ممارسات العنف ضد المرأة فى المسوح الديموجرافية والصحية التى ترصد وتضع المعلومات الدقيقة حول الخصائص السكانية.

2- إنشاء قاعدة بيانات عن حجم وخصائص ممارسات العنف ضد المرأة وطبيعتها.

3- توثيق ممارسات العنف ضد المرأة وتقدير معدلاته وعواقبه من أجل وضع الخطط الكفيلة بمنع هذه الممارسات.

4- التوسع فى إجراء البحوث والدراسات حول أسباب وتداعيات العنف الممارس ضد المرأة مع تحديد الاجراءات الفعالة اللازمة لمنع هذه الممارسات مستقبلا

5- التوسع فى إشراك مؤسسات المجتمع المدنى وقادة الشباب والقطاع الخاص فى دراسة مسببات العنف ضد الفتيات والسيدات مع توفير التمويل اللازم لذلك

6- تزويد الناجيات من العنف بالدعم النفسى والاجتماعى وبرامج التمكين الاقتصادى والاجتماعى .

7- وضع برنامج قومى للعمل مع الأزواج وتزويدهم ببرامج تستهدف تحسين مهارات التواصل وإقامة علاقات زوجية سليمة.

8- وضع برنامج ثقافى قومى يستهدف زيادة وعى المجتمع وتغيير كافة المعايير التى تروج لعدم المساواة بين الجنسين.

9- تزويد المناهج الدراسية ببرامج تعزز قيم المساواة بين الجنسين.

10- تشجيع الفتيات والسيدات على الابلاغ الفورى عن أى محاولات لممارسة العنف ضدهن وابلاغ الجهات المعنية فور وقوع هذه الجرائم.

11- تفنيد بعض المعتقدات الذكورية والتفسيرات الدينية الخاطئة – من خلال وسائل الاعلام التقليدية والجديدة – التى تحط من قدر المرأة وتعتبر ممارسة العنف ضدها أمرا عاديا ، ويمكن استخدام الأعمال الدرامية بشكل فاعل فى هذا الصدد.

المراجع..

1-دراسة العنف ضد المرأة ذات الإعاقة، المجلس القومى للمرأة بالتعاون مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء وهيئة الأمم المتحدة للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان .

2- دراسة محددات العنف الزوجى ضد المرأة فى مصر، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء بدعم من اليونسيف.

3-تقرير الجهود الوطنية لحماية حقوق المرأة بمناسبة اليوم الدولي للمرأة 8 مارس 2022 ، المجلس القومى للمرأة.

4- المسح الصحى للأسرة المصرية 2021، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

5- الموقع الرسمى لمنظمة الصحة العالمية.

6- الموقع الرسمى للمجلس القومى للمرأة.

 

 

The post مؤشرات العنف ضد المرأة عالميا ومحليا..وذوات الإعاقة الأكثر معاناة appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
7665
“دراية” ترصد “جرائم حرب” قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني فى غزة https://draya-eg.org/2023/11/08/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%b1%d8%b5%d8%af-%d8%ac%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%85-%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a8%d8%ad%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d9%81%d9%89-%d8%ba%d8%b2%d8%a9/ Wed, 08 Nov 2023 11:42:15 +0000 https://draya-eg.org/?p=7387 لم يشهد التاريخ الإنساني منذ الحرب العالمية الثانية أبشع من الجرائم التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي المحتل ضد الشعب الفلسطيني، فمنذ بداية احتلال إسرائيل لأرض فلسطين فى 1948، ارتكبت كافة أشكال الجرائم والانتهاكات التي لن تمحى من ذاكرة الانسانية مهما طال الزمن، فالمذابح الجماعية التي ارتكبتها دولة الاحتلال فى دير ياسين والتشريد والتهجير فى 1948، ومجزرة …

The post “دراية” ترصد “جرائم حرب” قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني فى غزة appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
لم يشهد التاريخ الإنساني منذ الحرب العالمية الثانية أبشع من الجرائم التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي المحتل ضد الشعب الفلسطيني، فمنذ بداية احتلال إسرائيل لأرض فلسطين فى 1948، ارتكبت كافة أشكال الجرائم والانتهاكات التي لن تمحى من ذاكرة الانسانية مهما طال الزمن، فالمذابح الجماعية التي ارتكبتها دولة الاحتلال فى دير ياسين والتشريد والتهجير فى 1948، ومجزرة صبرا وشتيلا فى 1982، والجرائم البشعة خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987، ومحرقة غزة فى 2008.. ليست إلا نقطة فى بحر سجل إجرامي لا يمكن حصره فى ظل تواطئ دولي واضح وسافر شكل دافعاً لدولة الاحتلال أن تزيد من قسوة ووحشية عدوانها على شعب أعزل يدافع عن أرضه وحقه في الحياة.    

وعلى الرغم من كون عملية “طوفان الأقصى” التي انطلقت فى السابع من أكتوبر 2023، نتيجة منطقية للاستفزازات والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وسياساته التي انطوت على تمييز مجحف وممنهج، واغتصاب للأراضي بدون حق، وتهجير قسري لأصحاب الأرض، وزحفٍ استيطاني متنامي، إلا أن قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي أعطت لنفسها الحق وبمباركة دولية لمعاقبة الشعب الفلسطيني على رغبته فى تحرير أرضه، وقامت بالهجوم الوحشي على سكان قطاع غزة الذى وُصف بالأعنف فى سلسلة الإعتداءات الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وذلك باستخدام كافه أنواع الأسلحة المحرمة دولياً ليسجل التاريخ أشد أنواع التنكيل والجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال  بحق سكان القطاع البالغ عددهم حوالي 2.23 مليون نسمة، ترتقي غالبيتها لأن تكون جرائم حرب بحسب القوانين الدولية، حيث تم انتهاك أكثر من 12 اتفاقية وقرارًا ونصًا قانونيًا صادرًا عن أعلى هيئات أممية عالمية ووقعت عليه أكثر من 170 دولة.

وفي هذا الصدد، يرصد المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” من خلال هذا التقرير التوثيقي انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأفعاله الإجرامية التي يمارسها ضد الفلسطينيين وحقِّهم في أرضهم ومقدساتهم في فلسطين المحتلة، في انتهاك صارخ لكافة القوانين والمواثيق الدولية الإنسانية.

بداية وجدنا أنه بالأهمية بمكان توضيح ماهية جرائم الحرب في القانون الدولي حيث:

 تُعرّف “جرائم الحرب” بمفهومها المطلق بأنها: “انتهاكات جسيمة للقانون الدولي تُرتكب ضد مدنيين أو مقاتلين أثناء نزاع مسلح، وتؤدي إلى تحميل مرتكبيها مسئولية جنائية فردية، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان”، وتنطبق هذه الجرائم على كافة الانتهاكات التي تطال اتفاقيات جنيف التي أٌقرت في 1949 في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وقد أدرج هذا التعريف في المادة الثامنة من “نظام روما” وهي المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية التي تم اعتمادها في يونيو 1998، إذ تعرف المادة رقم (8) من “نظام روما” الأساسي جرائم الحرب على أنها: الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب وأعرافها المطبقة في النزاعات المسلحة الدولية”، استناداً بصفة أساسية إلى إعلان لاهاي لعام 1899 ولائحة عام 1907 المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة، وبروتوكول جنيف لعام 1925، واتفاقية لاهاي عام 1954 وبروتوكوليها، واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، واتفاقية عام 1994 بشأن سلامة موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.

ويشير البعض الآخر لمفهوم جرائم الحرب بأنه: “الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب وأعرافها المطبقة في النزاعات المسلحة غير الدولية”، استناداً في المقام الأول إلى المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، والبروتوكول الاختياري لعام 1999 الملحق باتفاقية لاهاي لعام 1954، واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، واتفاقية عام 1994 المتعلقة بسلامة موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها، والنظام الأساسي للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين لرواندا ويوغوسلافيا السابقة، والنظام الأساسي للمحكمة الخاصة لسيراليون”.

ووفق “نظام روما” فإن تلك الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية تشمل نواحي متعددة منها:

  • القتل العمد، والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وإجراء تجارب بيولوجية، أو إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها، دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عبثة.
  • كذلك الهجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية، أو تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية.
  • وتشمل تلك الانتهاكات أيضاً تعمُّد توجيه هجمات ضدّ المباني المخصصة للأغراض الصحية والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى وأماكن الأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، وغيرها من الأهداف التي لا تعتبر عسكرية.
  • كما تتضمن أيضاً شن هجمات ضد موظفين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملاً بميثاق الأمم المتحدة.
  • وكذلك إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولية معادية، تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية، والإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع،
  • كما حددت أيضاً مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية، بأية وسيلة كانت، وقيام دولة الاحتلال، على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها.
  • وتشمل جرائم الحرب أيضاً استخدام الغاز أو الأسلحة المحظورة بشكل عام التي يمكن أن تسبب “معاناة لا داعي لها” أو “القصف العشوائي”، مثل الأسلحة العنقودية أو الكيماوية أو النووية…وغيرها

وفي الإطار نفسه يجدر التأكيد على أن:

القانون الدولي الإنساني والجنائي يحظرا أيضاً إقامة الحصارات وتعمد تجويع المدنيين باعتباره أسلوبًا من أساليب الحرب، كما تحظى الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين بحماية خاصة، وتشمل هذه الأعيان والمواد: المواد الغذائية، والمناطق الزراعية التي تنتجها، والمحاصيل، والماشية، ومرافق مياه الشرب وشبكاتها، وأشغال الري، فيحظر مهاجمتها أو تدميرها أو نقلها أو تعطيلها بأي شكل آخر.

وبالمثل، ومن شأن احترام قواعد القانون الدولي وقت الحروب والنزاعات أن يسهم بدور مهم في الحيلولة دون انعدام الأمن الغذائي، مثل القواعد المتعلقة بحماية البيئة والقيود المفروضة على الحصار ووصول مواد الإغاثة الإنسانية.

وتختص المحكمة الجنائية الدولية بالقضاء والفصل في جرائم الحرب، وهذه الهيئة القضائية الدولية التي تتخذ في “لاهاي” بهولندا مقراً لها أنشئت في 2002 لتحاكم بالتحديد مرتكبي هذا النوع من الجرائم وكذلك الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وفي عام 2017 أضافت الدول الـ 123 الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية (وليس بينها الولايات المتحدة وروسيا) جريمة العدوان إلى اختصاص القضاء الدولي، والتي تعني الاعتراف بالاعتداء على سيادة دولة من قبل دولة أخرى والسماح بمحاكمة قادتها، أي أن «جريمة العدوان» واردة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لكنها لم تدخل حيز التنفيذ بسبب طبيعتها السياسية.

رصد جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني بقطاع غزة:

منذ السابع من أكتوبر 2023، وجيش الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جميع أشكال جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني من سكان قطاع غزة، والتي يمكن حصرها على النحو التالي:  

  • أولاً: جرائم الإبادة الجماعية

توعد رئيس وزراء دولة الاحتلال الاسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بتحويل غزة إلى “أنقاض”، وصرح وزير الدفاع بدولة الاحتلال “يواف غالانت” قائلاً: “نحن نفرض حصاراً كاملاً على “قطاع غزة” فلا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود وكل شيء مغلق، فإننا نحارب حيوانات بشرية –على حد تعبيره-، ونتصرف وفقا لذلك”، متوعداً أهل غزة العزل بأنهم سيرون جهنم.

وتُشكل هذه التصريحات وما تلاها من تصرفات وانتهاكات على مدار الأسابيع الماضية تحريضاً مباشراً على ارتكاب جريمة “الإبادة الجماعية” المحرمة بموجب مواد القانون الدولي، فقد حددت المادة السادسة من “نظام روما” الأساسي بشأن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية سنة 2002 جرائم الإبادة الجماعية، وقد عرفتها اتفاقية الأمم المتحدة بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية، المعاقب عليها فى المادة الثانية، حيث تضمنت أنه: يُراد بجريمة الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التي ترتكب بقصد التدمير الكلى أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، وذلك بقصد قتل أعضاء من الجماعة أو إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة أو إخضاع الجماعة، عمداً ، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، أو فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة أو نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.

ويمثل ما سبق بعض صور جرائم الإبادة الجماعية التي شاهدناها فى الأسابيع الماضية، والتي تثبت يقيناً أن دولة الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت في حربها الغاشمة بقطاع غزة كافة الجرائم سالفة الذكر، وهي بالطبع جرائم حرب وعقاب وإبادة جماعية طبقاً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وطبقاً لاتفاقيات جنيف الأربع وقانون المحكمة الجنائية الدولية، وذلك لعلم الجناة يقيناً بجرائم الإبادة الجماعية وسوابقهم الجنائية المتعددة فى هذا الشأن والتي شهد بها العالم أجمع.

  • ثانياً: فرض الحصار ومنع دخول الإغاثات الإنسانية

وفقًا للقانون الدولي الإنساني، وطبقاً لتصريحات مسئولي المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فإن فرض الحصار الذي من شأنه تهديد حياة المدنيين بحرمانهم من السلع والخدمات الأساسية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة هو أمر مخالف للقانون الدولي الإنساني، وما لم يكن هناك ضرورة عسكرية تبرره، فإنه يُصنف كأحد مظاهر العقاب الجماعي الذي تُجرمه اتفاقية جنيف للقانون الدولي في البروتوكول الثالث في المادة 87 والبروتوكول الرابع في المادة 33 وملحقها في المادة 50، والقاعدة رقم 103 من القانون الدولي الإنساني العرفي.

كما أن فرض قيود على حركة الأفراد والبضائع الذي من شأنه تهديد حياة المدنيين هو أمر محظور بموجب القانون الدولي، وبناء عليه، يعتبر فرض “الحصار الكامل” على قطاع غزة وحظر دخول الغذاء والوقود والمساعدات الطبية جريمة حرب كاملة الأركان، وهو ما صرح به المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية “كريم خان” أثناء زيارته لمعبر رفح الحدودي فى 29 أكتوبر 2023، حيث قال أن: “عرقلة إمدادات الإغاثة لسكان غزة تشكل جريمة بموجب اختصاص المحكمة”.

  • ثالثاً: اتباع سياسة التجويع

تُستتبع جريمة الحصار بجريمة أخرى وهي التجويع، حيث اتهمت منظمة “أوكسفام” OXFAM، في أحدث بياناتها إسرائيل باستخدام التجويع سلاح حرب ضد المدنيين في غزة، مؤكدة في هذا السياق أن نحو 2% فقط من المواد الغذائية اللازمة سُمح بدخولها لغزة، أي أن المدنيين في غزة لا يتوافر لديهم أبسط مقومات الحياة من الغذاء والماء، ولا يجدون ما يسدوا بهم جوع أطفالهم الأبرياء، ويُعد هذا انتهاكاً صارخاً لأبسط حقوق الانسان، وهو ما يخالف كافة القوانين والأعراف الإنسانية والاتفاقيات الدولية.

  • رابعاً: التهجير القسري

يُعرف القانون الدولي التهجير القسري بأنه إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، وقد عرف أيضاً القضاء الجنائي الدولي التهجير القسري بأنه جريمة ضد الإنسانية ترتكب لإبعاد مجموعة من الأشخاص عن موطنهم الأصلي إلى مكان آخر لأغراض سياسية أو عرقية أو دينية أو أغراض أخري.

ويعد التهجير القسري انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، ومخالفة صريحة لأحكام القانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي، ولاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين وقت النزاعات المسلحة الدولية، والبروتوكولين الإضافيين اللذين أصدرتهما الأمم المتحدة سنة 1977 والمتعلقين بحماية المدنيين وقت النزاعات المسلحة الداخلية والدولية، كما يعتبر مخالفاً لاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 47/133 المؤرخ 18 ديسمبر 1992، والتي تنص في مادتها الأولي أنه: 

  • لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري.
  • لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري. 

ويعد ما سبق توصيفاً دقيقاً لممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته الصارخة التي يرتكبها ضد الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، حيث يُشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) في آخر تحديث لبياناته أن ما يقرب من مليون و400 ألف فلسطيني، بقطاع غزة قد أجبروا على ترك منازلهم، بعد أن تم تدميرها بالكامل إثر القصف الجوي لقوات الاحتلال، نصفهم يتواجد في مراكز الإيواء خاصة بمدراس وكالة الغوث الدولية.

كما ألقى الطيران الإسرائيلي منشورات فوق مناطق شمال غزة تأمر سكانها بالتحرك صوب الجنوب، وتم إرسال تحذيرات عبر الهواتف المحمولة في أنحاء قطاع غزة.

ومن ثم، تُعد هذه الانتهاكات جريمة إسرائيلية جديدة ضد الإنسانية تستهدف تهجير سكان غزة من المدنيين قسراً، وإجبارهم على ترك منازلهم دون مبررات يسمح بها القانون الدولي.

  • خامساً: قتل الأطفال والنساء واستهداف المدنيين

ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين المدنيين وبخاصة الأطفال والنساء وكبار السن، إذ وصل عدد المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في حق المدنيين بقطاع غزة إلى أكثر من 1031 مجزرة، أدت إلى استشهاد أكثر من 10165 فلسطينياً، من بينهم أكثر من 4104 طفلاً، ونحو 2500 سيدة، بالإضافة لأكثر من 27000 مصاباً، بخلاف نحو 163 شهيداً بالضفة الغربية، و2250 جريحاً في الضفة الغربية، وفقاً لأحدث بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، ولازالت الانتهاكات مستمرة وعدد الضحايا والمصابين في زيادة ساعة بعد ساعة،  كما أدى القصف إلى شطب أكثر من 100 عائلة فلسطينية كاملة من سجلات الحالة المدنية عقب استشهاد أفرادها.

فما أقدمت عليه قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي من قصف عشوائي للمدنيين والبنيات التحتية، يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية التي تستوجب المحاسبة وفق المادة الثالثة من اتفاقية جنيف، كما يتعارض مع ما جاء في البروتوكولين المكملين خاصة المادة 51، فاستعمال جيش الاحتلال الاسرائيلي للقوة المفرطة والمميتة في حق سكان غزة بشكل لم يسبق له مثيل يتعارض مع مبدأي “التمييز” و”التناسب”، إذ ينبغي وقت الحروب والنزاعات التمييز          – وفق القانون الدولي الإنساني – بين العسكريين وبين المدنيين، والرد بشكل متناسب في القوة دون المساس بالمدنيين والبنيات المدنية خاصة المستشفيات، وهو ما يدفعنا للانتقال لجريمة حرب أخرى يعاقب عليها القانون الدولي.

  • سادساً: هدم المنازل والمنشآت المدنية كالمستشفيات والمدارس

تقوم الطائرات الحربية لجيش الاحتلال الإسرائيلي بهدم المنازل والمنشآت المدنية فوق رؤوس سكانها دون سابق إنذار، متبعة في ذلك سياسة الأرض المحروقة، إذ قامت بتدمير قرابة 32 آلف مبنى بشكل كامل ونحو 200 ألف وحدة سكنية أخرى حدث بها أضراراً بالغة ولم تعد صالحة، ولا يزال أكثر من 2500 شخص مفقودين تحت ركام منازلهم.

كما قامت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي مساء يوم الثلاثين من أكتوبر 2023 بتدمير حياً سكنياً كاملاً وسط مخيم “جباليا” شمالي غزة، أسفرت هذه المجزرة عن سقوط نحو 400 شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء وخلفت مئات من الجرحى والمصابين من المدنيين العزل.

وعلى مستوى الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاه المستشفيات والمراكز الطبية بالقطاع، يُمثل قصف مستشفى المعمداني فى 17 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن استشهاد نحو 500 مدنياً فلسطينياً غالبيتهم من الأطفال، مجزرة جديدة وجريمة حرب أخرى مكتملة الأركان تضاف إلى الجرائم التي ترتكبها إسرائيل على مرأى ومسمع ومشهد من العالم أجمع، والتي تعد انتهاكاً جسيماً لكافة أعراف القانون الجنائي الدولي وبنود كافة الاتفاقيات الدولية، فحماية المدنيين هي أساس اتفاقية جنيف الدولية، والتي تم توقيعها في 12 أغسطس 1949.

ويعد ذلك أيضاً مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي الإنساني وبخاصة القاعدة 55 منه، التي تعتبر المدارس والمستشفيات خطوطاً حمراء محمية بموجب القانون الدولي.

هذا وقد ذكرت وزارة “الصحة الفلسطينية” خلال مؤتمر صحفي في الرابع من نوفمبر 2023 أنه تم استشهاد 150 من الطواقم الطبية وتدمير 57 سيارة إسعاف، كما تعمدت قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي استهداف 105 من المؤسسات الصحية وأخرج 16 مستشفى عن الخدمة.

كما أن قوات الاحتلال استهدفت محيط مستشفى القدس بغزة أكثر من مرة، وغيره من المستشفيات الأخرى التي أمرت بإخلائها كمستشفى الشفاء والمستشفى الإندونيسي شمالي القطاع.

كما قامت قوات جيش الاحتلال بارتكاب مجزرة وجريمة إنسانية أخرى مساء الثالث من فبراير 2023، عندما استهدفت قافلة سيارات إسعاف أثناء تحركها لنقل مصابين وجرحى إلى جنوب قطاع غزة، فضلًا عن القصف الذي طال مدخل مجمع الشفاء الطبي، وأسفر عن مقتل عدد من المواطنين وإصابة المئات بجروح، كما قامت قوات جيش الاحتلال وفي اليوم نفسه بقصف مداخل مستشفى القدس بجانب المستشفى الإندونيسي.

وفق آخر تصريحات الدكتور أشرف القدرة، الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، تم استهداف نحو 57 مؤسسة صحية بالقطاع، من أصل 72 مركزا صحياً، مما أدى لانهيار المنظومة الصحية في القطاع في ظل وجود آلاف الجرحى والمرضى ونقص الوقود والأعداد الكبيرة للإصابات التي تفوق قدرة المستشفيات الاستيعابية، إذ بلغت نسبة الإشغال السريري داخل ما تبقى من مستشفيات 170 %.

ولم تنجو الطواقم الطبية وطواقم الإسعاف من قصف طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي المتواصل بقطاع غزة حيث تم استشهاد 150 من الطواقم الطبية، كما تعرضت نحو 45 مهمة إسعاف لاستهداف من طائرات حربية إسرائيلية، وتم تدمير نحو 60 سيارة إسعاف، مما أدى لمقتل أكثر من 20 طواقم الإسعاف وإصابة العشرات من المسعفين والطواقم الطبية، وهي من الفئات المحمية وفقاً للقانون الدولي الإنساني.

وفي خضم العدوان المستعمر على قطاع غزة والذي دخل شهره الثاني، بات استهداف المستشفيات هو العنوان الأبرز للمجازر الإسرائيلية، إذ يعد هذا الاستهداف المتعمد لما تبقى من المستشفيات، والمراكز الصحية، وسيارات الإسعاف، والطواقم الطبية والإسعافية العاملة في قطاع غزة، تعميق للإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال في قطاع غزة، وحرمان المواطنين والمرضى من حقهم في أبسط أشكال العلاج الطبي، وبخاصة بعد توقف الكثير من تلك المستشفيات عن العمل وتقديم خدماتها الطبية للمرضى والجرحى والمصابين نتيجة لنفاذ الوقود والمستلزمات الطبية والأدوية.

وبحسب بيانات رسمية فقد قامت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي بتدمير نحو 85 مقراً حكومياُ بشكل كامل، كما تعرضت 203 مدرسة لأضرار متنوعة، خرج منها نحو 50 مدرسة من الخدمة تماماً، كما دمر الاحتلال نحو 47 مسجداً كانت تستخدم لإيواء النازحين من سكان غزة، كما دُمرت 3 كنائس بشكل كامل ولم تعد صالحة هي الأخرى لاستقبال النازحين، ومن حين لآخر يتم التهديد بقصف مركز ثقافي أرثوذكسي ومدرسة فيهما أكثر من 1500 نازحاً.

الأمر الذي يعد جريمة حرب وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وكل الاتفاقيات الدولية، وفق تصريحات اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تؤكد في هذا السياق على عدم قانونية استهداف مواقع قد تخلف خسائر عرضية في أرواح المدنيين أو إلحاق الضرر بأهداف مدنية بشكل مبالغ فيه، بغض النظر عن أي مكاسب عسكرية مباشرة وملموسة يُتوقع تحقيقها، كما أن مبدأ الحيطة، بموجب القانون الدولي الإنساني، فيلزم أطراف النزاع بتجنب أو تقليل الضرر الذي يلحق بالسكان المدنيين وبكافة المنشآت المدنية كالمستشفيات والمدراس ومخيمات اللاجئين، والتي تعد خطوط حمراء وقت الحروب والنزاعات المسلحة.

  • سابعاً: استهداف منظمات الإغاثة الدولية وموظفيها

فقد فقدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” التابعة للأمم المتحدة وحدها نحو 88 من موظفيها في قطاع غزة؛ وهو العدد الأكبر من القتلى الذي تسجله الأمم المتحدة في صراع واحد على الإطلاق، بعدما قُتل العديد منهم أثناء وجودهم داخل منازلهم مع عائلاتهم، وفقاً لتصريحات “فيليب لازاريني”، المفوض العام للوكالة والذي أكد أن نحو 40 مبنى للأونروا قد تعرض للقصف، مما أدى لتدميره بشكل كامل، منها مدارس ومستودعات، وتعرض العديد من المباني الإغاثية الأخرى للأضرار البالغة بسبب الغارات الإسرائيلية، كان آخرها مدرسة “الفاخورة” التي كانت تأوي آلاف اللاجئين شمال قطاع غزة.

كما أعلنت كافة المنظمات الدولية الإنسانية العاملة في مناطق قطاع غزة كمنظمات “الصحة العالمية” و”الصليب الأحمر” و”اليونيسف” … وغيرها انقطاع الاتصال بطواقمها في غزة، وأنذرت المجتمع الدولي خلال الأيام السابقة أنها تعمل في ظل ظروف صعبة للغاية وسط انقطاع الانترنت والاتصالات الهاتفية والخلوية، فضلاً عن النقص الهائل في الموارد التي تضمن لها الاستمرار في تقديم خدماتها للمتضررين في القطاع.

  • ثامناً: قتل الصحفيين وقمع الآراء المعارضة للتصعيد الإسرائيلي

أعلنت منظمة “مراسلون بلا حدود” وهي منظمة غير حكومية في أول نوفمبر 2023 أنها رفعت دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب “جرائم حرب” بحق صحفيين خلال الأحداث الأخيرة التي يشهدها قطاع غزة، وجاء في بيان إعلامي للمنظمة أنها تقدمت بشكوى تتعلق بجرائم حرب إلى مكتب المدعي العام للمحمة الجنائية الدولية في 31 أكتوبر 2023، تتضمن تفاصيل حالات أكثر من 10 صحفيين قتلوا من السابع من أكتوبر واثنين آخرين أصيبا أثناء ممارسة عملهم، من أصل نحو 36 صحفياً آخر قتلوا خلال معركة “طوفان الأقصى”، وتعد هذه الحصيلة هي الأكبر التي تقع بين صفوف الصحفيين الذين يغطون النزاع منذ تأسيسها عام 1992.

وهو نفس العدد الذي ذكره المكتب الإعلامي الحكومي بغزة في بيانه الصادر في الرابع من نوفمبر 2024، حيث أكد البيان أن نحو 46 صحفياً قتلوا منذ اندلاع الأحداث الأخيرة جراء القصف الإسرائيلي المتوحش، ومن جهتها أفادت لجنة حماية الصحفيين أن الحرب التي تقودها قوات جيش الاحتلال على غزة هي الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين الذين يغطون الصراعات في المناطق الساخنة منذ أكثر من 30 عاماً.

وأثناء التغطيات الإعلامية للأحداث نجد أن قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي تمارس انتهاكات صارخة تحاول من خلالها التعتيم على الأصوات الداعمة للفلسطينيين وقمع الآراء المعاضة من خلال حملات اعتقال واسعة داخل القطاع وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية وصفها المراقبون بأنها الأوسع والأعلى منذ سنوات، فبحسب صحيفة “هارتس” الاسرائيلية وفي تقرير إخباري منشور عبر موقعها الإلكتروني بتاريخ 20 أكتوبر 2023، تقول إنه تم طرد وسجن المئات من عرب إسرائيل والفلسطينيين في مدينة القدس الشرقية المحتلة من العمل والجامعة بسب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي يتضامنون فيها مع قطاع غزة.

بالإضافة إلى تدمير حوالي 50 مركزاً ومقراً لمؤسسات إعلامية نتيجة القصف العشوائي العنيف منها وفقاً لتقرير حديث صادر عن لجنة الحريات التابعة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، يأتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: شبكة الأقصى الإعلامية، وكالة معاً الإخبارية، وكالة سوا، وكالة شهاب، صحيفة القدس، إذاعة بلدنا، إذاعة زمن، وكالة الوطنية، وكالة خبر، صحيفة الأيام، شركة ايفنت للخدمات الإعلامية، مؤسسة فضل شناعة، إذاعة القرآن الكريم، وكالة شمس نيوز، وكالة APA، مكتب شبكة الجزيرة الإخبارية، تلفزيون فلسطين، مكتب وكالة الأنباء الفرنسة… وغيرها.

فضلاً عن الاستهداف المباشر المقصود بحق الصحفيين والمراسلين والذي يشكل من وجهة نظر الحقوقيين قتلاً للحقيقة ويمثل جريمة حرب بموجب نظام المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسي لسنة 1998، إذ أن الاعتداء على الصحفيين لا يؤخذ بسياق أحادي لمجرد اعتباره جريمة، بل يدخل في إطار تصنيف أشد انتهاكاً بموجب القواعد والاتفاقات المشار إليها مسبقاً.

كما أن الصحفيين ووفقاً للمادة الرابعة من اتفاقية جيف الثالثة، والمادة 79 من اتفاقية جيف الرابعة لعام 1949، وما أعقبها من بروتوكولات ملحقة عام 1977، يتمتعون بالحماية العامة الممنوحة للمدنيين بصورة أساسية، إذ تمثل هذه الاتفاقيات أفضل وسيلة عمومية لحماية الصحفيين الذين يعملون في مناطق الخطر والحروب، وبناءًا عليه وجبت لهم الحماية القانونية ضد أي اعتداء أو انتهاكات أو تهديدات قد يتعرضون لها.

وقد نص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2222 على ضرورة حماية الصحفيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم والذين يغطون حالات النزاع والحروب كمدنيين، ويشير القرار أيضاً إلى المعدات والمكاتب والاستديوهات الإعلامية، وهي أصول مدنية وليست ممتلكات عسكرية وبالتالي يجب ألا تكون هدفاً لهجمات أو اعمال انتقامية، وهو الأمر الذي انتهكته قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاً جسيماً أمام مرأي ومسمع من الجميع، مما يضع مسئوليها تحت طائلة القانون الدولي.

  • تاسعاً: استخدام أسلحة محرمة دولياً

منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى كتابة هذه السطور، تعسفت إسرائيل في استخدامها لكم هائل من المتفجرات تم إلقائه على قطاع غزة، حيث أسقطت أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات -أي يصل نصيب الفرد قرابة  12 كيلو جرام من المتفجرات- بما يعادل قنبلتين نوويتين، وذلك وفقا لما ذكره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان‏، هو منظمة دولية مستقلة تعنى بقضايا حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا ومقره جنيف.

وذكر المرصد الأورومتوسطي في تقرير له أن حجم المتفجرات التي استخدمها جيش الاحتلال تجاوز وزن القنبلة النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة الأمريكية على “هيروشيما” و “ناجازاكي” في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 ، والتي تُقدر بنحو 15 ألف طن من المتفجرات. هذا فضلا عن أن التطور الذي طرأ على زيادة وفاعلية القنابل مع ثبات كمية المتفجرات قد يجعل الكمية التي أسقطت على غزة ضعفي قنبلة نووية، علما بأن إسرائيل تعمدت استخدام خليط يعرف بـ”آر دي إكس” (RDX) الذي يطلق عليه اسم “علم المتفجرات الكامل”، وتعادل قوته 1.34 قوة “تي إن تي”، بحسب ما جاء في تقرير المرصد.

كما أشار تقرير المرصد إلى أن مساحة المدينة اليابانية كانت تقدر بنحو 900 كيلومتر مربع، بينما مساحة قطاع غزة لا تزيد على 360 كيلومترا، مما يعنى أن القوة التدميرية للمتفجرات التي ألقيت على غزة منذ اندلاع العدوان الغاشم تزيد عن تلك التي ألقيت على هيروشيما.

هذا وقد صرح الجيش الإسرائيلي بأن طائراته استهدفت أكثر من 12 ألف هدف داخل قطاع غزة فقط، وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف غالانت” بإسقاط أكثر من 10 آلاف قنبلة على مدينة غزوة، علما بأن وزن القنبلة قد يصل إلى 1000 كيلوجرام.

فضلا عن ذلك، تم توثيق استخدام إسرائيل أسلحة محرمة دولياً في هجماتها على قطاع غزة، وهي جريمة حرب مكتملة الأركان. والحقيقة هذا ليس بجديد على الكيان المحتل، فجيش الاحتلال الاسرائيلي له سجل حافل مسبق من استخدامه لتلك الأسلحة دون تجريم أو محاسبة دولية، ويمكننا ومن خلال هذه السطور رصد أبرز الأسلحة التي تستخدمها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الغاشم على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، ومدى خطورتها، والتي يأتي من بينها:

  • سلاح الفسفور الأبيض:

تم تداول العديد من مقاطع الفيديو بكافة وسائل الإعلام تُظهر قصفًا جويًا لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة واستهدافهم باستخدام سلاح الفسفور الأبيض المحرم دوليًا، وتمثل قنابل الفوسفور الأبيض أحد أنواع الأسلحة المميتة، التي ينتج عن انفجارها حرارة شديدة وأعمدة من الدخان الأبيض الحارق، تؤدي إلى إذابة جلد الإنسان وفصله عن العظام، كما أن الجزيئات الحارقة يمكن أن تبقى داخل الجسم حتى بعد انتهاء القصف لتسبب أضرارا قاتلة.

وقد أشارت وزارة الصحة في قطاع غزة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تستخدم في اعتدائها الغاشم على قطاع غزة قذائف من النوع المحرم دوليا، حيث إن الشظايا تخترق الجسم وتحدث انفجارات بداخله، وحروقًا فظيعة تؤدي لإذابة جلود المصابين بها وفي بعض الأحيان إلى الموت.

كما توصّلت “هيومن رايتس ووتش”، استنادًا إلى فيديوهات تمّ التحقق من صحّتها وروايات شهود، إلى أنّ قوات الاحتلال تستخدمها فعلًا في عدوانها على غزة كسلاح قادر على التسبب بحروق شديدة، غالبًا ما تصل إلى العظام، ويكون شفاؤها بطيئًا، وقد تتطوّر إلى التهابات وفي بعض الأحيان تكون قاتلة، إذ يعد هذا السلاح من بين أهم الأسلحة المحرمة استخدامها دولياً، وفق ما أقرته اتفاقية جنيف للأسلحة المعنية والتي نصت المادة الثالثة على تحريم استخدام سلاح الفسفور الأبيض ضد المدنيين أو العسكريين المتواجدين قرب المناطق المدنية، وفقا لمنظمة العفو الدولية، كما أشارت المادة نفسها بالاتفاقية إلى أن التحريم يشمل جميع استخدامات ذلك السلاح بقصف المدفعي أو بالطيران.

  • القنابل الغبية غير الموجهة:

وهي قنابل غير موجهة لذلك سميت بـ«القنابل الغبية»، وتعرف أيضاً بقنابل السقوط الحر، وقنابل الجاذبية، والقنابل الحديدية، وتلقى من طائرات “إف 16 ” من طراز “إم -117” الأمريكية، وتأثيرها يكون في إحداثها دمار كامل للمباني ومسحها من على وجه الأرض، وقد تم استخدامها خلال الحرب العالمية الثانية، واستمرت في تشكيل الغالبية العظمى للقنابل التي تلقيها الطائرات حتى نهاية الثمانينيات، إلى أن تم استبدالها بشكل كبير الآن بالذخيرة الموجهة بدقة، التي يتم توجيهها لأهداف محددة تجنبا لإصابة مدنيين أو هدم المباني غير المستهدفة.

ومنذ 7 أكتوبر 2023، شنت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية عشوائية كثيرة باستخدام القنابل الغبية، مما أدى لاستشهاد مئات المدنيين الفلسطينيين، والقضاء على عائلات بأكملها، حيث تتسبب في تدمير واسع المدى وقتل المدنيين بشكل عشوائي.

 كما تم استهداف البنية التحتية المدنية في قطاع غزة، بما في ذلك تدمير أبراج غزة الشاهقة المليئة بالمنازل والشركات رغم عدم وجود أهداف عسكرية واضحة في تلك المناطق.

  •  القنابل العنقودية:

استخدمت قوات الاحتلال القنابل العنقودية المُحرم استخدامها دوليا، حيث قامت بتوزيع أعداد كبيرة منها بصواريخ تقليدية أو متطورة أو قذائف مدفعية ضد المدنيين بزعم مهاجمة قوات المقاومة البرية المختبئة في الخنادق أو النقاط الحصينة.

ويحظر القانون الدولي وكافة الاتفاقيات الدولية استخدام أو تخزين هذه الأسلحة بسبب تأثيرها العشوائي على السكان المدنيين ولاسيما الأطفال، إذ أنها تشبه لعبة الأطفال لذا يُعد الأطفال أكثر عرضة للإصابة، حيث يعثر عليها الطفل في منطقة سكنية أو زراعية وغالبا ما ينجذب إليها الأطفال ويمسكونها بدافع الفضول.

ووصفت جماعات حقوق إنسان هذه القنابل بأنها “بشعة”، وتتمادى قوات الاحتلال الإسرائيلي في استخدامها ضد المدنيين بقطاع غزة، إلى حد يمكن وصفه بأنه جريمة حرب مكتملة الأركان.

  • القنابل الفراغية، وقنابل “هالبر” الانتقامية:

تعد القنابل الفراغية واحدة من أخطر القنابل المثيرة للجدل والتي تستخدمها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي بقطاع غزة؛ لأنها أكثر تدميرًا من المتفجرات التقليدية ذات الحجم المشابه، ولها تأثير رهيب على أي شخص يقع في دائرة تفجيرها وما تحدثه من أضرار جسيمة، وهي الأشد تدميرًا للمباني والبنية التحتية، أما قنابل “هالبر الانتقامية” فتعد من القنابل المحرمة دولياً الحارقة والخارقة للحصون، والتي تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدوانها على القطاع.

هذا وتتحدث بعض التقارير الإعلامية الدولية عن توسع قوات الاحتلال فى استخدام أدوات الحرب الكيميائية أثناء هجومها البري على القطاع، وتخطط لاستخدام غاز الأعصاب مثل غاز VX وغاز السارين وغاز السومان وغاز التابون، حيث تستهدف هذه الغازات السامة خلايا الدم وتمنع امتصاص الأكسجين، مما يؤدي إلى الاختناق.   

وتجدر الإشارة هنا إلى أن القانون الدولي الإنساني تضمن مبادئَ وقواعد أساسية تحكم اختيار الأسلحة وتحظر استعمال أسلحة معينة أو تقيّدها، كما حدد قواعد سلوك المقاتلين وقواعد اختيار وسائل الحرب وأساليبها بما فيها الأسلحة، كما أنه ووفقاً للاتفاقيات الدولية التي أبرمت لوضع ضوابط للنزاعات المسلحة والتي تمثلت باتفاقيات جنيف الأربعة واتفاقيات لاهاي 1907، مع الملحقات الخاصة بها، تم تجريم استخدام تلك الأسلحة في الحروب وخاصة تجاه المدنيين الذين يعتبرون العرضة للانتهاكات والاستهداف من قبل القوات العسكرية المهاجمة، إذ شرّعت المادة الثالثة من اتفاقية جنيف، التي تتعلق بأسلحة تقليدية معينة، في حظر استخدام الأسلحة الحارقة ضد الأهداف المدنية، كما أمرت المادة نفسها بالحد من استخدام تلك الأنواع ضد الأهداف العسكرية المتاخمة لمواقع تركز المدنيين، وينطبق ذلك على القنابل التي تسقطها الطائرات والمقذوفة التي تطلقها المدافع على حد سواء.

وختاماً يُمكن القول إنه:

وفي ضوء ما سبق رصده من جرائم حرب جسيمة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، يوصي المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” بضرورة تشكيل لجنة أممية من الحقوقيين والمتخصصين في المجال العسكري لتوثيق جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وملاحقة مسئوليها السياسيين والعسكريين بما يشمل من أصدر الأوامر وخطط ونفذ، وتقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهم كـــ “مجرمي حرب”، إلى جانب طلب تعويضات للفلسطينيين أسوة بتلك التي حصلت عليها إسرائيل من الحكومة الألمانية كتعويضات لضحايا “الهولوكوست”، والتي بلغت أكثر من 90 مليار دولار على مدار 70 عاما، وفق ما أعلنته منظمة “مؤتمر المطالبات اليهودية المادية ضد ألمانيا” عام 2021.

 

The post “دراية” ترصد “جرائم حرب” قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني فى غزة appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
7387
قراءة في مشكلة الأمية في مصر.. مؤشرات ومقترحات https://draya-eg.org/2023/08/16/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b4%d9%83%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d9%85%d9%82%d8%aa%d8%b1%d8%ad%d8%a7%d8%aa/ Wed, 16 Aug 2023 13:57:25 +0000 https://draya-eg.org/?p=7032 The post قراءة في مشكلة الأمية في مصر.. مؤشرات ومقترحات appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>

The post قراءة في مشكلة الأمية في مصر.. مؤشرات ومقترحات appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
7032
“الإسلاموفوبيا” وعنصرية الغرب..قراءة فى المؤشرات والأسباب https://draya-eg.org/2023/07/31/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%88%d9%81%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%b9%d9%86%d8%b5%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d9%88%d8%b3%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d8%a9/ Mon, 31 Jul 2023 20:40:45 +0000 https://draya-eg.org/?p=6988 دائما ما ترفع الدول الغربية شعارات احترام حقوق الإنسان والحرية وتبني صورتها فى العالم على أنها دول ديمقراطية تُفسح المجال للجميع لإبداء الآراء وتحترم التعددية الفكرية والدينية، ولكن يتبين يوما بعد يوم أنها شعارات رنانة مزيفة، فاللغة تختلف حين يتعلق الأمر بالمصالح وحقوق الأقليات بتلك الدول التى تنتشر بها جرائم التمييز والعنصرية والكراهية ضد المسلمين …

The post “الإسلاموفوبيا” وعنصرية الغرب..قراءة فى المؤشرات والأسباب appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
دائما ما ترفع الدول الغربية شعارات احترام حقوق الإنسان والحرية وتبني صورتها فى العالم على أنها دول ديمقراطية تُفسح المجال للجميع لإبداء الآراء وتحترم التعددية الفكرية والدينية، ولكن يتبين يوما بعد يوم أنها شعارات رنانة مزيفة، فاللغة تختلف حين يتعلق الأمر بالمصالح وحقوق الأقليات بتلك الدول التى تنتشر بها جرائم التمييز والعنصرية والكراهية ضد المسلمين ومقدساتهم، فبات الاعتداء على المسلمين وممتلكاتهم وحرق المصاحف وتخريب المساجد أمرا معتادا ومتواترا يتم تحت حماية الشرطة وبزعم حرية التعبير، وفى ظل تجاهل تام لمشاعر ملياري مسلم حول العالم.

فأصبح من غير المقبول استمرار التعالي الغربي الذى يتاجر بحقوق الإنسان بينما يمرر خطاب الكراهية تجاه الإسلام والمسلمين من خلال نافذة حرية التعبير، فعندما يتعلق الأمر بأمنهم يضربون بالقانون عرض الحائط، ولكن عندما يتعلق الأمر بمقدسات المسلمين فإنهم يدَّعون حماية حرية التعبير التى تُعد مقيدة وأُقر ذلك بشكل واضح في الفقرة الثانية من المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي نصت “تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف”.

إن ما حدث فى الدنمارك مؤخرا وقبلها السويد وغيرها العديد من الدول الأوروبية التى شهدت حرقا للمصحف الشريف، يعكس ليس فقط تنامي لظاهرة “الإسلاموفوبيا” بها، بل وإضفاء الشرعية عليها فى ظل سماح السلطات بمثل هذه الأعمال، وتعمد تشويه صورة المسلمين وترهيب المجتمع الغربي من وجودهم، وذلك على نحو يهدد السلام الاجتماعي وينتهك الحقوق والحريات. 

وعليه، قامت الخارجية المصرية باستدعاء القائم بأعمال سفارة السويد فى القاهرة يوم 25 يوليو الجاري، وسفيرة الدنمارك بالقاهرة، يوم 27 يوليو الجاري، لإبلاغهما بإدانة مصر الشديدة ورفضها الكامل حكومة وشعبا – للحوادث المؤسفة والمتكررة لحرق والإساءة لنسخ من المصحف الشريف بالسويد والدنمارك، والتأكيد على أن استمرار تكرار تلك الأحداث، التي لا تمت لحرية التعبير بصلة، يُمثل انتهاكا صريحا لحرية الاعتقاد والممارسات الدينية على اختلافها، ويتناقض مع المواثيق الدولية لدعمه لخطابات التطرف والكراهية وظاهرة “الاسلاموفوبيا” وازدراء الأديان.  

وانطلاقا من ضرورة التصدي لظاهرة ” الإسلاموفوبيا ” التى تُشكل خطرا داهما على التعايش العالمي، واستنادا لحقيقة أن المسلمين يمثلون قرابة 10% من إجمالي سكان أوروبا ويشكلون مصدر ثراء فكري وعلمي وحضاري لأوروبا، يُصدر المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية ” دراية ” ورقة بحثية ترصد وتحلل واقع ظاهرة الإسلاموفوبيا فى الدول الأوروبية من خلال المحاور الـ7 التالية:  

أولا : مفهوم ونشأة “الإسلاموفوبيا”.  

ثانيا “الإسلاموفوبيا” مظهر من مظاهر العنصرية. 

ثالثا: مؤشرات تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا”.

رابعا:  أسباب ارتفاع وتيرة ظاهرة “الإسلاموفوبيا”.

خامسا: التحديات أمام التصدي لظاهرة “الإسلاموفوبيا”.

سادسا: جهود الدولة المصرية فى مواجهة “الإسلاموفوبيا”.

سابعا: : مقترحات للقضاء على ظاهرة “الإسلاموفوبيا”.

 وجاء أبرز ما توصلت إليه الورقة البحثية على النحو التالي:  

  • تُعَد ظاهرة “الإسلاموفوبيا” شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز، وتؤثر على جميع جوانب حياة المسلمين، بدءا من التعليم والعمل، وصولا إلى الحصول على الجنسية، وحقوق المواطنة والمشاركة الكاملة في المجتمع.
  • توجد فجوة كبيرة بين التقارير الرسمية وواقع انتشار ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، فنحو 12٪ فقط من المسلمين الذين يتعرضون للتمييز فى دول الاتحاد الأروربي هم من يبلغون عن حالاتهم إلى السلطات.
  • أصبحت ظاهرة “الإسلاموفوبيا” تأخذ طابعا مؤسسيا، وفرنسا والنمسا والدنمارك هى أكثر الدول التى تتفاقم بها الظاهرة فى أوروبا.
  • سيطرت السلطات الفرنسية على 1727 مؤسسة إسلامية ، وأغلقت نحو 118 وصادرت نحو 10 ملايين يورو بين يناير وأغسطس 2022.
  • سجلت جرائم الكراهية الدينية زيادة أكبر فى بريطانيا عام 2022 بنسبة 37% مقارنة بعام 2021، حيث بلغ عدد الضحايا المسلمين 3459 من أصل 8730 ما يشكل 42% من إجمالى ضحايا جرائم الكراهية.
  • تعرض نحو 42% من المساجد البالغ عددها 1800 فى بريطانيا لاعتداءات وأعمال تخريب وسطو.
  • تم تسجيل أكثر من 1000 جريمة كراهية ضد المسلمين فى النمسا عام 2022، و67% من الاعتداءات المتعلقة بالمعتقد ارتكبت ضد المسلمين فى هولندا.
  • قامت بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة فى أوروبا على التصدي لـ”الأسلمة” فى أوروبا، وسعت لتشويه الإسلام وإلصاق تهم “الإرهاب” لكل مسلم مقيم في بلدانهم.
  • ترفض الحكومات الأوروبية الاعتراف بمشكلة “الإسلاموفوبيا” ووضع تعريف محدد للمصطلح.

 كما تقترح الورقة البحثية ما يلي:

1– اعتبار السلوكيات العدائية ضد الإسلام والمسلمين جريمة يُعاقب عليها القانون الدولى.    

2- سن تشريعات وقوانين تستهدف الجماعات المتطرفة والعنصرية التي تمارس مظاهر عدائية ضد المسلمين على الأرض وافتراضيا، وتضمن معاقبتهم على الجرائم العنصرية المُرتكبة.

3- وضع تعريف محدد تتفق عليه دول العالم فيما يتعلق بمصطلح الإسلاموفوبيا حتى يسمح للمسلمين بالإبلاغ عن أى جرائم يتعرضون لها.

4- تفعيل الأدوار السياسية والاجتماعية للجاليات المسلمة باعتبارهم جزء من نسيج المجتمع وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية.

5- تعزيز الحملات الإعلامية الرامية إلى زيادة الوعى بخطر الإسلاموفبيا وتعزيز الصورة الإيجابية للإسلام، وتقديم أعمال درامية تعكس الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين.

ويتضح ذلك بمزيد من التفصيل من خلال المحاور التالية :

أولا : مفهوم ونشأة الإسلاموفوبيا

يُعد مصطلح الإسلاموفوبيا (Islamophobia) من المصطلحات حديثة التداول نسبياً، وينظر إليه على أنه مصطلح مركب يتكون من كلمتين، كلمة عربية “إسلام” وأخرى يونانية “فوبيا” التى تعنى خوف لا شعوري وغير مبرر من مواقف أو أشخاص أو نشاطات، وعليه يُعتبر المصطلح دخيلا وليس عربيا ويُترجم إلى الخوف والرهاب من كل ما هو إسلامي.

كما يمكن اعتبار الإسلاموفوبيا أبلغ تعبير عن وضعية الإسلام في الغرب، فهي كلمة دخلت قاموس السياسة الأوروبية وتحولت إلى مفردة لها معان محدودة، إذ تشير إلى ظاهرة تخوف المجتمع الغربي من الإسلام ونظرتهم إليه كدين غير قابل للتعايش مع الحضارة المادية الحديثة، ودين يبرر استخدام العنف لتحقيق أهدافه على حد اعتقادهم.

وعرفت منظمة الأمم المتحدة ” الإسلاموفوبيا ” بأنه مصطلح يعنى كراهية الإسلام والخوف من المسلمين والتحيز ضدهم والتحامل عليهم بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب بالتهديد وبالمضايقة وبالإساءة وبالتحريض وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت وتستهدف تلك الكراهية —بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية— الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلما.

بينما عرفت منظمة التعاون الإسلامى ظاهرة ” الإسلاموفوبيا” بأنها تعنى الخوف المفرط من الإسلام والمسلمين، أو أي شيء مرتبط بدين الإسلام، مثل المساجد والمراكز الإسلامية والقرآن الكريم والحجاب، إلخ.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يجب التمييز في التعامل مع مفهوم “الإسلاموفوبيا” بين مرحلتين أساسيتين تقف أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حدا فاصلا بينهما:

المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001م والتي تتميز بندرة استخدام المفهوم، وذلك على الرغم من أن ظاهرة الإسلاموفوبيا ومضامينها الفكرية هي ظاهرة قديمة قدم الإسلام تسعى لتشويه صورة الدين والمنتمين إليه.

المرحلة الثانية: بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبها من عمليات إرهابية مروعة (تفجيرات مدريد عام 2004، وتفجيرات موسكو 2010، وغيرها) يُزعم أنها تم تنفيذها باسم الإسلام، تصاعدت الشكوك تجاه المسلمين وتم الترويج للصورة الذهنية للمسلمين على أنهم يقتلون الأبرياء، وزاد استخدام المفهوم بصفة ملفتة وأصبح هذا المصطلح دارجا على لسان الكثيرين في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وانتشرت مظاهر العداء والتمييز ضد الإسلام والمسلمين.

ثانيا: “الإسلاموفوبيا” مظهر من مظاهر العنصرية

تُعَد ظاهرة الإسلاموفوبيا شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز نظرا لأنها تستهدف المسلمين بناءً على دينهم. وتتجلى العنصرية في “الإسلاموفوبيا” في الاتجاه السلبي، والخوف غير المبرر، والانتقادات الحادة، والتحيز الذي يتم توجيهه ضد المسلمين، فضلا عن تهديد أمنهم في الشوارع، ووسائل النقل، وكافة الأنشطة الحياتية، وارتكاب جرائم قتل وأعمال عنف بحقهم كالاعتداءات الجسدية، وتخريب الممتلكات، وإساءة معاملة النساء خاصة ممن يرتدين الحجاب، وحرق المساجد وتشويه رموز الإسلام المقدسة.

وبالإضافة إلى ما سبق يمكن التأكيد على أن ظاهرة “الإسلاموفوبيا” أضحت تؤثر على جميع جوانب حياة المسلمين، بدءا من التعليم والعمل، وصولا إلى الحصول على الجنسية، وحقوق المواطنة والمشاركة الكاملة في المجتمع، الأمر الذى يتنافى مع قيم العدل والمساواة وحقوق الإنسان، التى تكفلها المادة 18 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان حيث نصت على أن “لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة”.

وقد حذر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد من الانتهاكات بحق المسلمين، حيث قال أمام مجلس حقوق الإنسان فى عام 2021: “لقد بلغ الشك المؤسسي في المسلمين ومن يعتقد أنهم مسلمون أبعاد وبائية..وفي مثل هذه المناخات التي يسودها الإقصاء والخوف وانعدام الثقة، يفيد المسلمون بأنهم غالبا ما يشعرون بالوصم والعار والشعور بأنهم ’مجتمعات مشبوهة‘ تُجبر على تحمل المسؤولية الجماعية عن أفعال أقلية صغيرة”.

وفى تقريره الصادر فى مارس 2021، قال مقرر الأمم المتحدة إنه غالبا ما يتعرض المسلمون للتمييز في الحصول على السلع والخدمات ، وفي العثور على عمل وفي التعليم وفي بعض الدول ، يُحرمون من الجنسية أو من وضع الهجرة القانوني بسبب تصورات معادية للأجانب بأن المسلمين يمثلون تهديدات للأمن القومي والإرهاب فيما يتم استهداف النساء المسلمات بشكل خاص في جرائم كراهية الإسلام.

وفي السياق ذاته، أشارت وكالة الحقوق الأساسية التابعة للاتحاد الأوروبي، في تقريرها الصادر أواخر عام 2021 بعنوان: «المسلمون في الاتحاد الأوروبي: تمييز وإسلاموفوبيا»، إلى أن المسلمين عرضة للتمييز، وأن هناك الكثير مما يجب القيام به حتى يستفيدوا من الحقوق نفسها، ومن المساواة في المعاملة ونوعيتها كما هو الحال مع الأوروبيين، وعددّ التقرير أشكالاً مختلفة من التمييز الذي يتعرض له المسلمون في مجالات مثل: العمل، والإقامة، والتعليم، والسكن… إلخ.

ثالثا: مؤشرات تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا”:

تُشير غالبية التقارير والدراسات إلى أن ظاهرة الإسلاموفوبيا آخذة فى التصاعد فى المجتمعات الأوروبية، ومن أبرزها التقرير الأوروبي الأخير للإسلاموفوبيا عن عام 2022 الذى أشار إلى أن ظاهرة الإسلاموفوبيا أصبحت تأخذ طابعا مؤسسيا، وأن فرنسا والنمسا والدنمارك هى أكثر الدول التى تتفاقم بها ظاهرة الإسلاموفوبيا فى أوروبا بشكل ملحوظ.

هذا وقد كشف تقرير صادر عن مرصد الإسلاموفوبيا التابع لمنظمة التعاون الإسلامي  أن قارة أوروبا قد استحوذت على المرتبة الأولى فى حجم انتشار ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، وتليها آسيا ثم أمريكا الشمالية، بينما أوضح المرصد أن كلا من فرنسا وبريطانيا شملتا النشاط الأبرز المتعلق بالإسلاموفوبيا.  

وتجدر الإشارة هنا إلى وجود فجوة كبيرة بين التقارير الرسمية وواقع انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا بأبعادها المختلفة، خاصة وأن الغالبية العظمى من الدول الأوروبية لا تسجل حوادث الإسلاموفوبيا كفئة منفصلة من جرائم الكراهية، مما يحد من آليات الكشف عن المدى الحقيقي لتنامي هذه الظاهرة، فضلا عن قيام نحو 12٪ فقط من المسلمين الذين يتعرضون للتمييز فى دول الاتحاد الأوروبي بإبلاغ السلطات عن حالاتهم.  

وترصد هذه الورقة التحليلية أبرز مؤشرات تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا” فى معظم الدول الأوروبية، وذلك استنادا إلى عدة مصادر وتقارير دولية أبرزها تقرير “الإسلاموفوبيا فى أوروبا 2022”، وذلك على النحو التالي: 

أ-جرائم الكراهية والاعتداء على المسلمين ومؤسساتهم الدينية:

فرنسا: سجلت تنسيقية محاربة الإسلاموفوبيا فى أوروبا CCIE فى تقريرها نحو 501 شكوى فى فرنسا خلال عام 2022، وذلك كما ورد فى تقرير الإسلاموفوبيا فى أوروبا فى العام ذاته، والذى أكد أن  سياسة “العرقلة” التى تنتهجها فرنسا أدت إلى السيطرة على 1727 مؤسسة إسلامية ، وإغلاق نحو 118 ومصادرة 10 ملايين يورو بين يناير وأغسطس 2022.

بريطانيا: سجلت جرائم الكراهية الدينية زيادة أكبر فى بريطانيا عام 2022 بنسبة 37% مقارنة بعام 2021، حيث بلغ عدد الضحايا المسلمين 3459 من أصل 8730 ما يشكل 42% من إجمالى ضحايا جرائم الكراهية.

هذا إلى جانب تعرض نحو 42% من المساجد البالغ عددها 1800 فى بريطانيا لاعتداءات، حيث شكلت أعمال التخريب  من تدمير وتشويه للممتلكات وكتابات عنصرية.. وخلافه، النصيب الأكبر من تلك الاعتداءات التى بلغت نحو 51%، تليها عمليات السطو التى بلغت نحو 34%، فضلا عن تعرض 17% من المسلمين للإيذاء الجسدي داخل المساجد.   

ألمانيا: تم تسجيل 364 جريمة ناجمة عن الإسلاموفوبيا فى جميع أنحاء ألمانيا، من بينها 26 استهدفت المساجد، علما بأن الجرائم تتجاوز هذه الأعداد، لاسيما وأن الإحصائيات الرسمية الأخيرة لم تصدر عن الهيئات السياسية فى ألمانيا بعد.

إسبانيا: زادت جرائم الكراهية فى 2021 بنحو 401 جريمة مقارنة بإجمالي عدد جرائم الكراهية عام 2020، وذلك وفقا للتقرير السنوى لعام 2021 الصادر عن وزارة الداخلية الإسبانية فى أكتوبر 2022.

النمسا: تم تسجيل أكثر من 1000 جريمة كراهية ضد المسلمين فى عام 2022 ،وذلك وفقا لتقرير “الإسلاموفوبيا فى أوروبا 2022”. بينما ذكر مركز “التوثيق والإرشاد من أجل مسلمي النمسا” فى تقريره الصادر مطلع 2022 أن النمسا شهدت 1324 هجومًا عنصريا ضد المسلمين، أغلبها كان على مواقع الإنترنت والمنصات الرقمية في هذا البلد الذي يشهد حملات تحريض وخطاب كراهية، وأن 15% من الذين تعرضوا للعنصرية والاعتداءات اللفظية والجسدية هم من الرجال، بينما أكثر من ضعف ذلك نحو 40% من الاعتداءات استهدفت النساء.

هولندا: أشار تقرير “الإسلاموفوبيا فى أوروبا عام 2022 ” إلى أن نحو67% من الاعتداءات التى ارتكبت ضد المسلمين كانت متعلقة بالمعتقد.

الدنمارك: أكد التقرير أن قرابة 49% من جرائم الكراهية التى حدثت بين عامي 2017 و2021 والبالغ عددها 792 ، ارتكبت ضد المسلمين.

وفى ظل غياب الإدانة الحكومية وعدم عقاب المتورطين فى جرائم الكرهية، تزداد حوادث العنصرية وتتفاقم المشكلة.

ب- قرارات وقوانين تمييزية ضد المسلمين:

من أبرز مؤشرات تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا” تلك القرارات التى تتخذها الحكومات والأحزاب السياسية، وما يصاحبها من تشريعات تستهدف المسلمين بشكل مباشر وتحد من ممارساتهم الدينية، ويتم معاملتهم وفقا لها بشكل مختلف عن باقى الطوائف الدينية، الأمر الذى وصل إلى إغلاق المؤسسات والمنظمات غير الحكومية الإسلامية دون أي دعوى قضائية أو دليل على تطرفها كما يزعمون.

وتُطبق الدول الغربية أنواعا مختلفة من القوانين مثل حظر الأذان والمساجد والحجاب، ففى بلجيكا على سبيل المثال، لايزال الذبح الشعائري محظورا فى بعض المناطق، وفى السويد والدنمارك تم إغلاق العديد من المدارس الإسلامية بزعم “أن الأطفال بها معرضون لخطر التطرف”.

كما أطلق وزير التعليم الفرنسي فى 2022 حملة تستهدف الطلاب والمدرسين المسلمين، ذلك بدعوى انتشار الرموز الدينية فى المدارس الفرنسية.

وفى هولندا، قرر وزير التربية والتعليم أن يضع التعليم غير الرسمي فى المساجد ومدارس نهاية الإسبوع الإسلامية قيد التفتيش والمراقبة كنوع من التضييق والحد من حرية التعليم، كما أيدت محكمة العدل الأوروبية قوانين تمنع ارتداء الحجاب للمرأة داخل المؤسسات الخاصة لمنع إبراز أي رمز إسلامي بحجة الحفاظ على حيادية تلك المؤسسات.

ج- الخطابات السياسية المعادية للإسلام والمسلمين:

تُعد الخطابات والحملات السياسية المنظمة والموجهة ضد الإسلام كدين وضد معتنقيه من أبرز أشكال ومظاهر تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، والأمثلة على ذلك كثيرة نرصد بعضها على سبيل المثال لا الحصر، كتعهد الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون بمواصلة نشر الكاريكاتير المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، قائلا: “لن نتخلى عن الرسومات والكاريكاتيرات وإن تقهقر البعض”.، زاعما أنها بمثابة “حرية تعبير”.

ووصفت مارين لوبان خلال حملتها الرئاسية فى 2022 الحجاب بـأنه  “الزي الإسلامي” وأوضحت أنها تريد حظره في جميع الأماكن العامة وتضع من يرتديه تحت طائلة الغرامة المالية، بينما صرح المرشح الفرنسي للرئاسة “إريك زمور” خلال حملته بأن: “على المسلمين أخذ مسافة من النص القرآني الذي يدفع إلى قتال اليهود والنصارى، وإلى تقييد حرية النساء، وإلى القمع الشرس للمثليين، وأن الاندماج هو الاحتمال الوحيد لقبول المسلمين على الأراضي الفرنسية”.

ومن جانبه، قال الرئيس التشيكي “ميلوش زيمان”: “نحن نحترم الدول الإسلامية، ومعتقدها، ما دام سكانها لا يأتون إلى أوروبا. لأنه بمجرد وصولهم إلى أوروبا تصطدم الحضارتان ببعضهما البعض”، داعيا مواطني بلده إلى أحذ الحيطة والحذر حيال من وصفهم بـ “الإرهابيين الإسلاميين”، فى حين اعتبر وزير الداخلية الفرنسي “جيرالد دارمانان” أن الإرهاب الإسلامي السُّنّي هو أبرز تهديد لبلاده وأوروبا.

كما اقترح حزب الحرية الهولندي (اليميني) خلال برنامجه الانتخابي تطبيق سياسة هجرة تقييدية وحظر كامل على المهاجرين من الدول الإسلامية، وقد نشر السياسي اليميني  “خيرت فيلدرز” زعيم حزب الحرية مقطع فيديو على حسابه على”تويتر”  تحت عنوان  “لا للإسلام لا لرمضان..حرية ، لا للإسلام “.

د- تزايد شعبية تيار اليمين المتطرف:

عملت الأحزاب اليمينية المتطرفة فى أوروبا على تكريس الخوف من الإسلام والمسلمين وسعت من خلال حملاتها الممنهجة إلى تشويه الإسلام وإلصاق تهم “الإرهاب” لكل مسلم مقيم في بلدانهم، مستغلة هذا الأمر لتحقيق غايات انتخابية ومكاسب سياسية تتمثل في زيادة عدد الأصوات التي تحصدها عبرصناديق الانتخاب، والوصول إلى السلطة، فظهرت شعارات منها “أسلمة أوروبا” و”التهديد الإسلامي الخفي”، وغير ذلك من الشعارات التي وفرت لليمين المتطرف ً خطابا ً مسموعا لدى قطاع كبير من المجتمعات الأوروبية. 

وبالفعل نجحت الأحزاب اليمينية المتطرفة فى الحصول على مزيد من المقاعد بعدة برلمانات على مستوى القارة العجوز، واتخذت الحكومات الأوروبية وأحزابها السياسية خطوات ضد الجاليات المسلمة بغية ضمان بقائها فى السلطة، الأمر الذى يعنى أن الجاليات المسلمة فى أوروبا أضحت في مرمى الأحزاب اليمينية المتطرفة، وتحاول إلصاق صفات العنف والتشدد على مجموعات بأكملها، لأهداف سياسية أو إيديولوجية بعينها.

كما قامت بعض الأحزاب اليمينية بإنشاء منظمات تهدف للتصدى لـ”الأسلمة” في أوروبا، ودشن أنصار اليمين المتطرف في ألمانيا عام 2014، حركة “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب” المسماة “بيجيدا”  PEGIDA.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدة أحزاب بارزة لليمين المتطرف، تنتشر في دول أوروبا وتجهر بعدائها للمسلمين، ومن أبرزها حزب الحرية الهولندي، وحزب الجبهة الوطنية الفرنسية، والحزب النمساوي اليميني الشعبي، والحزب اليميني الشعبي الدنماركي، وحزب الوطنيين الدنماركيين، وحزب البديل من أجل ألمانيا الألماني.. وغيرها الكثير.

هـ – تعمد عدم استخدام مصطلح “الإسلاموفوبيا”:

ترفض الحكومات الأوروبية الاعتراف بمشكلة “الإسلاموفوبيا” وترفض استخدام المصطلح في خطاباتها، فهناك إصرار سياسي لعدم الاعتراف بوجود مشكلة عنصرية ضد المسلمين بهدف شرعنة ودعم الممارسات العنصرية بشكل واسع.

وخير دليل على ذلك هو رفض الحكومة البريطانية تبنى تعريف لمصطلح «الإسلاموفوبيا»، والذى كان قد اقترحه عدد من نواب بعض الأحزاب، وذلك بعد تحذير من خبراء ومختصين بأن هذه الخطوة قد تعرقل مكافحة الإرهاب وقد تُقوض حق أفراد شرطة المطارات والموانئ الجوية في توقيف المشتبه بهم وتفتيشهم، دون الحصول على إذن مُسبق.

د- الازدواجية فى التعامل مع اللاجئين:

مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، تجلت الازدواجية فى التعامل مع اللاجئين من قبل الدول الأوروبية المختلفة حيث تم الترحيب باللاجئين من أوكرانيا بسبب ديانتهم، وبدعوى أنهم “أكثر تحضراً مقارنة باللاجئين السوريين”، بينما أغلقت أوروبا الحدود وأقامت الجدران لمنع اللاجئين القادمين من مناطق أخرى وعلى رأسهم المسلمين.

وقد صرح العديد من المسئوليين الأوروبيين بأن اللاجئين المسلمين يشكلون “تهديدا للطابع الديمجرافي والهوية المسيحية في أوروبا”، ويحذرون من تحول المسلمين إلى أكثرية السكان بأوروبا إذا استمر استقبال اللاجئين المسلمين، ويؤكدون على أن: “استقبال لاجئين أوروبيين يعني توفير تربة خصبة لتنفيذ هجمات إرهابية محتملة” على حد تعبيرهم.

وعلى سبيل المثال لا الحصر للمواقف التي قد تدلل على وجود ازدواجية في التعامل الأوروبي مع اللاجئين، نجد أنه بمجرد وصول اللاجئ الأوكراني إلى ألمانيا، فإن الدولة تمنحه مباشرة الحق في العمل، ولأطفاله الحق في التعليم، كما منحت الحكومة البريطانية اللاجئين الأوكران تسهيلات كبيرة، وحثت المواطنين على استقبالهم في منازلهم مقابل دعمهم بمبالغ مالية شهرية، بينما يتعرض اللاجئين المسلمين للفصل عن ذويهم والإقامة فى مخيمات والتعامل بطريقة مهينة وقد وصل الأمر إلى الاعتداءات عليهم من قبل أفراد الشرطة المنتشرين على الحدود.

و- عنصرية التوظيف:

تشهد الدول الأوروبية مظاهر تمييز عنصري واضحة ضد المسلمين في سوق العمل، حيث يتعرض العديد منهم للحرمان من مختلف فرص العمل على الرغم من توافر المؤهلات اللازمة، والخبرة الكافية، الأمر الذى يمثل انتهاكا لحقوقهم وعدم تحقيق للعدالة وضمان تكافؤ الفرص.

وقد نشر موقع تابع لجامعة أوكسفورد بحثا فى يوليو 2022 توصل إلى أن 65% من المسلمات اللاتي يرفقن صورهن بالحجاب مع السيرة الذاتية عند التقديم على وظيفة فى هولندا وإسبانيا يتم رفضهن دون الدعوة لإجراء مقابلة.

وهناك بعض التقارير التى تفيد بأن المسلم فى بعض الدول الأوروبية عند بحثه عن عن وظيفة، قد يواجه التمييز خمس مرات أكثر من غير المسلم.

رابعا: أسباب ارتفاع وتيرة ظاهرة “الإسلاموفوبيا”

هناك أسباب عديدة لارتفاع وتيرة ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، يمكن أن نستعرض أهمها على النحو التالي:

1- الجهل بالدين الإسلامي: هناك جهل واضح بحقيقة الإسلام في العالم الغربي الذي يستقي معلوماته عنه من مصادر تفتقر إلى الإحاطة الكافية بحقيقة الإسلام وجوهره السمح، وإلى الموضوعية والنزاهة، وبسب هذا الجهل، وُصم الإسلام بالإرهاب والتعصب واحتقار المرأة والافتقار إلى التسامح مع غير المسلمين ورفض الديمقراطية والسعي إلى ثقافة الانتقام.

كما أنه، وفى أعقاب الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 وغيرها من أفعال الإرهاب المروعة الأخرى التي يُزعم أنها نُفِّذت باسم الإسلام، تزايد الارتياب المؤسسي في المسلمين وفي من يُعتقد أنهم مسلمون إلى درجات وبائية فعديد من الدول —إلى جانب هيئات إقليمية ودولية— ردت على التهديدات الأمنية باعتماد تدابير تستهدف المسلمين أكثر من غيرهم وتعرف المسلمين بأنهم في الوقت نفسه أناس يشكلون خطرا كبيرا وأناس معرضون لخطر التطرف.

2- وسائل الإعلام الغربية: حيث لعب الإعلام الغربى دورا كبيرا فى انتشار تيار “الإسلاموفوبيا”، كما تمكن بتقنياته الهائلة وتأثيره الواسع من نحت صورة نمطية غاية في السلبية عن الإسلام والمسلمين، وعمل بشكل مستمر على شيطنة صورة العرب والمسلمين باعتبارهم يشكلون خطرا على القيم الحضارية الغربية وغير قادرين على الإندماج فى هذه المجتمعات ويميلون لاعتناق الأفكار الإرهابية المتطرفة.

 كما قام الإعلام الغربي بدور كبير في زيادة مساحة الفوبيا من الإسلام بتضخيم الأحداث والتركيز على الهجمات الإرهابية التى يقوم بها المتطرفون من المسلمين بشكل أكبر من تغطية الهجمات التى يقوم بها اليمين المتطرف أو أصحاب الأفكار المتشددة من الديانات والاتجاهات الأخرى .

3- أجندات اليمين المتطرف: التى دائما ما توجه سهامها للمسلمين وتحملهم مسئولية مشاكل الدول التى يقيمون بها، ومن ثم يتعاملون مع المسلمين كـ”كبش فداء” لأى إخفاقات سياسية أو اقتصادية، مما يُكرس لخطاب الكراهية ويزيد من أعمال العنصرية ضد المسلمين التى انعكست فى سلوكيات كحرق القرآن الكريم وكتابة العبارات التحريضية على الجدران والاعتداء جسديًا ولفظيًا على المهاجرين العرب أو غير العرب من المسلمين، وغيرها من السلوكيات العنصرية. 

فى الحقيقة يرى اليمين المتطرف الهجرة واللجوء تهديدا خطيرا لهوية الأوروبيين، وتهديدا لقيم أوروبا التقليدية (العلمانية والليبرالية)، ومن ثم يستند الإطار الفكري الرئيسي لهذه الأحزاب إلى العنصرية.

4- أزمة المهاجرين واللاجئين: تسببت أزمة المهاجرين واللاجئين بوصول ما يقرب من اثنين مليون لاجئ معظمهم سوريين إلى أوروبا منذ مطلع العام 2015، فى إحداث حالة من الخوف والقلق بين أوساط  الطبقة العاملة والمتوسطة في أوروبا بسبب فرص التوظيف والرعاية الصحية والاجتماعية، وكيفية استيعاب تلك الأعداد الهائلة من اللاجئين داخل دولهم، وما نجم عن هذه الأزمة من تردى الأوضاع الاقتصادية التى تفاقمت مع جائحة كورونا وبعد الحرب الروسية الأوكرانية.

خامسا: التحديات أمام التصدي لظاهرة “الإسلاموفوبيا”

فى ظل تنامي موجة العداء ضد الإسلام والمسلمين فى العالم بوجه عام وأوروبا بوجه خاص، وبروز الحاجة الملحة للتصدى للإسلاموفوبيا، تظهر العديد من التحديات التى يجب وضعها فى الاعتبار عند محاولة القضاء على هذه الظاهرة، وأبرزها يأتى على النحو:

1- تعتبر قرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بمواجهة ” الإسلاموفوبيا ” غير مُلزمة للدول الأعضاء وفى مقدمته القرار الذى ينص على ” تكثيف الجهود الدولية لتقوية الحوار العالمى بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات على أساس احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات “.

2- استهداف اليمين المتطرف فى أوروبا للإسلام والمسلمين بشكل غير مسبوق والعمل بكل الطرق على تقديم المسلمين للعالم وكأنهم متطرفون ودعاة للقتل والترويع والإرهاب ولا يمكنهم التعايش مع المجتمعات الغربية.

3- اعتبار الإساءة إلى الرموز والمقدسات الدينية الاسلامية نوعا من حرية الرأى والتعبير، الأمر الذى يُمثل تهديدا لحرية الإنسان فيما يؤمن وما يعتقد وهو أيضا أمر يثير مشاعر المسلمين وغضبهم.

4-إفلات مرتكبي جرائم الكراهية ضد المسلمين من العقاب.

5-يعد تنامى ظاهرة ” الاسلاموفوبيا ” مؤشرا لتصاعد هجمات إرهابية جديدة قد تهدد تماسك الدول والمجتمعات خاصة الأوروبية ، فتنامى مظاهر العنف هى دائرة مفرغة تؤدى لمزيد من الكراهية والعنف.

6-تقييد مشاركة المسلمين فى تقديم الخطاب الإعلامى الذى يعبر عن قيم الإسلام السمحة وعدم مشاركتهم فى وضع الخطط اللازمة لتصحيح الصورة التى تم إلصاقها للإسلام وهى بعيدة كل البعد عن الحقيقة.8

7- ربط وسائل الإعلام الغربية الإسلام بالعرب وتقديم صورة لهم على أنهم المتحكمون فى أسواق النفط والبترول وينفقون الأموال بشكل غير مسئول ، وأنهم أبناء وشعوب أنظمة غير ديمقراطية مع إغفال حقيقة أن الإسلام دين عالمى يدين به ملايين من الأوروبيين والأمريكيين وشعوب القارة الأسيوية ولا يرتبط بجنسية أو عرق أو منطقة جغرافية بعينها

8- الصورة السلبية التى تقدم عن الإسلام والمسلمين والتى أثرت على الشباب المسلم خاصة الذى يعيش فى المجتمعات الغربية من أبناء الجيل الثانى والثالث وهو ما جعلهم يتخلون عن هويتهم الإسلامية واعتناق أديان أخرى أو حتى لجؤهم إلى التيار الإلحادى تأثرا بهذه الأفكار المغلوطة.

9- قيام بعض التنظيمات الإرهابية المتطرفة بتأويل وتفسير النصوص الإسلامية وفقا لأهدافها وأجندتها الخاصة وبما يمكنها من وضع تبريرات لأفعالها وجرائمها المعادية للإنسانية.

10- ظهور حركات مناهضة لتواجد المسلمين فى أوروبا، مثل حركة “بيجيدا ” المعادية للمسلمين والتى نجحت فى حشد مظاهرات وصلت أعدادها إلى ما يتعدى 20 ألف متظاهر ينددون بوجود المسلمين فى بلادهم وفى أوروبا .

11- فوضى استخدام الأخبار المغلوطة على مواقع التواصل الاجتماعى وهو ما أدى الى زيادة الأخبار التى تستهدف الإسلام والمسلمين مع صعوبة التثبت من حقيقتها وصحتها .

12- انتشار العلمانية فى المجتمع الأوروبي وتنامي خطابات ومناقشات تؤيد الحداثة وترفض الدين بشكل عام.

13- ندرة الدراسات والاستبيانات التى تقيس حجم وتداعيات ظاهرة ” الاسلاموفوبيا ” على المسلمين وتأثيرها عليهم ، فأغلب الدراسات والإحصائيات التى تمت فى هذا الشأن قامت بها هيئات ومؤسسات أوروبية ونادرا ما توجد دراسة أو إحصائية قامت بها جهة إسلامية معنية تقيس حجم الظاهرة وآثارها.

 سادسا: جهود الدولة المصرية فى مواجهة “الإسلاموفوبيا”

تُحذر الدولة المصرية من التداعيات الخطيرة والسلبية لمظاهر ازدراء كافة الأديان والإساءة لمعتنقيها وتدنيس مقدساتهم،  وما تؤدى إليه من تنامى ظاهرة الإسلاموفوبيا وإثارة خطاب الكراهية والتطرف وتشجيع المساعي والأفكار الهدامة الساعية لهدم روابط التواصل الحضاري بين شعوب ومجتمعات العالم.

وتؤكد فى البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية ضرورة اتخاذ سلطات الدول الإجراءات الكفيلة بمنع تكرار حوادث الاعتداء على المسلمين ومقدساتهم، ومحاسبة مرتكبيها، وذلك سعياً للحفاظ على ثقافة التسامح ومبادئ التعايش السلمي والحوار وقبول الآخر.

وتجدر الإشارة إلى أن مصر تمتلك أكبر مؤسسة دينية فى العالم على الإطلاق وهى الأزهر الشريف الذى يمتاز بمنهجه القويم المعتدل، والذى يحرص دائما على الحفاظ على وسطية الإسلام ومقاومة ادعاءات الغرب ومحاولاتهم النيل منها، والتصدى لنشر ثقافة التخويف من الإسلام “الإسلاموفوبيا” من خلال الفكر والمناقشة واتخاذ عدد من الإجراءات التنفيذية كان فى مقدمتها ما يلى :

1- إنشاء “مرصد الأزهر العالمي لمكافحة التطرف” باثنتي عشرة لغة.

2- إنشاء “مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية” باللغة العربية وعدد آخر من اللغات منها: الإنجليزية والفرنسية والألمانية للقضاء على فوضى الفتاوى، والرد الواعي والفوري على الفتاوى الشَّاذة والمُتطرفة.

3- إنشاء “مركز الأزهر للترجمة” ليكون معنيا بترجمة الكتب التي من شأنها توضيح صورة الإسلام الحقيقية بإحدى عشرة لغة، وإرسالها إلى سفارات الدول الأجنبية والمنظمات الدولية في مصر وخارجها.

4- إنشاء “مركز حوار الأديان بالأزهر الشريف” ليكون بمثابة انطلاقة جديدة تعتمد الحوار الفكري والديني والحضاري مع أتباع الأديان والحضارات الأخرى سبيلًا للتوافق والتعايش، وللتأكيد على أنه لا سبيل للتعارف والسلام إلا بالجلوس على مائدة الحوار، وفتح قنوات اتصال بين مركز الحوار بالأزهر والمراكز المُهتمة بالحوار في مختلف دول العالم.

5- إنشاء “وحدة بيان” التابعة لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية لدحض الأفكار المشوِّهة لتعاليم الإسلام، ومجابهة للفكر اللاديني.

6- إيفاد “قوافل السلام الدولية” إلى العديد من دول العالم بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين لتعزيز السِّلم، ونشر ثقافة التسامح والعيش المشترك.

7- إرسال “البعثات الأزهرية” لأكثر من 80 دولة، لنشر العلم الإسلامي الوسطي المُستنير.

8- إطلاق “مشروع حوار الشَّرق والغرب”، ليكون النَّواة الأساسية لمفهوم التَّعددية والتَّكامل بين الشَّرق والغرب، وكان من أهم فعالياته “الملتقى الأول للشباب المسلم والمسيحي” الذي شارك فيه خمسون شابًّا من مختلف دول العالم.

9- إنشاء “أكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة والوعاظ والمُفتيين المصريين والوافدين”؛ لتعزيز وسطية الإسلام ونشرها -من خلال هؤلاء السفراء الأزاهرة الوسطيين- في ربوع العالم أجمع.

كما قامت أيضا دار الإفتاء المصرية بإنشاء مرصد ” الإسلاموفوبيا ” الذى يقوم بدروه برصد حالات العنصرية والتمييز التى تمارس ضد المسلمين فى كل دول العالم وتقديم المعلومات الصحيحة حول تعاليم الدين الإسلامى والرد على الإدعاءات والشبهات التى قد يطلقها البعض للتشكيك فى صحيح الدين وتبرير محاولات التمييز ضد المسلمين . 

سابعا: مقترحات للقضاء على ظاهرة “الإسلاموفوبيا”

نظرا لخطورة الظاهرة، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا حددت فيه يوم 15 مارس من كل عام بوصفه اليوم الدولى لمكافحة كراهية الإسلام حيث يتزامن هذا اليوم مع ذكرى الجريمة الارهابية التى وقعت فى نيوزيلندا عندما اقتحم يمينى متطرف مسجدين فى مدينة كرايست تشيرش وأطلق النار على المصلين، ما أدى إلى مقتل 51 شخصا وجرح آخرين.

كما أن تداعيات ظاهرة ” الإسلاموفوبيا” لم تعد تؤثر على الجاليات المسلمة فى الغرب فحسب، بل امتدت إلى علاقات الدول بعضها ببعض، ومن ثم بات من الضروري بذل المزيد من الجهود لمواجهة هذه الظاهرة، ويمكن أن يتم ذلك من خلال مجموعة الآليات والمقترحات التالية:

1- اعتبار السلوكيات العدائية ضد الإسلام والمسلمين “الإسلاموفوبيا” جريمة  يُعاقب عليها القانون الدولى.  

2- سن تشريعات محلية داخل الدول وإبرام اتفاقيات دولية تستهدف معاقبة الجماعات المتطرفة والعنصرية التي تمارس مظاهر عدائية ضد المسلمين على الأرض وافتراضيا، وتضمن معاقبتهم على الجرائم العنصرية المُرتكبة.

3- وضع تعريف محدد تتفق عليه دول العالم فيما يتعلق بمصطلح الإسلاموفوبيا حتى يسمح للمسلمين بالإبلاغ عن أى جرائم يتعرضون لها، فعدم وجود تعريف محدد ساهم في انتشار الظاهرة على نحو كارثي.

4- مضاعفة الجهود لتعريف الآخرين بالدين الإسلامي الحنيف، إذ نرى أن أفضل السبل لمواجهة ظاهرة الخوف من الإسلام بعث الحياة في الجوانب الحضارية لذلك الدين، عبر إبراز أبعاده المشرقة وتجليتها للعالم.

5- إلزام المجتمع الدولى باعتماد سياسات أو خطة عمل دولية من أجل التصدى للتمييز والتحامل على أساس الدين خاصة الدين الاسلامى.

6- فتح قنوات اتصال بالمجتمع المدنى فى الدول الغربية والمهتمة بمكافحة التمييز العنصري والكراهية والإساءة للأديان، بهدف التعريف بقيم الإسلام ، وتشجيع إقامة حوار عالمي بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات.

7- تفعيل الأدوار السياسية والاجتماعية للجاليات المسلمة باعتبارهم جزء من نسيج المجتمع وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية.

8- تقديم المؤسسات الدينية الكبرى والمعنية تفسيرا واضحا ومتفق عليه لبعض النصوص الإسلامية التى تستغلها الجماعات الارهابية كستار لأعمالها الاجرامية .

9- ضرورة مكافحة المعلومات المضللة والمعادية للإسلام، وإلزام شبكات التواصل الاجتماعى بإزالة كل محتوى يحمل تمييزا ضد الاسلام والمسلمين أو يحض على كراهيتهم أو إيذائهم.

10- تعزيز الحملات الإعلامية الرامية إلى زيادة الوعى بخطر الإسلاموفبيا وتعزيز الصورة الإيجابية للإسلام، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتقديم أعمال درامية تعكس الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين.

11- ترجمة الفتاوى والكتب المرجعية التى ترد على أنصار الإسلاموفوبيا إلى لغات مختلفة.

12- التوسع فى إجراء الدراسات والبحوث الميدانية والمسوحات الخاصة بحجم تعرض المسلمين للتمييز وخطاب الكراهية والاعتداءات النفسية والجسدية، على أن يتم نشرها بشكل دوري.  

المصادر

1- رابح زغوني (2014)، الإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف فى أوروبا: مقاربة سوسيوثقافية، بحث نشر في مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان.

2- حسناء عبد الله صالح(2020)، ظاهرة الإسلاموفوبيا (المفهوم، النشأة، أبرز الجهات المساهمة فى إذكاء الظاهرة)، مجلة الذخيرة للبحوث والدراسات الإسلامية، جامعة أم درمان الإسلامية، السودان.

3-وسام مسعد حجازي (2016)، الإسلاموفوبيا وأبعادها فى النظام الدولي، دار النشر للجامعات.  

4-تقرير المقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد (2021)، “مكافحة كره الإسلام/الكراهية تجاه المسلمين لأجل القضاء على التمييز والتعصب القائمين على أساس الدين أو المعتقد”، مجلس حقوق الإنسان.

5- الإسلاموفوبيا فى أوروبا، تقرير 2022، متاح على الرابط التالي: https://islamophobiareport.com/en/

6- الموقع الرسمى للأمم المتحدة.

7- الموقع الرسمى لمفوضية حقوق الإنسان.

8- موقع منظمة التعاون الاسلامى.

9- الموقع الرسمى لمشيخة الأزهر.

10- الموقع الرسمى لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف.

11- الموقع الرسمى لدار الإفتاء المصرية.

 

 

 

 

The post “الإسلاموفوبيا” وعنصرية الغرب..قراءة فى المؤشرات والأسباب appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
6988
العنف الرقمي ضد المرأة .. مؤشرات ومقترحات https://draya-eg.org/2023/02/18/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d9%85%d9%8a-%d8%b6%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d9%85%d9%82%d8%aa%d8%b1%d8%ad%d8%a7-2/ Sat, 18 Feb 2023 11:55:24 +0000 https://draya-eg.org/?p=6461 The post العنف الرقمي ضد المرأة .. مؤشرات ومقترحات appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>

The post العنف الرقمي ضد المرأة .. مؤشرات ومقترحات appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
6461
العنف الرقمي ضد المرأة: مؤشرات ومقترحات https://draya-eg.org/2023/01/06/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d9%85%d9%89-%d8%b6%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d9%85%d9%82%d8%aa%d8%b1%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d8%a9/ Fri, 06 Jan 2023 22:56:11 +0000 https://draya-eg.org/?p=6221 يُعتبر العنف الموجه ضد النساء من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا على مستوى العالم ، وينتج عنه أذى أو معاناة جسدية أوجنسية أو عقلية للمرأة، وتتنوع وسائله وأدواته مع مرور الزمن وتنامي الثورة المعلوماتية والتكنولوجية التى يشهدها العالم. ومن أخطر أنواع العنف التى باتت تواجه النساء مؤخرا مع تزايد نطاق الإنترنت، “العنف الرقمي” أو ما …

The post العنف الرقمي ضد المرأة: مؤشرات ومقترحات appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
يُعتبر العنف الموجه ضد النساء من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا على مستوى العالم ، وينتج عنه أذى أو معاناة جسدية أوجنسية أو عقلية للمرأة، وتتنوع وسائله وأدواته مع مرور الزمن وتنامي الثورة المعلوماتية والتكنولوجية التى يشهدها العالم.

ومن أخطر أنواع العنف التى باتت تواجه النساء مؤخرا مع تزايد نطاق الإنترنت، “العنف الرقمي” أو ما يُطلق عليه ” العنف الإلكتروني” والذى تقع ضحيته النساء المستخدمات بشكل خاص لمواقع التواصل الاجتماعى حيث تتقاطع الحياة الافتراضية مع الواقعية وتنكسر القيود وتتلاشى الخصوصية، ما قد يمثل تهديدا للاستقرار المجتمعي بشكل عام.

ونظرا لتنامي هذا الشكل من العنف وتداعياته الخطيرة على المجتمعات، يُصدر المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية ” دراية ” هذا التقرير الذى يتناول بشكل مُفصل تعريف مفهوم ” العنف الرقمى ” وأنواعه وتداعياته ومؤشراته على المستوى العربي والمحلي، فضلا عن جهود الدولة المصرية فى مواجهة هذه الظاهرة، وتقديم بعض المقترحات التى قد تُسهم فى الحد منها. 

يتناول التقرير هذه القضية من خلال المحاور التالية:

أولا : مفهوم العنف الرقمى

ثانيا : سمات العنف الرقمي وأنواعه

ثالثا: تداعيات العنف الرقمي على النساء

رابعـا: مؤشرات انتشار العنف الرقمي ضد المرأة عربيا ومحليا

خامسا: جهود الدولة المصرية فى مواجهة العنف ضد النساء

سادسا: مقترحات لمواجهة العنف الرقمي ضد النساء

أولا: مفهوم العنف الرقمى ضد النساء

عرفت الأمم المتحدة العنف ضد النساء بشكل عام على أنه ” أي فعل من أفعال العنف القائم على النوع الاجتماعي يؤدي أو من شأنه أن يؤدي إلى أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو عقلية للنساء والفتيات، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأفعال أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء في الحيز العام أو الخاص. يشمل العنف ضد النساء والفتيات، على سبيل المثال لا الحصر، العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يحدث في الأسرة أو داخل المجتمع العام، والذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه”.

وانطلاقا من حقيقة أن العنف الرقمي المُمارس ضد المرأة يعد امتدادا وتكريسا للعنف الموجهه ضدها فى العالم الواقعى، يُمكن تعريف العنف الرقمي على أنه ” السلوك المُتعمد الذى يقوم به فرد أو مجموعة أفراد عبر أحد تقنيات مواقع التواصـل الاجتمـاعى الإلكترونى وأدواتها المختلفة بهدف الإيذاء المـادى أو المعنوى للآخرين”.

كما يمكن تعريفه على أنه أى عمل من أعمال العنف ضد المرأة يتم ارتكابها باستخدام الهواتف المحمولة، أو الإنترنت، أو الرسائل النصية، أو البريد الإلكتروني، أو وسائل التواصل الاجتماعي .

ثانيا: سمات العنف الرقمي وأنواعه

لقد فرضت التطورات التكنولوجية المتلاحقة عددا من السمات للعنف الرقمى أو الإلكترونى جعلته أشد تأثيرا على الضحايا من النساء من الأشكال الأخرى للعنف ، يمكن إيجازها فى الصفات التالية :

1- أشد قسوة فى تداعياته من أساليب العنف التقليدى : يتمتع الجناة فى هذا النوع من الجرائم بإمكانية إخفاء أسمائهم وهوياتهم الحقيقية ، ولا يُعرف حجم تأثير جرائمه على الضحية والتى قد تؤدى فى بعض الأحيان الى الانتحار خوفا من الوصم والتمييز أو التشهير التى قد تتعرض له الأنثى أو أسرتها.

2- عالمى وعابر للحدود : هذا النوع من العنف المُوجه ضد المرأة لا تمنعه حدود المكان أو الزمان، كما يستخدم التقــدم التكنولوجى فى تنويع شكل ومضمون الممارسات العنيفة والعدوانية وغير المشروعة فى أى وقـت ، متجاوزة الحدود الجغرافية والزمنية بدون أى قيود .

3- دائم التطور والاستمرار: يتطور العنف الإلكترونى بشكل مستمر مع تطور الأساليب التكنولوجية الحديثة التى تساعد على بقاء أثر هذا العنف لوقت طويل، كمـا أنهـا سلوكيات مستمرة فى معظم أحوالها كما فى حالات السب والقذف والتشهير مالم يتم ضـبط الفاعـل والتدخل الفنى لإنهاء هذه الجرائم.

4- سهولة حدوثه وسرعة انتشاره: وذلك بسبب سرعة انتـشار المعلومـات الخبيثـة والكاذبة والــشائعات وســهولة الوصــول إليها  وغالباً مـاتكون غيـر قابلة للاسترجاع، فبمجرد نشرها على الإنترنت لا يـستطيع الجـانى إيقافهـا.

5- غياب التفاعل الجسدى: لا يوجـد تفاعـل جسدى بين الأطراف المتواصلة (الجانى- المجنى عليه)، ولا تتطلب طاقـة كبيـرة فـى مواجهة الضحايا مثل العنف التقليدى، كما تعتمـد على المهارة والكفاءة الذهنيـة والعقليـة وليـست الجسدية.

6- سهولة الوصول الى الضحية وصعوبة دفاعها عن نفسها : مكنت وسائل التواصل الاجتماعى الجناة من الوصول إلى الضحية فى أى وقت وفى أى مكان ، وفى نفس الوقت جعلت دفاع الضحية عن نفسها أو تجنبها لهذا النوع من العنف أمرا غاية فى الصعوبة .

هذا وقد حددت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أنواع العنف الرقمي المُوجه ضد النساء فى 6 أشكال كالتالي:

1- الاختراق : حيث يتم استخدام التكنولوجيا للوصول بصورة غير قانونية أو غير مصرح بها إلى الأنظمة أو الحسابات الخاصة بالمرأة لغرض الحصول على المعلومات الشخصية أو تغيير أو تعديل المعلومات الخاصة بها، أو الافتراء وتشويه سمعة الضحية المستهدفة.

2- الانتحال : حيث يتم استخدام التكنولوجيا لحمل هوية الضحية أو شخص آخر من أجل الوصول إلى معلومات خاصة أو إحراج الضحية أو إلحاق العار بها، أو التواصل معها أو إنشاء وثائق هوية مزورة .

3- التتبع : حيث يتم استخدام التكنولوجيا لمطاردة ورصد أنشطة الضحية وسلوكياتها، إما فى وقت حدوثها أو التى وقعت فى وقتٍ سابق. 

4- التحرش: حيث يتم استخدام التكنولوجيا للاتصال المستمر والإزعاج والتهديد أو تخويف الضحية، على أن يكون هذا السلوك متكررًا ومستمرًا وليس حادثًا واحدًا، وذلك عن طريق المكالمات المستمرة أو الرسائل النصية أو البريد الصوتى أو الإلكترونى.

5- التوظيف: حيث يتم استخدام التكنولوجيا لجذب الضحايا المحتملين فى حالات العنف، على سبيل المثال وظائف احتيالية وإعلانات سواء على مواقع التواصل أو مواقع فرص العمل.

6- توزيع مواد مزعجة:استخدام التكنولوجيا لمعالجة وتوزيع مواد تشهيرية وغير قانونية متعلقة بالضحية.

ثالثا: تداعيات العنف الرقمي على النساء

عادة ما تؤدى تداعيات العنف الرقمى على النساء إلى نتائج تفوق فى تأثيراتها السلبية أنواع العنف التقليدية..ويأتى فى مقدمتها :

1- التداعيات النفسية : عادة ما تعنى النساء اللاتى تعرضن لنوع أو أكثر من أشكال العنف الالكترونى من الاكتئاب والانعزال والشعور بالوصم والخزى وفى بعض الأحيان قد يلجأن إلى الانتحار .

2-التداعيات الاجتماعية : عادة ما تفضل أسر الضحايا عدم الإفصاح عن الجرائم الإلكترونية التى تتعرض لها فتياتها خوفا من نظرة المجتمع والمحيطين وتنامى الشكوك حول سلوكيات هذا الفتيات ، فيلجأون إلى الصمت مع الإحساس بالقهر الاجتماعى وعدم القدرة على معاقبة الجناة الذين أساءوا لنسائهم ، وهو الأمر الذى يعمق مشاعر الغضب داخل هذه المجتماعات لاسيما المجتمعات العربية المُحافظة .

3- التداعيات الاقتصادية : قد يؤدى العنف الرقمى والتشهير بالضحية إلى فقدانها للعمل وتقليص فرصتها فى الإلتحاق بعمل آخر ، ويزداد الأمر قتامة إذا كانت الضحية سيدة تعول الأسرة ،فتعرضها لهذا النوع من الجرائم وعدم قدرتها على الدفاع على نفسها يجعل وضع الأسرة الاقتصادى غاية فى الصعوبة ويؤثر بشكل مباشر على الأبناء . 

رابعا: مؤشرات انتشار ظاهرة العنف الرقمي ضد المرأة عربيا ومحليا

أوضح صندوق السكان التابع للأمم المتحدة فى إحصاءه الأخير أن  معدل الانتشار العالمي للعنف الرقمي ضد النساء والفتيات يبلغ 85٪، ويشمل ذلك النساء اللواتي عانين منه شخصيًا أو شهدنه ضد نساء أخريات.

1-العنف الرقمي ضد النساء على الصعيد العربي:

أوضحت نتائج دراسة استقصائية أجراها المكتب الإقليمى التابع لهيئة الأمم المتحدة للمرأة فى الدول العربية فى مايو 2020 عبر الإنترنت فى 9 دول (المغرب وليبيا وتونس والأردن وفلسطين ولبنان والعراق واليمن) لإلقاء الضوء على تزايد حالات العنف أثناء جائحة كورونا والمواقف المتخذة إزاء العنف، أوضحت أن العنف على الإنترنت كان أكثر أشكال العنف التى تم الإبلاغ عنها خلال الأشهر الأولى من الجائحة، وجاءت على النحو التالي:  

  • 49 % من مستخدمات الإنترنت في الدول العربية أبلغن عن عدم شعورهن بالأمان بسبب التحرش عبر الإنترنت.
  • 16 % من النساء في الدول العربية أبلغن عن تعرضهن للعنف على الإنترنت على الأقل مرة واحدة في حياتهن.
  • 60 % من النساء اللاتي تعرضن للعنف على الإنترنت في المطلق، تعرضن له خلال جائحة كورونا.
  •  نساء العراق الأعلى فى معدلات التعرض للعنف الرقمى بنسبة 70.4%، تليها نساء اليمن بواقع 62.3% ثم نساء الأردن بواقع 60.4% كما يوضح الشكل التالي:

شكل رقم (1) نسبة النساء اللاتي سبق لهن التعرض لعنف عبر الإنترنت

  • 44 % من النساء اللاتي تعرضن للعنف عبر الإنترنت تعرضن له أكثر من مرة.
  • أكثر أشكال العنف الرقمي شيوعا هو تلقي صور أو رموز غير مرغوب فيها ذات محتوى جنسي بنسبة وصلت لـ43%، تليها مكالمات هاتفية مضايقة أو اتصالات غير لائقة بنسبة 38%، و تلقي رسائل مهينة بنسبة 35%، والابتزاز الجنسي المباشر بنسبة 22%.
  • الفيس بوك المنصة الأولى التى تتعرض فيها النساء للعنف بواقع 43% يليها الإنستجرام بواقع 16% ثم الواتساب بواقع 11% كما يوضح الشكل التالي:

شكل رقم (2) المنصات التي تتعرض فيها النساء في الدول العربية للعنف على الإنترنت             

  • 12 % من النساء اللاتي تعرضن للعنف على الإنترنت أبلغن بتعرضهن للعنف البدنى بعد إبلاغ الأسرة بالواقعة.
  • 35 % من النساء اللاتي تعرضن للعنف على الإنترنت أبلغن عن شعورهن بالحزن والاكتئاب، من بينهم نحو 35 % أبلغن بأنهن فقدن الثقة في الأشخاص من حولهن، فيما أبلغت 12 % من النساء أنه قد راودتهن أفكار انتحارية نتيجة واقعة عنف على الإنترنت.
  • فى أعقاب التعرض للعنف الرقمي، طُلب من 36 % من النساء اللاتي تعرضن للعنف على الإنترنت تجاهل الأمر، وأُلقي اللوم على 23 % منهن، وطُلب من 21 % منهن حذف حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعرض نحو 12% للعنف البدني من قبل العائلة، كما يوضح الشكل التالي:

شكل رقم (3) آثار العنف الرقمي على حياة النساء

  • 51 % من النساء يؤكدن أن الهجوم عليهم عبر الإنترنت كان “بلا سبب محدد”، فيما اعتقد نحو 23% منهن أن السبب هو مظهرهن الخارجي، ونحو 16% أن السبب يكمن وراء مناصرة حقوق المرأة.

2- العنف الرقمي ضد المرأة فى مصر                  

شهد المجتمع المصري تطورات تكنولوجية كبيرة ومتلاحقة فى السنوات الأخيرة وأصبح التحول الرقمي أولوية لدى أجهزة الدولة المصرية، الأمر الذى أتاح لغالبية الأفراد استخداما متزايدا للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى حيث أصبحوا يقضون عليها معظم أوقاتهم ويتشاركون حياتهم الخاصة عبرها، مما تزامن معه زيادة فى معدلات تعرض النساء للعنف الإلكترونى.   

وبحسب بيانات وزارة الاتصالات، بلغت نسبة النساء اللاتى يستخدمن الإنترنت فى الاتصال بالآخرين من خلال الشبكات الاجتماعية مثل “فيسبوك” و”تويتر” نحو 91.2%، مقابل 94.87% للذكور.

كما كشف أحدث تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت عن طريق التليفون المحمول بنسبة زيادة 12.5% خلال أول 10 شهور من 2022 ، حيث بلغ عدد مستخدمي الإنترنت خلال أول 10 أشهر من 2022 نحو 69.5 مليون مستخدم مقابل 61.8 مليون مستخدم خلال نفس الفترة من عام 2021.

وتشير هذه النسب الكبيرة لاستخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إلى تزايد احتمالية تعرض النساء فى المجتمع المصري  للعنف الرقمي. وهو ما أكده استطلاع رأي أجرته هيئة بلان الدولية والذى نشرته وزارة التضامن الاجتماعي عبر موقعها الإلكتروني، حيث أشار إلى ارتفاع نسب الفتيات فى مصر اللاتى تعرضن للتحرش الإلكتروني وهو شكل من أشكال العنف الرقمي.

كشف الاستطلاع عن أن نحو 50 % من الفتيات أفدن بتعرضهن للتحرش الإلكتروني (شكل من أشكال العنف الرقمي) بكثافة أعلى من التحرش بالشارع، وأشار إلى أن التحرش الإلكتروني للفتيات يبدأ من سن 8 سنوات وتتعرض غالبية الفتيات للمضايقات الإلكترونية بين سن 14-16 عاما.

كما أفاد أن نحو 58 % من الإناث في مصر تعرضن للتحرش الإلكتروني، وحوالي 24 % من الفتيات اللاتي تعرضن للمضايقات الإلكترونية يشعرن بعدم الأمان الجسدي، ونحو 42 % منهن يعانين من آثار نفسية وعاطفية، و42 % يفقدن احترام الذات أو الثقة بالنفس، و18 % منهن لديهن مشاكل في المدرسة.

خامسا: جهود الدولة فى مواجهة العنف الرقمي ضد النساء

تحظى قضية مناهضة والقضاء على العنف ضد المرأة بجميع أشكاله باهتمام كبير من الدولة حيث تعمل أجهزة الدولة كافة على الحفاظ على حقوق المرأة وعدم النيل منها بأى صورة من الصور،  وذلك على النحو المنصوص عليه في دستور 2014 والذى تضمن العديد من المواد التى تكفل تمكين المرأة وحماية حقوقها. وتأتي أبرز الجهود كالتالي:

1- عكف المُشرع المصري على إصدار قانون خاص بالتحرش الإلكتروني وقد وصف المشرع التحرش بأنه كل تعرُض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة، بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة تقنية أخرى.

 ووضع له عقوبات تحقيقا للردع الخاص والعام وقد تدرج فى عقوبة الحبس ما بين السنتين والأربع سنوات كما تدرج فى الغرامة ما بين 100 ألف جنيه إلى 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وقد شدد المشرع العقوبة فى حالة تكرار الفعل إلى الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه، ولا تزيد على ثلاثمائة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

2- يعمل حاليا المشرع المصري على تعديل القانون رقم 175 لعام 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات ليجعله متواكبا مع التطور التكنولوجي فى العصر الحالي للتصدى لجرائم الابتزاز الشخصي التى يعاني منها أفراد المجتمع وخاصة الفتيات فى ظل المنظومة الاجتماعية فى الوطن العربي حيث تخضع الفتيات للكثير من القيود والضوابط التى تجعلن عرضة للضغوط مما يسهل ابتزازهن والضغط عليهن.

ولهذا، فكر المُشرع فى تعديل المادة (25)التى تتعلق بحرمة الحياة الخاصة والاعتداء عليها من خلال التصوير أو التسجيل أو التصنت دون علم أو موافقة الشخص أو فى غير الحالات المُصرح بها قانونا أو القيام بنشر معلومات أو أخبار أو صور تنتهك خصوصية الغير دون رضاه سواء أكانت تلك المعلومات صحيحة أو غير صحيحة.

وكذا المادة (26 ) التى تتعلق باستخدام البرامج والتقنيات المعلوماتية الحديثة وإمكانية تغيير الواقع الذى من شأنه المساس باعتبار وشرف وشخص الإنسان مما يعرضه للابتزاز والتهديد.

3- إطلاق الاستراتیجیة الوطنیة لمكافحة العنف ضد النساء 2015-2020 تلبية لاحتياجات المجتمع في مواجهة العنف ضد المرأة بكافة أشكاله وصوره، وذلك من خلال أربعة محاور رئيسية: الوقایة، والحمایة، والتدخلات والملاحقة القانونیة.

4- عملت وزارة الداخلية على التصدي بحزم لممارسات العنف ضد المرأة بشكل عام والرقمي بشكل خاص، وذلك من عدة أوجه :

  • تخصيص وحدات خاصة بأقسام الشرطة لمواجهة العنف ضد النساء، حيث تم تعيين ضابطات شرطة لفحص الوقائع المتعلقة بهن .
  • زيادة عدد الدوريات المخصصة للتدخل السريع استجابة لأى اتصالات طارئة تتعلق بالعنف ضد النساء.
  • تنظيم دورات بأكاديمية الشرطة فى مجال مكافحة جرائم العنف ضد النساء مع استعراض لأفضل الممارسات الدولية حول آليات المواجهة والتعاون والدعم للحد من تلك الجرائم.
  • تخصيص غرفة عمليات لتلقى شكاوى التحرش – ومن بينها التحرش الالكترونى – من خلال الخطوط الساخنة المخصصة لهذا الغرض.

5- قيام المجلس القومى للمرأة بإنشاء وحدات مناهضة للعنف ضد الفتيات بالجامعات المصرية بالتعاون مع وزارة التعليم العالى وصندوق الأمم المتحدة للسكان بهدف دعم المفاهيم الأساسية للمساواة وتكافؤ الفرص لتحقيق التمكين والدعم النفسى والاجتماعى للمرأة حيث تم بالفعل إنشاء ودعم 23 وحدة على مستوى الجامعات الحكومية و3 وحدات بالجامعات الخاصة.

6- إنشاء مرصد المرأة المصرية بهدف متابعة تنفيذ المستهدفات الخاصة بوضع المرأة في الفترة من 2015 إلى 2030 من خلال:

-إعداد مجموعة من التقارير الدورية حول وضع المرأة المصرية وفجوة النوع الاجتماعي

– حصر وعرض القوانين المتعلقة بالمرأة.

– قياس التقدم المحرز فى كافة المجالات المتعلقة بتمكين وحماية المرأة من خلال متابعة قيم مؤشرات متابعة الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 ومؤشرات التنمية المستدامة المتعلقة بالمرأة.

7- إطلاق عدد من الحملات التى يمكن من خلالها التصدي للعنف وخاصة الرقمي وأبرزها:

– حملة ” ما تسكتيش ” بالطرق السريعة وتصميم وإذاعة الإعلانات المسموعة والمرئية للتشجيع على الإبلاغ عن حالات التحرش.

– حملة ” اتكلمى..احم نفسك وغيرك ” لزيادة الوعى بالمخاطر الإلكترونية وسبل الإبلاغ عن العنف الرقمى.

– إطلاق حملة ” السكة أمان” بمحطات السكك الحديدية للتوعية بأشكال العنف ضد المرأة .

8- لعب الإعلام دورا بارزا فى ذلك الشأن حيث أنشأ منصات للتواصل الاجتماعي بهدف محو الأمية الرقمية ونشر التوعية بخطورة الجرائم الإلكترونية والعنف الرقمى الذى قد تتعرض له النساء وكيفية حماية الأجهزة الرقمية من الاختراق وسرقة المعلومات الشخصية.

سادسا: مقترحات لمواجهة العنف الرقمي ضد النساء

بذلت الدولة المصرية جهودا مضنية خاصة فى ظل القيادة السياسية الحالية لتمكين المرأة والحفاظ عليها من أى عنف قد تتعرض له. وقد كانت توجيهات القيادة السياسة دافعا لكافة أجهزة الدولة لإسراع الخطى فى هذا الشأن، إلا أن هناك مقترحات يمكن أن تسهم فى الحفاظ على المرأة ضد العنف الرقمي :  

1-مخاطبة نواب الشعب وذلك لإصدار قوانين لمجابهة التطور التكنولوجى وما يمثله من خطورة فى ابتزاز وممارسة العنف ضد النساء، مع مطالبات بضرورة تصنيف العنف الأسرى والرقمى كجريمة مخلة بالشرف وينبغى تسجيلها فى صحيفة الحالة الجنائية فى حالة التكرار.

2-قيام المؤسسات الدينية، الأزهر والكنيسة، بتصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة حول طبيعة المرأة وكيفية التعامل معها بما يحفظ لها كرامتها ودون النيل منها، والتأكيد على منع تعرض النساء للعنف بكافة صوره وأشكاله بما يتفق مع مقاصد الدين والعرف فى المجتمع.

3-ضرورة قيام وسائل الإعلام بإعداد برامج تثقيفية سواء للنساء لمعرفة حقوقهن وكيفية الحصول عليها، أو للشباب والرجال لمعرفة كيفية التعامل الصحيح مع النساء دون الإضرار بهن وتعرضهن للأذى النفسي والمادي . فضلا عن الدور التوعي الهام بشأن القوانين المتعلقة بظاهرة العنف الإلكتروني حتى لا يعتقد البعض أنه عند ممارسته لهذا النوع من العنف سيكون بعيدا عن طائلة القانون والمحاسبة.

4-تشديد الرقابة على المحتوى الإعلامى والدرامي، وحذف أى  مظاهر تروج للعنف بكافة صوره وأشكاله، مع إبراز الجانب الإيجابي للعلاقات الإنسانية.

5-تأسيس وحدة لرصد العنف ضد النساء فى الإعلام، ويمكن أن تسهم التحليلات التى تصدرها هذه الوحدة فى صياغة رسائل تتناول قضايا العنف ضد النساء وتساعد على التخطيط لحملة إعلامية وطنية تستهدف النهوض بالوعى العام حول التداعيات السلبية للعنف ضد النساء على الأسرة والمجتمع.

6-على الجهات المختصة بالشئون الاجتماعية والبحثية القيام بإجراء تحليلات ودراسات بشأن هذه الظاهرة، مع ضرورة توفير معلومات إحصائية دقيقة حول أشكال العنف الممارس ضد المرأة وعمليات التدخل اللازمة مع التحديث المستمر لنتائج المسوح الديموجرافية والصحية والبيانات المتعلقة بالجرائم الالكترونية بشكل خاص من أجل رصد الاتجاهات وتقييم التقدم فى مجال مناهضة العنف الرقمى ضد النساء .

المصادر 

1- العنف ضد المرأة فى الفضاء الرقمي: رؤى من دراسة متعددة الأقطار فى الدول العربية، هيئة الأمم المتحدة للمرأة

2- هيئة الأمم المتحدة للمرأة / تقرير العنف ضد المرأة فى الفضاء الرقمى / رؤى من دراسة متعددة الأقطار فى الدول العربية ، متاح على الرابط التالى :

https://arabstates.unwomen.org/sites/default/files/2022-02/Summary_Keyfindings_Arabic_Final_2022.pdf

3- موقع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء / دراسة محددات العنف الزوجى ضد المرأة فى مصر ، متاحة على الرابط التالى :

https://www.unicef.org/egypt/media/5391/file/Determinants%20of%20violence%20against%20women%20.pdf

4- الموقع الرسمى لليونسيف

5- تقرير الإستراتيجية الوطنية للقضاء على العنف ضد المرأة.

6- الموقع الرسمى لوزارة التضامن

7- الموقع الرسمى للمجلس القومى للمرأة

8- – الموقع الرسمى للأمم المتحدة

9- الموقع الرسمى لمجلس الوزراء ( مركز المعلومات ودعم واتخاذ القرار ) .

10- الموقع الرسمى لوزارة الاتصالات

 

 

The post العنف الرقمي ضد المرأة: مؤشرات ومقترحات appeared first on المنتدي الاستراتيجي للسياسات العامة و دراسات التنمية.

]]>
6221